خرجت بريسيبي من القصر مع فينريك بعد الظهيرة بقليل. لكن إلى أين؟ كانت فضولية، غير أن فينريك اكتفى بإجابة غير ودية:
“ستعرفين عند وصولنا.” ثم رفعها إلى الحصان بكل بساطة.
وجدت نفسها جالسة على صهوة الحصان، شبه معانقة له، ويديها تتلمسان لا شيء بارتباك.
ربما لأنها كانت ملتصقة به بلا أي فراغ بينهما؟
لكن طوال فترة لعبها، لم تشعر بريسيبي بالخجل من أي شخصية ذكورية في اللعبة.
إن اضطرت لوصف مشاعرها تجاههم، فهي لم تكن سوى رغبة في تجميعهم جميعًا وقتلهم دفعة واحدة.
لقد أمسكت بأيديهم في المهرجان، ونامت في غرفة واحدة مع أحدهم في الغابة المحرّمة، بل وحتى ركبت الحصان مع فينريك من قبل.
ومع ذلك، لم تعتد بعد على هذا القرب الجسدي منه.
‘… هل أنا غريبة الأطوار؟’
ربما.
كان الأمر جنونيًا. بدلًا من أن تركز على إيجاد طريقة للخروج من هذا العالم، ها هي تشعر بالارتباك والنبض السريع.
‘أتمنى فقط أن نصل بسرعة.’
مهما كانت الوجهة، فعلى الأقل عندما يصلان لن يكون هذا القرب مرهقًا للأعصاب.
لكن الغريب أن فينريك لم يسرّع وتيرته أبدًا. حتى بريسيبي، التي لم تكن تجيد ركوب الخيل، لاحظت أن السرعة أبطأ من المعتاد.
“هل تشعرين بعدم الراحة؟”
سألها فينريك وهو ينظر نحوها بنبرة لطيفة وكأنه لاحظ توترها.
“آه… لا. فقط كنت أتساءل كم بقي من الطريق.”
“لو كنت وحدي، لكنت وصلت منذ فترة، لكن مع وجودك، أبطأت الخطى قليلًا. لكننا اقتربنا كثيرًا.”
ثم أردف بصوته الهادئ:
“إن شعرتِ بالملل، يمكنني زيادة السرعة. لكن، شعرت أنك خفتِ في المرة الماضية.”
هل يقصد يوم المهرجان؟
لكنها لم تكن خائفة آنذاك، بل خجِلة… تمامًا كما تشعر الآن. فزيادة السرعة لن تغيّر شيئًا في مشاعرها المتوترة.
نظرت أمامها وتظاهرت بالهدوء، ثم سألت بخفة:
“أنا لا أشعر بالملل. لكن، ماذا عنك يا دوق؟ ألا تشعر بالملل؟”
“ممَ؟”
“قلت إنك كنت ستصل لو كنت وحدك، أليس كذلك؟”
“صحيح، لكنني لستُ أشعر بالملل.”
ضحك بخفة، ثم همس بالقرب من عنقها بنبرة دافئة:
“بل على العكس تمامًا.”
“العكس…؟”
لم يجب. بدلًا من ذلك، شد لجام الحصان ليقرب جسدها الصغير أكثر إليه.
شَعرها الفضي المتطاير في الهواء، والعطر اللطيف الذي ينبعث منه، ورقبتها المتوترة قليلًا… كلها أشياء أحبّها.
لذلك، لم يكن هنالك أي مجال للملل.
بل شعر أنه قادر على الاستمرار في الركض بها حتى نهاية العالم.
قال بعدها بهدوء:
“أنا لا أريد أن أفعل أي شيء قد يخيفك يا بريسيبي.”
“…”
“لا تقلقي عليّ. حتى وإن أبقيت السرعة بطيئة، فأنا لا أشعر بالملل.”
لم تجد ما تقوله بعد ذلك.
حتى لو كانت جريئة، لا يمكنها أن تعترف بأنها تشعر بالخجل لأنه قريب جدًا منها.
