تغيرت ملامح وجه إيلارد فسأل الخادم:
“ما الأمر؟”
“تقول إنّ بطنها يؤلمها! يبدو أنّه من الأفضل أن تذهبَ لرؤيتها بسرعة!”
“اذهب و أحضر الطّبيب الخاص فورًا.”
أمر إيلارد الخادم، ثمّ ترك هيلين و صعد الدّرج مسرعًا نحو غرفة ليليث.
‘هل يمكن أن يصيب الطّفل مكروه هذه المرّة أيضًا…’
لا، مستحيل. يجب ألّا يحدث ذلك أبدًا.
لم يستطع إيلارد إخفاء قلقه. لم يعد يعرف هل قلبه يخفق بسرعة لأنّه يصعد الدّرج راكضًا، أم أنّ القلق هو ما يجعله يخفق هكذا.
كانت غرفة ليليث في حالة فوضى عارمة عندما وصل. لقد كانت ليليث ترمي الأشياء و تنفّس غضبها على الخدم الآخرين و هي تصرخ أنّ بطنها يؤلمها.
“يؤلمني جدًّا! إذا أصاب طفلي مكروه فستتحمّلين أنـتِ المسؤولية؟! افعلوا شيئًا بسرعة!”
بـدت فعلاً تعاني من الألم، فكانت تمسك بطنها وهي مستلقية على السّرير، و العرق البارد يتصبّب من جبينها.
“هل أنـتِ بخير؟ أين تتألمين بالضّبط؟”
هرع إيلارد إلى جانبها و سأل. ما إن تأكّدت ليليث من حضوره حتّى ارتاحت ملامحها فورًا وأجابت:
“سيدي الدّوق… بطني يؤلمني جدًّا منذُ قليل. يبدو الألم و كأنّ أحدًا يركلني، أنا خائفة جدًّا.”
“سيصل الطّبيب الخاص قريبًا ليفحصكِ. تحمّلي قليلاً حتّى يأتي. أنـتِ، اذهبي و أحضري منشفة ماء دافئ.”
قام إيلارد بتهدئة ليليث و أمر الخادمة التي تقف عند الباب. خرجت الخادمة مسرعة و جاءت بمنشفة ، فمسح إيلارد بنفسه وجه ليليث.
ربّما بفضل إيلارد، هدأت ليليث سريعًا. سرعان ما دقّ الخادم الباب و دخل برفقة الطّبيب الخاص.
“تقول إنّ بطنها يؤلمها، افحصها جيّدًا و اتّخذ كلّ الإجراءات الممكنة.”
“حسنًا. إذن للحظة.”
تفحّص الطّبيب ليليث بجدّية طويلة وسألها:
“هل نزل دم أو شيء من هذا القبيل؟”
“لا. لم يحدث نزيف أبدًا.”
“حسنًا. لحسن الحظ لا توجد مشكلة كبيرة.”
“إذن لماذا تشعر بألم في بطنها؟”
سأل إيلارد الطّبيب باستغراب. أيّ أحد كان سيرى أنّ ليليث كانت تعاني قبل قليل. يبدو أنّها كانت لا تزال تملك طاقة كافية لتعبث بالغرفة.
“في بداية الحمل من الطّبيعي أن تشعر ببعض الألم في البطن. يبدو أنّ الرّحم يتمدّد، و هذا عرض شائع جدًّا، فلا داعي للقلق. ما دامت تأخذ قسطًا كافيًا من الرّاحة فلن تكون هناك مشكلة.”
“و هل هناك أمور أخرى يجب الانتباه لها؟”
“نعم. عندما يبدأ غثيان الحمل ستصبح الأمور أصعب قليلاً، لكن حاليًّا لا يبدو أنّ هناك ما يستدعي القلق. بل إنّ المشي الخفيف موصى به حتّى.”
“حسنًا. شكرًا على تعبكَ.”
“سأنصرف إذن، يمكنكَ طلبي في أيّ وقت.”
جمع الطّبيب أغراضه بهدوء، قدم تحية ثمّ خرج.
ما إن خرج الطّبيب حتّى نظرت ليليث التي كانت صامتة إلى إيلارد بعينين مليئتين بالقلق وسألته:
“يقول أنه لا توجد مشكلة مع أنني أتألم لهذه الدّرجة، ألم يخطئ هذا الطّبيب في الفحص؟”
“هو ليس شخصًا نحتفظ به و ندفع له راتبه عبثًا. ركّزي الآن فقط على الرّاحة.”
“هااه… أريد أن أشرب بعض الشّاي. اذهبي و أحضريه.”
