عثرت صاحبة الشعر الأحمر على قِرَبِ الماء فتهلّل وجهها.
“ماء! لن نضطرّ لتوفيره بعد الآن! أوه، ولحمٌ جاف! وهنا مُعلّبات! لن نقلق على الطعام ولا الماء طوال الـ 48 ساعة القادمة!”
“إذًا الذين سُرقت منهم هذه الحقائب… يقطعون الصحراء الآن بلا ماء ولا طعام؟”
أظهرت قصيرةُ الشعر جانبًا غير متوقّعٍ منها، لا يُشبه ما يُعرف عن المستهترين.
بدون هواء يمكن للمرء أن يعيش 3 دقائق، وتحت حرارةٍ أو برودةٍ قاسية 3 ساعات، وبدون ماء 3 أيّام، وبدون طعام 3 أسابيع.
وبناءً على قاعدة النجاة الثلاثيّة هذه، فإنّ الطلاب الذين سُلبت مؤونتهم لن يموتوا عطشًا، وإن كانوا سيقاسون كثيرًا.
سمعت صاحبةُ الشعر القصير شرحَ كلوي عن قاعدة النجاة فارتاحت قليلًا.
ثم ظهر في الحقائب المسروقة غرضٌ نادر ومفيد اختصر كثيرًا من وقت السفر. تمتمت كلوي بذهول:
“كان معهم بوصلة… ومع ذلك اكتفوا بتعقّب آثار أقدامنا؟”
والآن، وقد فقد اللّصوص آثارهم والبوصلة، فسيكون العثور على الطريق أمرًا صعبًا عليهم. وهذا يُعدّ انتقامًا عادلًا.
“حسنًا، يكفي هذا. هَيّا نتحرّك.”
مع كلمات كلوي، وقف الجميع يحملون حقائبهم المنتفخة بالمؤونة الجديدة.
أما الحقائبُ الفارغةُ المتبقية، فقد تركوها أمام منطقة التحذير من الألغام كي يستعيدها أصحابُها.
وبعزمٍ على عدم التراجع للخلف، دفعت كلوي بقيّةَ المجموعة وحرّضتهم على متابعة المشي بسرعة عبر الصحراء القاحلة، بلا توقّف.
كانت كلوي تُراقبُ الاتجاه باستمرار، تحافظ على انتظام الصف، ولا تسمح باستراحةٍ تتجاوز الدقائق.
ربّما لم تُمنَح لهم مهلة الـ 48 ساعة عبثًا، فبالرغم من المشي شبه المتواصل، لم تظهر أيّ علامةٍ لنورثفورت.
وغابت الشمس واشتدّ الليل.
الأرضُ القاحلة، التي كانت في النهار أشبه بجحيمٍ يريد شواءهم، غمرها ليلٌ باردٌ يسلب حرارة الأجساد، وبدأت أصواتُ الحيوانات تُدوّي في الأجواء بسكونٍ مُرعِب.
تعرّقوا طوال النهار من شدّة الحرّ، والآن تبخّر العرق على البرد القارس، فيسحب حرارة أجسادهم بسرعة.
أضِف إلى ذلك التعب الشديد بعد المعركة، والمرور بمنطقة الألغام، والمَسير القاسي.
كان الجميع منهكين، سوى كلوي.
“أشعر حقًا أنني سأموت… لم أتخيّل أن يكون قبري في هذه الصحراء …”
“اللعنة على نورثفورت…”
وقفت كلوي تراقبُ النجوم لتحدّد الاتجاه، ولمّا رأت حال رفاقها أدركت أنّ هذا لن ينجح، فبدأت تبحث عن مكانٍ لإقامة مخيّمٍ مؤقّت.
فحتى لو كانوا من عائلاتٍ نبيلة جسديًّا أقوياء، فلا أحد يستطيع مجاراة كلوي التي تدربت يوميًا لسنوات.
جمع الخمسةُ ما حولهم من أعشابٍ يابسة، وتمكّن صاحبُ الشعر الأزرق من إشعال نارٍ صغيرةٍ بولاّعته، فجلسوا مُلتفّين حول الوهج الضئيل ليُدفِّئوا أجسادهم.
ومع الجوع الطاغي، تقاسموا الطعام بوفرةٍ، وهو أمرٌ لم يكن ليحدث لولا المؤونة التي حصلوا عليها.
“الطماطم الساخنة أفضل مُقبّلاتٍ للخمر… خمر… خُووومر…”
“ذلك العجوز اللعين! هل يُعقل أنّه رماني في هذا الجحيم لأنني خسرت 30 مليون بيل في القمار؟! قلتُ له امنحني أيامًا إضافية وأستعيدُ المال!”
وبعد أن شعرا بالراحة، عادت أضعفُهم للثرثرة عن الخمر، والآخر شتم عائلته. إدمانُ خمر وقمار… ما أكثر بلاءهم.
قالت كلوي:
“ناموا قليلًا. تحتاجون لاستعادة بعض الطاقة.”
أضعفُهم، الني كانت ذت جسدٍ صغير، جلست في آخر الصف بعيدًا عن النار، وبدأت ترتجف رغم لفّ نفسها بقطعة قماشٍ عازلة للماء.
“الجو باردٌ جدًّا… لا أستطيع النوم…”
إن قضى الليل بهذا الحال، فستكون عبئًا عليهم غدًا.
وهذا غير مقبول. الحفاظ على أفضل حالةٍ للجميع من مسؤوليات النخبة.
نهضت كلوي فجأة وقلّبت حقيبة الضعيفة، فأخرجت مِجرفةً ميدانية. صفنق ذات الشعر الأحمر متحمّسةً
“أوووه، ستُقيمين خيمةً مؤقّتة؟”
لكن من دون أغصانٍ أو خشب، كيف تُقام خيمة؟ اختارت كلوي طريقةً أخرى، بسيطة ومباشرة.
وبعد عشرات الدقائق، انتهت من عملها، ومسحت العرق عن جبينها، ثم أمسكت أضعفهم المرتجف وسحبتها نحو ما صنعته.
وقفت الفتاة الضعيفة أمام ما أعدّته كلوي، ونظرت بدهشة، ناسِيةً البرد.
كانت حفرةً عميقة تشبه تمامًا حفرة قبرٍ جاهزة لوضع النعش.
التعليقات لهذا الفصل " 4"