الفصل الثاني: هالة العبقرية
「4 فبراير، عام 762
عندما قلت فجأة إنني سأذهب إلى الأكاديمية، نظر إلي أفراد عائلتي وكأنني فقدت عقلي.
قالوا لي: هل تعرفين كم من الصعب اجتياز امتحان دخول الأكاديمية؟ دعينا نؤجلها للعام المقبل لأن هذا العام صعب.
مضحكون، أليس كذلك؟ أنا سأدخل هذه السنة مهما كان.
يجب أن أدخل هذه السنة كي أكون في نفس الصف مع إيزابيلا. لذا لا مجال للنقاش.
تبقى على الامتحان شهر واحد.
هممم… هل ألعب قليلاً أولاً؟」
أغلقت إستيل دفتر يومياتها بقوة، ثم نظرت بهدوء إلى سيدريك الجالس أمامها في العربة وقد عقد ساقيه. كان في يده كتاب مدرسي أساسي في السحر، وُجد بين أغراض إيلين.
شعر سيدريك بنظراتها، فسأل دون أن يرفع رأسه:
“لماذا تحدقين بي؟“
“أتحدث عن والدتي.”
“نعم؟“
“هل أُعيدت امتحان دخول الأكاديمية؟“
رفع سيدريك حاجبًا واحدًا وكأن السؤال لا معنى له، ثم رفع رأسه أخيرًا. هل سمع بشكل خاطئ؟ مرّر يده على وجهه وأجاب بنبرة مذهولة:
“يبدو أنك لا تعرفين شيئًا عن والدتك.”
“بصراحة، لا أرغب في التعرف عليها. امرأة تخلّت عن ابنتها؟ لا يهمني أمرها. أتعاون من أجل السلام العالمي، وليس لأنني مهتمة بها.”
“لقد كانت والدتكِ الأولى على دفعتها في الامتحان.”
الأولى؟! فتاة لم تكن تعرف شيئًا وقررت أن تلعب قبل شهر من الامتحان، كانت الأولى؟ هل تورّطت في فضيحة فساد في القبول أو ما شابه؟
فُغر فم إستيل من الدهشة. وبعد لحظة تردد، أضاف سيدريك:
“الآن وقد فكرت بالأمر، والدك أيضًا كان الأول في العام الذي سبقه عند دخوله الأكاديمية.”
كيف عرف ذلك…؟ بدأت إستيل تشعر بالارتباك وكأن الأدوار معكوسة. وكأنه يقرأ تساؤلاتها، هز سيدريك كتفيه وقال:
“إنهما من المشاهير، بعد كل شيء.”
“هممم…”
في الواقع، حين التقيا لأول مرة، تفاجأ سيدريك من كون إستيل لا تعرف من هو تريستان بلانشيه. بدافع من الفضول، سألت:
“كيف كان أبي؟ هل التقيت به من قبل؟“
“لا.”
“لكنك التقيت الساحرة العظيمة، أليس كذلك؟“
“كونت بلانشيه… لا أدري.”
ظهر الارتباك جليًا على وجه سيدريك. مع أنها لم تسأله شيئًا عظيمًا، إلا أنه بدا عاجزًا عن نطق اسم الرجل. لا شك أن المذبحة الكبرى قبل عشر سنوات كانت مرعبة حقًا.
وقبل أن تغيّر الموضوع، بلع سيدريك ريقه بصعوبة وكأنه حسم أمره وقال:
“قيل إنه لم يكن يختلط بالناس سوى بزوجته. والدتي قالت إنه كان اجتماعيًا أيام دراسته في الأكاديمية… أما بعد زواجه، فـ…”
“بما أنك بدأت الحديث، أكمل للنهاية.”
لم تفهم لمَ يتردد بهذا الشكل. أغلق الكتاب الذي كان يحمله وقال بنبرة مترددة:
“بعد الزواج، لم يغادر قصره لأنه كان ملازمًا للساحرة العظيمة. لم يُعرف عنه أنه ترك زوجته وحدها في المنزل، إلا عندما كانت الساحرة العظيمة تخرج لزيارة قصر الدوقية.”
“هاه؟“
فتحت إستيل عينيها بدهشة. هل هذا يعني أن علاقتهما كانت جيدة…؟ شيء ما لا يبدو منطقيًا. سألت، وهي تميل رأسها:
“هل أتذكر خطأ؟ ألم يخن أبي أمي عندما أبرم عقدًا مع شيطان؟“
“بلى، ولهذا بالضبط كانت قصتهما مشهورة في الأوساط الاجتماعية، لكن بمعنى مختلف.”
الساحرة العظيمة التي أنقذت الكثيرين، وزوجها الذي أصبح عاقد مع شيطان وتسبب بمجزرة… لا يمكن لأحد أن يتجاهل قصة كهذه. والأسوأ؟ أنهما لم يتزوجا بدافع التحالف السياسي، بل بعد علاقة حب قوية، وكانا يبدوان زوجين مثاليين… إلى أن انتهى بهما المطاف بعد عشر سنوات، يحاول كل منهما طعن الآخر في قلبه في ساحة المعركة.
من الطبيعي أن تستمر قصتهما في التداول حتى بعد كل هذا الوقت. وبينما كان سيدريك يزيح الستار من نافذة العربة ليتأكد من اقترابهما من الأكاديمية، سألته إستيل:
“تريستان بلانشيه… أي أبي، لماذا عقد اتفاقًا مع شيطان؟“
“ليتني أعلم… لا أحد يعرف ذلك.”
آه، كم هذا محبط. وضعت إستيل إصبعها على جبهتها بامتعاض.
سواء كان الأمر يتعلق بالساحرة العظيمة أو عاقد الشيطان، فمع أنهما مشهوران، إلا أن هناك الكثير من الأمور غير المعروفة عنهما. تمتمت مستاءة:
“يُقال إنهما مشهوران، لكن لا توجد معلومات كافية عنهما!”
“العلاقة عكسية. بسبب قلة المعلومات، أصبحا مشهورين.”
توهّمها جوابه، وفجأة توقفت العربة ببطء. فتح سيدريك الباب أولاً، ومد يده لها ليساعدها على النزول. وبفضله نزلت إستيل دون أن تتعثر، ثم نظرت إلى مبنى الأكاديمية. ربما لأنها شاهدت القصر الإمبراطوري مؤخرًا، لم تشعر بالدهشة الشديدة، بل بشيء من الإعجاب فقط.
لاحقت سيدريك بخفة وهي تقول:
“ماذا تقصد بأن قلة المعلومات جعلتهم مشهورين؟“
“أعني ما قلت. إيلين إيفرغرين وتريستان بلانشيه كانا مشهورين، لكن لم تكن لديهما الكثير من العلاقات مع الآخرين، لذا بقي الكثير عن حياتهما غامضًا. حتى الصراع الأخير بينهما، لا أحد يعرف أسبابه أو ما حدث فيه.”
“وما علاقة هذا بشهرتهما؟“
“ببساطة، قصة مثالية لتخمينات الناس وإشاعاتهم.”
عندها فقط اقتنعت إستيل. أجل، لا شيء يستمتع به الناس أكثر من النميمة عن علاقات الآخرين. ثم تابع سيدريك وهو ينظر حوله بحذر:
“ولهذا، بدأت قصتهما تنتشر أكثر فأكثر، لتتحول شهرتهما إلى كرة ثلج تتضخم. لا يزال الناس يختلفون حول ما حدث بينهما. وإن عُرف أنكِ ابنتهما، فسيقلب ذلك الوسط الاجتماعي رأسًا على عقب. ولهذا…”
نظر إلى إستيل، التي كانت ترتدي زي الأكاديمية، بعينين قلقين وتنهد.
لو انتشر خبر أن العالم سينتهي بعد خمسة أشهر فقط، سيعم الذعر. ولهذا السبب قررت العائلة الإمبراطورية، وعائلة الدوق، والمعبد، إبقاء نبوءة الساحرة العظيمة بل ووجود إستيل نفسها في طي الكتمان. حتى التفتيش في أرجاء الأكاديمية كان من أسرار المملكة.
ولكن نظرًا لأن سيدريك معروف كابن الدوق، فكان من المستحيل أن يتجول دون لفت الانتباه. لذا، خُطط لإخفاء هوية إستيل باعتبارها طالبة ترعاها عائلة الدوق.
وهو يضع يده على جبينه، فكّر:
في الأكاديمية، لا توجد طقوس انفجار مفاجئة تكشف عن شياطين، ولا توجد مجسات شيطانية تهاجم. أي أنها مكان آمن. ولكن…
“ولكن لو مثلًا، سقط شيء من جيب طالب مارّ بالصدفة، ووقع في يدي… أيمكنني الاحتفاظ به؟“
… مجرّد التفكير في ترك هذه الفتاة وسط الطلاب كان كفيلًا بجعل رأس سيدريك يؤلمه.
هل هذا معقول…؟ وبينما كان يحدق بها، قالت إستيل وهي تحكّ جبهتها:
“حتى لو كان ذلك عن طريق الصدفة؟ لا يجوز؟“
نظر إليها وهي تنتظر جوابه بحماس، وقام ركن فمه بالارتعاش.
آه، إنها لطيف— لا، لم يكن هذا ما كان يجب أن أفكر به…
سعل بصوت خافت وقال بحزم:
“لا يجوز. حتى لو تدحرج المال أمامك قائلًا: التقطيني، لا تلمسيه.”
“مستحيل. مَن وجد شيئًا على الأرض، يصبح ملكه…”
“لا يجوز إثارة المتاعب. حادثة صغيرة قد تكشف هويتك الحقيقية. وإذا بدأت الفوضى، فلن يمكننا إيقافها، لذا أرجوكِ تعاوني.”
هزّت إستيل رأسها بتكشيرة حزينة. ثم تساءل سيدريك فجأة. لماذا تصر على السرقة؟ أمال رأسه وسأل:
“هل تحتاجين شيئًا؟“
“لا؟“
“إذا أردتِ شيئًا، يمكنني تأمينه لك، فقط لا تلمسي ممتلكات الغير—”
“ليس الأمر كذلك…”
ترددت قليلًا ثم قالت وهي تراقب تعابير وجهه:
“أعني، الشعور بالإنجاز حين أنجح بسرقة شيء بنفسي… إحساس أنني فعلت شيئًا بقدراتي الخاصة… هذا شعور جيد…”
الإنجاز؟ بالسرقة؟
آه، لا أمل منها. لم يجد ما يقوله فاستدار بصمت واتجه إلى مكتب عميد الأكاديمية.
“آه، انتظرني!”
أسرعت إستيل خلف سيدريك الذي تقدّم بخطى طويلة ومتسارعة.
* * *
لكي يتمكّنا من التجوّل في أرجاء الأكاديمية، كان من الطبيعي أن يحتاجا إلى إذن من العميد. فأكاديمية القارة، كونها أفضل مؤسسة تعليمية على الإطلاق، يشغل منصب عميدها شخصٌ نبيل ومشغول لدرجة أنه لا يمكن مقابلته دون حجز موعد قبل عدة أشهر.
بمعنى آخر، من المستحيل أن يستقبل شخصًا غريبًا من خارج الأكاديمية ظهر فجأة دون سابق إنذار… لكن، عندما اقتحم وريث دوقية إرنيست المكان وهو يحمل رسالة توصية من العائلة الإمبراطورية، لم يكن حتى العميد قادراً على تجاهل الأمر.
“هاها، إذن تنوون إلحاق الآنسة إيميلي هنا، كما فهمت؟“
“جلالته يرى أن أنبغ العقول يجب أن تُربّى في أفضل المؤسسات التعليمية.”
ورغم أن الموقف لم يكن متوقعًا، بدا العميد مرتاح الملامح. فقد وافق بكل ترحاب على طلب سيدريك الذي أراد أن يقوم بجولة في الأكاديمية قبل أن يسجل قريبة بعيدة له ــ وهي في الحقيقة إستيل المدهشة ــ والتي نالت رسالة توصية شخصية من الإمبراطور نفسه.
سارت المحادثة في أجواء ودية للغاية. لكن ذلك لم يدم طويلاً… فقط حتى طُرِح الموضوع الحقيقي.
وضع سيدريك فنجان الشاي من يده وسأل بهدوء:
“يقول جلالته إن إيدغار لوران، من معهد الأبحاث السحرية الإمبراطوري، وصل إلى هنا قبل أيام كبروفيسور.”
“… نـ… نعم!”
ما هذا؟ تأكيد متأخر وغريب بعد لحظة من الصمت؟ رفع سيدريك حاجبه قليلًا وهو يحدّق في العميد بصمت. وما إن فعل حتى بدأ العميد يتوتر فجأة، يدفع نظارته إلى أعلى أنفه مرارًا وهو يتمتم بتلعثم:
“أ… أنتم… تبحثون عن البروفيسبور إيدغار لوران، تقصدون؟…”
وفور ذكر اسم إيدغار، تغيرت ملامح العميد بشكل واضح إلى السواد.
ترجمة : سنو
انستا : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل " 31"