“هل كل ما تشعرين به تجاهي هو مجرد راحة واطمئنان، يا سيدة بريسيبي؟”
سألها فينريك بصوت منخفض، وكان قد اقترب منها حتى بات أمام وجهها مباشرة.
ربما كان السبب هو هذا السؤال الذي لم تتوقعه أبدًا. أو ربما لأنهما كانا قريبين جدًا بهذا الشكل.
فنسيت بريسيبي حتى كيف تتنفس، وظلت تنظر إليه مجمدة في مكانها.
“هل حقًا… هذا كل شيء؟”
مع هذا السؤال المتتابع، اهتزت عينا بريسيبي البنفسجيتان بعنف وهي تنظر إلى فينريك.
منذ ذلك اليوم الذي مات فيه أتاري، ومنذ أن التقت فينريك في ذلك البستان، جرت الكثير من الأحداث.
ظنّت فينريك في البداية شخصًا مريبًا وخطيرًا، ووعدت نفسها بأن تبقى على حذر تام وألا تتورط معه أبدًا.
لكن، كانت هناك لحظات معاكسة لذلك. بل كانت كثيرة. مثل هذه اللحظة تمامًا.
فجأة، أصبح فينريك الشخص الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هذا العالم اللعين.
وأصبح وجوده شيئًا يمكن الوثوق به.
لو كان هذا الرجل هو البطل الحقيقي للرواية، لكان الأمر أفضل. لو لم يكن مجرد شخصية داخل لعبة.
كلما اجتاحتها هذه الأفكار، كانت بريسيبي تحاول بجهد أن تقتل كل بادرة إحساس تنمو بداخلها.
لأن ذلك ببساطة، لم يكن منطقيًا.
فهي لا بد أن تخرج من هذه اللعبة، وفي النهاية، لن تراه مجددًا، لذلك من الأفضل ألا تتمسك بأي آمال كاذبة.
مثل هذه اللحظة تمامًا.
لا تدري أي اسم يمكن أن تطلقه على هذا المزيج من المشاعر المعقدة…
لكن إن قالت إن كل ما تشعر به تجاه فينريك هو مجرد راحة، فسيكون هذا كذبًا.
فلو كانت مشاعرها بتلك البساطة، لما حاولت جاهدة أن تضع بينهما حدًا واضحًا قبل قليل.
لكن حتى مع ذلك، لم يكن لديها كلمات تقولها. كيف تخبره بأنها يجب أن تخرج من هذا العالم؟
كلام يبدو فارغًا وغير واقعي.
“……”
في عيني فينريك الحمراوين، لم يكن هناك أي ارتباك. على عكس بريسيبي تمامًا.
وربما كان ذلك هو الفرق بين من لا يمكنه قول شيء، ومن لا يمكنه سوى قول الحقيقة.
ماذا لو مددتُ يدي الآن، وضممتك إلى صدري بحيث لا تتمكنين من الهرب؟
ماذا لو قتلت جميع أولئك الأوغاد الذين انتهكوك بلا رحمة؟
هل كنتِ ستبتسمين لي حينها؟ هل كنتِ ستشعرين تجاهي بما أشعر به نحوك؟
لكن بريسيبي ستخافه بالتأكيد. وإذا علمت أنه هو من ارتكب جرائم القتل الأخيرة، فستخاف أكثر.
إلى أي مدى وصلت…
كم عانيتُ حتى وصلتُ إلى جوارك…
فينريك لم يكن أحمقًا ليفسد كل شيء في لحظة اندفاع.
كان يعرف جيدًا أن بريسيبي، بعد كل ما مرّت به من تكرار وتعرض للأذى، لن تفتح قلبها بسهولة لأي شخص.
نعم، بريسيبي قد عاشت عددًا لا يُحصى من الدورات الزمنية، لكن فينريك كذلك.
وقد أدرك أن بريسيبي كانت تدور في نفس الحلقات منذ وقت مبكر، أثناء محاولتها اجتذاب ديتريش.
ومع تكرار الزمن، تغيّرت الأعمدة الراسخة في قلب فينريك. نبتت عليها أوراق خضراء، وصار قلبه مفعمًا بالحياة.
لذا، طالما صبر حتى الآن، يستطيع الصبر أكثر.
ففي النهاية، الوقت كله سيصبح له… سيكون لها بالكامل.
“……”
في الوقت الذي كانت فيه بريسيبي واقفة دون أن تجد شيئًا تقوله، سقطت أولى قطرات المطر على وجهها الشاحب.
رفعت رأسها لتنظر إلى السماء، فرأت الغيوم الرمادية التي كانت تغطيها منذ الصباح وقد بدأت تنهمر بالمطر.
“بدأ المطر يهطل.”
خلع فينريك سترته بهدوء، ووضعها على كتفي بريسيبي التي بدأ المطر يبللها، ثم قال:
“لكن في عيني… ما زالت السماء صافية.”
ابتسم برقة وهو يضغط بشدة على رغبته في ضمها إلى حضنه الآن.
نعم، هو يحتاج لبعض الوقت.
“وربما تعتبرينني مجرد صديق جيد، يا بريسيبي…”
…لكن، لا بأس من أن أوضح الأمور قليلًا.
“أما أنا، فلست كذلك.”
قالها دون أن يضغط عليها، محافظًا على حدوده.
“أنا لا أكون بهذا اللطف مع أي صديق.”
