الفصل 185
الشّخص الذي ظهر أمامها كان دافني.
كان من المفترض أن تكون دافني في السّجن.
بالطّبع، لم تُجرَ المحاكمة بعد، وبما أنّها ابنة نبيل، فلم تُحبس في زنزانةٍ حقيقيّة. ربّما أُعطيت غرفةً مريحةً للرّاحة.
لكن بما أنّها متهمة بالاعتداء على القديسة، لم يكن يُفترض أن تتمكّن من الخروج بحريّة.
‘فكيف…!’
في اللحظة التي فتحت فيها هيلا عينيها بدهشة، ظهر شخصٌ آخر من خلف دافني.
“أنتِ…!”
اتّسعت عينا هيلا أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
ولا عجب.
الشّخص الذي ظهر أمامها لم يكن سوى إمبراطورة هذا البلد.
***
لذا، حدث الأمر هكذا.
بعد أن أعلنتُ في اجتماع النّبلاء أنّني مالكة أرتميس.
في اليوم الذي تجمّع فيه الجيش في القصر لحلّ مسألة الشّقوق.
التقيتُ الإمبراطورة سرًا.
بوجهٍ يعتريه مشاعر متضاربة، سألتني الإمبراطورة:
“في اجتماع النّبلاء، لماذا لم تهاجمينني؟”
“…”
“أنا من أخفى حقيقة الوباء. لو كنتِ بدأتِ بهذا، لكان بإمكانكِ التّخلّص منّي بسهولة أكبر.”
كانت محقّة. رغم أنّها الإمبراطورة، إلّا أنّ نفوذها ضعيف، لذا حاولت جاهدةً إخفاء المرض الذي تفشّى في مسقط رأسها.
لو هاجمتُ الإمبراطورة مباشرة، لاستطعتُ احتكار التّوريد، وإسكات القصر إلى الأبد.
‘لكن حتّى لو فعلتُ ذلك، لن يُحلّ شيء.’
كانت الإمبراطورة مجرّد أداةٍ لدى هيلا. حتّى لو هاجمتُها، لن أتمكّن من الإمساك بهيلا، مصدر كلّ المشاكل. بل ربّما ستجد طريقةً أخرى.
لذا غيّرتُ نهجي. قرّرتُ جعل الإمبراطورة في صفّي.
“كما قالت جلالتكِ، لسنا على وفاق. لكن من الواضح أنّ لدينا عدوًا مشتركًا.”
“…”
“لا أطلب الكثير. فقط ساعديني عندما أكون في خطر.”
“…”
“إذا فعلتِ ذلك، سأضع الشّخص الذي أزعجكِ أكثر في مأزق. عدوّنا المشترك.”
لم تقل الإمبراطورة شيئًا آنذاك. كانت مرتبكةً، غير متأكّدة إن كان يجب أن تثق بي.
لكنّني كنتُ واثقة.
لن ترفض الإمبراطورة سلاح الانتقام الذي قُدّم إليها.
يكفي أنّها جاءت بنفسها لتفتح لي الباب عندما سمعت بحبسي.
“كيف تجرؤين…!”
نظرت هيلا إلى الإمبراطورة بنظراتٍ قاتلة.
“أن تطلقي سراح الأميرة دون إذن! هل تدركين معنى هذا، أيّتها الإمبراطورة؟”
“بالطّبع، جلالتك.”
ردّت الإمبراطورة بوجهٍ لا يتزعزع رغم صراخ هيلا.
“وأعتقد أنّ جلالتكِ تدركين أيضًا معنى قدومكِ سرًا مع كهنة.”
“أنا، أنا جئتُ فقط للاطمئنان على حالة لوسيل! هذا يختلف تمامًا عن إطلاق سراح شخصٍ محتجز بسجن بسبب مشاعر شخصيّة!”
“آه، هكذا إذًا.”
عند هذا الكلام، رفعتُ يدي مبتسمةً…
“إذًا، هل سمعنا خطأً؟”
ضغطتُ على الجهاز الذي أمسكه.
طقطقة.
رنّ صوتٌ صغير، ثمّ…
[هل يجوز لنا فعل هذا…؟]
[ما المشكلة؟ إنّه يعاني من قوّته السّحريّة الزّائدة، أليس كذلك؟ أخذ القليل لن يضرّ!]
[لكن، إذا أخذنا أكثر ممّا يجب، قد يسبّب خطرًا كما حدث من قبل. إذا ظهر شيطانٌ آخر، فلن نتمكّن من التّعامل معه هذه المرّة!]
[“إذا لم تستطيعوا، ابتعدوا! سأفعلها بنفسي!” ]
بدأت أصوات محادثتهم الأخيرة تتردّد.
‘هل ظننتِ أنّني سأستمع فقط دون فعل شيء؟’
أهمّ شيء عند اقتحام الموقف هو الأدلّة.
الشهادات الشّفويّة وحدها لن تجذب الرّأي العام إلى جانبي.