تنفّست ليليث بعمق لتضبط أنفاسها ثمّ أمرت الخادمة التي عند الباب.
سرعان ما عادت الخادمة حاملة صينيّة عليها إبريق شاي و كأسين، فقامت ليليث من السّرير و دعته:
“اشرب الشّاي معي من فضلك. سأشعر براحة أكبر هكذا.”
“حسنًا.”
جلس إيلارد على الأريكة المقابلة لها، لكنّ ليليث قامت مجدّدًا و انتقلت لتجلس بجانبه.
لم يطلب منها إيلارد العودة إلى المقعد المقابل. مثل هذه التّفاصيل الصّغيرة لم تكن تهمّه.
المهمّ هو أنّ ليليث تحمل طفلاً من دمه.
وضعت الخادمة الكأسين و إبريق الشّاي أمامهما ثمّ خرجت.
رفعت ليليث الكأس إلى شفتيها، لكن في اللحظة التي أرادت أن ترتشف منه، انتزع إيلارد الكأس من يدها.
تفاجأت ليليث و فتحت عينيها بدهشة وسألت:
“سيدي الدّوق…؟”
“مَنٔ الذي أعطى هذا الشّاي لامرأة حامل؟”
“لم يعطه لي أحد بالضّبط… إنّه الشّاي الذي كنت أحبّه… سمعت أنّه يأتي من بلاد بعيدة.”
أجابت ليليث بصوتٍ خافت، فوضع إيلارد الكأس على الطّاولة و حذّرها:
“لا تشربيه مجدّدًا أبدًا حتّى تلدي الطّفل بسلام. هذا الشّاي قد يسبّب الإجهاض.”
“لم… لم أكن أعلم. لن أشربه أبدًا بعد اليوم.”
“حسنًا. يكفي أن تحذري من الآن فصاعدًا.”
ارتجفت ليليث المصدومة بوجه متصلب، فاحتضنها إيلارد برفق و قام بتهدئتها بلطف.
‘من الطّبيعي أن تصدم، فقد طلبته دونَ أن تعلم.’
يا لها من صدمة… أن يكون الشّاي المفضّل لديها سببًا للإجهاض.
خفّف إيلارد من روعها بصوتٍ رقيق:
“إذا اشتهيتِ شيئًا فكليه دون تردّد. سأوصي خصوصًا بمراقبة كلّ ما تأكلينه حتّى التّفاصيل الصّغيرة.”
“نعم، شكرًا لك.”
“هل تحتاجين شيئًا آخر؟”
هزّت ليليث رأسها نفيًا لسؤال إيلارد. كان يوفّر لها كلّ شيء بما يكفي حتّى دون أن تطلب.
“إذن من الأفضل أن ترتاحي الآن.”
“هل ستذهب بهذه السّرعة؟”
“نعم. إذا شعرتِ بالألم مجدّدًا فاستدعي الطّبيب.”
“حسنًا.”
رغم أسف ليليث الواضح على وجهها، نهض إيلارد و غادر دون تردّد. كان عليه أن يمرّ على هيلين لأنّ لديه ما يقوله لها.
خرج من غرفة ليليث بعد أن ودّعته، و اتّجهت خطواته نحو الغرفة المقابلة.
* * *
لم أستطع العودة إلى غرفتي إلّا بعد أن رأيت إيلارد يصعد الدّرج راكضًا. أصبح القصر فجأة في حالة من الفوضى، و استغللتُ الفرصة لأهرب إلى غرفتي تقريبًا.
لا بأس.
بل ينبغي أن أشكره، فقد أصبحت المدّة التي أقضيها معه أقل.
لم يعد لقاؤه يسعدني كما كان عندما استيقظتُ في هذا الجسد و اكتشفتُ أنّني حامل، و هذا أمر طبيعيّ بالطّبع.
عندما عـدتُ إلى غرفتي، جلستُ أمام المرآة دون أن أغيّر ملابسي، منشغلة تمامًا بتعلّم كيفيّة استخدام كرة التّسجيل الصّوتي التي اشتريتها.
المشكلة هي كيف أحملها معي دائمًا و أسجّل دون أن يلاحظ أحد.
طق.
ضغطتُ على الفتحة الصّغيرة فبدأ التّسجيل.
طق طق.
ضغطتان توقف التّسجيل.
طق.
ضغطتُ لأبدأ التّسجيل مجدّدًا، في نفس اللحظة التي دقّ فيها إيلارد الباب و دخل الغرفة.
