“أنا ببساطة أحب السيدة بريسيبي، ولو كان الوصول إليك يتطلّب التضحية بحياتي، لفعلت ذلك بلا تردّد.”
عند كلمات فينريك، حدّقت بريسيبي به وقد نسيت حتى أن تتنفّس.
“الامتنان لإنقاذك لي في صغري، والشعور بالواجب لسداد فضلك، والمشاعر العقلانية… بالنسبة لي، لا يختلف أيّ منها عن الآخر.”
“……”
“لقد كان هدفي في الحياة دومًا أنتِ وحدك، يا سيدتي بريسيبي.”
كل تلك المشاعر التي التفّت في أعماقه ونمت معه منذ صغره، لم يحاول فينريك أن يميّز بينها، بل احتفظ بحقيقة واحدة فقط في ذاكرته: أن نقطة النهاية لكل هذه المشاعر هي بريسيبي.
وكان يؤمن أن هذا لا يختلف في جوهره عمّا يسميه الناس في العالم “الحب”.
كما أن وجود مئة جندي يعني وجود مئة تكتيك مختلف، فإن الأمر لا يقتصر على ساحة المعركة وحدها، فبوجود مئة إنسان، هناك مئة شكل من أشكال الحب.
ولهذا، فإن ما يشعر به هو أيضًا حب، وكان فينريك يصدّق ذلك بلا أدنى شك.
حتى لو لم يستطع أن يبوح لها بكل ما فعله ليقترب منها، وحتى لو لم يكن الطريق الذي سلكه نحوها نقيًّا أو مشرّفًا…
“مهما كان الطرف المقابل، وبأي وسيلة كانت، فلن أتراجع عن حمايتك، يا سيدتي بريسيبي.”
“حمايتك لا تعني الأمان الجسدي فقط، بل راحة قلبك أيضًا.”
أكان ذلك يوم توجّهنا إلى الغابة المحرّمة؟
“حتى لو لم يكن ذلك الشخص هو القاتل الذي قتل الأمير اتاري ونوا دوفيرن؟”
“……حتى لو كان الإمبراطور نفسه؟”
“نعم.”
وجهه في تلك اللحظة كان بالغ الحزم.
“ولهذا السبب جئت إلى هنا.”
في عيني بريسيبي انعكس بريق قاتم ينبعث من عيني فينريك الحمراوين.
“من أجلك، أستطيع فعل كل شيء… أيًّا كان، وأيّ عمل كان.”
“……”
“أحبيني.”
انخفض صوته وهو يواصل الكلام.
“هذا هو الشيء الوحيد الذي أتجرأ على طلبه منكِ، سيدتي بريسيبي.”
انظرين إليّ ولو لمرة واحدة…
اختاريني ولو مرة واحدة…
أنا الذي أستطيع أن أضحّي بحياتي من أجلك، امنحيني تلك المرة الوحيدة…
حتى لو كانت يد شفقة تمتدّ بدافع التعاطف، فسأقبلها.
بعيون متلهفة لا تليق بشخص مثله، نظر فينريك إلى بريسيبي من علٍ.
“……”
لكن بريسيبي لم تستطع أن تعطي أي جواب.
لم يكن صحيحًا أنني لم أنجذب إلى فينريك قط، فوجوده كان دائمًا يمنحني الكثير من الطمأنينة.
وفوق ذلك، كم كان مريحًا أن أعرف أن هناك من ظلّ يراقبني طوال دوامة العودة القاسية في اللعبة، ويتألم من أجلي… وكان هذا الشخص هو فينريك بالذات، وهذا ما أسعدني.
لكن المفارقة القاسية، أن الشيء الوحيد الذي يريده فينريك… والذي أرغب أنا أيضًا في منحه له، هو أكثر ما أجد صعوبة في فعله الآن.
ففكرة مغادرة اللعبة ما زالت ثابتة في عقلي، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظري، لكنه كان أمرًا مؤسفًا بالنسبة لفينريك.
“لا أنوي إجبارك.”
قال فينريك وهو يمسح على خدّي.
“لن أؤذيكِ أو أضغط عليكِ لقبول مشاعري، ولن أجرحك.”
“دوق فينريك، أنا…”
“لستِ مضطرة للإجابة الآن.”
لو كان ينوي أن يفرض نفسه عليّ كما فعل باقي الشخصيات الذكورية، لفعل ذلك منذ البداية.
لكن فينريك كان يعرف أكثر من أي شخص أن العلاقات التي تبدأ بالإكراه لا تساوي شيئًا.
ديتريش، زيكفريد، إيفان، نوا، آتاري… لم يكن يرغب أن يكون مثلهم.
حتى وإن استغلّ ذريعة الحماية ليُخرجني من القصر الإمبراطوري ويُبقيني إلى جانبه… فقد كان عازمًا ألا يتجاوز ذلك الحد، رغم علمه أنها مجرّد قشرة رقيقة من النفاق.
“سأنتظر… مهما طال الأمر، حتى تنظرين إليّ بنفس المشاعر التي أحملها لكِ.”
“……”
“ذلك ما أجيده أكثر من أي شيء، وما ظللت أفعله طوال حياتي، ولن يتغير في المستقبل.”
قال فينريك هذه الكلمات وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، ابتسامة لم تحمل ذرة تصنّع، وكأنه أراد أن يبرهن بتلك الابتسامة أن كل ما قاله للتو كان حقيقة صادقة. كانت ابتسامة لا يمكن أن يرسمها إلا من باح بمكنون قلبه كما هو، بلا مواربة أو تزييف.
ولهذا، لم تستطع بريسيبي أن تبادله الابتسام كما فعل هو.
لم تستطع… على الإطلاق.
