الفصل 10 : أكاديميّة الضُباط الكارثيّة التي حتى النُّخبة تراها لأول مرّة ⁴
تجمّعت الدفعات الأربع في ساحة التدريب من أجل طابور الصباح.
الصفوف التي اصطفّت بحسب كل دفعة كانت تحافظ على استقامة حادّة من دون أيّ اعوجاج، ما عدا الدفعة 87.
فقط الدفعة 87 كانت واقفةً بشكلٍ معوّج وكأنها لا تزال تحمل ملامح المستجدين، بينما يحكّ أفرادها رؤوسهم.
الدفعة 87، التي نفّذت كلام المدرب بأن يضبطوا ملابسهم عبر نفض الغبار عن زيّهم الداخلي وتسوية تجاعيده فقط.
لكن لم يستغرق الأمر طويلاً حتى أدركوا أنهم الوحيدون الذين جاؤوا إلى طابور الصباح بملابس عادية.
وفي اللحظة التي التقت فيها أعينهم بنظرات المدرب الأعور الملتهبة، شعروا بذلك فورًا. لقد تـبـدّدت آمالهم تمامًا.
كان الوحيدون في الدفعة 87 الذين ارتدوا الزيّ الرسمي هم كلوي ورفاقها.
“كان هناك سبب لإصراركِ على ارتداء الزي الرسمي حتى لو تأخرنا.”
تمتمت فيني وهي تتحدث بوجهٍ بدا وكأنها نالت أخيرًا الاستنارة، بعد أن كانت قبل قليل تُلحّ على كلوي كل دقيقة بقولها إن عليهم ترك فكرة تبديل الملابس الآن والذهاب سريعًا إلى ساحة التدريب قبل فوات الأوان، وذلك لأنهن كنّ ينتظرن حتى ينتهي الطلاب الأكبر سنًّا من استخدام الحمّامات المشتركة.
كان من حسن الحظ أنها أدركت ذلك ولو الآن.
“متدرّبة الدفعة 86، لينون بارت! عدد كامل 31 فردًا بمن فيهم أنا، لا نقص!”
“متدرّبة الدفعة 85، دافني روسيت! عدد كامل 29 فردًا بمن فيهم أنا، لا نقص!”
“متدرّبة الدفعة 84، ميا غريفان! عدد كامل 34 فردًا بمن فيهم أنا، لا نقص!”
بعد انتهاء من يقفون في مقدّمة كل دفعة من تقرير عدد الأفراد، تلت ذلك جولة التفتيش على الزيّ والسلوك. ومن الطبيعي أن كل من أتى بزيّ عادي تلقّى نقاطًا سلبية وعقوبة جماعية.
روزيلين، التي نجت من العقوبة الجماعية بفضل كلوي، راقبت زملاء دفعتها الذين كانوا يتلقّون عقوبة بدنية وهي تنظر إليهم بعينٍ حاسدة، ثم قالت بسخرية:
“أكون متفوّقةً أفصل لي من أن أتعرّض لكل هذا العذاب منذ الصباح.”
كان شعور السخرية التي تلقّتها من دفعتها قبل بداية طابور الصباح لمجرّد ارتدائها الزيّ الرسمي يذوب ويتلاشى بانتعاش.
‘أليس ارتداء الزيّ الرسمي أساسًا في الطابور؟’
بالطبع، لم تكن كلوي النخبوية قادرةً على فهم هذه الفوضى.
“ليس التفكير هو ما يثبتنا! إنما أفعالنا!”
بعد انتهاء الهتاف الجماعي ذي المعنى المجهول، بدأ الجري فورًا.
ولأن روتين الصباح هذا كان متّبعًا أيضًا في الأكاديمية الملكية المركزية وفي وكالة الاستخبارات العسكرية، ركضت كلوي بوجهٍ هادئ بين أفراد الدفعة 87 الذين كانوا يلفظون أنفاسهم بعد العقوبة الجماعية.
وعندما وصلوا إلى خمسين دورة، بدأ إيقاع الجري الجماعي يبطؤ تدريجيًا، لكن المدربين الشيطانيين لم يترددوا في إطلاق سياطهم الكلامية عليهم وكأنهم لا يتحمّلون رؤية ذلك.
“أسرعوا! وأثناء الجري، رددوا نشيد الأكاديمية!”
“ما هذا الصوت؟ هل هذا أقصى ما عندكم؟ ارفعوا الصوت أكثر!”
مجرد إظهار أي علامة على تباطؤ بسيط في الجري كان كفيلًا بأن يفتح هؤلاء المدربون عيونهم الحادة عليهم ويبدأوا بالصراخ.
وفوق ذلك، كانت هناك عادةٌ سخيفة تقول إن طلاب السنة الأولى لا يجب أن يتراجعوا خلف طلاب السنوات الأعلى.
كان يكفي أن يظهر زيّ عادي في الصفوف ليبدأ الطلاب الأكبر سنًّا بحدّ عيونهم وصبّ اللعنات على الدفعة 87 من كل اتجاه حتى تكاد عقولهم تتلاشى.
بعد انتهاء الجري، دخلت الدفعة 87 في تدريبٍ مكثّف من أساسيات التدريب العسكري.
-‘ابتداءً من الآن، سيتم حذف لغة الاحترام لأجل تعليم التدريب.’
-‘بما أنكم دخلتم نورثفورت، فعليكم رمي عقولكم الفاسدة بعيدًا، وبذل قصارى جهدكم لتولدوا من جديد كأشخاصٍ يليقون بنورثفورت.’
-‘هنا، ليست الأفكار بل الأفعال هي من تثبتكم! تحركوا بدل التفكير!’
كان هذا تدريبًا لفتح أعينهم على مدى غبائهم وانعدام شخصيتهم، تحت غطاء “التدريب الذهني”.
-‘يبدو أنكم ما زلتم تفتقرون إلى الانسجام. ضعوا أيديكم على كتف الشخص أمامكم! واحدة: تركيز! اثنتان: توحيد!’
-‘قلتُ يسار، يا أحمق! قبل أن يلاحظ المدرب، أسرع وارجع لمكانك.’
كان هذا تدريبًا يجعلهم يتعلمون كيف يهدّدون زملاءهم الذين يخطئون في الحركات لكي لا يلاحظ المدرب، بدلًا من تعلّم كيفية أداء الحركات بدقة.
-‘استعدوا جميعًا لوضعية تمارين الضغط! إن لمس شخصُ واحد الأرض، فسننزع أصابعكم عن الأرض واحدًا تلو الآخر، مفهوم؟’
-‘ما زلت بلا وعيّ؟ لليسار تدُحرج! لليمين تدُحرج! أنت لا تتدحرج بشكلٍ مستقيم!’
مجرد التنفّس كان كافيًا ليتلقّوا صراخًا يتّهمهم بأن عقولهم طارت، مع عقوباتٍ جماعية تنفّذ في أي لحظة.
من منظور كلوي التي كانت ضابطة نخبوية وتلقت مسارًا عسكريًا متخصصًا، لم يكن هذا تدريبًا عسكريًا أساسيًا، بل تدريبًا لتحويل الأوغاد إلى بشر.
تفكّرت كلوي قليلًا، وتذكرت أن الرحلة التي قطعتها من الصحراء الجرداء حتى نورثفورت كانت نسخةً مختصرة من خمسة أسابيع من التدريب العسكري الأساسي في الأكاديمية الملكية المركزية.
باستثناء التدريب الذهني، وحركات العرض، وتدريب الرماية، والتدريب الكيميائي، فقد كانت تمارين اللياقة، والحراسة، والإسعافات، وقنابل الدخان، والمعارك الفردية، والمسيرات، كل ذلك مضغوطًا في 48 ساعة متتالية.
هذا الشيء صعب حتى لو تلقّاه المرء ضمن خمس مراحل على مدى خمسة أسابيع، فكيف بمن كانوا مدنيين حتى قبل ساعات؟
نورثفورت كانت فعلًا مكانًا مجنونًا.
أخيرًا انتهى تدريب اليوم. حتى كلوي النخبوية كانت قد استنزفت قواها.
‘أولًا، سأجمع موادًا لبناء مسكن مؤقت، ثم أتحقّق من أوقات استخدام الطلاب الأكبر سنًا للحمّامات.’
في الأمس، كانت الدفعة 87 وحدها بلا مهام يومية، لذا استطاعت الاستحمام مبكرًا، لكن ابتداءً من اليوم ستتّبع جدولًا رسميًا كبقية الدفعات.
وذلك يعني أنه لا يمكنها توقّع الحظ الذي حصلت عليه أمس.
إذا عرفت متى يستخدم الطلاب الأكبر سنًا الحمّامات والحمّامات المشتركة، فستعرف تلقائيًا الوقت المتبقّي الذي تستطيع فيه الدفعة 87 استخدامها.
كانت الحقيقة الثابتة: طلاب السنة الأولى دائمًا في آخر الدور.
“ياا! أنتِ من الدفعة 87، صحيح؟ تلك التي كانت أول من جاء من الصحراء!”
وما إن وصلت كلوي إلى مبنى السكن، حتى اندفع أحد الزملاء نحوها بوجهٍ مليء بالفرح.
“تمام! ساعديني قليلًا. أحد الطلاب الأكبر سنًّا قال لي شيئًا قبل قليل لكن لم أفهم منه شيئًا.”
كان المكان الذي خرج منه هذا الأحمق هو مبنى السكن الذي يحوي الحمّامات المشتركة بالفعل، لكن كلوي كانت تثق بوجود ذرة من الحسّ لديه تجاه الطلاب الأكبر سنًّا.
“وماذا قال لك؟”
لكن كلوي كانت غافلة عن شيء مهم.
وهو أن الذين يُرسلون إلى هذا المكان هم أوغاد لم يعيشوا يومًا وهم يراعون مشاعر الآخرين.
“اممم، قال: ‘أعطيك عشر دقائق. من فوقك لتحتِي كلّهم يجتمعون.’ هكذا قال.”
الكلمة الأسوأ في السنة الأولى خرجت من فم هذا الأحمق.
“من فوقك لتحتِي كلّهم يجتمعون.”
تعرضت كلوي لهذا النوع من الاستدعاء مرات عدة عندما كانت طالبة مبتدئة في الأكاديمية الملكية، كما مارسته عندما أصبحت طالبةً أكبر سنًا.
هو استدعاء بالاسم فقط، لكنه في الحقيقة استدعاء إلى الجحيم.
هذا ليس مجرد طلب حضور من الدفعات الأعلى. إنه سحبهم جميعًا إلى ساحة العقاب.
طالب سنة أولى يستدعي من الدفعات الأعلى؟ وبسبب خطأ لطالب سنة أولى؟
هذا إعلان الموت بعينه.
انضباط الأكاديمية الملكية كان شديدًا، لكن نورثفورت؟ أسوأ.
هذا ما فهمته كلوي بعد أيام قليلة من الاحتكاك بهؤلاء الأوغاد.
النخب يحافظون على هيبتهم، أمّا الأوغاد المستهترين؟ فليست الهيبة في قاموسهم.
وهذا هو الفرق الأكبر بين الأكاديمية الملكية ونورثبورت.
“في أيِّ سنة كان هذا الطالب الأكبر سنًا؟”
“لا أعلم؟”
وكلوي باركت له في سرّها وفاةً سعيدة.
لم يكن بينهما حتى رباط “معًا في الجحيم”، فلا سبب يجعلها تساعده أو تحنّ عليه.
كل ما يمكنها فعله هو شرح معنى الجملة له.
“يعني هذا أن يجتمع جميع من هم أعلى منا دفعة. سأجمع دفعتنا نحن.”
منذ اللحظة التي سمع فيها ذلك، أصبح هذا الأحمق في قاع الدفعة 87. ولذلك من الطبيعي أن يجتمعوا هم أيضًا.
وبعد وقتٍ قصير…
“الكل جمع وقته الثمين واجتمع هنا، لكن الشخص الذي سبّب كل هذا الاستدعاء لا يظهر؟”
قال طالب السنة الرابعة وهو يبتسم ابتسامةً مرعبة أمام دفعات السنة 1 و2 و3 المجتمعة.
“معذرة، سأذهب الآن وأحضره.”
“لا. لماذا تجهد نفسك؟ سننتظر إلى أن يأتي. إنه شخصٌ ثمين، فعلينا أن ننتظره، أليس كذلك؟”
طلاب السنة الرابعة كانوا غاضبين بوضوح، وطلاب السنة الثالثة كانوا منكفئين برؤوسهم، وطلاب السنة الثانية واقفين بخط مستقيم وأيديهم خلف ظهورهم.
طلاب السنة الأولى أيضًا وقفوا أيديهم خلف ظهورهم وهم يشعرون بالقلق من الجو المخيف، متجمعين في زاويةٍ صغيرة، وهم يلعنون من تسبب بهذه الفوضى.
مرت لحظاتٌ طويلة.
بدأت تنهيدات الألم تتسرّب من أفواه طلاب السنة الثالثة الذين كانوا مطأطئي الرؤوس.
ثم… وأخيرًا…
مع صوت صرير، فُتح باب المخزن.
“أوه، متدربنا العزيز من السنة الأولى وصلت أخيرً—”
توقف كلام طالب السنة الرابعة الذي كان ينظر نحو الباب المفتوح وهو يسخر.
وباقي الدفعات، التي كانت واقفةً بعيون متوتّرة ويديها خلف ظهرها، راحوا يفركون أعينهم ببطء، غير مصدّقين.
‘هل هو مجنون؟’
وبينما كانت كلوي تحدّق بفمٍ مفتوح، رأت خلف صاحب المشكلة مباشرةً المدربين يدخلون واحدًا تلو الآخر إلى المخزن.
التعليقات لهذا الفصل " 10"