لذا لزمت الصمت، وحاولت جاهدة ألا تفكر فيه. لكنها لم تنجح.
—
وبعد رحلة طويلة، وصلت مفاجأة غير متوقعة.
“إنها… البحر؟”
أمامها امتدّت أمواج البحر الهادئة، وعطره المالح المميز غمر الأجواء. تذكرت أنها رأت البحر على الخريطة من قبل، نحو الجنوب على الأرجح.
“على التل هناك، توجد فيلا صغيرة أمتلكها.”
اتجهت عيناها حيث أشار، لترى منزلاً صغيرًا أعلى تلة تطل على البحر. لم يكن مهيبًا كمنزل العاصمة، لكن بدا جميلًا ومحببًا للنظر.
“أتريدين رؤية البحر أولًا؟”
أومأت بريسيبي بصمت، فحث فينريك الحصان نحو الشاطئ.
وما إن وصلا حتى ساعدها على النزول بلطف وهي تترنح قليلًا.
“واو…”
سارت بخفة على الرمل الأبيض، وكأن شيئًا سحرها. ثم وقفت تحدّق في البحر بصمت.
لا تتذكّر متى كانت آخر مرة رأت فيها البحر. الغابة المحرّمة بمخلوقاتها الغريبة، والقصر الإمبراطوري الفاخر الخيالي… لا شيء يشبه هذا. البحر، ببساطته، كان نسخة طبق الأصل من بحر الواقع.
حتى شعرت وكأنها عادت فعلًا إلى عالمها الحقيقي.
“لا أحد يأتي إلى هذا المكان. إنها أرض أُهديت لي.”
قال فينريك وهو يقترب منها بهدوء.
“لذا، تخلّي عن كل همومك… وارتاحي كما تشائين.”
“…”
“قصر المدينة جيد، لكنه ليس مكانًا مخصصًا للراحة مثل هذا.”
في النهاية، السبب الذي جعل فينريك يأخذ بريسيبي إلى هذا المكان، كان لرعاية قلبها الذي عانى طوال الوقت في الغابة المحرّمة.
بالطبع، ما كان يرهق بريسيبي لم يكن تلك الأمور فحسب.
يوم الاختيار كان يقترب، ولا أثر للعثور على البطل الحقيقي، ملك الشياطين.
وفوق ذلك، لم تكن تملك أي خطة واضحة لتدمير النظام، الذي كان هو مخرجها الوحيد الذي توصلت إليه في النهاية.
“شكرًا لك… يا دوق.”
من شدة لطفه، ارتجف صوت بريسيبي وهي تفتح شفتيها لتقول بصوت خافت.
“أنا ممتنة حقًا.”
“أعتقد أننا اتفقنا على عدم استخدام هاتين الكلمتين.”
ضحك فينريك بهدوء.
“المكان هادئ، وسلمي… ظننت أن السيدة بريسيبي ستحب مثل هذا المكان.”
كانت بريسيبي قد مرت بالكثير من الفوضى، وأراد فينريك أن يتيح لها فرصة للراحة،
ليومٍ واحدٍ على الأقل.
“لو كان الطقس مشمسًا، لكان أجمل… للأسف.”
“حتى الآن، المشهد رائع.”
رغم أن السماء لا تزال ملبدة، لم يكن لذلك أهمية.
“بل، حتى السماء الغائمة صارت تبدو مشرقة… تحسن مزاجي فجأة.”
لم يرد فينريك فورًا، بل رفع رأسه نحو السماء لوهلة، ثم أعاد نظره إلى بريسيبي وقال:
“صحيح.”
“……”
“السماء صافية.”
اهتزت نظرة بريسيبي البنفسجية الموجهة إلى فينريك قليلاً.
كانت كلماته دائمًا بسيطة، بلا أي زخرفة، لكنها كانت تصل بصدق. وهذا وحده، كان كافيًا دائمًا.
حتى قدومهما إلى البحر بهذا الشكل، كان نوعًا من لغته الخاصة.
كأنه يقول لها: “لا تخافي وحدك، لا تقلقي… مهما كان الأمر.”
