لم يتردد للحظة، فأخذت الجنية، على العكس، تنظر إلى باسيليان بنظرتها المتفحصة.
“ألا يجب أن تفكر قليلًا؟”
“في ماذا؟”
“أعني… تحرير الجنيات.”
تساءلت عما إذا كان يجوز اتخاذ قرار بهذه السهولة، وعما إذا كان ذلك مقبولًا حقًا. فابتسم بيلزيون رغمًا عنه، وانفرجت شفتاه المغلقتان بخط مستقيم في ابتسامة خفيفة ملتوية.
رد بيلزيون بهدوء متمهل:
“ليس أمرًا يستحق التفكير.”
كان يعلم أن الأخوة الثلاثة يتخذون هيئة البالغين ليعملوا في العالم السفلي، وأن باسيليان قد احتجز الجنيات، وكلها أسرار بالغة الخطورة.
ومع ذلك، كانت الجنية تعرف كل شيء بوضوح.
لو تصرف كما يليق بأحد أتباع سيد العالم السفلي، أو كباسيليان، لكان التوأمان قد مزقا الحجاب منذ زمن ودخلا في مواجهة مع الجنية.
لكانا قد سحقاها بكل الوسائل، واستجوباها بقسوة حتى تعترف بكيفية معرفتها بالأسرار.
ولو لزم الأمر، لكان كييرن قد استخدم السيطرة العقلية لانتزاع الحقيقة.
لكن الأخوة الثلاثة صبروا.
لم يكن ذلك الا لأن الجنية اصبحت حبيبة هيلرون محقق الهرطقة الخائن للإمبراطورية المقدسة.
بل لأنها والدة تشيشا.
قال بيلزيون، وهو يكبح رغبته في تمزيق الحجاب الأحمر ومطالبة الجنية بمكان تشيشا:
“لأن الأمر يتعلق بإنقاذ العائلة.”
ساد صمت ثقيل للحظات.
ثم تقدم كارها خطوة نحو الحجاب، ممزقًا جدار الصمت.
“لمَ تخليتِ عنها؟”
نظر إليه بيلزيون وإيشويل بدهشة.
حدّق كارها مباشرة في الجنية خلف الحجاب.
“لقد تخليتِ عنها في دار الأيتام. طفلة بهذا الجمال…”
سُمع صوت صرير أسنان.
ومضت عيناها الحادتين، المتّقدتين بلون الدم القاني.
“والآن، هل تريدين أن تلعبي دور الأم؟”
مرر كارها لسانه على أنيابه، ثم استطرد بحدة:
“لم تظهري طوال هذا الوقت، والآن تأتين لإنقاذ الجنيات وتأخذين الطفلة، وتقترحين هذا العرض السخيف؟”
ارتفع صوته، فأمسك إيشويل بذراعه.
لكن كارها نفض يد إيشويل بعنف.
“اسمعي جيدًا، أيتها الجنية. لا يهمنا ما الذي تخططين له، ولمَ اختفيتِ فجأة، ولمَ تتوارين هكذا.”
أخذ كارها نفسًا عميقًا.
“سنعطيكِ كل ما تريدين. جنيات، أموال، أرواح… أي شيء. لكن…”
لم يمنعه إيشويل ولا بيلزيون هذه المرة.
واصل كارها ببطء:
“دعي الطفلة، دعي تشيشا… تعيش كباسيليان. دعيها تعيش كتشيشا باسيليان، لا كابنة جنية.”
كانت كلماته تهديدًا واضحًا، لكن صوته المتذبذب جعلها تبدو كتوسل يائس.
“أنتِ لا تحتاجين إلى تشيشا. لكن نحن بحاجة إليها.”
أنهى كارها كلامه، وهو يتنفس بصعوبة.
ظل الجانب الآخر من الحجاب صامتًا طويلًا.
قبل أن يفقد كارها صبره ويمزق الحجاب بيده، فتحت الجنية فمها أخيرًا، وقالت ببطء:
“لن يتكرر هذا الأمر مجددًا، فلا تقلقوا.”
ثم أضافت، وكأنها عاشت مئات السنين:
“هناك أقدار لا يمكن تجنبها، حتى لو لم نرغب بها.”
فجأة، بدأ هاتا، الذي كان يستمع بهدوء في الزاوية، ينشج.
ألقى الأخوة الثلاثة نظرة سريعة على هاتا وهو يكبح دموعه، ثم عادوا لينظروا إلى الحجاب.
قالت الجنية:
“ليس لي أن أقرر أين ستكون تلك الطفلة، لكن دعني أخبركم بشيء واحد.”
ثم همست، غير قادرة على إخفاء عاطفتها:
“تشيشا… تحب باسيليان كثيرًا.”
***
كانت الجنيات محتجزة لدى هيلرون.
كان ذلك متوقعًا بالفعل.
فلا شيء سوى سلاسل العقاب يمكن أن يقيد تلك الجنيات العديدة.
تعهد بيلزيون بالتواصل مع هيلرون فورًا.