“……”
“على أي حال، من الأفضل أن نعود إلى الكوخ الآن. لو مرضتِ، سأكون أنا المذنب الذي جلبكِ إلى هنا.”
وكان ذلك هو الختام.
لم يضف أي كلمة أخرى.
لم يطلب منها حبًا من طرف واحد كغيره، ولم يهددها أو يضغط عليها.
فقط، رفعها بلطف إلى صهوة الحصان، وانطلق به بسرعة ليست بطيئة جدًا، لكنها لا تزال أبطأ من المعتاد بالنسبة له.
“……”
كانت بريسيبي قد تبللت من المطر دون أن تدرك، ولا تزال على وجهها ملامح ارتباك وحيرة.
قال إنه لا يراني كصديقة؟
…إذًا، هل كان فيدار على حق؟ هل فعلاً دوق فينريك يحمل مشاعر تجاهي؟
لكن حتى لو كان كذلك…
ألن يكون الشخص الذي يحبّه هو “بريسيبي” الحقيقية؟
[سيدة بريسيبي هي…]
تذكرت الآن شيئًا قاله فينريك ذات مرة بصوت عابر:
[هي شخص عزيز عليّ.]
ربما كان ذلك في اليوم الذي كان فيه متوجهًا إلى الغابة المحرّمة بسبب أمر ديتريش المجنون.
ماذا كان يقصد بـ”شخص عزيز”؟
ربما كان يعرف بريسيبي الحقيقية منذ قبل؟ وربما بسبب هذا الرابط القديم، لا يزال يساعدني حتى الآن…
من دون أن يعرف أنني مجرد دخيلة، لست بريسيبي الحقيقية.
“……”
ألقت الظلال القاتمة بظلالها على وجه بريسيبي الأبيض وقد بدأ يرتجف قليلًا من البرد.
عندما رأت البحر المفتوح، شعرت وكأن شيئًا ثقيلًا في صدرها قد انزاح،زلكن الآن، بدا وكأن قلبها يزداد ثقلًا من جديد.
كانت تشعر بنظرات فينريك لا تزال موجهة نحوها، لكن بريسيبي لم تستطع سوى النظر إلى الأمام فقط.
—
كان كوخ فينريك في أعلى التل مختلفًا تمامًا عن منزل المدينة في العاصمة.
“……”
دخلت بريسيبي الكوخ، ونظرت حولها بحذر إلى الداخل الذي كان أضيق مما توقعت.
مدفأة صغيرة في مقدمة غرفة المعيشة. كرسي مريح قديم أمام النافذة التي تطل على البحر. طاولة صغيرة وخزانة ملابس. أرضية خشبية تصدر صريرًا خفيفًا، لكن ليس مزعجًا.
كان منزل المدينة في العاصمة فخمًا وواسعًا بشكل مبالغ فيه، أما هذا المكان فبدا بسيطًا ومريحًا.
حتى الأثاث كان قليلًا. وكما قال فينريك سابقًا، فهو مكان مخصص للراحة فقط.
“كنت آتي إلى هنا أحيانًا… كلما ازدحمت أفكاري.”
قال فينريك بصوت منخفض بينما بدأ بإشعال المدفأة.
“لكن بما أنه بعيد عن العاصمة، لا أستطيع المجيء كثيرًا. لذا فهو بسيط إلى حد ما.”
“أفهم…”
“لكن على الأقل، لن يكون من الصعب الاحتماء من المطر لبعض الوقت.”
لم يمر وقت طويل حتى نجح في إشعال النار بمهارة، وسرعان ما امتلأت الغرفة الدافئة بالدفء.
رغم أن الجو كان ربيعيًا، إلا أن الرياح البحرية والمطر البارد جعلا جسدها يرتجف من البرد،
فبدأت تشعر بالدفء يعود إليها تدريجيًا.
لكن مجرد دفء الجسد، لا يعني أن توتر القلب قد زال.
ما زالت بريسيبي لا تعرف كيف تنظر إلى فينريك.
لذا بقيت واقفة وسط الغرفة تعبث بأصابعها بلا معنى.
“……”
وسرعان ما خيّم ظلٌ قاتم آخر على وجهها، بسبب فينريك الذي كان قد اقترب منها بهدوء، تمامًا كما فعل عند البحر.
كانت نظرات فينريك تتجه نحو جسدها.ظفنظرت بريسيبي إلى نفسها تتبع عينيه،
ثم أدركت ما لم تلاحظه حتى الآن.
أسفل السترة التي ألبسها لها، كان فستانها قد تبلل تمامًا من المطر.
وكان القماش الرقيق قد التصق بجسدها، مبرزًا منحنياتها بوضوح. ارتبكت بريسيبي وغطت صدرها بسرعة.
“……تبدين بحاجة إلى تغيير ملابسك.”
قالها فينريك وهو يشيح بنظره عنها، ثم سار نحو الخزانة الموضوعة في الزاوية.
مدّت بريسيبي رقبتها قليلًا لتنظر من فوق كتفه، فرأت عددًا من القمصان المرتبة بعناية.
“قد تكون كبيرة قليلًا، لكنها أفضل بكثير من أن تبقي في ملابس مبللة.”
في الواقع، لم يكن من المناسب أن تبقى بهذه الهيئة.
فكرت أنها تستطيع تبديل ملابسها أولًا، ثم تضع الفستان المبلل أمام المدفأة ليجف.
وكانت في خضم هذه الأفكار، عندما لفت شيء مألوف جدًا انتباهها فجأة.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 86"