هذه المرّة، حاصر الشيطان الأوحد داميان في الزاوية، ورفع ذراعَه.
“أُغخ!”
فعّل داميان السحرَ الدفاعي مرّةً أخرى، لكنّه لَن يصمد طويلًا، كما حدث مع القيود.
‘كم بقي من السهام؟ اثنان؟’
تنفّستُ بعمق، وركّزتُ على الهدف.
وكان الشيطان الأوحد، في تلك اللحظة، يُثبّت الجزءَ السفليّ من جسده على الأرض ليحطّم الحاجز.
الآن فرصتي.
حين همّ باختراق الحاجز وقتل داميان—
كَكككآآآ!
استقرّ السهم في مركزِ السُّرّة تمامًا.
“الآن استهدفوا الفخذ!”
انقطعَ التجديد، وسيُخترق الجلد أخيرًا.
ويبدو أنّهم سمعوا صوتي هذه المرّة، إذ نهض الفرسان الساقطون واندفعوا بالرماح.
اخترقت رؤوسُ الرماح اللحمَ القاسي وغاصت عميقًا في الداخل.
“يا قائد، هل أنت بخير؟”
نزلتُ إلى الطابقِ الأوّل وتفحّصتُ حالته.
“لماذا أنتِ….”
نظر إليّ بوجهٍ مذهول، كمن عاد من الموت.
“قلتُ لك. سبق أن قاتلتُ الشيطان الأوحد. آملُ مستقبلًا أن تُحسن الاستماعَ للناس وتثق بهم.”
قلتُ ذلك وأنا أراقب المخلوقَ وقد توقّف عن الحركة بعد إصابته في مقتل.
“……هذا يعني أنّكِ خالفتِ أوامري.”
“ماذا؟”
أنقذتُه، ومع ذلك هذا ردّه؟
هل كان عليّ أن أتركه يموت؟
نهض داميان وحده، وكأنّه لم يكن بحاجةٍ إلى مساعدتي أصلًا.
كنتُ أنظر إليه بشعورٍ فارغ، حين لمع بريقٌ في عيني المخلوق أمامنا.
“خطر!”
كأنّه آخرُ مقاومة، لوّح الشيطان الأوحد بذراعه.
دفعتُ ظهرَ داميان، الذي كاد يُسحق تحت المخالب، ومددتُ القوسَ الطويل إلى الأمام.
اخترق طرفُ القوس الحادّ فخذَ الوحش.
“…….”
“…….”
عندها فقط، أسلمَ الشيطان الأوحد الروحَ تمامًا، وتيبّس جسده.
“أنتِ….”
كان داميان أمامي يُحدّق بي بذهول.
وكذلك بقيّةُ الأعضاء في المكان.
قبل أن أتساءل عن السبب، لاحظتُ قطراتِ دمٍ تسيل من وجهي وتسقط على الأرض.
آه.
صحيح، قبل موته، يتقيّأ الشيطان الأوحد الدمَ مرّةً أخيرة.
—
“لحسن الحظ، لا توجد أيّة مشكلة.
لا إصابات، ومن الناحية النفسيّة… لا أرى شيئًا غير طبيعي. أليس كذلك يا لوسي؟”
سألتني آني وهي تفحص جسدي.
إصابات؟
لا شيء.
مشكلة نفسيّة؟
لو كانت موجودة، لكنتُ قد جُننتُ منذ الرابعة عشرة.
كلّ ما في الأمر أنّني، لسوء الحظ، تلطّختُ بدمِ الشيطان الأوحد.
كانت الزاويةُ مثاليّةً لدرجة أنّ بعض الأعضاء، وكذلك داميان، ظنّوا أنّ رأسي قد ثُقِب.
“لا يوجد أيّ خلل؟”
أمسك داميان كتفيّ، وظلّ يسأل إن كنتُ بخير، وهو يضيّق عينيه بعدم تصديق.
“أنتِ، حقًّا لا تعانين من شيء؟”
“نعم.”
“حقًّا؟”
“إن لَمْ تصدّق، أستطيع أن أُريك الآن شقلبةً أماميّة.”
كنتُ أستطيع فعلها خمس مرّاتٍ متتالية.
“……آني، هل هي حقًّا سليمةُ العقل؟”
تجاهلني وسأل آني.
“بشكلٍ مُدهش، لوسي بخير تمامًا.”
“هاه…….”
حينها فقط، بدا أنّه صدّق كلامي، فأرخى جسده.
ظننتُه رجلًا بلا دموع ولا مشاعر، لكن حتّى أكثر الناس فسادًا يقلقون على مرؤوسيهم.
على أيّ حال، الشيطان الأوحد قد مات.
كان هناك كثيرٌ من الجرحى، لكن لم تقع أيّة وفاة.
وقيل إنّ المبنى الرئيسيّ، ساحةَ المعركة، نجا من دمارٍ كبير بفضل السحر الدفاعي.
“لوسي أوهان.”
ناداني داميان بعد تلقّي التقرير، وقد بدا أنّه تخلّص من ثِقَل صدره.
“لَمْ أعد من آل أوهان يا قائد.”
“……هوو، على أيّ حال، أنتِ من أنقذني.”
“صوتُك منخفض، لَمْ أسمع.”
“قلتُ إنّكِ أنقذتِني.”
لم تكن ملامحُه تليقُ بمن أُنقِذت حياتُه.
“اليوم، عودي إلى البيت وارتاحي.
إن احتجتِ أيَّ شيء، قولي—”
“قائد!”
قبل أن يُكمل، ناداه أحدُ الأعضاء.
كان أمامه الفرسانُ الأربعة الذين رأيتُهم ظهرًا، ومعهم بانديمك، يقتربون متوتّرين.
“أحضرنا الفرسانَ الذين جلبوا المخلوق.”
تراجع العضوُ الذي أحضرهم خطوةً إلى الخلف، وقد راقب تعابيرَ داميان.
ساد الهدوءُ وجهَ داميان في لحظة.
“أنتم، إذن. من جلب مخلوقًا دون التحقّق منه، وخرج يشرب.”
كان صوته هادئًا، لكن الغضبَ المكبوت كان واضحًا.
“ذ، ذلك لأن….”
“وبعدها، يقتحم النقابةَ بعد الظهر.”
كاد الدمُ يجفّ في عروقهم.
“نعتذر، أيّها القائد!”
أفاق بانديمك أخيرًا، وارتمى أرضًا.
“ظننّا أنّ المخلوق مات! لَمْ نتوقّع أن يهاجم النقابة حيًّا….”
“…….”
“كما أنّنا تأخّرنا بسبب حادثٍ في قريةِ ريكيان.”
“أعذارٌ متنوّعة.”
“هذا صحيح! كان هناك ثلاثةُ رجالٍ يبدون فرسانًا، يهدّدون صاحبَ متجرٍ مسكين. قالوا إنّهم يبحثون عن ‘فتًى بشعرٍ أسود وعيونٍ حمراء’، وكان الأمر مُرعبًا، لذا أردنا تلقينهم درسًا….”
“مهما يكن، أنتم مطرودون. اخرجوا.”
“قائد!”
تجاهلهم داميان تمامًا، وأعاد تفحّص حالتي.
كنتُ ممتنّةً لذلك، لكن…
“ماذا قلتَ للتوّ؟”
سألتُ بانديمك، محدّقةً فيه مباشرةً.
“……نعم؟”
“قريةُ ريكيان. قلتَ إنّ أشخاصًا مريبين كانوا يبحثون عن أحد.”
كان قلبي يخفق أسرع ممّا فعل حين ظهر الشيطان الأوحد.
التعليقات لهذا الفصل " 17"