هل من الممكن ألا يشعر أحدٌ بشيء تجاه رجل كهذا؟
حتى لو لم تكن هذه مجرد لعبة، بل واقع، كانت ستهتز مشاعرها تمامًا كما الآن.
لا، بل ربما أكثر لو كان واقعًا بالفعل.
لو كان فينريك رجلًا حقيقيًا في هذا العالم الواقعي…
‘يا لي من غبية..’
حتى لو شعرت بالارتباك والانجذاب، فإن فينريك لن يكون موجودًا عندما تعود لعالمها.
ولن تراه مجددًا، ولا تسمع صوته المنخفض، ولا تتحدث معه بلطف كما الآن.
كانت تعلم ذلك جيدًا، ومع ذلك، شعرت بمذاق مرير على غير العادة.
لذا، دون أن تلتفت إلى فينريك الواقف خلفها، واصلت بريسيبي السير على الشاطئ بصمت.
“……”
تعلقت عينا فينريك الحمراء بظهر بريسيبي النحيل، وهو يراها تبتعد خطوة خطوة.
توقف للحظة في مكانه، ثم بدأ في السير ببطء خلفها، يضع خطواته على آثار أقدامها الصغيرة على الرمل.
ربما لن تعرفي أبدًا…
كم من الوقت الطويل، وكم من المرات المتكررة كنت أسير خلفك هكذا.
في يومٍ ما، كنت أتمنى فقط أن أصل إلى موطئ قدميك. كنت أرغب فقط في الشعور بأنفاسك.
كرهت نفسي كثيرًا، لأنني لم أستطع حتى الاقتراب منك.
وفي النهاية، قتلت أتاري، وقتلت نواه، لأصل إليك. خشيت أن تخافيني، فأخفيت كل شيء تمامًا واقتربت منك.
لم يكن هناك لحظة سهلة طوال ذلك الطريق.
لكن كان من السخرية أن اللحظة الحالية، حيث أمسك يدك، وأحضنك، ونقضي الصباح سويًا، كانت أصعب علي.
…كيف يمكنني أن أكسب قلبك؟
كيف يمكنني أن أجعلك تنظرين إليّ بتلك العيون الرقيقة؟ كيف يمكنني أن أضمك إلى صدري بلا أي عذر؟
أما بريسيبي، التي لم تكن تعلم شيئًا عن هذا الصراع بداخله،
فقالت بصوت خافت وهي لا تزال تنظر إلى الأمام:
“أعلم أنك طلبت ألا أقول هذا، لكن… شكرًا.”
حتى لو تجاهلت كل هذه المشاعر المرتبكة، فإن الامتنان لا يمكن تجاهله.
وقد قال فيدار ذات مرة إن فينريك ربما يحمل مشاعر تجاهها.
شعرت وقتها بتأثرٍ ما، لكن ذلك كان من منظور فيدار، ولم تكن تعلم ما الذي يشعر به فينريك حقًا.
وحتى لو كان فيدار محقًا…
فإنها لم تكن قادرة على إعطائه شيئًا.
لأن هدفها كان الخروج من هذا العالم، ولا شيء غير ذلك.
ربما كان من الأفضل أن تعبر له عن امتنانها بصراحة، وأن ترسم بينهما خطًا واضحًا.
“لا أعرف رأيك، لكنني أشعر بالراحة حين أكون معك. أشعر بالأمان، يا دوق.”
“……”
“أنت صديقٌ ثمين بالنسبة لي.”
“……”
“وستبقى كذلك، أليس كذلك؟”
ظنت أنها استخدمت كلمات مناسبة لوضع الحدود، لكن لم يأتِ أي رد.
فاستدارت بريسيبي بوجه متعجب قليلًا.
“لكنني لا أراكِ كذلك.”
“…دوق؟”
“هل تشعرين فقط بالأمان معي؟”
“……”
“هل هذه كل مشاعرك نحوي؟”
سألها فينريك بصوت منخفض، وكان قد اقترب منها حتى كاد يلامسها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 85"