1
“رالف؟”
أخيرًا، اكتشفت إيفلين خطيبها فرفعت يدها قليلاً تحيّة له.
كانت قاعة القصر الملكي مكتظّة بالضيوف احتفالاً بعيد ميلاد الملك بأبهى حلّة.
لم يكن من السهل الاقتراب منه وسط الراقصين على نغمات الموسيقى الراقصة الخفيفة. علاوة على ذلك،
“الآنسة إيفلين، لا شك أن والدكِ قد ذهب إلى مكانٍ أفضل.”
“إنها خسارة عظيمة لمملكة أركيناس. سيحميكِ والدكِ من السماء أيضًا.”
منذ أن توفي والدها في حادث عربة قبل نصف سنة، كان كل نبيل في العاصمة يقدّم لها التعازي فور رؤيتها، رغم مرور كل هذا الوقت.
“شكرًا لكم.”
بينما كانت تردّ على بعض التحيات، اختفى رالف مجددًا من أمام عينيها.
توجهت إيفلين إلى آخر مكان رأته فيه.
‘غريب… لماذا ذهب في هذا الاتجاه؟’
الجهة التي اختفى فيها لم تكن قاعة الحفل، بل الممر.
كان ممرًا يؤدي إلى غرف الضيوف المُدعوّين للحفل، وفي هذه اللحظة التي بلغ فيها الاحتفال ذروته، لم يكن هناك أثرٌ لأحد، حتى نملة.
‘هل ذهب ليأخذ شيئًا من غرفته؟’
خشيت أن يفوتاها مرة أخرى، فسلكت الممر الهادئ الذي اختفى فيه.
صعدت طابقًا واحدًا، ثم مشت طويلاً حتى وصلت إلى جناح الضيوف الشرقي.
كلما اقتربت من غرفة رالف، شعرت إيفلين بشيءٍ غير مريح يتسلّل إلى قلبها.
كان هناك صوتٌ غريب ينبعث من غرفته.
كان صوتًا خافتًا، أحيانًا يشبه أنفاس حيوانٍ يلهث، ممزوجًا بصرير أثاثٍ قديم.
‘هل أعود أدراجي؟’
ترددت خطواتها من الشعور السيء، لكن صوت امرأة مألوفًا أوقفها في مكانها.
‘روز؟’
خففت خطواتها واقتربت بضع خطوات أخرى من غرفة رالف، فأصبح الهمس أوضح.
لم تستطع مقاومة الفضول، فوضعت أذنها على الباب، فسمعت الحوار داخل الغرفة بوضوح تام.
كان صوت خطيبها رالف… وصديقتها المقرّبة روزالينا.
“والد العروس شيطانٌ بلا منازع.”
تجمدت يد إيفلين على المقبض.
كلامٌ لا يُمكن فهمه خرج من فم رالف.
‘والد العروس؟’
تبعته ضحكة روزالينا الماجنة.
“في الحقيقة، الخطة خرجت من رأسي. طالما بقي باولو روستان حيًا، سيظل والدي في المرتبة الثانية إلى الأبد. ووالدي كان يتمنّى ذلك منذ زمن بعيد: أن يزول منافسه.”
“مهما كان، كيف فكّرتِ في تزييف حادث عربة ودفعه من الجرف؟ يا لكِ من شيطانة! حتى أنكما وضعتما مخدرًا في العربة حتى يفقد وعيه… أنتما قاسيان جدًا.”
كتمت إيفلين فمها بكلتا يديها، واتسعت عيناها الأرجوانيتان في صدمة.
“والأطرف من ذلك؟ أن والدي هو من شاهد نهاية باولو روستان بأمّ عينيه. كم كان ذلك ممتعًا له! الرجل الثاني مدى الحياة، أخيرًا يرى النور.”
ابيضّ وجه إيفلين، وارتجفت يداها التي تغطي فمها.
لا تزال ترى كابوسًا كل ليلة: عجلة العربة تنفصل، ووالدها يُقذف خارجها، ثم يتحطّم جسده على الصخور أسفل الجرف.
كل تلك الحادثة المروعة… كانت جريمة قتل مدبّرة؟
“الحسد مخيف حقًا. لم أكن أعلم أن والدك يكره باولو روستان إلى هذا الحد. وأنتِ أيضًا، كنتِ تغارين مني كلما رأيتني بجانب إيفلين حتى تتمنّين موتي؟”
أجابت روزالينا ببرود:
“لا زلت أشعر بالأسف. لو كانت إيفلين هي من في العربة بدل باولو، لكان كل شيء مثاليًا.”
عند سماع هذه الكلمات الملعونة، شعرت إيفلين أن ساقيها انهارتا وأن العالم أبيض أمام عينيها.
‘أبي… آه… آه…’
لو كان هذا حلمًا، لما وُجد كابوس أفظع.
موت والدها لم يكن حادثًا، ومن فعلته أقرب صديقة لها! بل إن خطيبها كان يعلم كل شيء!
ضحكاتهما الشيطانية جعلتها تشعر بالقشعريرة.
غمرها الغضب كتسونامي.
جمعت قوتها ودارت المقبض. الباب انفتح بصوتٍ مزعج.
“…!”
ما رأته داخل الغرفة كان أكثر صدمة.
خيانةُ رالف لها الذيَ كان متمسكً بـصديقتها..
رفع الاثنان رأسيهما نحوها في الوقت نفسه.
“كيف… كيف تفعلان هذا…!”
صرخ رالف في ذهول: “إيفلين!”
بدت روزالينا مرتبكة قليلاً، ثم رفعت حاجبيها بهدوء. لم تحاول إخفاء جسدها العاري، بل نظرت إلى إيفلين ببرود.
الذي نهض مسرعًا وغطى أسفل جسده ببطانية كان رالف فقط.
“إيفلين!”
كانت صديقتها المقربة وخطيبها عاريين تمامًا. صدمة لا تُوصف.
كادت إيفلين أن تغمى عليها، لكنها تشبثت بإطار الباب. تراجعت خطوة إلى الوراء، وشعرت بغثيان شديد يعصف بها.
“إيفلين! انتظري!”
عندما حاول رالف مطاردتها، قالت روزالينا ببرود: “لا فائدة.”
لكن رالف كان متوترًا. لو علم أحد بالحفل بعلاقتهما، سينتهي كل شيء. سيصبح قمامة العالم.
كأنها قرأت أفكاره، ابتسمت روزالينا ابتسامة ملتوية وقالت:
“لا تقلق. لن نُفضح. ولن أدع ذلك يحدث.”
“ماذا؟”
“لقد بقي لنا مستقبل سعيد، هل ستتركها تدمره؟ ستتبع والدها قريبًا.”
رفعت نفسها ولمست ظهره، شعر رالف بالقشعريرة في جسده كله.
“في الحقيقة، هذا هو تتويج خطتي.”
نظرت روزالينا بابتسامة شيطانية إلى الباب الذي اختفت منه إيفلين.
* * *
“أوووه—!”
في زاوية الشرفة، تقيأت إيفلين كل ما في معدتها.
كادت أحشاؤها أن تخرج. انهمر الدمع من عينيها.
تداخلت صورة والدها الحنون وهو حي مع جثته الممزقة، فتحول الدمع إلى دم.
كل شيء مقزز، مقزز إلى حد الموت.
لم يعد يخرج سوى الماء المر، لكنها لم تستطع إيقاف التقيؤ.
جلست على الأرض، دفنت وجهها في ركبتيها، وبكت بحرقة.
فجأة، اقترب منها شخصٌ يرتدي قناعًا أسود.
رفعت رأسها لرؤية الظل على الأرض،
“…!”
غطت يدٌ كبيرة فمها. بدأ الوعي يتلاشى.
‘لا… لا يمكنني الموت هكذا…’
* * *
عندما فتحت عينيها، كان هناك رجلٌ غريب أمامها.
كانت يده على وشك لمس وجهها.
‘مـ-من أنت؟!’
أرادت الصراخ، لكن حلقها كان مسدودًا تمامًا.
شعرت بالهواء يُبرد ساقيها، فنظرت: فستانها مرفوع إلى فخذيها، وساقاها مكشوفتان.
الشريط عند الصدر مفكوك ، وكتفٌ واحدٌ منسدل.
رفعت جسدها في ذعر، وغطته بذراعيها.
“ما-ما الذي تفعله؟!”
بالكاد أخرجت صوتًا. حاولت التراجع، لكن ظهرها اصطدم برأس السرير. لا مخرج.
نظرته إليه بنظرة ازدراء، فسحب يده وتراجع قليلاً.
حينها فقط لاحظت أنه جالس على كرسي متحرك.
“هذا محرج. لا تسيئي الفهم من فضلك. بدا عليكِ الخطر فأردتُ مساعدتكِ فقط.”
صوته المنخفض لم يبدُ مرتبكًا رغم الوضع. عيناه الباردتان تحملان مللًا واضحًا.
نظرت إيفلين حول الغرفة بسرعة.
من النافذة المفتوحة على مصراعيها، رأت النافورة الكبيرة: لا زالت داخل القصر.
لم تتذكر شيئًا بعد أن غطى شخصٌ غريب فمها بمنشفة حتى أغمي عليها.
بقيت حذرة ونظرت إليه بنظرة حادة.
كان أكبر سنًا قليلاً، لكنه شابٌ ووسيم. لا يمكن معرفة طوله بدقة بسبب الكرسي، لكن بنيته أكبر بكثير من رالف.
شعر أسود ناعم قصير يغطي أذنيه قليلاً، وعينان زرقاوان حادتين وهادئتين كالذئب البري، لكن فيهما نبلٌ غريب.
ملابسه مختلفة تمامًا عن نبلاء العاصمة.
‘نبيل إقليمي مدعو لحفل عيد ميلاد جلالته؟’
التعليقات لهذا الفصل " 1"