لم يشعر كيليان بالواقع. كانت العربة التي تحمل ليتريشيا تبتعد، نحو اتجاه محظور تمامًا. 

هل خدشته شظايا العجلة المحطمة؟ سال الدم من فوق حاجبه إلى عينيه. 

حدق كيليان بالعربة بعيون متجمدة تتلألأ بالدم، ثم قفز من حصانه دون تفكير. 

“أمسكوا كيليان! إذا سقط هكذا، سيموت الجميع!”

صرخ جستن، مدركًا نيته، لكن كيليان لم يسمع شيئًا. كأن الزمن توقف. 

كل ما رآه بعينيه الزرقاوين المذعورتين هو شعر ليتريشيا الوردي يسقط ببطء كبتلات الزهور. 

القفز بلا حماية نحو الجرف تحت الجدار كان انتحارًا، لكن كيليان لم يرمش. 

سحب سيفه، الذي استعاده قبل المطاردة، وقفز فوق الجدار. 

كانت العربة تسقط بضجيج، محتكة بالجدار الخارجي. 

ألقى كيليان بنفسه عبر الباب المفتوح. كدانغ! رغم الرؤية المتشابكة، أمسك ليتريشيا بدقة. 

عندما شعر بجسدها الصغير بين ذراعيه، بدأ يسمع الضوضاء المحيطة. 

كأن عقارب الساعة المتوقفة بدأت تدور، عادت حواسه. 

“كيليان! هل جننت؟ لمَ قفزت هنا؟” 

كان صوت ليتريشيا المذهول، الحاد كالمعدن، أول ما سمعه. 

زوجته الرقيقة، التي أرعبتها العربة، كانت غاضبة.
 
“أيها الأحمق؟ المغفل؟ هكذا ستموت أنت أيضًا! لمَ فعلتها؟” 

رأى ليتريشيا تضرب صدره بيدها المحمرة، فشعر كأن أعضاءه انقلبت. 

لم يكن موته المحتمل هو ما أراحه، بل أنها لم تُفقد. أنه قادر على حمايتها، أعطاه فرحًا يشبه النشوة. 

كيليان  هيبيروس الأحمق المتغطرس. 

غبي بطيء، لم يدرك مشاعره في وقتها. 

قفز إلى الموت دون عقل، ومع ذلك، هل سيقلل من حبه لها بكلمة “إعجاب”؟ 

عض كيليان شفتيه حتى تشقتت، ودفع سيفه في شقوق الطوب. 

كاششش! 

تناثرت الشرارات من احتكاك السيف. تباطأ سقوط العربة قليلاً، ثم توقفت بشكلٍ خطر عندما علقت عجلتها بفرع شجرة. 

لكن ذراع كيليان، التي تحمل وزن العربة، أصدرت صوت تمزق الأوتار. 

لم يستطع الحركة. أي تغيير في الوضع سيفقد التوازن، وسيسقطون مجددًا. 

“توقفت! العربة توقفت!” 

“ماذا تنتظرون؟ أنزلوا الحبال، استخدموا السحر! أنقذوا الناس! كيليان، تحمل قليلاً!” 

عض كيليان أسنانه عند الصراخ البعيد من الأعلى. بدأ يفقد الإحساس بذراعه. 

“…نجونا، كلانا.” 

“أنت…!” 

قبل كيليان خد ليتريشيا الدامع. 

“أتمنى ألا تبكي. ليس لدي يد لمواساتكِ الآن.” 

أدرك أخيرًا. 

لمَ بدت الألوان زاهية كالربيع عندما اقتربت ليتريشيا في قاعة الحفل الرتيبة؟ 

لمَ اشتاق لعشاء بسيط معها رغم بعده عن القلعة؟ 
لمَ انهار عندما علم بموتها؟ 

كل شيء أصبح واضحًا الآن. 

كان حبًا. تسلل بهدوء حتى لم يلاحظه، حتى ما ظنه كراهية كان تلهفًا رخيصًا لرجل يتوق للحب.

حتى استخدامه لسحر الزمن المنقرض كان لعجزه عن تحمل عالم بلا ليتريشيا. 

“أنا آسف، ليتريشيا. آسف لأنني أدركت متأخرًا.” 

“…؟ كيليان، ما الذي تقصده فجأة…؟” 

“كل خطواتي كانت دائمًا نحوكِ.” 

توقفت ليتريشيا عن الحركة بين ذراعيه. 

“أنا… أحبكِ.”

***

“…” 

شعرت ليتريشيا بحلقها يضيق، عاجزة عن الكلام.

ما شعور أن يحمل أحدهما الآخر في قلبه؟ بالتأكيد سعادة؟ كانت ليتريشيا تحلم بهذا يومًا. 

لكن الآن، وهو حقيقة، لم تكن سعيدة. بل حزينة، وأشفقت على كيليان. 

لمَ أعطى قلبه لمثلها، من لن تبقى معه؟ 

مسحت ليتريشيا دم أنفها، ونظرت للأعلى رغم رؤيتها الدوارة. 

كان السحرة يصبون قواهم على الجدار، وبعض الفرسان ينزلون بالحبال. 

“…لنصعد بأمان أولاً. الوضع خطير جدًا الآن.” 

