“كانت قاعة الحفل صاخبة جدًّا بسبب خبر حمل سموّ الدّوقة، فسمعتُه رغمًا عنّي. تهانيّ الحارّة.”
“…شكرًا.”
“سأقيم حفلة شاي قريبًا، فهل يمكنني إرسال دعوة لكِ؟”
سيلينا تريد دعوتي؟
ما الذي تخطّط له؟
كانت سيلينا لا تزال تبتسم بمرح. و عندما تردّدتُ في الرّد، أضافت كلمة أخرى:
“أريد أن أعتذر عمّا حدث في الماضي أيضًا. لم يعد لديّ أيّ نية لإيذاء امرأة حامل.”
“حسنًا. أرسليها.”
“نعم. شكرًا لكِ. سأرسل الدّعوة قريبًا.”
تراجعت سيلينا والآنسات بسهولة، و كأنّ هدفهن الحقيقي كان الدّعوة فعلاً.
هل تريد الاعتذار؟
هل هي صادقة حقا؟
صادقة كانت أم لا، لا يهمّ.
يمكنني رفض الدّعوة . أردتُ فقط الخروج من قاعة الحفل الآن.
في كلّ مكان أذهب إليه، يحجب النّاس الطّريق بثرثرتهم، فلا أستطيع التقدّم و لا التّراجع، حتّى دخل سيلسيون.
تجمّع حوله أتباع الإمبراطور، أو بالأحرى أتباع وليّ العهد بدقّة. تحدّث معهم قليلاً، ثمّ جال بنظره في القاعة فالتقت عيناه بعينيّ.
رسم سيلسيون ابتسامة مريرة ثمّ أشاح بنظره. عاد للحديث مع النّاس ثمّ خرج من القاعة.
ما ذلك التعبير؟
تساءلتُ لماذا رسم ذلك التّعبير، لكنّني لستُ قريبة منه لأتبعه و أسأله.
بعد أن بقيتُ فترة أطول أتحدّث مع النّاس، اجتاحني التّعب و الضّيق.
لا يمكنني تحمّل المزيد. يجب أن أخرج لأتنفّس هواءً نقيًّا.
“سأعتذر للحظة.”
استأذنتُ من بعض السيّدات اللواتي كنّ يتحدّثن معي، و أخيرًا تمكّنتُ من الخروج من القاعة.
“آه، أشعر أنّني عدتُ إلى الحياة.”
ما إن خرجتُ إلى مكان مفتوح حتّى شعرتُ أنّني أتنفّس.
“ربّما سأجلس قليلاً ثمّ أعود.”
توجّهتُ نحو مقعد في مكان أبعد عن مدخل القاعة. إذا كان قريبًا جدًّا، سيمُرّ النّاس كثيرًا و يرونني.
عندما وصلتُ إلى مقعد في زاوية الحديقة، رأيتُ ظلًّا أسود كأنّ أحدًا جالس هناك.
مَنٔ هناك؟
اقتربتُ ببطء من المقعد، فبدأت ملامح الجالس تتّضح. كان سيلسيون الذي خرج قبلي بوقت طويل.
هل كان هنا منذُ ذلك الحين؟
بينما أفكّر هل أعود أم لا، التقت عيناي بعينيه. فلم يكن أمامي خيار سوى الاقتراب أكثر، ثمّ انحنيتُ بأدب وسلّمتُ:
“أقدّم التّحيّة لسموّ وليّ العهد.”
“السيّدة هيلين. هل خرجتِ وحدكِ؟”
“نعم.”
ابتسم سيلسيون الجالس على المقعد بينما ينظر إليّ.
هل أنا مخطئة إذا قلتُ إنّ فمه يبتسم لكنّ عينيه تبدوان حزينتين؟
“إذا بقيتِ وحدكِ هكذا، ألن يشعر الدّوق بالقلق؟”
“أنا مع سموّكَ الآن.”
“…هذا صحيح.”
ازدادت ابتسامته عمقًا عند سماع كلامي. ثمّ عـمّ الصّمت بيننا لأنّنا لم نتحدّث.
مرّت نسمة هواء بيننا.
عضّ سيلسيون شفتيه طويلاً متردّدًا، ثمّ سأل بحذر:
“السيّدة هيلين.”
“نعم.”
“أعرف أنّ هذه وقاحة، لكنّني أريد التّأكّد، لذا أريد أن أسأل: هل خبر حملكِ صحيح؟ تصرّفاتكِ تبدو مختلفة عن الشّائعات في المجتمع…”
“لم أتوقّع أن يكون السّؤال مباشرًا لهذه الدّرجة.”
“آسف. الأمر مهمّ جدًّا بالنّسبةِ إلي.”
تعبير سيلسيون لم يبـدُ آسفًا أبدًا. بل كانت عيناه تلمعان بالعزيمة.
هل يمكنني قول الحقيقة لسيلسيون؟
حتّى و إن لم أكـن هيلين الأصليّة؟
لم أتردّد كثيرا. حتّى لو عرف أنّني لستُ حاملاً، لا أعتقد أنّ سيلسيون سيؤذيني.
لكن لا داعي أصلاً لأخبره بالحقيقة.
“للإجابة على سؤال سموّك، أنا لم أؤكّد و لم أنفِ أيّ شائعة تتعلّق بالدّوق.”
أغلق سيلسيون فمه لحظة بعد سماع كلامي، وكان على وشكِ الكلام مجدّدًا.
“أين ذهبتِ؟ ها أنـتِ هنا. الهواء بارد، لماذا لا تبقين في الدّاخل؟”
ظهر إيلارد فجأة و قاطعنا. رغم أنّ النّسيم كان دافئا نسبيًّا الآن.
اقترب منّا و عندما رأى سيلسيون ، انحنى بأدب وقال:
“أقدّم التّحيّة لسموّ وليّ العهد.”
“الدّوق إيلارد. يبدو أنّكَ خرجتَ للبحث عن الدّوقة.”
“نعم. إنّها في فترة يجب أن تعتني فيها بصحّتها.”
خلع إيلارد سترته و وضعها على كتفيّ و أجاب.
تمثيل كاذب طبيعيّ حتّى أمام أحد أفراد العائلة الإمبراطوريّة.
“…حسنًا. استمتعا بوقتكما. سأعود إلى الدّاخل.”
“نعم. أتمنّى لسموّكَ أمسية طيّبة.”
نهض سيلسيون دون تردّد بعد كلام إيلارد و غادر.
نظر إيلارد بفخر إلى ظهر سيلسيون البعيد و سألني:
“عن ماذا كنتما تتحدّثان؟”
“لم نتحدّث عن شيء خاصّ. تصادفنا فقط فقمنا بإلقاء التحية.”
“لقد مرّ وقت طويل منذ خروجكِ لمجرد إلقاء تحيّة.”
“مرّ الوقت و أنا أتجوّل في الحديقة فقط.”
“لا أريد أن أراكِ مجدّدًا وحدكِ مع وليّ العهد. هيّا نعـد إلى القصر الآن.”
بدأ إيلارد يمشي أوّلاً بعد أن انتهى من كلامه. تبعته مضطرّة. و في الوقت نفسه، كنتُ سعيدة لأنّني لم أعـد أريد العودة إلى القاعة.
* * *
ما إن خرج إيلارد و هيلين حتّى عادت ليليث التي بقيت وحدها في قصر الدّوق إلى غرفتها.
في الحقيقة، كانت تعرف بالفعل. أنّ إيلارد لن يأخذها إلى مناسبة رسميّة. كانت ليليث تتوسّل فقط لتنتزع المزيد.
كما يُعطى الباكي رغيفًا إضافيًّا، إذا بقيت صامتة فستحصل على الأساسيّات فقط، لكن كلّما طلبت و توسّلت حصلت على المزيد، فكان ذلك بالنّسبة لها تصرّفًا طبيعيًّا. و إن حالفها الحظّ و جلسَت على كرسيّ الزّوجة الشّرعيّة فسيكون أفضل.
بعد أن تقلبّت و لعبت لفترة، أمرت ليليث الخادمة التي تمسح النّوافذ:
“أحضري شايًا و شيئًا للأكل. طفلي يريد حلوى.”
أومأت الخادمة برأسها دونَ ردّ و خرجت.
بعد قليل، عادت الخادمة بصينيّة عليها الشّاي و الحلوى. بينما كانت ليليث جالسة على الأريكة تراقبها و هي تضع الكأس على الطّاولة، تذكّرت شيئًا:
‘ذلك الشّاي! لا يزال في غرفة هيلين!’
الشّاي الذي قال إيلارد إنّه قد يسبّب الإجهاض كان في الحقيقة الشّاي الذي كانت ليليث تحضّره لهيلين يوميًّا. سمعت أنّه مفيد للجسم فقط، ولم تكن تعرف هي نفسها عن هذا التّأثير الجانبيّ.
‘يجب أن أدخل خلسة الآن و آخذه. إذا اكتشفت هيلين الأمر لاحقًا…’
ما إن فكّرت في الاحتمال البعيد حتّى شعرت بالدوار. يجب ألّا تعرف هيلين ذلك على الإطلاق. و بالطّبع إيلارد أيضًا.
نهضت ليليث فجأة و توجّهت إلى غرفة هيلين.
تبعتها الخادمة التي كانت تحضّر الشّاي بدهشة.
عندما وصلت ليليث إلى باب غرفة هيلين في الجهة المقابلة من الرّواق و أمسكت المقبض:
“إلى أين تحاولين الدّخول الآن؟”
“…بيكا؟”
هرعت بيكا التي كانت تصعد الدّرج و وقفت أمام ليليث لتمنعها من الدخول.
تفاجأت ليليث للحظة، لكنّها سرعان ما استعادت وقاحتها، رفعت ذقنها بتعالٍ و قالت:
“تركتُ شيئًا داخلها. سأستغرق لحظة فقط، فتنحّي.”
“كيف تجرؤين على دخول غرفة السيّدة دون إذن؟”
“ما المشكلة؟ أنا الآن مختلفة عنكِ، فمن الأفضل ألّا تتحدّثي معي بفظاظة.”
عندما سخرت ليليث، رفعت بيكا أحد جانبي فمها و سخرت بدورها:
“كلانا من عامّة الشّعب، فما الفرق بيننا؟ لا تتوهّمي، أنـتِ لستِ عشيقة رسميّة حتّى.”
“لا أحد يعرف المستقبل. تنحّي بسرعة. إن أردتِ البقاء طويلاً في قصر الدّوق، فعليكِ أن ترضيني.”
“أين تنبح هذه الكلبة؟ مهما كانت مؤامراتكِ فأنـتِ تحلمين فقط.”
بسبب كلام بيكا المهين، ارتفع غضب ليليث فصرخت:
“يا هذه! ألم تسمعي أنني أخبرتكِ بالتّنحي عن طريقي؟ ابتعدي!”
“لا يمكنني دون إذن السيّدة!”
“يا لكِ من…”
“آه!”
غضبت ليليث إلى أقصى حدّ فأمسكت شعر بيكا و هزّته. لم تستطع بيكا أن تفعل شيئًا لليليث الحامل، فأمسكت رأسها فقط و هي تصرخ بينما تهزّها ليليث.
أصبح القصر في حالة من الفوضى، فتجمّع الخدم من كلّ مكان و حاولوا تفريق الاثنتين.
تحوّل قصر الدّوق إلى ساحة معركة.
* * *
حتّى قبل أن ندخل القصر، شعرتُ أنّ هناك شيئًا غير طبيعيّ.
شعور بالفوضى و الضّجيج.
و ما إن دخلنا حتّى رأينا الخدم يهرعون مذعورين عند رؤيتنا، فأدركنا أنّ شيئًا ما حدث.
“ما الأمر؟”
“الأمر أنّ…”
شعر إيلارد أيضًا أنّ شيئًا غير طبيعيّ، فعبس وقال للخادم الذي خرج لاستقبالنا. تردّد الخادم و تلعثم ثمّ أجاب:
“يبدو أنّ السيّدة ليليث و بيكا تشاجرتا. السّيد سام يحاول تهدئتهما الآن لكنّ…”
ليليث و بيكا؟
ما الذي حدث بالضّبط؟
“لم يستطع حتّى إيقاف شجار نساء تافه؟ تسك. يبدو أنّ سام كبر في السّن.”
“نحن آسفون.”
“سيدي الدّوق!”
عبس إيلارد بضيق و هو يصدر صوت استياء. في تلك اللحظة، رأتنا ليليث من الطّابق العلوي فهبطت الدّرج مسرعة بوجه مظلوم:
“ما سبب كل هذا الضّجيج؟”
“لم يكن شيئًا كبيرًا. بالأحرى، فكّرتُ في شيء أريده…”
اقتربت ليليث منّا، و تعلّقت بذراع إيلارد رغمَ سؤاله البارد، و نظرت إليه بصوت متدلّل:
“ما هو؟”
سأل إيلارد ببرود، فتركت ليليث ذراعه و اقتربت منّي. أشارت إلى عقدي و قالت:
“هـذا.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"