✦✦✦
كانت اعترافاته غير المتوقعة قد خلقت جوًا من الحرج، وأثارت بداخلها شعورًا بعدم الارتياح، ومع ذلك لم تُهمل بريسيبي ما يتوجب عليها فعله.
لم تنسَ أن تتأكد بعناية من حالته، وأن تسأله عن كل ما أوصاها الطبيب بمراجعته فور استيقاظه؛ كيف هو ألم الإصابة؟ هل يشعر بدوار؟ وهل يحتاج إلى المزيد من الدواء الذي يحتوي على مكوّن منوّم؟
أجاب فينريك بأنه بخير، وأن الألم ما زال موجودًا لكنه ليس شديدًا، ولا يشعر بالدوار، وأنه على الأرجح لم يعد بحاجة إلى أي دواء منوّم. بل وأخبرها أن نومه العميق لأول مرة منذ زمن، مهما كان سببه، جعله يشعر بالانتعاش. ثم ضحك بخفوت.
“……لماذا تضحك؟”
نظر فينريك إلى بريسيبي التي أبدت دهشتها من ضحكته المفاجئة، وأجاب بإيجاز:
“لأني أحب أن أراكِ تقلقين عليّ… ربما لهذا السبب، رغم أنني بخير، أشعر أنني أريد أن أتدلل عليكِ أكثر.”
“……”
“إذا بقيتِ أكثر، أخشى أن أبدأ في التظاهر بالألم، لذا عودي الآن لترتاحي. أعتقد أن ملامحك قد تعبت كثيرًا خلال الأيام الماضية، وهذا يؤلمني حقًا.”
لم تكن بريسيبي تجهل أن ما تخفيه كلماته هو رغبة في مراعاتها. كان يعلم جيدًا أنها تشعر بالذنب وتأنيب الضمير لأنه أُصيب بسبَبها، وأنها لا تستطيع مغادرة مكانه بسهولة، وفي الوقت نفسه، يعلم أنها تشعر بالحرج من اعترافه الصريح.
وهكذا، عادت بريسيبي وحدها إلى غرفة نومها.
لكن رغم أنها لم تنم إلا قليلًا خلال ليالٍ متتالية، ورغم أنها كانت مرهقة للغاية، لم تستطع أن تستلقي براحة.
جلست بصمت، تضم ركبتيها بين ذراعيها، تحدّق في الفراغ وهي على السرير.
“……”
كانت عيناها البنفسجيتان تفيض بمشاعر متشابكة: حيرة، ارتباك، شعور بالذنب… لكن أقوى هذه المشاعر كان الارتباك.
_ “أحبيني.”
كانت بريسيبي قد سمعت ذلك بوضوح.
سمعت نبض قلبها المتسارع عند اعتراف فينريك الخالي من أي تكلّف، ذلك الاعتراف الصادق حد النقاء.
هل يوجد حقًا طريقة لئلا تقع في حب شخص يبوح بمشاعره بهذه البراءة؟
لا، ربما حتى قبل أن يعترف إليّ بهذه الطريقة، كان الأمر كذلك.
لم يتجاهلني فينريك قط. كان يفي دومًا بما يعد به، ويحميّ بلا أي تردد، مهما كانت الوسيلة، سواء من المخاطر الجسدية أو المعاناة النفسية.
كنت أحاول أن أتجاهل كل ذلك طوال الوقت، لكنني كنت، في أعماقي، أكرّر التفكير بأنني أحب لطفه ودفئه، وكلماته التي تمتزج فيها الحماقة بالحنان… وأني أراه أفضل بكثير مما يظن الناس… وأني فقط… أحب فينريك.
لو لم يهزّني اعترافه، لكان الأمر أفضل، فكنت سأتمكن من تجاهله.
لكن المشكلة أنني لا أستطيع ذلك إطلاقًا.
لطالما فكرت في وقتٍ ما أنه لو كان شخص مثله هو البطل الحقيقي الذي وضعته اللعبة، لكان الأمر أفضل… كانت بريسيبي في القصة، وحتى أنا التي سأغادر هذا العالم بعد انتهاء مسار اللعبة، سنكون أكثر سعادة… سنكون سعداء حقًا.
لكن ما فائدة ذلك الآن؟ عندما فكرت في هذا لم أكن قد قررت بعد مغادرة اللعبة، أما الآن فقد تغيّر الأمر.
“……انتظري.”
تمتمت بريسيبي، التي كانت غارقة في أفكارها، فجأة وكأنها تذكرت شيئًا.
“قلتُ… سيكون الأمر رائعًا لو كان شخص مثله هو البطل الحقيقي…؟”
وفجأة، عادت إلى ذهنها كلمات تمتمت بها لنفسها ذات يوم:
“لو انهار النظام بالكامل… ربما أستطيع أن أغادر، أليس كذلك؟”
إذًا… ماذا لو اخترت أنا البطل الحقيقي بنفسي؟ وجعلته هو الدوق فينريك؟
هل يوجد شيء يعارض النظام أكثر من هذا؟
“هاه…”
لكن أفكارها توقفت عند هذا الحد، وتنهدت بريسيبي تنهيدة قصيرة وهي تمرر يديها على وجهها وكأنها تغسله جافًا، ثم أطلقت ضحكة ساخرة.
أن يكون رد فعلي بعد اعتراف فينريك، الذي لم يحمل ذرة كذب، بل زادني شفقة واضطرابًا، أن أفكر بهذه الطريقة فقط…
في النهاية، ما زلت أفكر في نفسي وحدي.
كانت تدرك أنه لا مفر من ذلك، لكن شعورًا بالاشمئزاز من نفسها بدأ يتسلل إليها.
“……”
أغمضت بريسيبي عينيها بإحكام، وأسندت رأسها بين ركبتيها، وبقيت على هذه الحال طويلًا دون أن تتحرك.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 105"