تظاهرت ليتريشيا بأنها لم تسمع، فاهتزت عينا كيليان بحزن. 

لم يضغط عليها، بل أخفى ألمه وراء وجهه الجميل. 

“…حسنًا. سلامتكِ أولاً، آه!” 

“كيليان!” 

انحنى كيليان فجأة، فاختل التوازن، وبدأت العربة تميل. 

“بيتريك جودوين، أيها اللعين…!” 

ابتلع كيليان أنينه من ألم في بطنه. 

سال الدم من جنبه، حيث اخترقه سيف، مكونًا بركة على أرضية العربة. 

ضحك بيتريك، ممسكًا بمقبض السيف، كمجنون. 

“أيها الدوق! كل هذا بسببك! لو لم تتدخل، لكانت ليتريشيا دمية مطيعة، وكنت سأصبح دوقًا! لو لم تكن موجودًا!” 

“آه!” 

أدار بيتريك السيف 90 درجة، فاتسع الجرح، وسال دم أكثر. 

في العادة، لم يكن بيتريك ليلمس كيليان، لكن كيليان، الذي يمسك السيف بيد ويحمي ليتريشيا بالأخرى، لم يستطع صده. 

كان تحرك بيتريك يهز العربة بعنف. 

أمسكت ليتريشيا نصل سيف بيتريك. 

“توقف عن لوم الآخرين! أنت من دمر حياتك، بيتريك!” 

“أنا؟ لا تمزحي! ليتريشيا، لا يجب أن تفعلي هذا. أنتِ من يجب أن تفهميني!” 

صرخ بيتريك، محاولاً دفع السيف أعمق. 

“أنتِ وأنا، كلانا منبوذان من عائلاتنا! فلمَ تتظاهرين بالنبل؟ تظنين نفسك مختلفة؟ لو أتيحت لكِ الفرصة، لتصرفتِ مثلي! ما الخطأ في خلق مكاني بنفسي؟ هل يجب أن أعاني هكذا بسبب ذلك؟” 

“بسبب ذلك فقط؟”

تشبثت ليتريشيا بالسيف حتى تمزقت يدها. 

“بسبب أفعالك، كاد الناس يموتون. وتقول إنه ليس سيئًا؟” 

“وماذا أفعل؟ هذا العالم الفاسد هو من نبذني ودفعني للهاوية! ابن غير شرعي، ابن غير شرعي! يحتقرني الجميع، فهل يجب أن أعيش بلطف؟” 

كراك! تحطم فرع الشجرة، عاجزًا عن تحمل وزن العربة. 

“آآآخ!” 

“يااه!” 

بدأت العربة تسقط مجددًا، وصرخ بيتريك وأستارا مذعورين. 

حاول كيليان تثبيت السيف في الجدار، لكن التسارع جعل ذلك مستحيلاً. 

“ابتعدي! أنقذيني أنا أولاً! بسرعة!” 

مدت أستارا، التي فقدت عقلها من خوف الموت، يدها للخارج. 

للوصول إلى الباب، داست على بيتريك الملقى على الأرض، بل دفعته إلى زاوية العربة. 

“مولاتي! أنقذيني! آه!” 

حاول بيتريك التمسك بكاحلها، لكن كعبها الحاد سحق يده. 

“كيف تجرؤ على لمسي بيدك الدنسة؟” 

“مولاتي!” 

اختلط صراخ بيتريك اليائس، وطافت أغراض العربة كأنها بلا جاذبية. 

اختفت بعض الأشياء خارج العربة، تاركة مصيرها واضحًا للجميع. 

امتلأت أعينهم باليأس، مدركين النهاية. 
أغمضت ليتريشيا عينيها استعدادًا للنهاية. 
لكن حينها، لمحت الكتاب الذي سقط أثناء الصراع بين الأغراض الطائرة.

“الكتاب نفسه لفافة انتقال.”

تذكرت كلام جستن فجأة، ومدت ليتريشيا يدها بقوة، لكن أظافر أستارا الحمراء أمسكت الكتاب أيضًا. 

“كنتِ تملكين كتابًا ثمينًا؟” 

لمعت عينا أستارا، كأنها تعرف سر الكتاب. 

رن جرس إنذار في ذهن ليتريشيا. لا يجب أن يُسلب. 

تشبثت ليتريشيا بجانب من الكتاب، بينما أمسكت أستارا بالجانب الآخر، رافضة التخلي. 

عندما وصل الكتاب القديم إلى حده تحت الشد، أفلت كيليان سيفه، وطارت ليتريشيا معه خارج العربة. 

“…” 
تشييك. 

صدى تمزق الكتاب تردد بشكل مخيف في الهواء.

سقطت أستارا مع العربة، وجهها مشوه بشكل غريب.

ارتطم جسدا الاثنين بالجدار دون حماية. 

حاول كيليان سحب السيف من جسده لتثبيته في الجدار، لكن ذلك فشل. 

بدا أن كل شيء انتهى. لكن حينها، بدا أن دخانًا أزرق ينبعث من يد كيليان، يُمتص في الكتاب، ثم بدأت الرؤية تتشوه فجأة.

المترجمة:«Яєяє✨»