7
“سيدتي، لم تعودي بحاجة للقلق بعد الآن.”
كان أفراد قصر الدوق يظنون أنني أقيم في غرفة منفصلة عن كاسيون بسبب الرعب الذي أصابني بعد حادثة الكمين.
والواقع أن السبب مختلف تمامًا، لكن تزامن الأمر مع ما حدث جعل الكذبة تبدو منطقية.
ولأن كاسيون كان يتنقّل في أرجاء القصر بملامح عابسة وحاجبين معقودين إثر خسارته الفرصة الوحيدة التي كانت كفيلة بمنحه الأفضلية، راجت شائعة مفادها أنه هو من اختار الابتعاد والنوم في غرفة مستقلة، بدافع الغضب والانزعاج.
وقد استشعر الفرسان أساه، فشرعوا يُخضعون المجندين الجدد لتدريبات صارمة، يكاد يُشمّ منها رائحة العقاب لا التمرين.
فقلت مبتسمة بلطف:
“أُقدّر حماسكم، لكن رجاءً… لا تُثقل على الفرسان الجدد.”
فردّ أحدهم بحماسة متقدة:
“أبدًا! لا بد أن نكون حازمين منذ البداية!”
وكما اعتدت، اكتفيت بابتسامة رقيقة، وأضفت بثقة أنني أضع ثقتي الكاملة بهم، ثم مضيت في طريقي.
على غرار كاسيون الذي انشغل بتوظيف فرسان جدد، كنت أنا الأخرى غارقة في مقابلات التوظيف، بهدف تعزيز الطاقم الخدمي في القصر.
“آه…
ليتني طلبت استمارات تقديم بدلًا من خطابات التوصية.”
الخدم الذين يتفاخرون عادةً بخدمة النبلاء ذوي المكانة العريقة، كانوا يترددون في الالتحاق بمنزل الدوق الذي لطالما وُصف بأنه حديث النعمة، وسيده سيّئ الطبع.
لذا، ولجذب المتقدمين، قدمت عرضين غير مسبوقين:
أجور عالية مضمونة، والاستغناء عن خطابات التوصية.
صحيح أن خطابات التوصية تُعدّ أداة مهمة لفهم طبيعة الخادم وخلقه، غير أن كثيرين من الأكفاء فقدوا وظائفهم لأسباب واهية، فقط لأنهم لم يروقوا لمزاج أحد النبلاء.
كانت تلك محاولتي لاكتشاف أولئك “الماس الخام” وسط الركام، لكن بما أن الخطوة تنطوي على مخاطرة، قررت أن أجري المقابلات بنفسي مع كل متقدم على حدة.
وبمجرد إعلان تلك الشروط، تدفق المتقدمون إلى القصر كما يتهافت النحل على الزهر، بعد أن كان لا يزوره إلا صمت الريح.
في صباح اليوم التالي، كان عدد المتقدمين كبيرًا لدرجة أن كاسيون كاد يشهر سيفه ظنًا أن شيئًا خطيرًا يحدث.
قال كبير الخدم بلطف وهو يقدّم لي كأسًا من الشاي المثلّج: “لقد بذلتِ جهدًا كبيرًا يا سيدتي، أعددت لكِ شرابًا باردًا كما تحبين.”
“شكرًا لك.”
استغللت الوقت الفاصل بين المقابلات لتفقّد تدريبات الفرسان، ثم عدت لأرتاح قليلاً، وكان الشاي البارد في انتظاري.
شربته دفعة واحدة، ثم ارتميت على المقعد بأنفاس مثقلة، أحدق في الفراغ.
“ليتني طلبت استمارات تقديم بدلًا من خطابات التوصية…”
لكن المشكلة أن معظم الخدم والعمال البسطاء لا يجيدون القراءة ولا الكتابة.
وأنا مرهقة من إجراء المقابلات منذ ما بعد الإفطار وحتى مغيب الشمس.
“قلتُ لكِ أن تخففي من الضغط على نفسك.”
“كاسيون…”
ذلك الرجل، باستثناء ليلة الكمين، لا يتوقف عن التسلل إلى مكاني بهدوء.
