حين انقضى من الوقت ما يكفي ليبلغ الإمبراطور حدّ التوتر والانزعاج، بدأت ديانا وإيريس تسرّبان خبراً مفاده أنّ ثيسيوس بدأ يتردّد على ميديا.
وبالطبع، لم يقتصر وصول ذلك الخبر إلى الإمبراطور فحسب، بل بلغ مسامع الآنسة كريتا كذلك.
فتوجّهت على الفور إلى جناح الأمير الثاني لملاقاة ثيسيوس.
لم تكن قد جاءت لتسأله إن كان ما يقال صحيحاً أم لا، بل كانت تحمل في قلبها قدراً من اليقين، وقد جاءت لتسأله عن سبب تصرّفه هذا.
جلست أريادن أمام ثيسيوس تحدّق به.
ذاك الرجل الجميل ذو العينين بلون الرمال والبحر.
غير أنّ عينيها الحمراوين لم تعودا تحملان ذلك التوهّج الذي كانتا تتلألآن به سابقاً.
لم يستطع دفء الشاي الساخن أن يذيب جليد قلبها، فقالت بصوت بارد كصقيع الشتاء.
“حين سمعت بأنك تقترب من الإرشيدوقة، قلتَ لي إنّك لم تفعل ذلك بدافع الحب، بل لأنك كنت في موقف لا تملك فيه شيئاً، وكنت بحاجة إلى من يمنحك القوة، لذا أطعت أمر جلالته فحسب.”
تذكّرت أريادن كلمات سمعتها من ديلان في يوم حفل الخطوبة. لقد كان صادماً أن ثيسيوس كان يلاحق القديسة، غير أنّ تبريره بأنه كان ينفّذ أوامر الإمبراطور خفّف عنها ألم الغيرة، فهي كانت عاشقة، وغفرت له بسهولة.
“حسنًا، لا بد أن الأمر كان كذلك. لقد استطعتُ أن أتفهّم ذلك الاختيار تفهّمًا وافيًا.”
ثم ابتسمت، إذ كانت ترى نفسها المرأة التي باستطاعتها أن تمنحه القوة.
“لكن هذه المرّة مختلفة. ما الذي يدفعك إلى زيارة الإمبراطورة السابقة كلّ ليلة؟ ما الذي يجعلك ترتاد جناحها؟“
“أريادن، أنا…”
لو حاول تبرير الأمر الآن، لكان بمقدوره الحفاظ على علاقته بها.
‘إن قلتُ لها إنني كنت أساوم الإمبراطورة السابقة لتمنحني معلومات عن الأميرة الأولى مقابل تخفيف الإقامة الجبرية عنها…’
لكنّ ثيسيوس لم يتمكّن من إتمام عبارته.
فأريادن، لم تستطع أن تفهم ما يدفعه للذهاب إلى ميديا.
‘كم الفارق في العمر بينهما؟ لا، العمر ليس المشكلة.’
فقد تجاوزت المسألة حدود فرق السن.
تلك المرأة هي زوجة والدك، وأمّ لأخيك غير الشقيق.
ولو كان ثيسيوس قد دخل القصر قبل خلع ميديا، لكان لزاماً عليه أن يخاطبها بلقب “أمّي“.
وهو حتماً يدرك ذلك.
لذا، لم ترَ أريادن ضرورةً لتذكيره بذلك.
“قلتَ إنك تحبّني، أليس كذلك؟ وكنت تقول إنّك حين تنظر في عينيّ، تشعر كأنّك تحلم حلماً جميلاً. هل كنتَ صادقاً في قولك هذا؟“
“كنتُ صادقاً. أنا أحبّ عينيك.”
حدّق ثيسيوس في خطيبته.
لقد أمعن في النظر في عينيها طويلاً.
عينان حمراوان تشبهان عيني ميديا.
حين كانت تلك النظرات تفيض حبّاً نحوه، كان يشعر كأنّ عطشه يُروى. تلك كانت أحلامه الجميلة.
“هاه… هذا لا يُصدَّق…”
الآن أدركت أريادن ما الذي كان يراه فيها.
ارتجف جسدها من قشعريرة داهمتها، وشعرت بمهانة شديدة طغت على كيانها.
“لقد خالفتُ رغبة والدي واخترتك، لكنّك خنتني بهذه الطريقة.”
“أريادن-“
“لنفسخ الخطبة. لقد كنتُ حمقاء.”
ثم أدارت له ظهرها، وتجاهلت يده التي حاولت الإمساك بها، وغادرت القصر.
وحين كان يفرك معصمه الأيسر حتى سال الدم من إبهامه، دخل أحد الخدم وأبلغ ثيسيوس برسالة من الإمبراطور.
“جلالة الإمبراطور يأمرك بالتوجّه إلى جناح الإمبراطور فوراً.”
‘ليست لديّ طاقة للتمثيل بدور الابن البار اليوم…’
نهض ثيسيوس من مقعده بتأفف، وقد بلغ شفا الجنون.
***
بلغت شائعات العلاقة بين ثيسيوس وميديا مسامع الإمبراطور. وشعر حينها الإمبراطور بخيانة لا يمكن للكلمات أن تصفها.
منذ اليوم الذي سمع فيه الناس يقولون إنّ ثيسيوس يفوقه –ماضيًا وحاضرًا– في كل شيء، بدأ آيغيل بالتدخين. سيجارة لم يدخّنها حتى حين التقى ثيسيوس سابقاً.
والآن، لم يعد الابن يحاول سلب مجده فحسب، بل يحاول سلب امرأته أيضاً.
بخيبة أمل وقلق، استدعى آيغيل ابنه على الفور.
غير أنّ ابنه لم يأتِ إليه بنظراته المعتادة المليئة بالحيوية، بل بعيون أشبه بعيون سمكة نتنة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"