توقّعتُ مثل هذا الأمر، لذا طلبتُ منذ زمنٍ من سحرة البرج السّحريّ جهازًا لتسجيل الصّوت.
“كيف يمكن لهذا أن يحدث…!”
بدأت وجوه الكهنة تصفرّ.
ولا عجب. ألم يعترفوا بأنفسهم قائلين.
‘إذا ظهر شيطانٌ آخر، فلن نتمكّن من التّعامل معه هذه المرّة’…
كان كمن يعترف بأنّ شيطانًا نزل إلى الأرض أثناء استخدامهم لقوّة لوسيل.
نظرت هيلا إلينا بنظراتٍ قاتلة، ثمّ ضحكت بسخرية.
“حسنًا… يبدو أنّكِ استخدمتِ ذكاءكِ. لكن مثل هذا الصّوت يمكن تزييفه بسهولة.”
“…”
“هل سيصدّق النّاس أميرةً اعتدت على القديسة، أم كهنةً اعتنوا بلوسيل لسنوات؟”
ضحكت هيلا بسخرية عندما لم أجب.
“أفهم رغبتكِ في تهديدي، لكن يبدو أنّكِ اخترتِ الخيار الخطأ. أنتِ والإمبراطورة.”
“…”
“لذا، إذا سلّمتِ هذا التّسجيل الآن، سأعتبر الأمر كأنّه لم يكن. سيكون هذا أفضل لنا جميعًا.”
تحدّثت هيلا بلطف، لكنّها كانت متعجرفة، كأنّها تؤكّد تفوّقها.
‘الآن أفهم لماذا كانت الإمبراطورة تخاف من هيلا.’
إذا تصرّفت بثقة تامّة، وكأنّ كلّ خطأ يقع على عاتق الآخرين، فسيقع الشّخص السّاذج في الفخّ.
لكن ليس أنا.
“بالطّبع، الصّوت قد يكون مزيّفًا.”
قاطعتُ كلام هيلا مبتسمةً.
“لذا أعددتُ شيئًا أكثر وضوحًا.”
أشرتُ إلى السّقف.
تبعت أنظار هيلا والكهنة إشاري إلى الأعلى.
كانت هناك مرآة على السّقف.
رغم أنّ الإضاءة خافتة، إلّا أنّ الشّخص ذا البصيرة سيلاحظ.
المرآة لم تعكس صورة أحد. أدركت هيلا المعنى أخيرًا، فنظرت إليّ بوجهٍ مشوّه.
“أنتِ، هل يعقل…!”
“نعم.”
ابتسمتُ ببراءة.
إذا كان لدينا جهاز تسجيل، أليس من المنطقيّ أن يكون لدينا كاميرا مراقبة أيضًا؟
“يمكنني إرسال هذا الفيديو إلى الإمبراطور فورًا.”
“ما هذا…!”
“وإذا لم يكن ذلك كافيًا، يمكنني عرضه في السّاحة المركزيّة. سيرى النّاس وجه جلالتكِ الرّحيم.”
اصفرّ وجه هيلا.
الوجه الذي سعَتْ إلى جماله الأبديّ، والذي أصبح مشوّهًا بشكلٍ قبيح.
إذا رآه النّاس…
“آه، آه…!”
كأنّها في حالة ذعر، تراجعت هيلا متعثّرة. ثمّ وصلت عيناها المحمّرتان إليّ.
“كيف تجرؤين…!”
في اللحظة التي حاولت فيها الانقضاض عليّ، أمسك شيءٌ بذراعها بقوّة، مانعًا إيّاها.
“الضّجيج يمنعني من النّوم.”
همس لوسيل بنعومة وهو ينظر إلى هيلا.
“مرحبًا، جدّتي.”
“كيف، كيف أنتَ…!”
“التّفسيرات الطّويلة مملّة، فلنتجاوزها. لا أريد ذلك أصلًا.”
ابتسم لوسيل بلطف.
“بدلًا من ذلك، سأعطيكِ خيارًا. إمّا أن تدخلي السّجن بهدوء، أو…”
تحوّلت عيناه النّاعمتان إلى برودٍ مفاجئ.
“…أن تدخلي السّجن وقد فقدتِ هذه الذّراع التي حاولتِ التّلويح بها بحريّة، إلى الأبد.”
تهديدٌ مغلّف باللطف. تنفّست هيلا بسرعة كأنّ أحدهم يخنقها. الكهنة كذلك، لم يجرؤ أحدٌ على الكلام.
“يبدو أنّكِ اتّخذتِ قراركِ. حسنًا، سنضعكِ في السّجن دون أذى، في الوقت الحاليّ.”
ابتسم لوسيل بحلاوة وقال:
“ففي النّهاية، يمكنني كسر ذراعكِ لاحقًا.”
لوّح بيده بخفّة، فأصبح الكهنة كأنّهم محبوسون في كيسٍ شفّاف، متّخذين أوضاعًا مضحكة.