بل بدأت أضيق ذرعًا من نفسي لأني بدأت أعتاد وجوده.
نظرت إليه، فهزّ لسانه بضيق.
“ارتاحي اليوم.
لقد صرفتُ المتقدمين.”
“ماذا؟! كانت لدينا مواعيد محددة، كيف تُعيدهم؟!”
“حتى نُقصي من يفتقرون إلى الإصرار ولا يعودون لمجرد أن رُفضوا مرة.”
لكن…!
رغم ما أحمله من ذكريات حياة سابقة، لم أستسغ فكرة أن يُطلب من أشخاص عادوا بناءً على موعد مُسبق أن يرحلوا لمجرد مزاجنا، أياً كانت مكانتنا الاجتماعية.
قفزتُ نحو النافذة، وبالفعل رأيتهم يغادرون بخطى متثاقلة.
“لماذا لم تُعلمني مسبقًا؟!”
“لأنك كنت سترفضين، أليس كذلك؟ ثم إنني لم أرَ أنك بحاجة ماسّة لخادمات يخدمنك.”
رمقني بنظرة فاحصة، يتأمل شعري المصفف بعناية وثوبي الذي اخترته بعناية ليعكس بعض الوقار.
لطالما تصرفت بتلقائية في حضوره منذ لقائنا الأول الكارثي، لكن في مقابلات التوظيف، كنت بحاجة إلى هيبة، لذا اعتنيت بمظهري.
قال ساخرًا:
“الهالات تحت عينيكِ صارت أغمق من ليالي السهر.
ومع انتشار شائعات تقول إن الدوق المجنون يُعذب عروسه الجديدة، هل تظنين أن المتقدمين المؤهلين سيتحمسون للمجيء؟”
“هل الشائعات وصلت إلى الخارج؟ غريب، أنا لم أغادر القصر إطلاقًا.”
“لا أقصد شائعة حديثة.
بل هذا هو الانطباع العام.
سمعتي لا تتعدى هذا المستوى.
أما أنتِ…”
“ماذا عني؟”
“أنتِ… تبدين مؤهلة وجميلة.”
لكن كيف تسربت تلك الشائعات وأنا لم أغادر القصر سوى مرة واحدة يوم زفافي؟
كنت واثقة أننا مثّلنا الدور بإتقان.
عبست، وتساءلت في داخلي إن كان بعض المتقدمين قد نشروا الأحاديث.
لكنه اكتفى بهز كتفيه.
يبدو أن ثقته بنفسه أوهن مما توقعت.
أكاد أتخيل كم سمع من كلمات مُهينة في طريقه للوصول إلى مكانته الحالية.
“صحيح أنني أبدو كـ’جميلة مثيرة للشفقة’، لكن سمعتك ليست سيئة كما تعتقد.
أنت بطل الحرب، والجماهير تُعجب بك.”
“لست بحاجة للمجاملات.”
“لست أجاملك.
كثير من المتقدمين جاؤوا لأنهم يُكنّون لك الإعجاب.”
“…حقًا؟”
“بالطبع.
وسأوظف هؤلاء.
المهارة مهمة، نعم، لكن الناس يتعلمون العمل مع الوقت.
لا أبحث عن الكمال، بل أهتم بمواقفهم تجاهك، وأخلاقهم.
لهذا السبب أعتمد على المقابلات الشخصية.”
وهذا ما يجعل المهمة مُرهقة.
يمكن لأي شخص تقييم مهارة تنظيف الفضة أو أسماء النبلاء الذين خدمهم أحدهم، لكن من الصعب تمييز النوايا الخفية.
“لكن، إن لم يكونوا ماهرين من البداية، ألن يسببوا لكِ المتاعب؟”
“أنا مجرد زوجة مؤقتة.
ما نحتاجه هم أشخاص مخلصون لبيت الدوق على المدى الطويل، حتى لو افتقدوا للكفاءة الآن.
وكما كنتَ دقيقًا في اختيار فرسانك، لدي أنا أيضًا معاييري.”
“…همم.”
