الفصل 15 :
كلامه جعل داميان يدخل في حالة تفكير هو الآخر.
أما أنا، فاكتفيتُ بتدوير عينيّ قبل أنْ أفتح فمي.
“هل تسأل عن طريقة لقائهم، يا دي… حبيبي؟”
سرعان ما تحوّلت نظرات داميان إليّ.
رفع حاجبيهِ قليلًا وكأنّه تفاجأ، ثمّ سرعان ما ابتسم بلُطف.
“صحيح، يا زوجتي العزيزة.”
“ما رأيكِ أنْ تسأل شارلوت؟ فهي مَن حصلت على هَذهِ الأثر مؤخرًا.”
هزّ داميان رأسه نافيًا.
“لقد سألتها سابقًا، لكنها لم تكُن تعرف الكثير.”
“لكن النقابة التجارية التي تعاملت معها في الصفقة لا بدّ أنّها التقت بصائدي الكنوز، أليس كذلك؟”
“هل تقصدين أنْ نلجأ إلى النقابة؟”
بدأ داميان يعبثُ بشوكةٍ صغيرة أمامه.
“لقد جرّبتُ ذَلك مِن قبل، لكنهم لم يُفصحوا عن أيِّ معلوماتٍ بخصوص صائدي الكنوز.”
“ذِلك يعني…”
هل استخدم لقب البارون ويجيس أثناء محاولته تلكً؟
هممتُ بإتمام الجملة لكنّي بلعتُها سريعًا.
فميخائيل ما يزال موجودًا معنا على الطاولة.
وفوق ذَلك، إنْ كان داميان قد أصرّ على استخدام هويّة البارون حتى في أمرٍ له علاقة بشارلوت، فهَذا يعني أنّه لا يريد الإفصاح عن هويّته الحقيقيّة للعامة.
لا بدّ مِن وجود سببٍ خفيّ.
ساد صمتٌ ثقيل على الطاولة، ولحُسن الحظ لم يطل كثيرًا، فقد تنفّس داميان بعمق وقال:
“لا مفرّ إذًا. سأذهب إلى شارلوت للحظة.”
نهض مِن مقعده بخفة دوّن أنْ يُصدر صوتًا.
وحين هممتُ بالنهوض معه، تلاقت نظراتي بنظرات ميخائيل، فلوّح لي بيده بخجل وابتسم ابتسامةً صغيرة.
هَذا هو الشخص الذي قيل إنّه مَن قام بتقييم ذِلك الكتاب.
‘لحظةً واحدة.’
هل يُمكنني سؤاله إنْ كانت مذكّرتي أيضًا مِن أرض الموت أو مرتبطةً بها؟
بدلًا مِن النهوض، اكتفيتُ بالابتسام تجاه داميان وقلت:
“هل يُمكنني البقاء هنا؟ أرغبُ في الاستمتاع بالقليل مِن الهدوء.”
نظر داميان إليّ وإلى ميخائيل بالتناوب، ثمّ هزّ رأسه بعدما بدا له أنَّ لا شيء يدعو للقلق.
“حسنًا، هَذا أفضل. سأعود سريعًا.”
وبعد أنْ ابتعد عن الطاولة، التفتّ إلى ميخائيل.
كان ينظر إليّ بعينين متّسعتين، والآن بعد أنْ دقّقت النظر، بدت عيناه نضرتين ولطيفتين.
ابتسمتُ له.
“لديّ سؤالٌ أيضًا.”
“نعم؟”
بدت عليه المفاجأة، فارتفع صوته قليلًا.
‘إنْ كان يخاف بهَذا الشكل، فلا بدّ أنْ أحرص على ألّا أبدو مخيفةً له.’
“ليس بالأمر الكبير. لكنّ الكونتيسة اليوم عرضت شيئًا مثيرًا للاهتمام.”
غرق في التفكير، وظلّ ينظر عبر عدسة نظّارته بصمت.
“…آه، تقصدين ذَلك الكتاب.”
“هل جميع الكتب التي تبدو هًكذا مصدرها أرض الموت؟”
“تبدو بذَلك الشكل؟”
فتح عينيه مِن جديد بدهشةٍ، ثمّ قال بعدها:
“يُرجى مِن السيدة أنْ تتحدّث براحتها. فأنا مجرد رجلٍ مِن عامة الشعب.”
ثمّ مسح حلقه وابتسم بلُطف.
“هل رأيتِ مِن قبل كتابًا له نفس التصميم؟”
بما أنّه يسأل بهِذا الشكل، فهذا يؤكّد أنَّ مثل هَذهِ الكتب ليست شائعةً أبدًا.
نظرتُ إلى ملامح ميخائيل. عيونٌ هادئة بطرفٍ مائل قليلًا، خدودٌ محمرّة، وابتسامة بريئة.
مظهره كان خاليًا تمامًا مِن الخطر.
وهو مجرد مواطنٍ بسيط، وأنا أستخدم هويّةً مزيّفة، فلا بأس.
“الغلاف كان مطابقًا تمامًا.”
فتح ميخائيل فمهُ قليلًا مِن الصدمة، ثمّ أغلقه مُجددًا بصعوبة.
“هل لي أنْ أسأل أين حصلتِ عليه…؟ لا يبدو أنّكِ حصلتِ عليه مِن تقابة تجارية.”
صحيح، لو كنتُ قد حصلتُ عليه مِن النقابة لما اقترحتُ على داميان أنْ يسأل شارلوت.
“أوه، مربيتي السابقة أعطتني إيّاه قبل أنْ تترك العمل.”
كذبتُ كذبةً خفيفة، فاقتنع بها بسهولة.
“هَكذا إذًا.”
ورأيتُ في ذَلك فرصةً للسؤال الأهم:
“هل يُمكن اعتبار ذِلك الكتاب أيضًا مِن مقتنيات أرض الموت؟”
“في الواقع… لا أدري.”
لكن ميخائيل لم يستطع إعطاء إجابةٍ واضحة.
مال برأسه بتردّد.
“لو كان في الماضي، لَكان مِن الصعب العثور على كتابٍ مماثل… لكن بما أنّني لا أعرف ماهية المادة المصنوع منها تمامًا، فَمِن الصعب أنْ أجزم بشيء.”
“يبدو أنّكَ بحاجةٍ لرؤية النسخة بنفسكَ، أليس كذلك؟”
“بالطبع. في هَذا المجال، إنْ تهاونتُ في التقييم، فقد تكون العواقب وخيمة.”
ابتسم ميخائيل حتى غطّت الابتسامة جفنيه.
“رغم مظهري هَذا، إلّا أنّني مِن أولئكَ الذين مِن الصعب جدًا الحصول على موعد تقييمٍ معهم. أنا حقًا خبيرُ تقييمٍ محترف.”
نبرة صوتهِ كانت ناعمة، لكنّه تحدّث بفخرٍ واضح عن عمله.
“وبما أنّكِ ضيفةٌ عزيزة على السيّدة شارلوت، فسأقيّم الكتاب متى شئتِ إنْ عرضتِه عليّ. أشعر بعدم الارتياح لعدم قدرتي على إعطاء زوجكِ إجابةً مُرضية.”
ثمّ أمسك بكوب الشاي بيده الموضوعة على الطاولة، وكانت خصلات شعرهِ تتمايل برفق.
‘ماذا عليَّ أنْ أفعل؟’
لو كان مِن مخلّفات إمبراطورية السحر فعلًا، فقد أستطيع مٍن خلاله أنْ أفهم سبب تجسّدي في روزالين، ولماذا ظهرت تلكَ المذكرة أمامي تحديدًا.
‘لكن…’
كنتُ قد عقدتُ العزم على إحراقها إنْ لم تظهر فيها أيُّ معلوماتٍ جديدة حتى ليلة الزفاف.
فهل يُعدّ مهمًّا الآن أنْ أعرف مصدر تلكَ المذكرة؟
يبدو أنَّ حيرتي ارتسمت على وجهي، لأنّ ميخائيل سارع إلى إضافة كلامه.
“بالطبع، أعلم أنَّ الكتاب مهمٌّ جدًّا بالنسبة إليكِ، لذا خذي راحتكِ في تقديم الطلب. على أيِّ حال، سأقيمُ في هَذا القصر لبعض الوقت.”
“حقًّا؟”
يبدو أنّني أظهرتُ بعض الارتياح، فابتسم ميخائيل بوجهٍ أكثر إشراقًا وردّ بصوتٍ ناعم:
“نعم. وبالمناسبة، الأمر سرّ عن زوجكِ، أليس كذلك؟”
صُدمتُ حقًا هَذهِ المرّة.
لم أتمكّن مِن الرد، فقط حملقتُ فيه بصمت.
وضع يده خلف رأسهِ بخجل وقال:
“أعتذر إنْ كنتُ قد تماديت، لكنّكِ سألتِني فور مغادرة البارون، كما أنّكِ كنتِ تنظرين إليهِ بقلقٍ طوال الوقت…”
لم أجب.
ضمّ يدهُ بهدوء، ورفعها إلى فمه وتظاهر بالسعال.
“أرجو المعذرة، أرجو أنْ تغفري لي زلّة لساني.”
أدرتُ وجهي جانبًا.
حتى دوّن النظر إلى المرآة، كنتُ أعلم أنَّ زاوية فمي أصبحت مشدودة.
