المقدمة:

على الرّغمِ من أنّ الغرفة لم تكنْ خاليةً من الناس، إلا أنّها كانتْ مليئةّ بصمتٍ ثقيل. فتح إيلارد الباب و دخل دون تردّد. اقترب من هيلين، التي كانت جالسة علَى السّرير و كأنها فقدتْ روحها، و فتحَ فمه.

“ما الذي فعلتِه لتُجهضي؟”

“لمْ أفعل… شيئًا.”

أجابتْ هيلين بشفتين جافتين، و هي تحرّكُهما ببطء. كانَ من الواضحِ من لون بشرتها الشاحب الخالي من الحياة أنّها تعاني من ألمِ الإجهاض. و معَ ذلك، لم يكترث إيلارد.

“انهضي. هل نسيتِ أنّ هناك حفلًا في القصر الإمبراطوري اللّيلة؟ استعدي.”

“سيدي الدوق، السيدة ليست في حالةٍ صحيّة جيدة حاليًا. إنّها بحاجةٍ إلى مزيدٍ من الرّاحة.”

تحدّث طبيب عائلة الدّوق، الذي كانَ واقفًا بجانبهما مُطأطئ الرّأس، و قبضَ على يدهِ وهوَ ينظر إلى إيلارد. لم يكن غير خائف من الدوق، لكن يبدو أنه شعرَ بواجبهِ كطبيب لحماية مريضته.

“ليست الدّوقة وحدها مَن تشعرُ بالحزن لفقدان الطّفل. لكن لا داعي لإظهارِ ذلك علنًا لكسبِ الشّفقة. ساعديها في الاستعداد.”

ردّ إيلارد ببرودٍ على كلام الطبيب، و أمرَ الخادمة المجاورة بتجهيز هيلين، ثمّ غادرَ الغرفة فورًا.

“كيفَ يمكنُ أن يكونَ بهذا البرود…”

نظر الطّبيب إلى هيلين بعيون قلقة. كانت قد أجهضتْ للتّو، ولم تكن في حالةٍ تسمح لها بالذهاب إلى أيّ مكان.

رفعتْ هيلين الغطاء ببطء وقالت:

“يجب أنْ أرتدي ملابسي، فمِنَ الأفضل أن تخرجَ الآن.”

“لكن، سيدتي! في حالتكِ هذه، من المؤكد أنكِ ستنهارين إذا ذهبتِ!”

“لا بأس.”

ابتسمتْ هيلين بضعف.

“حتَى لو كانَ الإجهاض قدْ حدثَ في بداية الحمل، فهو لا يختلفُ عن الولادة! يجبُ أن ترتاحي.”

“لكن… لم يَعدْ هناكَ طفل.”

عندَ كلمات هيلين، صمتَ الطّبيب. كانت عيناها تطالبان بألاّ يتحدّثَ أكثر.

خرجَ الطّبيب مضطرًا بعدَ أنْ انحنى بتحية، بينما نهضتْ هيلين بصعوبةٍ متكئة على السرير، و اتّجهت إلى طاولة الزينة و جلست.

“ليليث، أحضري الفستان. سأحتاج إلى مكياج أكثر منَ المعتاد، فانتبهي لذلك.”

“حسنًا.”

أحضرت ليليث، الخادمة التي كانت ملتصقة بهيلين منذُ البداية، فستانًا مِن خزانةِ الملابس. كان فستانًا أحمرَ مزخرفًا بخيوط ذهبية، فخمًا للغاية.

كانَ الفستان الأحمر و الذهبيّ، رمز إيلارد إيفرسيوم، وكأنّه يجمع كل فخامة العالم.

“سأساعدكِ في تغيير الملابس، و تصفيف الشّعر، و المكياج.”

“حسنًا.”

لم يكنْ هناكَ حوارٌ بينهما أثناءَ التّحضير. لم تكن هيلين ولا ليليث من النّوع الثرثار، وكان الوضع كما هو.

بعد الانتهاء من التّحضير، بدت هيلين، بفضل المكياج الذي أضاف لونًا إلى وجهها، كزهرة وردة متفتحة.

بدأتْ تشعرُ بألمٍ في مفاصلها بسبب الإجهاض، لكنها عضّت على أسنانها و أدخلت قدميها في حذاء بكعب عالٍ أحضرته ليليث.

على الرّغم منَ الإحساسِ الواخز الذي انتقل من أصابع قدميها إلى أعلى، لم تُظهر ذلك.

ثم خرجتْ من الغرفة و نزلت السّلالم. كبتت هيلين الأنين الذي كادَ ينفجر منها، و سارتْ بحركات أنيقة لا مثيلَ لها إلى جانب إيلارد، الذي كانَ ينتظرها.

ألقى إيلارد نظرةً سريعة على الدّوقة المثاليّة، ثم رافقها إلى العربة.

انطلقت العربة التي تُقلّ الاثنين نحو القصر الإمبراطوريّ. طوال الطريق إلى قاعة الحفل، ساد الصّمت داخل العربة، لا يختلف عن صمت غرفتها.

بعد فترةٍ طويلة من الصّمت، وصلا أخيرًا إلى القصر الإمبراطوري، و سارت هيلين ببطءٍ بمرافقة إيلارد.

شعرتْ هيلين أنّ فتح باب قاعة الحفل كانَ كفتح بوّابة جهنمية فخمة.

كانتْ القاعة المضيئة ببريقها مليئةً بالناس، يتجمعون في مجموعاتٍ صغيرة و يتبادلون الأحاديث.

كانت هيلين منشغلة بإلقاء الابتسامات على الأشخاص الذين تجمعوا حول إيلارد، الدّوق.

أعلن خادم بصوتٍ عالٍ عن وصول شخص آخر.

“صاحب السمو وليّ العهد سلسيون أرفاتا نيتسيان يدخل!”

انحنى الجميع في القاعة احترامًا للأمير الإمبراطوري.

“يسعدني حضوركم جميعًا. أتمنّى أنْ تستمتعوا بالحفل.”

برخصة الأمير، رفعت هيلين رأسها مع الآخرين، ممسكةً بمروحتها لإخفاء إرهاقها. كانت ساقاها الضّعيفتان ترتجفان، و كانتْ يدها التي تمسك المروحة مشدودةً بقوّة.

تقاطعت عينا سلسيون، الذي كانَ يتفحّصُ الوجوه فِي القاعة، مع عينيّ هيلين، و بقيَ نظره عليها لفترةٍ طويلة. ثم تصلب تعبيره بشكلٍ طفيف، غير مُلاحَظ.

كانَ إيلارد، الذي يقفُ بجانب هيلين، يراقب ذلك.