“لذا، رجاءً… لا تتصرف من تلقاء نفسك وتطرد المتقدمين دون إعلامي.
كما أنني لا أفضّل التابعين الذين يفرطون في الطاعة.
التابع الحقيقي هو من يعرف متى يوافق ومتى يعترض، وهذا وحده كفيل بخدمة سيده بحق.”
وإن كان بين أولئك الذين طردهم شخص جدير، من ظنّ أن سيد هذا القصر لا يحترم كلمته، فقد أضطر في النهاية إلى شدّ شعره الحريري الأملس.
لكن… لا بأس.
طالما فعل ذلك بدافع القلق عليّ.
ثم إن الخسارة، في النهاية، ستكون عليه، لا عليّ.
“…أنتِ مجتهدة للغاية.”
اقترب مني بملامح لا تُقرأ، وجلس بجانبي.
اكتفيتُ بالنظر إليه دون تغيير وضعيتي المسترخية.
“أنا لا أتهاون في العقود.
وإن رأيتني أعمل بجد، فلا مانع لدي أن ترفع نسبتي في الاتفاق.”
في الحقيقة، جزء كبير من الدافع داخلي، فأنا لا أرتاح ما لم أتمّم أي مهمة كما يجب.
لكن لا ضرورة لقول ذلك الآن.
أشرت بأصابعي بحركة دائرية تشير إلى المال، فابتسم واحتسى ما تبقى من شايّ المثلج.
“لماذا تكثرين من المشروبات الباردة؟ ألا تخشين ألم المعدة؟”
“أنا امرأة مشتعلة الحماسة.”
أدرت وجهي عنه بينما كانت ملامحه تنكمش قليلًا، وأجبت جوابًا عابرًا، ثم بدأت أفك تسريحة شعري المحكمة.
لقد انتهى اليوم، والمتقدمون رحلوا، وحان وقت الراحة.
لكن فجأة…
“سيدتي… وصل الآن متقدم لوظيفة البستاني.
هل نُعيده أيضًا؟”
“هاه؟”
ما إن قررت أن أرتاح حتى ظهر أمر جديد!
عادةً ما يصطف المتقدمون بعد الظهر، فهل ظنّ هذا أن خلو المكان فرصة له؟
“كان عليك إخباره أن المقابلات انتهت.
أعِد أي شخص آخر يأتي.
لقد أوشك وقت العشاء، ولا أحد يتقدم لوظيفة في مثل هذا الوقت إن كان سليم العقل.”
“لا، سألتقي بهذا الأخير بنفسي.
نحن في حاجة ماسة إلى بستاني بشكل عاجل.”
عبس كاسيون مستاءً، لكنني نهضت، أُعيد ترتيب فستاني المبعثر بعناية.
بالنسبة له، الذي لم يُمنح بعد أي إقطاعية، ويقتصر ملكه على هذا القصر الدوقي الفخم، لا يوجد أفضل من القصر نفسه ليُظهر من خلاله قوته ونفوذه.
قبل أن نبدأ بدعوة النبلاء بشكل رسمي، وجب علينا أن نُعنى بالحديقة سريعًا، لكن التقدم كان بطيئًا بسبب عدم توظيف يد مساعدة للبستاني المتمرس الحالي.
“أمره أن ينتظر عند مدخل الحديقة، لا تسمح له بالصعود.
سأذهب إليه بنفسي، فلا بد من اختبار مهاراته.”
انحنى كبير الخدم احترامًا وغادر، بينما كاسيون، رغم تردده الواضح، لم يمانع ذهابي، ربما لأن كلامه السابق كان كافياً.
قال وهو ينقر بلسانه:
“لا تتأخري على العشاء.”
“هل رأيتني أتأخر عن الطعام من قبل؟ أنا متأكدة أن مأدبة اليوم ستكون شهية كالعادة.”
ابتسمت له، وندمت في قرارة نفسي على أنني فككت تسريحة شعري.
فمن بين جميع الأقسام في هذا القصر، المطبخ وحده لا يحتاج إلى تغيير بين طاقم العمل.
فريق الطهاة هنا متقن، ومنذ زفافي وأنا أستمتع بطعام يرضي الذوق ويشبع الروح.
وبما أنني لن أُرى، أسرعت بالنزول عبر الدرج، لكنني هدأت خطواتي عند مدخل الحديقة، متظاهرة بالوقار، وأخذت أبحث عن المتقدم للمقابلة.
رأيت البستاني الحالي إلى جانب شاب يبدو هو المتقدم.
كان ظهره متجهًا نحو الغروب، يعتمر قبعة قش واسعة تحجب ملامحه.
برغم انفتاحي وتحليلي للأمور بعقلانية، لم أجد من اللائق أن يحضر المرء مقابلة دون خلع قبعته.
كانت بداية سيئة.
“تحية طيبة، سيدتي.
اسمي هوكينز، أود التقدم لوظيفة مساعد بستاني.”
نقطة سلبية أخرى… صوته منخفض جدًا، كأنه يخشى أن يسمعه أحد!
سألته بهدوء:
“حسنًا، ماذا عن مهاراتك؟”
دخل البستاني الحالي قائلاً، ووجهه يعكس حيرة واضحة:
“سيدتي، حين طلبت منه أن يُظهر مهاراته، أخبرني أنه يخاف أن يقطع أشجارًا مزهرة جميلة، وطلب أن يجرب في الحديقة الخلفية، لذلك لم نتمكن من تقييمه حتى الآن.”
كان تعبير وجه البستاني يقول بوضوح:
هذا المبتدئ لا يصلح.
رغم الانزعاج الذي بدا على وجه كاسيون، جئت للمقابلة، لكن بدا أن هذا الشخص غير مناسب، فكرت في إنهائها بسرعة، ثم قلت:
“إذن، اتبعني من هنا.”
لم أرغب في طرده دون منحه فرصة.
قدتهما إلى الحديقة الخلفية، حيث النباتات تنمو بطريقة فوضوية، وحيث لن يلحظ أحد لو أخطأ في القص.
“هوكينز، أليس كذلك؟ هنا—”
طعنة!
حين استدرت، رأيت البستاني ممددًا على الأرض، والرجل الآخر يرفع أداة بستنة ثقيلة خلف ظهره!
مع إدراكي للخدعة، شعرت بألم حاد في صدغي، وغمرني ضوء الغروب الأحمر حتى طغى على بصري، ثم عمّ الظلام.
—
“آه…!”
سقف مألوف.
نعم، سقف غرفتي القديمة التي عشت فيها قبل الزواج من كاسيون.
لا مجال للخطأ.
“…هل يمكنني اعتبار هذا حظًا؟”
وضعت يدي على صدغي النابض، وكان أثر الدم الجاف واضحًا.
آخر ما تذكرت قبل فقدان الوعي أن هذا اعتداء من جهة الأمير الأول تستهدف كاسيون.
لكنني الآن محتجزة في منزل عائلتي.
“هل السبب هو المال؟”
كنت أترقب مواجهتهم في وقت ما، لكن لم يخطر ببالي أنهم سيخطفونني فعلاً.
وأنا ابنتهم، كيف يلجؤون لهذا العنف؟
“الوقت… لم يمضِ طويلاً.”
الغرفة بلا نوافذ، تشبه مخزنًا، ولم أتمكن من تقدير الوقت.
شعرت أني قد غفوت لفترة قصيرة، أقل من يوم، لكن دون يقين.
تدحرجت عن السرير، وضعت أذني على الباب.
كانت يداي مقيدتين خلف ظهري، لكن ساقي حرتان، والغرفة ليست محصنة بشدة، مما منحني أملاً.
“الدوق… الآن…”
“لا نعلم… حتى الآن…”
كانت الأصوات مألوفة تصل من وراء الباب الرقيق. يتحدثون بحماسة دون خفض الصوت.
هل ارتكبوا هذا العمل اليائس بلا خطة لاحقة؟ بيتنا، عائلة الفيكونت، على شفا الإفلاس.
ربما أنفقوا كل ما تبقى لديهم لاختطافي.
“هاه… لست أسيليا التي عرفوها.”
كان من الطبيعي أن يروني فتاة خاضعة، عاشرت التسامح 19 عامًا.
لكنني تغيرت الآن، تغيرًا جذريًا.
كان عليهم أن يكونوا ممتنين لأنني تركتهم بهدوء دون طلب شيء!
بدأت أتفقد الغرفة المظلمة المألوفة.
هناك، قرب السرير…
“آه، هذا هو.”
وجدت اللوح الخشبي المشقوق الذي كنت أجرح قدمي عليه.
أزحت القماش القديم، ولمست اللوح، فوخزت أصابعي.
“آه، مؤلم…”
كانت يداي مقيدتين بحبل خشن، ومع أنني جربت عدة نقاط في كفي، تعودت تدريجيًا على استخدام الحواف الحادة للوح.
وبعد محاولات قليلة.
طقطق!
انقطع الحبل.
“حسنًا.”
حرّكت كتفي المتيبستين للأمام، وفتشت الغرفة بحثًا عن أي شيء يصلح كسلاح.
لم يكن هناك سوى فستان رث، منديل للرأس، مشط نصف دائري، علبة صفيح مليئة ببعض الأدوات المتناثرة… لا شيء حاد، حتى بروش بسيط مفقود!
“حقًا… نشأت في فقر مدقع.”
بعد أن فقدت أملي في إيجاد سلاح، عدت إلى اللوح الخشبي.
لا خيار سوى نزعه.
صرير… تشقق…
بالرغم من أن بإمكاني التظاهر بالإغماء ثم مفاجأتهم، إلا أنني لم أرغب بمواجهة ثلاثة أشخاص بلا سلاح.
لففت قطعة القماش حول جزء من اللوح المرفوع، أمسكت به بقوة، ثبّت قدمي، وسحبت بكل قوتي.
بدأت الدماء تسيل من كفي، لكنني كنت أعلم أن ترك اللوح الآن سيؤدي إلى ارتداده بصوت مدوٍ.
تمزق!
“…!”
بجهد إضافي، انفصل اللوح أخيرًا، لكنه أحدث صوتًا مرتفعًا.
تجمدت، أمسك بالقطعة الخشبية الممزقة، وأحبس أنفاسي، أتنصت بحذر…
“ألم تسمع صوتًا يصدر من غرفة أسيليا؟”
“ماذا؟”
“لا… أنا متأكد أنني سمعت شيئًا…”
اللعنة. يبدو أن الصوت قد وصل إلى الخارج.
أخذت الأصوات تزداد وضوحًا، وشعرت بخطى تقترب من الباب.
حسنًا، بما أنني صرت أمتلك سلاحًا، فالأجدر بي أن أتهيأ للمعركة.
نقرة.
كان صوت فك قفل الباب.
وقفت خلفه مباشرة، ممسكة بقبضة اللوح الخشبي الملفوف بالقماش، وأخذت نفسًا عميقًا.
دَفعة –
“هل أنتِ مستيقظة… أوهغ!”
أول من دخل كان أخي غير الشقيق، بارمينون.
لطالما رغبت في تحطيم ذلك الوجه المغرور.
وجهت ضربة قوية إلى رأسه مستخدمة اللوح الخشبي بكل ما أوتيت من قوة، ثم تجاوزت والدتي التي كانت تلحق به، وانطلقت خارج الغرفة.
“كيييااه! تلك الفتاة!”
كما توقعت، لم يكن هناك أي مرتزقة أو حراس في الخارج.
يبدو أنهم لم يملكوا المال لتوظيف حراس، وقد غادر الخاطف بالفعل.
بهذا الوضع، قد أتمكن من الهروب بسلاسة…
“آآه!”
لكن بينما ظننت أن الأمور أسهل مما ينبغي، باغتني والدي بالإمساك بشعري.
يا لغبائي، كان علي أن أربطه قبل الخروج.
ضربة –
“يا لكِ من ناكرة للجميل! تُحدثين فوضى بعد كل ما بذلناه من أجلك؟!”
بألم يشبه اقتلاع فروة رأسي، سُحبت إلى الوراء ورُميت قرب مائدة الطعام.
