الفصل 12:
كان العشاء يسير بسلاسة. ولحسن الحظ، لم يحدث ما كان والدي يخشاه من وقوع تصرّفٍ يُسيء إلى الكرامة بشكلٍ خطير.
وحين انتهى الجميع من تناول الطعام وبدأت الخادمة تُقدِّم الحلوى، سألت الإمبراطورة بنبرةٍ خفيفة:
“آنسة روزالين، كنتِ تتجنبين الزواج طوال هذا الوقت، فهل طرأ تغييرٌ في مشاعركِ؟”
تلألأت عيناها الخضراوان بلمعانٍ مفعمٍ بالسرور. ولم تستطع حتى أنْ تُخفي ارتعاش زاويتي شفتيها المتكرّر.
كرّرتُ الكلمات نفسها التي قلتُها سابقًا لداميان.
“حين بلغتُ سنّ الزواج، بدأتُ أشعر بالوحدة، وفكّرتُ في رغبتي بتكوين أسرة.”
“همم، صحيح. لقد بلغتِ فعلًا السنّ المناسبة لذلك.”
لكن يبدو أنَّ إجابتي لم تَرُق لها، إذ سرعان ما عادت زاويتا شفتيها إلى الاستقامة. أخذت تتأمّلني بنظراتها، من قمة رأسي حتّى يدي الموضوعة برفقٍ على أدوات المائدة.
ثمّ أنهت الإمبراطورة الحديث ببرود.
“كنتُ أتساءل متى سيُكوِّن الاثنان أسرة. بهذا الشكل، سيُصبحان قدوةً لمواطني الإمبراطورية.”
ثم أضافت بتصنّع:
“وأمّكِ ستكون مسرورةً بذلك أيضًا.”
وعندما ذكرت والدتي، نظرت إلى والدي وابتسمت. وبما أنّني كنتُ جالسةً إلى جواره، فقد شعرتُ بذراعهِ ترتجف للحظة.
‘هل حدث شيء ما بين الكبار؟’
لقد رحلت والدتي ببساطة بسبب المرض فقط.
رغم فضولي، لم يَحدُث شيء يُذكَر بعد ذلك.
كان الإمبراطور يضع ملعقةً من الباناكوتا في فمه بهدوء، دون أن يتفوه بكلمةٍ طوال الوجبة، كما لو أنَّ الأمر لا يعنيه.
وحين قام الخدم الواقفون إلى جوار كل شخصٍ بملء كؤوس النبيذ، رفع الإمبراطور نخبًا على مهل:
“فليكن المجد لهًذا الارتباط المتين كمتانة مستقبل الإمبراطورية.”
كان نخبًا شكليًّا للغاية. أومأتُ برأسي إيماءةً خفيفة، ثمّ رطّبتُ شفتيّ برشفة خفيفة مِن الكأس.
شعرتُ بنظرات داميان، وكذَلك والدي، تستقرّ على وجهي للحظة ثمّ تبتعد.
كان والدي يُحدّق بجمود، ثمّ أدار رأسه فجأةً وابتسم بهدوء. بدأ يُنقّر بأصابعه بخفةٍ شديدة.
‘أجل، يجب التزام الوقار، والسلوك اللائق كعضوٍ مِن العائلة الإمبراطورية.’
بادلته نظرةً وابتسامةً خفيفة.
انتهت وجبة العشاء المزعجة، وعند عودتنا إلى القصر، خرج داميان لِيُودِّعنا.
“سأزوركم قريبًا.”
“نعم. سأكون في انتظاركَ.”
تبادلنا نظراتٍ لزجة كالكاراميل، ثمّ صعدتُ إلى العربة مع والدي.
وحين واصلتُ الابتسام طوال الطريق، شعرتُ أنَّ عظام وجنتَيّ بدأت ترتعش.
“أيُعجبكِ الأمر إلى هَذا الحدّ؟”
“نعم؟”
حين سألني والدي، لم أتمكّن مِن الردّ فورًا.
رفعتُ رأسي، فرأيت والدي يقطّب حاجبيه.
لكنّه سرعان ما أعاد ترتيب ملامحه وتكلّم بنبرة عادية:
“بما أنّكِ ستكونين وليّة العهد، فحافظي دائمًا على لياقتكِ وتصرفاتكِ.”
“حاضر.”
‘ما معنى تلكَ النظرة المستاءة التي أظهرها قبل قليل؟’
هناك مَن يقول إنَّ الآباء المُتجهمين هم في الواقع الأكثر حزنًا حين تذهب بناتهم إلى بيت الزوجية.
لكن لا يُعقل أنْ يكون الدوق كذلك. فهو في النهاية مَن وافق على هَذا الزواج، كربّ الأسرة.
لكن قبل لحظاتِ فقط كان يبدو حقًّا….
تظاهرتُ بأنّني أنظر إلى الخارج، وراحت عيناي تسرقان النظر إلى انعكاس وجه والدي في نافذة العربة.
