الفصل 63 : حتى النُخبة تخوضّ زيارةً ميدانية إلى وحدات الحدود لأول مرة ⁵

بعد أن حدّدت كلوي مكان التقاط الرصاصة بفرك الأرض بحذاءها العسكري لتضع علامةً عليه، عادت بلا مبالاةٍ لمساعدة الآخرين في نقل جثة الخنزير البري.

فأن تجد رصاصةً ساقطة عند حدود إمبراطورية دراكينيا، ليست من ذخيرة الكتيبة الثانية للاستطلاع التابعة للفرقة الحدودية الثانية عشرة المكلّفة بحراسة المكان، أمرٌ يبعث على الريبة لا محالة.

ومادامت نورثفورت الواقعة على الحدود موضعَ شكٍّ لاحتمال ارتباطها ببقايا قوى الانقلاب، فمن الطبيعي أن تكون المناطق الحدودية نفسها ضمن نطاق الاشتباه والتحقيق.

وأخيرًا، نجحوا في نقل جثة الخنزير إلى داخل الحدود.

لكنهم لم يضعوها برفق على الأرض، بل ما إن عادوا إلى داخل البوّابة الحديدية حتى أفلت الجميع أيديهم دفعةً واحدة، فسقطت الجثة على الأرض سقوطًا مدوّيًا.

اهتزّت الأرض اهتزازًا خفيفًا، وبدأ النزيف الذي ظنّوه قد توقّف يتدفّق من جديد. لاحظت كلوي الدم السائل ليس فقط من قاعدة قفا الخنزير، بل من جانبه أيضًا، فرفعت حاجبيها بدهشة.

“إنّ النقيب هذا يُعرب عن إعجابه الصادق بشجاعة طلاب نورثفورت التي رأيناها اليوم.”

بينما كان الضابط يتحدّث وهو يصفّق، ارتعشت زاوية فم المدرّب غاريسل ارتعاشةً خفيفة.

صحيح أنّه وبّخ كلوي، لكن جرأتها ومهارتها اللتين أثبتتهما تلك الوقفة رفعتا من مكانة نورثفورت، ولا بدّ أنّ ذلك أراحه. وعلى أيّ حال، لم يُصَب أحدٌ بأذى في النهاية.

الهروب أمام خنزيرٍ بريٍّ مدعَّم بالعقاقير يحاول اختراق الحدود، أو الثبات في الموقع والدفاع عن الحدود حتى النهاية.

أيّ الخيارين سيؤثّر إيجابًا أكثر على الشائعات والأنظار التي ستلاحق الدفعة 87 بعد عودتها إلى الكتيبة، كان أمرًا لا يحتاج إلى شرح.

“كما رأيتم قبل قليل، فإنّ أوغاد دوقية نيهيلين لا يتوقّفون عن محاولة اختراق حدودنا، حتى باستخدام الحيوانات. فتذكّروا أنّ ملاحظة كلّ واحدٍ منكم تمثّل قوّة إمبراطورية دراكينيا، وابحثوا عن أيّ ثغرة، ولو كانت صغيرة!”

“نعم، فهمنا!”

كان من الواضح أنّ معنويات الدفعة 87 قد ارتفعت بدرجةٍ ملحوظة وهم يجيبون بصوتٍ جهوري. يا لها من دعايةٍ مبالغ فيها سقطوا فيها بسهولة.

تحت تأثير ما شاهدوه من خنزيرٍ ضخم مدعَّم بالعقاقير، ومع كلمات الإطراء التي ربطت ملاحظاتهم بالقوّة الدفاعية، بدأ طلاب الدفعة 87 يتفحّصون السِّياج بعيونٍ متّقدة وحماسٍ أكبر.

ازدياد محاولات التسلّل يعني أنّ هناك طريقًا مفتوحًا في مكانٍ ما.

ولعلّ هذا هو السبب في إشراكهم، حتى وهم طلاب، في عمليّة البحث.

فهي منطقة تماسّ أمامية تتكرّر فيها مثل هذه الحوادث أصلًا، ولا يمكن استخدام مكانٍ كهذا مجرّد ميدان تدريبٍ أو جولةٍ لطلاب سيصبحون ضبّاطًا في المستقبل، بما يُحبط معنويات الجنود.

“لقد حقّقنا إنجازًا لا بأس به، لذا يمكننا التهرّب قليلًا. هيه، كلوي. كفّي عن العمل المجّاني بحماسة، وتعالي ارتاحي.”