هرع والدي نحوي، يلهث، وركلني بقوة.
“أيتها الحقيرة! أيتها الجاحدة! ألم يكن من واجبك إرسال المال إذا تزوجتِ؟! تغلقين قاعة الزفاف علينا؟!”
استطعت صد الركلة الأولى بتحريك اللوح الخشبي، لكن ذلك لم يزد الأمر إلا سوءًا.
انزلق اللوح من يدي، مخلفًا جرحًا عميقًا في كفي، قبل أن ينتزعه مني والدي ويلقيه جانبًا.
وسط سيل الركلات، لمحت أمي وهي تسند أخي، الذي كان ينهض وهو يضغط على رأسه.
عليّ أن أهرب مجددًا قبل أن يُحكموا الطوق حولي.
“آآآغ!”
تخبطت بذراعي بعشوائية، دون اكتراث لمظهر تصرفي، وأمسكت بقدم والدي التي كانت على وشك أن تسدد لي ضربة، ثم عضضتها بقوة.
إما أن أقاتل أو أفنى.
“كييييااه!!”
صرخت والدتي، رغم أنها لم تُمسّ بسوء، كأنها على وشك أن يغمى عليها من هول المشهد.
حسنًا، لا تقتربي، أنا بالكاد أحتمل.
“ماذا قدمتم لي حتى تنتظروا مني مالًا؟!”
تمكنت بأسناني من السيطرة على الموقف.
وبينما كان والدي يتألم ويتوقف عن الركل، ارتميت على ساقيه بكل قوتي، تدحرجنا معًا، وصرخت بمرارة:
“كان يمكن أن ننهي هذا بسلام!”
كادت الدموع تنهمر من عيني وأنا أتكلم.
حتى وإن اختلفت شخصيتي بعد أن استعدت ذكرياتي من حياتي السابقة، فما زلت أنا، وتلك الطفولة المأساوية التي عشتها لم تكن خيالًا.
ما الجرم الذي ارتكبته لأُعامَل بهذه القسوة؟ لأُزوّج مرتين كما لو كنت سلعة معروضة للبيع؟
“لقد فقدتِ صوابك بعد زواجك من ذلك الدوق المجنون!”
اقترب بارمينون، وقد استعاد توازنه، يلهث بشدة.
كان الدم يسيل من جبيني وجبينه، ومع ذلك كانت المعاملة بيننا متفاوتة بشكل يصعب استيعابه.
كيف يُعقل أن نتلقى معاملة بهذا التباين ونحن من نفس الدم؟
غضبي تفجّر حين رفع يده ليصفعني، ملامحه مشوهة بالحقد.
من يظن نفسه ليصفعني دون رد؟
من يضرب أولًا يربح.
صفعة –
“أوغ!”
منذ صغره، كان بارمينون ينهك موارد العائلة بادعائه أنه سيصبح فارسًا.
لكن رغم كل ما استُثمر في تعليمه، لم يكن يملك ذرة موهبة في المبارزة، حتى أنه فشل في دخول الأكاديمية.
بمعنى آخر، من يعيقني الآن في هذا المنزل هم ثلاثة أشخاص بلا جدوى، عاشوا على هامش الكسل والاعتماد، رغم ضيق الحال.
ضحكت وأنا أراه يتهاوى، والدم يسيل من أنفه إثر ضربتي.
الدم المتسرب من رأسي وصل إلى فمي، تاركًا طعمًا معدنيًا مقززًا، لكن من يهتم؟
“نعم، لقد جُننت!”
رميت بكل ما وصلت إليه يدي — كراسي، صحون، أي شيء.
ارتدّ أفراد عائلتي، مذهولين من نوبة جنوني.
فقط لأجل هذا القليل؟
“أقول لكم، لقد جُننت!
وزوجي أكثر جنونًا مني،
فلا تُفكروا حتى في اللحاق بي!”
كنت أريد أن أقلب الطاولة، لكنها كانت ثقيلة.
فدفعتها بقوة حتى انقلبت جانبًا، وصرخت “آآآغ!” كأنني أفرغ حممًا بداخلي.
شعرت بلذة لا توصف.
“لا تحاولوا ملاحقتي.
هذه آخر مرة أتحدث فيها باسم العائلة.”
حين حاولت إزاحة شعري المشعث، لم يتحرك بسهولة بسبب الدم المتجلط.
قبضت عليه بخشونة وأرجعته إلى الوراء، ثم تبادلت نظرات التحذير مع كلٍّ منهم:
“منذ البداية، كنت كأنني غير موجودة في هذه العائلة.
استمروا في هذا الاعتقاد.”
“أسيليا! نحن والداك!
هل تعرفين ما تفعلينه؟!”
“لا تظني أني سأتردد في ضربك لمجرد أنك والدتي.”
عندما صوبت نظراتي نحو والدتي، التي كانت الوحيدة السليمة مقارنةً بالآخرين، ارتجفت من الخوف.
قبضتي ما زالت جاهزة.
“أسرة فيكونت كورنل لم تكن تملك سوى ‘أصل’ يُدعى أسيليا.
اعتبروا أنكم فقدتم حتى هذا الأصل.
لم تكونوا تقدّرونه يومًا.”
ركلت آخرًا قطعة خشبية تشبه الزينة، كأنني مشاغبة.
طارت القطعة واصطدمت عند قدمي بارمينون.
تمنيت لو أصبته بها مباشرة.
“آمل ألا تجمعنا الحياة مجددًا.”
بدأت رؤيتي تتلاشى تدريجيًا، لكنني استدرت متظاهرة بالثبات والكرامة.
خشيت أن يفلت زمام الأمور إن لحقوا بي، ففتحت الباب بسرعة وهم لا يزالون مصدومين.
“آه؟”
“…!
أسيليا!”
وما إن خرجت، حتى وقعت عيني على كاسيون، واقفًا بسيفه المشهر.
هل كان ذلك وَهْمًا من ضوء القمر؟ لقد أرخى الليل ستائره بالفعل.
“سيبدو الأمر سخيفًا إن سألتكِ… هل أنتِ بخير؟”
كاسيون، الذي بدا على وشك اقتحام الباب، غمد سيفه بسرعة واقترب مني بخطوة واحدة، ثم حدّق فيّ، يضغط على أسنانه.
“كان عليكِ أن تسأليني.
كنت لأخبرك أنني بخير.
لأني انتصرت.”
إنه كاسيون فعلًا.
يبدو أنه، كما التبست علي هوية خاطفيّ فظننتهم رجال الأمير الأول، ظن هو أيضًا أن العثور عليّ سيستغرق وقتًا طويلًا.
رغم أنه لم يظهر كبطل في لحظة الخطر، إلا أن رؤيته بعثت في نفسي طمأنينة لا توصف.
ابتسمت، رغم ألم شفتاي المتشققة.
“لنعد إلى قصر الدوق…”
“الدوق ييغر!”
اندثر الشعور بالراحة في لحظة.
والدي، الذي كان في حالة ذهول، استعاد وعيه من وقع ظهور كاسيون.
“الدوق ييغر، ما هذا… لا، أنت لا تستحق لقب الدوق حتى.
لا أوافق على زواجك من ابنتي! لقد اختطفتها!”
نهض والدي مترنحًا، يشير إلى كاسيون وهو يصيح بوقاحة.
“هاه…”
استدرت، وأنا على وشك أن أفقد صبري، وكانت عينا كاسيون مشتعلتين أكثر من عينيّ.
أمسكت بطرف ردائه لا إراديًا.
“لا توقفيني، أسيليا.
حالتك…”
“اضربهم، لكن لا تقتل أحدًا.”
استقرت نظراته المجنونة عند سماع كلمتي.
تبادلنا نظرة سريعة، ثم نظر إلى وجوه أفراد عائلتي المشتعلة غضبًا.
“سنتولى التفاصيل لاحقًا… أنا مرهقة اليوم.”
لم أقل “دعنا نضربهم ونعود”
لكنه فهم تمامًا ما أعنيه.
__
ما صرت احس برقبتي 💀.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 7"