‘هل يُمكن أنْ والدي يكرهُ العائلة الإمبراطورية؟’
أيعقل أنَّ عائلتنا، التي كانت مِن أنصار الإمبراطور جيلاً بعد جيل، تكره الإمبراطورية؟
‘إنْ كان والدي يكره داميان…..’
مرّت في ذهني صورة كأس عنبٍ مسموم.
ربّما هو مجرد هاجسٍ لا أكثر، لكن لا يُمكنني تجاهله تمامًا.
يجب أنْ أضعه في الحسبان على الأقل. فليس مِن المعلوم كيف تؤثّر بعض الأمور على موت الأحبّة.
***
التحضير لحفل الزواج كان أمرًا بالغ الصعوبة. بدا وكأنَّ لا وقت حتى لالتقاط الأنفاس أو الرَمش.
استمرّ تدفّق أمهر الحرفيّين مِن مُختلف المجالات إلى قصرنا، وجرّبتُ مئات الفساتين دوّن مبالغة.
‘مِن المؤسف أنْ يُستهلك هَذا الجهد في أمرٍ كهَذا.’
كان ذلك مُزعجًا، لكن لا مفرّ مِن تجربة كل شيء، فحتى وإن اختير الفستان بعناية، فغالبًا ما يبدو مختلفًا عند ارتدائه.
<هَذا فستان القسم الأول مِن مراسم اليوم الأول، وذاك فستان حفل اليوم الثالث…>
حتى في الليل، كانت أصوات المصممين وهم يتحدثون لا تزال تدور في رأسي.
ويبدو أنَّ الأمر نفسه ينطبق على داميان. فرغم أنّه وعد بزيارتنا قريبًا، إلّا أنّه لم يتمكّن مِن زيارة القصر ولو لمرّةٍ واحدة.
كانت نبرة رسائله بين الحين والآخر رقيقة، لكن محتواها أظهر بوضوح علامات الإرهاق.
[كلّما اقترب الموعد أكثر، أشعرُ بسعادةٍ أكبر. مع خالص الحُب، داميان خاصتُكِ.]
لكن خاتمة رسائله كانت دائمًا واحدة. وكنتُ كلّما وصلتني رسالةٌ منه، أعيد قراءتها مرّتين، خشية أنْ يكون قد تغيّر شعوره أو أنّه أدرك شيئًا، ثمّ أضعها في درج مكتبي.
‘أودّ استدعاء إستيل قبل مغادرة جميع المصمّمين.’
لَمْ تتمكّن إستلمت من زيارة القصر طوال الفترة الماضية.
بسبب ازدياد عدد الزوّار الذين جاؤوا لترك بصمتهم بعد انتشار خبر الزواج، لم يكُن لدينا خيارٌ سوى حماية إستيل.
فبعض الزوّار كانوا يطمحون لاحتلال المكان بجانب ثيو.
ولم تكُن التهديدات الصادرة عن أولئكً الذين يظنون أنْ إستيل ستتزوّج ثيو أقلّ خطورةً أيضًا.
رغم أنّني كنتُ أرى شحوب ثيو يزداد يومًا بعد يوم، إلّا أنّه لم يكُن باليد حيلة.
في المقابل، كانت تصل رسائلٌ يوميّة مِن إستيل، وكانت رسائلها إليّ على الأغلب بهذا الشكل:
[أفتقدكِ كثيرًا يا أختي، لكنني سأتحمّل وأنتظر! مع ذَلك، أنتِ تعلمين كم أحبُّكِ، أليس كذلك؟]
بقية الرسائل كانت مفعمةً بالتهاني، ومليئةً بالذكريات الجميلة.
كنتُ أضحك لا إراديًا أثناء قراءتها، لدرجة أنْ البعض كان يظنّ أنّها رسائل مِن داميان.
كنتُ أكتفي بهزّ رأسي بهدوء وأسلّم الرسائل إلى ثيو.
وفي ليالي نادرة خالية مِن الزيارات، كنتُ أعود إلى قراءة دفتر المذكرات مرارًا وتكرارًا.
الغريب أنّه منذ إرسال البعثة، لم تُسجَّل فيه أيُّ كلمة، ولم تبقَ فيه سوى صفحاتٌ بيضاء.
لذا بدأتُ بتلخيص الأجزاء المفيدة مِن المذكرات، وحرصتُ على حفظها عن ظهر قلب، لدرجة أنني صرت أستطيع تذكّرها دوّن الحاجة للدفتر.
‘فقد أضطرّ للتخلّص منه في أيِّ لحظة.’
كان هناك ثلاثة اختلافات بين المذكرات والرواية:
ندبة إستيل، ترتيب حادثة التسميم، ومرحلة استيقاظ إستيل كقدّيسة.
الاختلافان الأخيران مِن الصعب التأكّد مِن صحّتهما حتى وقوعهما فعلًا.
حتى لو سارت الأمور حسب المذكرات أو الرواية، فقد تختلف الآن لأنني لستُ روزالين الحقيقية.
لكن موضوع الندبة مختلف.
لابدّ مِن استدعاء إستيل قبل الزفاف والتأكّد مِن الأمر.
وبينما كنتُ أفكّر في طريقة لفعل ذِلك، أتى الحظ مِن تلقاء نفسه: قبل الزفاف بأربعة أيام، أعلنت دوقية ريتيا عن إقامة حفلٍ راقص خيري.
كان مِن الأحداث الكبيرة التي سيحضرها والدي، وسيحضرها أيضًا جميع ضيوفنا.
أما أنا، فيُمكنني رفض الدعوة بحجّة التحضيرات للزفاف. إنها فرصةٌ لا تُفوَّت.
فورًا قرّرتُ كتابة رسالة إلى إستيل، لكن قبل أنْ أبدأ، طرق أحدهم باب غرفتي.
“وصلت رسالةٌ مِن القصر الإمبراطوري.”
وكان صاحب الرسالة هو داميان.
احتوت رسالته على اعتذارٍ لتأخّره في لقائنا، وسؤال عمّا إذا كنتُ أستطيع مقابلتهُ اليوم، رغم المفاجأة.
توتّرتُ لا إراديًا، لكن لم يكُن بإمكاني إظهار الانزعاج.
سأؤجّل كتابة الرسالة الآن. وكتبتُ ردّي بالموافقة وسلّمتُه للخادم الملكيّ الذي أرسله داميان.
“مِن فضلك، سلّم هَذهِ الرسالة ردًا عليه.”
انحنى الخادم وخرج.
وبمُجرّد إغلاق الباب، خيّم الصمت على المكان.
‘… لا أريد.’
كتبتُ في ردّي أنني لا أرغب بلقائه في القصر الإمبراطوريّ ولا في قصر عائلتي.
لا أرغب في مواجهة الإمبراطور والإمبراطورة، ولا أريدُ أنْ يلتقي داميان بثيو في قصرنا.
‘يُمكنني أنْ أقول إنني أريد التجوّل في المدينة قبل أنْ أصبح إمبراطورة.’
كان داميان مِن النوع الذي سيوافق على ذَلك دوّن اعتراض.
وبالفعل، لَمْ تمضِ فترةٌ طويلة حتى عاد الخادم برسالةٍ شفويّة:
“قال صاحب السمو إنّه سيأتي بعد ثلاث ساعات.”
بمعنى أنَّ ولي العهد نفسه سيأتي لمرافقتي.
وما إنْ أنهى كلامه حتى اقتحمت خادماتي الغرفة استعدادًا لخروجي.
“ثلاث ساعات فقط! هَذا وقتٌ ضيّق!”
“سيّدتي، إلى الحمّام أولًا!”
أُجبر الخادم على مغادرة الغرفة، وتمّ دفع جسدي بسلاسة إلى الحمّام.
وبينما كُنّ يسرّحنَ شعري بعد الاستحمام، كنّ يثرثرنَ كالعصافير:
“ماذا سنفعل عندما يحين وقت توديع سيّدتنا؟ لا نريد أنْ نُفارقها!”
“حتى لو كان وليّ العهد، فلَن نسكت إنْ تصرّف بوقاحة!”
لم يكُن مٍن المحتمل حدوث ذلك، لذا اكتفيتُ بالابتسام دوّن رد.
وقد اختارت الخادمات لي فستانًا أرجوانيًا يشبه لون عيني وليّ العهد.
بينما كنتُ أرتدي الفستان وأصفف شعري، دخلت رئيسة الخدم وأبلغتني بوصول داميان.
“حان وقت خروجكِ، آنستي.”
خرجتُ خلفها مِن الغرفة.
كانت نوافذ الممرّات كلها مفتوحة، وبدأ نسيم أواخر الصيف الباردة يتسلّل إلى الداخل.
نزلتُ الدرج بحذر، وسرتُ برفقة الخدم نحو العربة.
كان الهواء يحمل رائحة الأعشاب الجافّة، والسماء أصفى مِن المعتاد.
وفي البعيد، وقف رجلٌ يشبه الظلال أمام العربة.
ابتسم بصمتٍ ومدّ يده.
فأجبتُه بابتسامةٍ خفيفة ومددتُ يدي له.
ركبتُ العربة برفق بمساعدته، ثم تبعني وجلس إلى جانبي، وسأل:
“روزالين، هل ترغبين بالذهاب إلى مكانٍ معيّن؟”
حدّق فيّ بعينيه الأرجوانيّتين بثبات.
لَمْ أُجب، بل بدأتُ أعبث بأطراف يدي.
لستُ متأكّدة…
أيُّ مكانٍ هادئ يُمكنني فيه التجوّل أو الجلوس والاسترخاء سيكون مُناسبًا.
هل يوجد مكانٌ كهَذا؟
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"