لوّحت روزيلين بيدها نحو كلوي، وهي جالسة تستند بظهرها إلى السِّياج في راحة.

كان هذا أمرًا لا يمكن تخيّله في نورثفورت، لكن هنا كان من الممكن تمامًا التهرّب من العمل بعيدًا عن أنظار المدرّبين.

“صحيح! السيدات اللواتي شاهدن أمرًا مرعبًا كهذا عن قرب يحتجن إلى استقرارٍ نفسيٍّ وجسدي! سأتولّى الحراسة، فلتسترح السيدات براحة!”

أخذ لوسيان يومئ برأسه بحماس، متطوّعًا لحراسة التهرّب. رغم أنّ روزيلين وكلوي، اللتين واجهتا الخنزير وجهًا لوجه، لم تكونا بحاجةٍ لأيّ استقرارٍ نفسي على الإطلاق.

بل إنّ من بدا أنّه يحتاج إلى ذلك أكثر، كانت فيني التي حاولت جرّ مارييل ولوسيان للهرب.

فأحدهما كان يكاد يُغمى عليه، ومع ذلك يتشبّث وهو يتخبّط بحجّة حماية السيدات، والآخرى كانت كلّما اقترب الخنزير سدّت أنفها من شدّة الرائحة دون أن تفكّر حتى في الجري.

“هيه، مارييل. أنتِ أيضًا قفي للحراسة معه.”

أُسندت الحراسة إلى مارييل أيضًا بسبب قوّة بصرها. بالطبع، لم تكن حراسة المدرّبين، بل حراسة الخنزير البري. كان ذلك تاج الواجب الممنوح لأول من اكتشف الخنزير.

“لكن، حتى لو كانت مارييل تراقب، ألسنا عاجزين عمليًّا عن فعل أيّ شيء؟ من الصعب إصابة قاعدة قفا الخنزير من الأمام. حتى كلوي، وهي الأفضل تصويبًا، لا يسمح طولها بذلك.”

مع أنّ كلوي كانت تعلم أنّ اعتراض فيني خالٍ من سوء النيّة، إلا أنّ كرامتها تأذّت قليلًا. إن كان الطول عائقًا، فبإمكانها تسلّق السِّياج والقنص من الأعلى. صحيح أنّ الأمر سيتطلّب جهدًا أكبر، لكن ذلك ممكن.

وعلى عكس روزيلين، تلك المشاغبة الأصيلة، لم تكن كلوي تنوي التهرّب من العمل أصلًا.

فلو تمّ اختراق المنطقة الحدودية وبدأ أوغاد دوقية نيهيلين في العبث بها، فذلك يعادل إعلان حرب، وسيتوقّف هذا التدريب فورًا، وستُستدعى كلوي مجددًا إلى قسم العمليات الاستخباراتية استعدادًا للحرب.

ولا يمكن إرسال الشخص نفسه في المهمّة ذاتها مرّتين، ما يعني أنّ وسامها الإمبراطوري سيضيع هباءً.

لذلك، لم يكن أمام كلوي سوى أن تراقب السِّياج والأسلاك الشائكة التي تحمي الحدود بعينين متّقدتين.

“كدتِ تُدهسين بخنزيرٍ بري، ومع ذلك تعملين بكلّ هذا الاجتهاد؟ خفّفي قليلًا.”

عند سماع الصوت الهادئ إلى جوارها، فتحت كلوي فمها دون أن ترفع نظرها عن السلك الشائك الذي بدا مرتخيًا قليلًا.

“أنتَ من أصاب خاصرة الخنزير برصاصة، أليس كذلك؟ الزاوية كانت من جهتك تمامًا.”

كان سبب اعتقاد الزملاء أنّ كلوي هي من قتلت الخنزير، هو تزامن صوت إطلاق النار مع قنص برج المراقبة. مع أنّ كلوي نفسها كانت على وشك الضغط على الزناد فقط.

“كان بعيدًا جدًّا عنّي لأجذبك، فكان أسرع أن أطلق النار على خاصرته.”

اعترف ألتير بذلك بهدوء وهو يهزّ كتفيه.

“مع أنّ النتيجة النهائية تجعلني بلا فضلٍ يُذكر.”

فمن أنقذ كلوي لم يكن ألتير، بل قناص برج المراقبة. ويبدو أنّ ألتير بارعٌ جدًّا في تقييم نفسه بموضوعية.

أبلغت كلوي عن موقع السلك الشائك المرتخي، ثم عادت لتفحّص السِّياج.

وهي تسمع زملاءها المتحمّسين أكثر من اللازم يبلّغون بضجّةٍ عن أيّ عيبٍ طفيف بوصفه أمرًا مريبًا، نَقَرت كلوي لسانها استياءً.

ثم حان وقت العودة إلى الكتيبة.

مع أنّهم لم يعثروا على الثغرة الحقيقية التي أحدثها رجال دوقية نيهيلين، إلا أنّ وجوه من أبلغوا عن أعطال السِّياج والأسلاك كانت ممتلئةً بالفخر، كأنّهم هم من أقاموا الدفاع الوطني بأيديهم.

“الجميع، إلى الشاحنات العسكرية!”

دون انتظار، صعد الجميع إلى الشاحنات. وانطلقت الشاحنة العسكرية، حاملةً الدفعة 87 التي جُنّدت في عملٍ شاقّ بعد طول انقطاع، عائدةً إلى الكتيبة.

وبعد أن اغتسلوا وتناولوا الطعام، ساقهم المدرّبون إلى الثكنات كما تُساق القطعان. فدخلت الدفعة 87 مدفوعةً، واستلقى كلّ واحدٍ منهم على سريره.

“تبًّا، ربما لأننا خرجنا إلى الخارج بعد وقتٍ طويل، أشعر بمللٍ شديد لو نمت هكذا مباشرةً….”

“ما رأيكم أن يروي كلّ واحدٍ منّا قصةً مرعبة؟”

مع هذا الاقتراح، أضاءت العيون، وبدأ الجميع ينهضون بأنصاف أجسادهم واحدًا تلو الآخر. يبدو أنّ هؤلاء الزملاء باتوا يرون هذا المكان أشبه برحلةٍ ترفيهية.

لكن كلوي، بدورها، كانت فضوليةً لمعرفة قصص الرعب التي سيسردها هؤلاء المتهوّرون، فنهضت بهدوء وأرهفت السمع.

“في داخل التابوت يعلّقون جرسًا، أليس كذلك؟ ليُقرَع إن كان المدفون حيًّا. فإذا رنّ، يخرجونه فورًا. لكن، ذات ليلة، رنّ جرسٌ في المقبرة. وعندما نظروا إلى شاهد القبر، كان لشخصٍ مات قبل مئة عام. ومع ذلك، وبما أنّ الجرس رنّ، فتحوا التابوت…… فوجدوا أحد سكّان القرية المفقودين مقتولًا، وقد كانت عظامٌ تمسك بعنقه.”

“دخلت الخادمة الغرفة بالمفتاح، فوجدتها كلّها حمراء إلا موضعًا واحدًا. من ورق الجدران إلى الأثاث. وكانت هناك رائحةٌ غريبة أيضًا. أن تكون الغرفة كلّها حمراء ما عدا مكانًا واحدًا أبيض، أليس هذا غريبًا؟ فاقتربت لتنظر….”

كانت معظمها حكاياتٍ مرعبة تتردّد حول أقاليمهم أو قلاعهم أو قصورهم.

“وفجأةً، امتدّت يد!”

“آآآاه!”

مع الصراخ الذي انفجر دفعةً واحدة، فتح المدرّب ألبراتو باب الثكنة ونظر إلى الداخل.

“إن واصلتم الضجيج، فقد يسمع المدرّب غاريسل في الثكنة المجاورة ويأتي. توقفوا بما انني ما زلت لطيفًا.”

بعد أن أطلق تحذيره، أغلق ألبراتو باب الثكنة من جديد.

“في الحقيقة، كانت الغرفة بيضاء بالكامل في الأصل، لكنهم حبسوا فيها ابنًا غير شرعي. ومع مرور الوقت، اختلّ عقله، ونشأ لديه هوس بضرورة طلاء الغرفة بالأحمر. ولم يكن هناك لونٌ أحمر متاح سوى الدم، فقتل الخدم وغمَر الغرفة بدمائهم.”

ورغم خفض الأصوات وتغطية الأفواه، استمرّت قصص الرعب بعناد.

كانت كلوي واثقةً من أنّها قادرة على ابتلاع مثل هذه القصص المخيفة التي يرويها منحرفون تربّوا في الدَّعة، دون أن يرفّ لها جفن.

وأخيرًا، جاء دور كلوي.

“قبل أن أبدأ، أريدكم أن تتذكّروا أنّ هذه قصةٌ حدثت فعلًا.”

قالت كلوي ذلك وهي تفتح فمها بتعبيرٍ كئيب.

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》

حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》