ظننته شخصًا ساذجًا قليلًا، لكنه يملك حدسًا قويًّا وموهبةً في الملاحظة، تمامًا كما يُفترض بأيِّ خبير تقييم.
“…رجاءً، لا تُخبر أحدًا بشأن الكتاب.”
نظرتُ إليه سريعًا بعد أنْ أنهيتُ كلامي، فهزّ رأسه موافقًا.
“بالطبع.”
لا أعلم لماذا، لكنّ حضوره فجأةً بات يُشبه رائحة الخشب المبلّل بندى الربيع.
***
بعد أنْ أنهى داميان حديثه مع شارلوت، غادرنا الصالة مبكرًا بعد أنْ قمنا بجولةٍ خفيفة بين المعروضات.
بمُجرّد أنْ ركبنا عربة القصر مُجددًا، التفت إليّ وسألني:
“عن ماذا كنتِ تتحدثين مع ذَلك الشخص؟”
رغم أنّه بدا غيرُ مهتم، إلا أنّه كان يُراقب عن كثب، على ما يبدو.
فتظاهرتُ بالبراءة وقلت:
“تحدّثنا عن الحلوى فقط.”
والواقع أنَّ معظم حديثنا بعد مغادرة داميان تمحور حول الحلويات فعلًا؛ البرالين، والماكرون، وغيرها.
رغم أنّني سألته عن أرض الموت سابقًا، لكن للأسف لم أحصل على شيءٍ مفيد.
<صحيح أنني أزور تلكِ المنطقة مِن وقتٍ لآخر، لكن لم أسمع عن أيِّ حوادثٍ مثيرةٍ فيها.>
لا حاجة لإخباره بذَلك، فغيّرتُ الموضوع بسرعة حتى لا يزيد فضوله.
“يبدو أنَّ طباخ الكونتيسة ماهرٌ جدًّا.”
“هل أعجبكِ الطعام؟”
“رغم ذِلك، طاهينا في القصر أفضل بلا شك.”
قلتُها بدعابة، فهزّ رأسه وكأنّه يوافقني، وكان يبدو في مزاجٍ جيد.
فاستغللتُ هَذهِ الفرصة لأسأله عن أمرٍ كان يخفيه.
انزلقت يدي نحو ثنايا فستاني، وسألتُه بينما أتعمّد النظر بعيدًا:
“هل تهتم بصائدي الكنوز، يا داميان؟”
“همم… أعتقد أنّني كذَلك.”
خلافًا لتوقّعاتي، لم يُخفِ نيّته بل أجاب بسهولة.
لكن… لماذا؟ هل يُحاول اكتشاف وجود القدّيسة مِن خلال الآثار؟
بدأتُ أشعرُ بالقلق.
“هل السبب هو تلكَ الآثار؟”
“هَذا أحد الأسباب، نعم.”
خفض صوتهُ فجأة.
رغم أنَّ العربة كانت معزولةً عن الأصوات، إلّا أنّه تصرّف وكأنّه يخشى أنْ يسمعه أحد.
“أفكّر في تحويلهم إلى وحدة نخبةٍ جديدة.”
الكلمات التي خرجت منه كانت كافيةً لتفسير خفضه لصوته.
“وحدةُ نخبةٍ جديدة…؟”
لكن هناك بالفعل وحدة نخبة مخصصة لأرض الموت.
ليست حامية القصر، بل نخبةٌ مِن المحاربين ذوي الخبرة العالية.
لكن مِن الواضح أنّه لا يتحدث عنهم.
تابع داميان كلامه بحماس:
“هم يعرفون تضاريس أرض الموت جيّدًا، وهَذا يعني أنّهم يملكون معرفةً عن الوحوش التي تعيش هناك أكثر منّا.”
ولأعرف مدى معرفتهِ وخطته الحقيقية، أظهرتُ دعمًا لكلامه.
“لو استثمرتَ معرفتهم، سيكون مِن الأسهل التصدّي للوحوش.”
“بالضبط. ومِن خلالهم يُمكننا أيضًا جمع الآثار وجمع أدلّة عن أرض الموت.”
كان حديثه منطقيًا.
كنتُ أعلم أنّه دائمًا يُخطّط بحذر، لكنّي لم أتوقّع أنّه قد فكّر بهَذهِ الطريقة أيضًا.
“أدلّة؟”
سألتُه متظاهرةً بالدهشة، فهزّ رأسهُ بعينين جادّتين.
“هل تعلمين أنَّ رقعة أرض الموت تزداد اتّساعًا شيئًا فَشيئًا؟”
بالطبع لا.
في السابق لم أكُن أعير تلكَ الأرض أيَّ اهتمام، وحتى بعد أن، استعدتُ ذاكرتي، كنتُ أستخفّ بالأمر.
ولا أزال كذَلك، حتّى الآن.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"