أخفيتُ كرة التّسجيل بسرعة بين مستحضرات التّجميل، و نظرتُ إليه بتعبير من الدّهشة والاستغراب.
لماذا أتى إيلارد إلى غرفتي؟
اقترب منّي سريعًا وقال بصوت خالٍ ليس بمرتفع أو منخفض:
“اعتني بذلك الطّفل جيّدًا.”
“……”
جاء بنفسه إلى غرفتي فقط ليقول مثل هذا الهراء؟
عندما لم أجب، فتح إيلارد فمه مجدّدًا بصوت أكثر برودة من ذي قبل:
“بفضل ذلك الطّفل استفدتِ أنتِ أيضًا كثيرًا، أليس كذلك؟ حتّى لو لم تعبّـري عن شكركِ علانية، أليس من واجب سيّدة القصر الطّبيعي أن تعتني بمَنْ تحمل وريثي؟”
“تتحدّث الآن و كأنّكَ كنتَ تعترف بي يومًا كسيّدة القصر. و علاوةً على ذلك، منذُ متى أصبح من واجب الزّوجة أن تعتني بالخادمة التي تحمل طفل زوجها؟ متى ظهر هذا الواجب في الإمبراطورية؟”
كان التّسجيل جاريًا، فلم أعـد أستطيع الصّمت، فرددتُ عليه كلمة كلمة بوضوح. تجعد ما بين حاجبي إيلارد و ارتفع أحد جانبي فمه ساخرًا.
“و ما الذي يمكنكِ فعله إن لم تطيعي كلامي؟ هل ستتنازلين عن منصب دوقة؟ ليست لديكِ الشّجاعة و لا المبرّر لذلك أصلاً.”
“……”
“يكفي أن تظليّ كما كنتِ دائمًا: تبتسمين بهدوء و تقفين بجانبي فقط. هكذا سيكون الجميع سعداء، أليس هذا أمرًا بسيطًا جدًّا؟”
“……”
اقترب إيلارد حتّى كدتُ أشعر بأنفاسه، ثمّ همس:
“لذلك توقّفي عن التفوه بمثل هذه الرّدود السّخيفة. إذا عرفتِ مكانتكِ فأغلقي فمكِ كما في السابق و استمعي لكلامي، أيتها الدّوقة.”
“لا، أنا…”
“قلتُ لا تردي عليّ.”
“……”
لم أكن أنوي طاعته، لكنّني أردتُ أن أتحقّق بسرعة مما إذا كانت الكرة تسجّل جيّدًا، فأغلقتُ فمي.
ربّما ظنّ أنّني أطعته لأنّني لم أرد، فابتعد عنّي و غادر الغرفة فورًا.
“هااه…”
لحسن الحظ انه لم ينتبه.
كدتُ أموت من التّوتر. لو دقّق النّظر لكان اكتشف الأمر.
التقطتُ كرة التّسجيل و تحقّقت من أنّ التّسجيل تمّ بنجاح. لم تكن جودة الصّوت واضحة جدًّا لأنّها ليست من النوع الباهظ الثّمن، لكنّه كان يكفي لتمييز الصّوت و فهم الكلمات.
يمكن لكرة واحدة أن تسجّل خمس مرّات فقط.
عدد قليل جدًّا مقابل السّعر، لكنّ هذا هو الواقع، فحتّى هذه يصعب الحصول عليها.
بينما أفكّر كيف أحمل الكرة معي دائمًا، فتحت ميا الباب و دخلت و قالت:
“سيّدتي، بينما كنتِ في الخارج وصل الطّلب الذي طلبتِه، فأحضرته لكِ.”
“آه، أحضريه إليّ.”
وضعت ميا صندوقًا مغلّفًا كبير الحجم نسبيًّا.
لم تقل شيئًا، لكنّ عينيها كانتا تلمعان بالفضول وهي تنظر إلى الصّندوق.
و لها الحقّ في ذلك.
فخلال كلّ المدّة التي عملت فيها في القصر، لم تراني أشتري شيئًا من الخارج قطّ.
“هل أنتِ فضوليّة؟”
“نعم. كان ثقيلاً جدًّا، ماذا اشتريتِ؟”
“خمّني.”
“همم… مجوهرات؟ لا، ثقيل جدًّا لذلك. هل هو كميّة كبيرة من مستحضرات التّجميل؟”
“افتحيه.”
“حسنًا.”
بدأت ميا بفكّ غلاف الصّندوق بناءً على كلامي. أخيرًا رفعت غطاء الصّندوق، و ما خرج من الدّاخل هو…
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"