3

“ما رأيك، أليس صيدًا ثمينًا بحق؟”

توقف جاك عن السعال، وحدّق فيها كأنها مجنونة. أثار ذلك النظرة في وجهه شعورًا ممتعًا بداخل آيريس، فضحكت بصوت عالٍ.

“كيف خطرت لكِ فكرة مجنونة كهذه؟”

“لدي ما لا تعرفه أنت، معلومة تخصني وحدي.”

“معلومة أنا لا أعرفها؟ وما هي؟”

“لا يمكنني أن أخبرك بها مجانًا.”

دَررَج—

في تلك اللحظة توقفت العربة أمام التاون هاوس. أجل، التاون هاوس الذي تركه لها زوجها الأول. كانت تعود إلى هنا بعد كل طلاق لتقضي بعض الوقت.

قفزت من العربة دون أي مرافقة، ثم استدارت بابتسامة لتلوّح لجاك.

“سأناديك حين أحتاج إليك.”

“وكأنني أصبحت خادمك الخاص.”

“لا تنسَ أني ما زلت مدينة لك.”

واختفت بخفة داخل التاون هاوس. أما جاك، فقد تابع ظهرها للحظة، ثم غطّى رأسه بالقبعة الثقيلة التي كان يرتديها بإهمال، وأشار للمدرب بالتحرك.

“ماذا نفعل الآن، سيدي؟”

“……اتركها الآن.”

وتلاشى صوت العربة مع صاحبيها عند نهاية الطريق.

—

بمجرد وصولها إلى التاون هاوس، توجهت مباشرة إلى غرفة النوم واستلقت على السرير. وبدأت تسترجع ما قالته لجاك، وكأنه لم يكن كذبًا، بل حقيقة عن ولي العهد.

“في الواقع، لا أتذكر الكثير.”

الرواية الرومانسية الفانتازية التي وُجدت فيها. كان عنوانها شيئًا على غرار البقاء كرهينة في الإمبراطورية.

‘في البداية، لم أكن أعلم أنني قد تقمّصت شخصية من تلك الرواية.’

وكان الأمر طبيعيًا، فقد وُجدت في مكان بعيد كل البعد عن الأبطال الأصليين، بل قبل أن تبدأ أحداث الرواية نفسها.

لو لم تسمع بالصدفة اسم ولي العهد أثناء عملها في الفندق، لربما لم تعرف يومًا أين هي.

‘حتى حينها لم أكن واثقة تمامًا.’

لكن المقال الذي قرأته مؤخرًا في جريدة الإمبراطورية أكّد لها الحقيقة.

<مملكة سيسيل تستسلم في النهاية……>

كانت مملكة سيسيل، التابعة للإمبراطورية، قد حاولت الاستقلال بإعلان الحرب، لكنها هُزمت سريعًا.

وبالنسبة لعقلية إنسانة من كوريا الجنوبية، لم يكن الخبر سارًا، لكن اسم سيسيل أيقظ في ذاكرتها شيئًا آخر.

‘روبينوس سيسيل.’

أصغر بنات المملكة. أو بالأحرى، الابنة غير الشرعية التي تظاهرت بأنها ابنة شرعية صغرى. على كل حال، حياتها لم تكن أقل بؤسًا.

‘أتذكر أن روبينوس سيسيل جِيء بها كرهينة إلى الإمبراطورية بعد هذه الحرب.’

كان من المعتاد أن يُرسل أبناء الملوك إلى دولة منتصرة بذريعة الدراسة، وهم في الحقيقة رهائن لضمان عدم اندلاع حرب جديدة.

لكن اختيار ابنة غير شرعية لتكون الرهينة؟ هل كانوا يخططون لإشعال حرب أخرى لاحقًا؟ بوضوح، لم يكن ذلك بلدًا بناه عقلاء.

لكن بالنسبة لآيريس، لم يكن ذلك هو المهم.

‘في أوائل العام المقبل ستأتي روبينوس سيسيل إلى الإمبراطورية. وسيقع ولي العهد في حبها كما في الرواية.’

وذلك هو الفراغ الذي ستستغله.

فالآن ربيع، وبقي حوالي عام واحد فقط. وإن تمكنت خلاله من جذب ولي العهد، سواء بخطوبة أو بزواج، فالنفقة التي ستحصل عليها لاحقًا لن تقارن بما سبق.

‘إنه ولي عهد الإمبراطورية بعد كل شيء!’

المستوى مختلف تمامًا.

فكم سيُدفع لها حينها يا ترى؟

لمجرد التفكير، شعرت قلبها يمتلئ بالحماسة. لكنها أدركت أيضًا أن الوقت لم يكن في صالحها، فلا مجال لإضاعته بالتكاسل.

قفزت من السرير وجلست إلى مكتبها القريب، ثم أمسكت بورقة طويلة.

“الطريقة الأولى للوقوع في الحب: لقاء عابر… لكنه قدري.”

لأنها كانت داخل رواية رومانسية فانتازية، بدا أن هذه الخدعات تنجح بشكلٍ لافت. لهذا لم تكن زيجاتها الأربع وطلاقاتها الأربع سوى أمورٍ يسيرة انتهت دون عناء.

“أتذكر الأحداث الكبرى تقريبًا.”

أمسكت القلم وأمعنت التفكير، ثم ابتسمت بسخرية وشرعت تكتب شيئًا على الورقة.

“هذا الوقت سيكون مناسبًا.”

<فترة خروج ولي العهد ليلاً>

ربما حين يبدأ الجو يصبح دافئًا. لا تتذكر تمامًا طبع ولي العهد لكنها تتذكر كلمة مفتاحية: ‘المنقذ’. لقد كان رؤوفًا بالبطلَة الأنثى إلى حدٍّ ما. كان رجلاً ذا مؤهلات حاكم صالح، واهتمامه بشؤون الناس واضح. وبالطبع لا تعرف تمامًا متى يخرج للجولات الليلية.

“هذا شأن جاك في النهاية.”

ابتسمت آيريس بخبث، وأحرقت ما دوّنته على الضوء، ثم كتبت سطرًا في رسالةٍ مخصّصة لجاك، وفتحت النافذة ونادت بشيءٍ ما.

“كروو.”

كاك-

سمع صوت صراخ، وطار غرابٌ أسود قارس الهواء ليهبط برفق على معصمها. ربطت الرسالة التي ستُعطيها لجاك في كعب الغراب.

“أعتمد عليكِ هذه المرة أيضًا.”

قبّلت جبهته برفق؛ فأطلق الغراب، كروو، صوتًا ثم حلق في السماء. كان رسولها إلى جاك، ذكيًا ولطيفًا.

“هل أطلب منه أن يكون هدية عندما أسدد الديون وأرحل؟”

كان الافتراق عن جاك أمراً مرغوبًا، لكن فراق كروو اللطيف بدا محزنًا.

“يبدو أن جاك ما زال يشعر بالشفقة تجاهي.”

قد يلبي له هذا الطلب على الأرجح.

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها. جاء جاك للمرة الأولى بعد أسبوعٍ بالضبط من طلاقها الأول.

كانت حينها متحللة تمامًا، محبطة، منغلقة في غرفة البيت كالمجنونة تردد أين الخطأ وماذا ارتكبت.

‘ماذا فعلت؟ ما الذي أخطأتُ فيه؟ من أين بدأ كل شيء؟ لماذا، بحقّ السماء…’

كل شيء! كلّه. لأنّها تجرأت على طلب السعادة، ولأنّها كذبت على نفسها بأنها ستؤمن بالحب مرة أخرى.

‘ما هذه؟ أليست هذه مجرد امرأة مجنونة؟’

دكّ جاك باب التاون هاوس ودخل، وقال وهو ينظر إلى آيريس المترنّحة:

“لم أتوقع أن تكوني بهذه الصغر.”

حكّ رأسه. استجابت آيريس ببطء لصوت إنسانٍ تسمعه لأول مرة منذ أسبوع.

“أم.. أيها الغريب، التحدّث إلى امرأة مجنونة يخلق شعورًا غريبًا، لكني سوف أتحمل ديونك من الآن فصاعدًا. أفهمين؟”

ديون، نعم، ديون. كان لديها ديون باقية. قبضت آيريس على ساعده بأظافرها الحادّة في لمحةٍ من الغضب.

‘أوه، ما هذا!’

‘نعم، الدَّين. لا بد من سداده!’

أطلقت ضحكةً مجنونة.

‘سأُسدد كل تلك الديون.’

ثم ابتسمت كأن شيطانًا تلبّسها، حتى كادت ابتسامتها تمزّق شفتيها.

‘فقط… هل ستساعدني قليلاً؟’

منذ ذلك الحين، صار البحث عن أزواجٍ محتملين من نصيب آيريس، بينما كانت مهمة تتبع أولئك الرجال وكشف أسرارهم من نصيب جاك. وهكذا، مضت الخطة بنجاح حتى اقتربت من تسديد جميع ديونها، وبقي لها زواجٌ واحد وطلاقٌ واحد فقط لتُصفّي كل شيء.

كا–آك.

بعد أن أنهت عشاءها البسيط وجلست تقرأ كتابًا، سمعت صرخة الغراب. كان “كروو” ينقر بمنقاره على زجاج النافذة وهو جالس على إطارها. فتحت له النافذة.

“اليوم عدتَ أبكر من المعتاد؟”

قبّلت جبهته مجددًا، ثم نزعت الرسالة المربوطة في كاحله وقرأت:

<منتصف هذه الليلة، شارع أليتو.>

“أسرع مما توقعت. لا بأس في ذلك.”

لكن حقًا، إن معلوماته لا تليق بمجرد مُرابٍ عادي. إذا كان يقدر على معرفة أخبار القصر الإمبراطوري بهذه السرعة، فالأمر يثير الشكوك.

‘حسنًا، ما دمتُ سأُنهي ديوني، فلن أضطر لرؤيته بعد ذلك.’

أحرقت الورقة، وأطعمت كروو بعض اللحم المجفف. تمددت آيريس وهي تلمع عيناها بالحماس.

“هل أتهيأ للخروج إذن؟”

بدأت تشعر وكأنها تستمتع بهذه العملية شيئًا فشيئًا.

“ولي العهد لا يتجاوز أوائل العشرينات من عمره… فكيف سيتملص من قبضة آيريس هذه، المطلقة للمرة الرابعة؟ أشعر بالفضول منذ الآن.”

وعندما اقتربت عقارب الساعة من منتصف الليل، ارتدت ثوبًا متواضعًا، وحملت سلةً مغطاة بقطعة قماش نظيفة، ثم خرجت من التاون هاوس.

ها قد بدأت المرحلة الأولى من عملية أسر ولي العهد♡