تراجعت هيلا ذات الوجه الأصفر، واتّجهت أنظارها إلى الإمبراطورة. كمحاولةٍ أخيرة، تشبّثت بها.
“أعيدي التّفكير. لا فائدة من اهتزاز العرش! حتّى لو فكّرتِ بابنكِ، إيرين…”
“لهذا أفعل هذا.”
قاطعتها الإمبراطورة بحزم.
“…كان يجب أن أكون كأمٍّ نزيهة أوّلًا، لكنّني لم أفعل. أدركتُ ذلك متأخّرًا.”
رمت الإمبراطورة طرف ثوبها، فسقطت هيلا بلا حولٍ ولا قوّة.
نظرتُ إلى هيلا بهدوء.
على عكس ما كنتُ أظنّ، لم يكن وجهها قبيحًا أو مرعبًا.
كانت مجرّد تجاعيد الزّمن التي يفترض أن تكون على وجه امرأةٍ في سنّها.
الفارق الوحيد هو الشّرّ الذي يلمع في عينيها.
بالطّبع، هيلا الغبيّة لن تدرك هذا أبدًا.
“يبدو أنّنا رتّبنا الموقف.”
ضحك لوسيل بخفّة. في تلك اللحظة، ظهرت دائرةٌ سحريّة تحت قدميه. تطاير شعره الفضيّ كأنّه منسوجٌ من الملائكة.
“سأعود قريبًا.”
بعد تلك الابتسامة، اختفى لوسيل والآخرون في لحظة.
‘بما أنّ هيلا سُجنت، حتّى لو كانت ماريا القديسة، لن تستطيع الاقتراب.’
كان من الجيّد أن أطعمتُ هيلا الشّاي الممزوج بقوّة لوسيل السّحريّة عبر الخادمة. توقّعتُ أنّ هوسها بمظهرها سيجعلها تفقد صوابها، وهذا ما حدث.
تمّ التعامل مع واحدة. شعرتُ براحةٍ طفيفة، لكنّني لاحظتُ الإمبراطورة لا تزال متصلبة.
‘ربّما خرجتُ بقوّة، لكنّها لا تزال تخاف من تداعيات هيلا؟’
بعد تفكيرٍ قصير، مددتُ جهاز التّسجيل الصّوتيّ إلى الإمبراطورة.
“لماذا هذا…؟ ”
“بين الحلفاء، يجب أن يكون لدينا ما يثبت الثّقة.”
بما أنّ لديّ جهاز الفيديو كدليلٍ قاطع، كنتُ أنوي إعطاء جهاز الصّوت للإمبراطورة.
كان دليلًا واضحًا على أنّنا في صفٍّ واحد.
“…”
أمسكت الإمبراطورة الجهاز بوجهٍ مذهول.
وبينما كانت تنظر إليه، سألت بنبرةٍ خافتة:
“…أيّتها الآنسة.”
“نعم، جلالتك.”
“هل أنتِ حقًا القديسة؟”
توقّفتُ عند هذا السّؤال غير المتوقّع.
“أن يتعافى لوسيل من هيجانه بهذه الطّريقة… أمرٌ مستحيل.”
توقّفتُ عند تمتمتها.
صراحةً، لا أعرف.
لم أخضع لفحص القوّة المقدّسة، ولم يكن واضحًا لماذا لم تُظهر دافني في القصّة الأصليّة قوّتها المقدّسة.
لكن شيئًا واحدًا كان مؤكّدًا.
“ماريا ليست القديسة. وسأجعل النّاس يعرفون ذلك.”
“…”
“حتّى لو أدّى ذلك إلى جرح أحدهم، لن أتراجع.”
كنتُ أتحدّث عن إيرين. إيرين… الذي أحبّ ماريا أكثر من أيّ شخص.
الإمبراطورة تعرف ذلك بالطّبع. ظننتُ أنّها ستتردّد قليلًا…
لكنّها ابتسمت بلطف، كأنّها توقّعت ذلك.
“جلالتك؟”
“آسفة، أيّتها الآنسة. لم أكن أسخر. فقط… أشعر براحةٍ طفيفة.”
“…”
“كنتُ أتمنّى لو التقيتكِ مبكّرًا.”
نظرت إليّ وهي تقول ذلك. رأيتُ في عينيها الحريّة التي طالما تمنّتها.
“لكن، لماذا ضربتِ ماريا على خدّها؟ لو لم تُحبسي، لكان الأمر أسهل بكثير.”
غيّرت الإمبراطورة الموضوع بمزاح.
“جلالتكِ محقّة.”
“إذًا لماذا…”
“لكنّني أردتُ ضربها بشدّة.”
“ماذا؟”
ابتسمتُ للإمبراطورة المذهولة وقد قلتُ:
“أنا تملّكيّةٌ بعض الشيء، ولا أستطيع ترك من آذى حبيبي دون عقاب.”
التعليقات