لكن، بما أن هيلرون يعيش متخفيًا كخائن، لم يكن التواصل مع باسيليان سهلاً.
كان موعد التواصل المحدد مسبقًا بعد أسبوع، خلال احتفال عيد ميلاد ينظمه القصر الإمبراطوري في فالين.
وعد بيلزيون بأنه سيطالب بتحرير الجنيات في ذلك الوقت.
لم يعتقد أحد أن باسيليان سينكث بوعده.
فمن أجل تشيشا، سيفي بالتأكيد.
“إذن…”
بعد انتهاء الاتفاق، سأل إيشويل بقلق:
“أين أختي الصغيرة؟”
ابتلعت تشيشا ريقها من التوتر.
تذكرت اللحظة التي خططت فيها لهذا الأمر وقالت لزاهان:
“سأطلب المساعدة من أمي.”
عرف زاهان جيدًا من هي “أم” تشيشا، فاصفرّ وجهه.
لكنه لم يملك خيارًا سوى التعاون معها.
نفذ تعليماتها، وبحث عن متجر قبعات هاتا للتواصل مع الجنية.
كان هاتا، الذي وصل مسبقًا متخفيًا بهيئة إنسان، قد استقبل تشيشا وزاهان بأدب.
وكان هو من رتب كل هذا المشهد.
بعد تحقيق الهدف وإنقاذ الجنيات، لم يبقَ سوى لقاء الوداع العاطفي.
عبثت تشيشا بالزهرة المثبتة على عنقها، التي استخدمتها لتغيير صوتها إلى صوت “ريتشيسيا”.
نظرت عبر القماش الأحمر إلى الأخوة الثلاثة.
كانوا في هيئة رجال بالغين، غريبين وغير مألوفين، لكن ذلك لم يُشعرها بالضيق أبدًا.
مهما كانت هيئتهم، ظلوا إخوتها الكبار.
“إنها تنتظر في الخلف، خلف المتجر.”
ألقت نظرة على خزانة الأدراج الموضوعة هناك.
“سأغادر الآن… اعتنوا بها جيدًا.”
بعد آخر كلماتها كريتشيسيا، نزعت الزهرة بسرعة واندفعت إلى مختبر هاتا.
قبل أن يفقد الأخوة الثلاثة صبرهم ويهدموا المتجر، هرع هاتا لارشادهم.
“تعالوا إلى هنا! هاتا سيفتح الباب.”
كان هاتا متوترًا، وذيله مختبئ بين ساقيه.
رفع الحجاب، ووضع يده على الخزانة.
بصوتٍ مدوٍ، انقسمت الخزانة إلى نصفين، كاشفةً عن باب خشبي مخفي.
كان الباب صغيرًا جدًا بالنسبة للأخوة الثلاثة، وسيتعين عليهم الانحناء كثيرًا للدخول.
تقدم إيشويل، الأصغر حجمًا، وأمسك بمقبض الباب البرونزي بجرأة.
*طقطقة.*
*طقطقة، طقطقة.*
“آه…”
نظر إيشويل إلى بيلزيون وكارها بحيرة.
“الباب مغلق…؟”
كاد كارها أن يسحب سيفه لتحطيم الباب، لكن بيلزيون أوقفه، ودفع أخويه جانبًا.
ثم طرق الباب بحذر.
“تشيشا.”
انتظر الأخوة الثلاثة في صمت مطبق.
بعد انتظارٍ بدا كالأبد، جاء صوت:
“إخوتي الكبار…”
كان صوتًا واضحًا ونقيًا، ليس صوت تشيشا التي كانت تكافح لتتكلم بلسانها الصغير.
أدرك الأخوة أنها لم تعد الطفلة التي يتذكرونها، فتجمدوا للحظة.
كان بيلزيون الأول الذي استعاد رباطة جأشه.
جثا أمام الباب الخشبي بسرعة وسأل:
“تشيشا، أنتِ تشيشا، أليس كذلك؟”
تبعه التوأمان، جاثيين على جانبيه، ينتظران الجواب بآذانٍ مصغية.
“نعم، لكن…”
خرج صوتها ضعيفًا، مثقلًا بالإحباط.
“لقد كبرت فجأة. لم أعد طفلة، بل أصبحت فتاة.”
أصبح صوتها أكثر خفوتًا.
“إنه أمر غريب، أليس كذلك؟”
خلف الباب الخشبي، كانت تشيشا ملتصقة به، تفكر في كيفية تبرير اختفائها بطريقة مقنعة.
بعد تفكير عميق، توصلت إلى فكرة أنها كبرت فجأة وفقدت قوتها، فذهبت إلى أمها.
كانت تنوي إبهارهم بدخان النار، لكنها قالت:
“ربما لأنني لست بشرية.”
كلما تحدثت، شعرت بغرابة تتسلل إلى قلبها.
“تشيشا وحدها هي الغريبة.”
لم يصدر أي صوت من خلف الباب.
في الصمت، بدأت مشاعر غريبة تدور في قلبها، كأنها تفرغ ما في داخلها، ليس بدخان، بل بحقيقة قلبها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات