**الفصل 167**
بسبب المطر الذي هطل في اليوم السابق، كانت الأرض غارقةً في الوحل.
لكن الأحذية التي تخطو على الطريق الطيني كانت نظيفةً تمامًا.
كييرن، بمعطفه الطويل وبدلته الأنيقة وقضيبه في يده، كان لافتًا للنظر في زقاقٍ فوضوي.
رغم كونه سيد العالم السفلي، كان الشخص الأكثر غرابةً في هذا المكان.
ملابسه النبيلة، التي لا تناسب بأي حالٍ هذه الأزقة القذرة، كانت كفيلةً بجذب أنظار المارة.
لكن لم يلتفت إليه أحدٌ بنظرةٍ واحدة.
كانوا منشغلين بشؤونهم الخاصة.
وكأن وجود كييرن نفسه لم يُدرك أبدًا.
“لا بد أنه استخدم السحر الأسود؟”
في العالم السفلي، لم يكن هناك حاجة لإخفاء السحر الأسود.
لذا، على عكس العالم الخارجي، كان بإمكان كييرن استخدام قوته بحرية.
كان من المضحك بعض الشيء أنه استخدم السحر لمنع الطين من تلطيخ ملابسه وأحذيته.
“…”
استنكرت تشيشا أفكارها بسرعة.
مضحك؟!
نظرت إلى هاتا الواقف بجانبها.
كان هاتا متوترا للغاية، يرتجف من ذيله إلى أذنيه.
لو اكتُشف أنها فكرت بكييرن على أنه “مضحك”، لربما ظن هاتا أنها أصيبت برأسها.
طردت تشيشا أفكارها الجانبية بجهد، واستأنفت تتبع كييرن.
كان كييرن يسير بهدوء، ثم دخل إلى متجرٍ ما.
كان متجرًا تعرفه تشيشا.
حانة فاخرة تخدم النبلاء الذين يأتون لخوض “تجربة العالم السفلي”.
كانت تجمع بين أجواء العالم السفلي الخشنة والفريدة، وتقدم طعامًا وشرابًا فاخرًا.
مع وجود حراس أمن، كانت بمثابة نادٍ اجتماعي آمن للاستمتاع بالعالم السفلي كوجهةٍ سياحية.
سمعت أنها تجني أموالاً طائلة…
“هذا أيضًا يخص كييرن، أليس كذلك؟”
يبدو أن عقله حادٌ بشكلٍ استثنائي في مثل هذه الأمور.
بدلاً من دخول المتجر، التصقت تشيشا وهاتا بنافذة الحانة.
أرادت وضع وجهها على حافة النافذة المفتوحة، لكن طولها كان قصيرًا بعض الشيء.
رفعها هاتا لتتمكن من رؤية الداخل.
كان المتجر، المزين بمواد فاخرة ليبدو رثًا بشكلٍ مقصود، مكتظًا بالزبائن.
شق كييرن طريقه ببراعة بين النبلاء المظهر، وتحدث لفترةٍ قصيرة مع نادلٍ كان ينتظره في الداخل.
ثم جلس بسلاسة على أكبر طاولة.
كانت طاولة لعب الورق.
الجالسون عليها كانوا يرتدون ملابس فاخرة بشكلٍ خاص، وبعضهم يخفون وجوههم بأقنعة لإخفاء هوياتهم.
على الرغم من أنهم بالتأكيد من الأشخاص الذين يمكنهم التعرف على كونت باسيليان، لم يبدُ عليهم الدهشة، بل رحبوا به.
يبدو أنهم يرونه كشخصٍ آخر.
رجلٌ ضخم كالدب رحب بكييرن بحماس.
اخترق صوته العالي الضوضاء.
“لقد أتيت! لا متعة بدونك، كما قلت!”
أشار إلى النادل ليوزع الأوراق لكييرن أيضًا، كما لو كان ينتظره.
ابتسم كييرن بعينيه وألقى النرد.
لعبة تعتمد على أرقام وأنماط النرد والأوراق كانت تعتمد على الحرب النفسية.
توقعت تشيشا أن يفوز كييرن الذكي والحاد بسهولة، لكن بشكلٍ مفاجئ، كان يفوز ويخسر بالتناوب.
وهي تراقب تصرفاته بعناية، أدركت تشيشا الغرض الحقيقي من اللعبة.
كان كييرن يجمع معلوماتٍ جديدة.
مع الخمر الذي يريح الأعصاب، والتأثير الخفيف للتلاعب العقلي، لم يكن اللاعبون حذرين في حديثهم.
كانوا يتحدثون بما لم يكن ليخرج من أفواههم في حالة وعيهم الكامل، مرفقين ذلك مع الأوراق.
فجأة، تحدثت امرأة إلى كييرن.
من نظراتها وإيماءاتها الخفية، كان واضحًا أنها تحاول إغراءه.
عندما مالت نحوه قليلاً، رفضها كييرن بابتسامةٍ مهذبة.
“يبدو أن عليّ الرحيل الآن.”
بعد قضاء بعض الوقت، غادر كييرن الحانة.
استأنفت تشيشا تتبعه.
مع هبة الرياح، حملت نسمة رائحة الخمر ممزوجة بعطرٍ غريب.
شعرت بغرابةٍ طفيفة، لكنها استمرت في تتبع ظهره المستقيم.
بعد المشي لبعض الوقت، انعطف كييرن إلى زقاقٍ مظلم.
كان زقاقًا مسدودًا، فتساءلت لماذا اتجه إلى هنا.
فجأة، استدار كييرن وقال بنبرةٍ تحمل نكهة المرح:
“إلى متى ستبقين تتفرجين؟”
في تلك اللحظة، ارتفعت الظلال من الأرض.
انقسمت إلى عشرات الخيوط، غطت الزقاق بأكمله، اخترقت السماء، ثم هدأت فجأة.
نظر كييرن إلى الطريق الذي اجتاحته الظلال، وأصدر صوتًا قصيرًا:
“همم.”
لم يبقَ أي أثر في الزقاق.
لا قتلى، لا جرحى، ولا حتى قطرة دم.
تأكد كييرن من عدم وجود شيء، ثم ابتسم بخفة.
“لابأس.”
لمع عيناه الحمراء باهتمامٍ قاسٍ.
“يبدو أنني وقعت في المشكلة…”
كانت تشيشا تتصبب عرقًا باردًا وهي تواجه هاتا.
بصعوبة، بالكاد، نجو من هجوم كييرن.
كون تشيشا طفلة وهاتا صغير تلحجم ساعدهما على النجاة.
لو كانا بالغين، لكانا فقدا ذراعًا أو ساقًا على الأقل.
لحسن الحظ، لم يهاجم كييرن مرةً أخرى.
“بما أنكِ ماهرة، سأترككِ هذه المرة… لكن إن لم ترغبي في الموت، توقفي عن تتبعي.”
بعد تحذيرٍ هادئ، استمر في طريقه وهو يهمهم، كما لو أنه لا يهتم إن تبعته أم لا.
تشيشا وهاتا، في حالة ذعرٍ تام، خففا حضورهما أكثر وتبعتاه بحذر.
كانت وجهة كييرن الأخيرة قصر السيد.
عبر حديقة مورقة لا تتناسب مع العالم السفلي، ودخل القصر.
تبعته تشيشا إلى الداخل، وهي تتفحص المكان بعناية.
كانت قد زارت المكان مرةً واحدة فقط من قبل.
بالطبع، في ذلك الوقت، كانت مشتتة بسبب هايلون ولم تتمكن من التدقيق.
كان القصر مغمورًا بظلامٍ خفيف، مضاء بمصابيح متفرقة.
بالتأكيد، لم يكن نقص المال هو السبب في قلة الإضاءة، بل بدا أن كييرن لا يرى حاجةً لإضاءةٍ ساطعة.
قوته تنبع من الظلام، فربما أعد البيئة لتكون ميزةً له في حالة الطوارئ.
كان الدرج المركزي يتفرع إلى اليمين واليسار، مؤديًا إلى الطوابق العليا.
على الحائط عند نقطة انقسام الدرج، كان هناك إطارٌ كبير معلق.
بشكلٍ غريب، كان الإطار مغطى بقماشٍ أبيض.
توقف كييرن أمام الإطار أثناء صعوده.
“…”
رغم أنه لا يرى شيئًا، لم يرفع القماش.
وقف هناك، يحدق في القماش الأبيض، ثم ابتسم بهدوء.
“لقد عدت، روز.”
كانت نبرته حلوة بشكلٍ صادم.
كييرن، وهو يحيي القماش الأبيض، لم يكن في كامل قواه العقلية.
لكن عينيه كانتا أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى.
مع وجنتين محمرتين قليلاً، ونظراتٍ مليئة بالحب، لم يرفع القماش أبدًا.
كأنه يخشى شيئًا ما.
بعد إلقاء التحية، واصل كييرن صعود الدرج واختفى في الطابق الثاني.
بعد التأكد من اختفائه تمامًا، اقتربت تشيشا بحذر من الإطار.
كان الإطار مرتفعًا قليلاً بالنسبة لطولها، فاضطرت إلى إمالة رأسها كثيرًا.
كان القماش الأبيض نظيفًا لدرجة أنه يتلألأ بلونٍ مزرق، خالٍ من الغبار أو أي بقعة.
كان واضحًا مدى العناية التي أوليت له.
أمسكت تشيشا بالحبل الطويل المعلق بجانب الإطار وسحبته برفق.
انزلق القماش الناعم، كاشفًا عن لوحةٍ لامرأة.
“…!”
ارتجفت تشيشا كأن صاعقة ضربتها.
“أنا؟!”
للحظة، ظنت أنها لوحة لريتشيسيا، فارتعدت.
لكن عندما دققت النظر، أدركت أنها، رغم الشبه الكبير بريتشيسيا، شخصٌ مختلف.
كانت عيون المرأة في اللوحة وردية، وليست حمراء.
حدقت تشيشا في اللوحة طويلاً.
شعرٌ ذهبي متموج، عيون وردية متلألئة، ملامح أنيقة، وابتسامةٌ خفيفة تحمل لمحة من المرح.
فحصت كل التفاصيل بعناية.
شعرت بحرارةٍ في صدرها، ومن بين شفتيها المفتوحتين، خرج تنهدٌ قصير.
“…آه.”
كانت تعرف من هي.
ملكة الجنيات السابقة، ووالدة تشيشا.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات