كانت لمسته رقيقة، لدرجة أن دموعها انهمرت أكثر، تتساقط على الأرض المتسخة كقطراتٍ ثقيلة.
“ظننتُ أن الدوق قد اختفى… اختفى حقًا.”
“…….”
“ظننتُ أنني لن أراك أبدًا… لن ألتقي بك مرة أخرى.”
فينريك لم يقل شيئًا.
كل ما فعله هو مسح دموعها بصمت، بحنوٍّ عميق.
وفي تلك اللحظة، تذكر.
“كنتُ أظن أننا سنعود إلى البداية… لكن الأمر لم يكن النهاية.”
[سأجدك مهما حدث، وأينما كنت، وبأي وسيلة.]
الكلمات التي تركها كوصية أخيرة، قبل أن يغرس سيفه بيده في قلب فيدار.
“حينها، لم أرَ شيئًا… لم أسمع شيئًا.”
لم يكن هناك أثر لوجود بريسيبي وهي تراقب ظهره من بعيد، ولا لوجود فيدار.
كان فينريك محبوسًا في ظلام دامس.
كما كانت بريسيبي من قبل.
“وبعد فترة، بدأتُ أشعر بكل شيء من جديد… بما أعرفه، وبما لم أعرفه أيضًا.”
أوقات فيدار التي لم يعرفها لا هو ولا بريسيبي.
لحظة تلقيه سيف فانيسا كهدية، والبحث عن ذاته… ثم كل تلك المعاناة التي عاشتها بريسيبي وحدها.
كل ذلك شاهده، وسمعه.
كم من الوقت ظل حبيسًا هناك؟
ساعات؟ أيام؟ سنوات؟
أم ربما أطول بكثير؟
لم يكن هناك أي سبيل ليعرف.
لا حيّ، ولا ميت… هكذا كان فينريك، يرى ويسمع كل شيء.
“وحين استعدت وعيي مرة أخرى… وجدت نفسي وحيدًا مجددًا في العتمة.”
في ظلام أسود لا نهاية له، لم يكن بإمكانه أن يصل إلى شيء… ولا أن يمضي إلى أي مكان.
ثم……
“بعد وقت قصير، سمعت أحدهم يتمتم.”
“…….”
“كان صوتك، يشرح لعبة ما… (بريسيبي في القفص). صوت “يون جو-يون”.”
[بريسيبي في القفص. دماء الوحوش تجري في عروقها، مكانتها سُلبت منها. خانها الجميع فلم يعد بوسعها أن تثق بأحد. هي التي حبست نفسها في قفص صنعته بنفسها… لكنها خرجت منه لتلتقي قفصًا آخر.]
كان ذلك نفس الحديث الذي سمعته بريسيبي وفيدار من قبل، أمام الجميع.
[عنوان “القفص”… لا يشير إلى معنى الكلمة بحد ذاتها، بل إلى الجدار الذي بنته بريسيبي حول قلبها الجريح.]
وسمع أيضًا صوت “يون جو-يون” المرتجف بالبكاء.
[كنت أريد فقط أن أكتب قصة تنتهي بالسعادة… فقط ذلك.]
“…… وماذا بعد؟”
سألت بريسيبي بصوت مرتجف.
“إذن… ماذا حدث بعد ذلك؟”
“ما إن انتهى الكلام، حتى ظهر أمامي “كتاب الذكريات”.”
“…….”
“واستعاد هيئته الأصلية.”
كانت صفحات كتاب الذكريات، الممزقة والمثقوبة هنا وهناك بعدما ابتلعتها فيدار، قد تجمّعت كيفما اتفق، لتعود شيئًا فشيئًا إلى هيئتها الأصلية.
“لقد أضاء… بشكل مخيف، إلى درجةٍ تبعث على الرهبة.”
كأنما كان يغويني: اخترني.
كأنما يعدني هذه المرة… بأن يجعلني البطل الحقيقي.
“وقفتُ أحدّق فيه مذهولًا.”
تابع فينريك بصوته المنخفض:
“وفكرت. إن كنت أنا البطل في عالمٍ خلا من فيدار… فحينها…”
“…….”
“ربما أستطيع أن أغيّر الكثير.”
فيدار ظلّ حتى آخر أنفاسه يكرر الزمن، وأنا رأيت ذلك بعيني، فلم يكن صعبًا عليّ أن أوقن.
رغم موته، إلا أنه في النهاية نجح في إعادة اللعبة إلى بدايتها.
إذن، أليس امتلاك القوة أمرًا جيدًا؟
حتى وإن كان عليّ أن أبدأ كل شيء من جديد…
“لكن سرعان ما رأيت من بعيد شعاعًا صغيرًا.”
نور.
ارتجفت بريسيبي بخفة وهي تنصت لكلمات فينريك.
هي أيضًا عادت بفضل ذلك النور.
النور الذي صحبه صوت فينريك وهو ينساب إلى أذنها برقة، كأنه يقودها.
“سمعت صوتًا.”
[لو كنتُ شخصًا أكثر قيمة، لكان كل شيء مختلفًا.]
[لكن يا دوق فينريك، أنا أحبك كما أنت الآن.]
“كلماتك… بأنك تفضلينني كما أنا.”
[ولهذا أصبحتَ شخصًا خاصًا بالنسبة لي.]
“وأيضًا، أحاديثنا يوم لقائنا الأول.”
[كنتَ أول من تحدّثت معه بإرادتي هنا. حتى الآن، كنت أصمت فقط. لم أجرؤ على قول شيء، لأنني لم أستطع أن أتخيل ما الذي قد يحدث.]
[ما الذي تقوله بحق السماء؟]
[أنا لا أعرف حتى من تكون، وقد يتسبب هذا الخروج عن القصة في دمار كل شيء… لكنك أول شخص، لذلك أتمنى أن تكون بخير.]
[…]
[إن كنتَ بخير وتقاوم، ربما أستطيع أنا أيضًا أن أتمسك.]
“حينها أدركت.”
قال فينريك وهو يمسح على خد بريسيبي:
“أنا لم أملك قوة في هذا العالم يومًا. ومع ذلك… أنتِ من أحببتِني.”
“…….”
“فأيقنت أن تلك القوة لم تكن تساوي شيئًا منذ البداية.”
بريسيبي أخذت تتأمل الماضي.
ثم سرعان ما فهمت.
منذ لقائهما الأول، حتى هذه اللحظة… لم يكن للنظام أو القوانين أي تأثير على علاقتهما.
كل شيء كان اختياراتها، واختياراته.
هي اختارت فينريك، وهو اختارها.
النظام كان قويًا، لكنه بلا حول.
“أعدت التفكير في نفس ما تفكرين به الآن.”
إذن، لا حاجة لكل ذلك بعد الآن.
العالم الذي تحلمين به… سأصنعه لك، بلا حاجة لتلك القوة.
“ثم… دون أن ألتفت، اتبعت صوتك، ومضيت نحو ذلك النور الصغير.”
وخلف سواد الليل، سُمعت أصوات كشيء يتمزق ويتفتت.
ربما كان هذا هو الصراخ الأخير لكتاب الذكريات، هكذا ظن فينريك.
“لكن يبدو أنني تأخرت قليلًا… فانحرف كل شيء بعض الشيء.”
“…….”
“ومع ذلك، وفي النهاية… وفيتُ بوعدي، بأن أجدك.”
لم تعد هناك حاجة لأي كلمات أخرى.
بريسيبي ألقت بنفسها في أحضان فينريك.
كانت ممتنة حد البكاء لأنه اختارها.
لشجاعته التي لم تهتز، حين رفض أن يشكك في مشاعرهما، في نقطة الاختيار الفاصلة.
“لو تأخرت أكثر قليلًا… لمات قلبي من الألم. لكن بما أنك أتيت قبل موتي، سأغفر لك.”
ضحك فينريك عند سماع شهقاتها.
وبريسيبي، وهي تستمع إلى ضحكته، رفعت رأسها وسألته مازحة بانزعاج خفيف:
“لكن… لماذا تتحدث إليّ بهذه الألفة؟ أنا ما زلت أخاطبك باحترام.”
“لأنكِ لم تعودي البطلة الممجّدة في هذا العالم.”
“…….”
“وأنا أيضًا، لم أعد مجرّد شخصية ثانوية.”
……نعم.
لم يكن هناك ما هو أسعد من ذلك.
وفينريك، وكأنه يشاركها نفس الفكرة، ابتسم لها بابتسامة مشرقة كالشمس.
ثم خفّض صوته كأنه يبوح بسرّ كبير:
“وفي الحقيقة… كان هناك سبب آخر دفعني لاتخاذ ذلك القرار.”
“……وما هو؟”
تطلعت إليه بريسيبي متسائلة، فيما ابتسم فينريك بخفة وقال:
“لو أنني لم أختر كتاب الذكريات، وعاد النظام إلى بدايته بعد أن انهار… كنت أظن أن كل الشخصيات ستفقد ذكرياتها. هكذا كان يحدث مع كل عودة.”
“ثم ماذا؟”
“هذا يعني أنهم سينسون كل شيء حدث بينك وبينهم. لا أدري إن كنتِ تعرفين، لكنني… أغار بشدة أكثر مما تظنين.”
“…….”
“أردت أن أمحو حتى ظلّك من ذاكرتهم.”
لكن، بخلاف ما شعرت به حين لم تفهم قلبه، لم تجد بريسيبي في ذلك خوفًا أو عبئًا.
بل لم يكن بداخلها سوى الامتنان.
فالآن… هي بريسيبي الخاصة به وحده.
“إذن… ستختارينني مرة أخرى، أليس كذلك؟”
ابتسم فينريك وسألها:
“وإلا سأكون في ورطة كبيرة.”
أي سؤال أكثر حماقة من هذا؟
كانت إجابة بريسيبي واضحة منذ البداية.
“حتى حين لم يكن اسمك بين الخيارات… كان جوابي، وما زال، هو نفسه.”
“…….”
“وسيظل هكذا… إلى الأبد.”
إجابة تثلج الصدر.
فينريك، بابتسامة قصيرة، منحها قبلة.
وأغمضت بريسيبي عينيها بهدوء.
وهكذا، الدموع التي غمرت وجهها… كانت قد توقفت منذ زمن.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات