– السيدة الوحش والفارس المقدس.
الفصل الثاني عشر
أصابع فيرونيكا المرتعشة، عاجزة عن السيطرة على نفسها، تشبثت بحافة ملابسها وهي تئن بهدوء. كان عقلها في حالة اضطراب، وخرجت أنفاسها في لهث ثقيل.
رغم أنها لم تُقبّل أحدًا من قبل، إلا أنها كانت تعلم أن هذا الدافع غير طبيعي. كان شيئًا خارجًا عن سيطرتها – رغبة مُذلّة جعلتها تتمنى الموت.
كان من المستحيل ألا تعرف. تذكرت فيرونيكا أنين الكلاب الضالة الذي رأته في الشوارع. كان هذا أشبه بحمى الحيوانات. لم يكن على أحد أن يشرح لها ذلك؛ فقد فهمته غريزيًا. كانت رغبة باهاموت في التكاثر، وعندما كُبتت هذه الرغبة، عبّرت عن نفسها بطرق أخرى.
لم تكن مجرد رغبة في أكل البشر، بل رغبة في التهام ذوي القدرات الفائقة. كانت قدرته المقدسة عذبة. أرادتها.
لذا، يجب أن تشعر بنفس الرغبة التي أشعر بها.
“هاه…”
انطلق أنينٌ مُغرٍ من حلقها، مُفاجئةً حتى نفسها. فقدت عيناها تركيزهما، والتفت يداها اللتان كانتا تُمسكان بملابسها ببطء حول عنق ليون كالأفعى.
ليون، الذي كان يتقبل تقدماتها بسلبية، انتهز الفرصة عندما قطعت فيرونيكا القبلة وهي تلهث لالتقاط أنفاسها. أدرك ليون عدم جدوى دفعها بعيدًا، فجذبها إليه بقوة. كانت لمسته دافئة وهو يحتضن رأسها على صدره ويشد خصرها نحوه.
تأوهت فيرونيكا بهدوء من الإحباط، “فقط قليلاً … فقط قليلاً أكثر …”
“أعلم. فقط ابقي ساكنة للحظة.”
عانق فيرونيكا بين ذراعيه، وغمرتها رائحة المسك حتى أمتلأت رئتيها. امتزج صوت أنفاسهما المتقطعة ونبضات قلبيهما غير المنتظمة. لم تكن هي وحدها، بل كان هناك اثنان. ما إن أدركت ذلك حتى بدأ الاندفاع يتلاشى.
ولم تكن وحدها.
لم يكن هناك أي خجل أو إحراج. كأن الجزء الذي كان من المفترض أن يشعر بتلك المشاعر قد انكسر. آه، مرة أخرى. أريد أن أختفي في هذا الرجل، أن أموت هكذا.
لفترة طويلة، لم يتكلم أيٌّ منهما. الصوت الوحيد في الحظيرة كان أنفاسهما الثقيلة، التي تردد صداها كالرعد في أذني فيرونيكا. عادت إلى الواقع فجأةً عندما شعرت بلمسة يد ليون الباردة على خدها المتورد. دلّك وجهها ببطء، كصبيٍّ وجد كنزًا لأول مرة. لمعت نظراته الحادة بجشع في الظلام.
“هل كنتِ هكذا دائمًا؟”.
“ماذا تقصد؟”
“قبل الاندماج، أكنتِ هكذا دائمًا…” توقف ليون عن الكلام، ولمس إبهامه عينيها الحمراوين وكأنه مُنذَر. “هل هذا بسبب عينيكِ؟”.
فيرونيكا، التي كانت تحدق فيه، خفضت عينيها لا إراديًا عندما اقتربت يده. وكأنه توقع ذلك، رسم ليون برفق حدود جفنيها. استقرت لمسته الرقيقة على رموشها المتطايرة، مستمتعة بالإحساس كما لو كان نادرًا. تسارعت أنفاسها، وخرجت شهقات خفيفة من شفتيها.
تمتم ليون بصوت أجش، “أو ربما أنا فقط إحب وجهكِ.”
حتى مع إغماض عينيها، ظلت الهالة الساحرة التي أحاطت بها قائمة. لم تكن فاتنة الجمال، لكنها كانت تجيد التعبير عن نفسها بتعبيرات وإيماءات آسرة تأسر الرجال.
كان من الطبيعي أن تأسره بجمالها.
برر ليون رغباته بهذه الطريقة. كان الأمر طبيعيًا.
والآن كل ما تبقى هو قمع تلك الرغبات بإرادة غير طبيعية.
أبعد يديه عنها بقوة، رغم أن أصابعه كانت تتوق لمسكها. عوضًا عن ذلك، ضمّ رأسها إليه ودفنه في صدره. انزلقت يده الكبيرة في شعرها الناعم، وبينما كانت تحتضنه، غمره شعورٌ يصعب وصفه بالسكينة.
أطلق ليون نفسًا عميقًا وبطيئًا، وأغمض عينيه.
عوت الريح وهي تهز الحظيرة.
***
فكرت فيرونيكا في كلمات ليون.
“أنا لا أذكر أسماء الحيوانات التي سوف تموت.”
إذا فكرت في الأمر، هل سأله عن اسمها من قبل؟.
“إذا كنت مستيقظة، فاستيقظي.”
صوتٌ عميقٌ شقّ الظلام. رمشت فيرونيكا بتعبٍ ورفعت رأسها ببطء. مع أنها لم تكن نائمة إلا قليلاً، شعرت وكأنها استيقظت من سباتٍ طويلٍ وعميق.
كان العالم أزرقًا ساطعًا، ممزوجًا برائحة الفجر ورائحة ليون في الهواء. لم يكن الأمر مزعجًا، بل على العكس تمامًا.
لقد مرّ وقت طويل منذ أن احتضنها شخصٌ كهذا، ليس منذ طفولتها. حتى والداها لم يحتضناها هكذا طوال الليل. شعرتُ بالدفء الذي أحاط بها كأنها مغمورة في ماء ساخن، هادئةً وساكنةً كمياه المطر المتجمعة في جدول.
“ماذا عن رؤيتك؟” سأل ليون بهدوء. بدا أن حدّته المعتادة قد خفت، ربما بسبب شعره الأشعث. ولأول مرة، بدا شبه إنسان.
“لم أرى أي شيء.”
أجابت فيرونيكا، وهي لا تزال في حالة ذهول، بصوت خافت، كما لو أنها ارتكبت خطأً ما. لم تكن هناك رؤى ولا اندفاعات. بدلًا من إظهار خيبة الأمل، أزال ليون ذراعه ببطء من خصرها ووقف. شعرت بوخزة ندم عندما غادر الدفء جانبها. ومرة أخرى، أصبح عباءة فرو الذئب ملكها.
مرر ليون يده على وجهه ليُزيل عنه أثر النوم، ثم أرجع شعره الأشعث للخلف بخشونة. أبرزت هذه الحركة خطوط كتفيه وظهره القوية، ولم يستطع قماش سترته السوداء الرقيق إخفاء عضلاته المتوترة تمامًا.
شعرت وكأنها ترى رجلاً لأول مرة في حياتها. لماذا أدركت فجأةً هذا الإدراك لجنسٍ يُشكّل نصف العالم؟ ربما لأنها قضت الليل كله بين ذراعيه. الدفء الذي لفّ جسدها طوال الليل كان شيئًا لا يمكن لشخصٍ بالغٍ أن يختبره جسديًا بعد الآن.
وبينما انتابتها رغبة غريبة في مد يدها ولمسه، حرك ليون رأسه قليلًا.
“ما هذا؟”
اتسعت عينا فيرونيكا من المفاجأة، وخفضت يدها بسرعة، واحمرت خجلاً بعنف.
ماذا كنت أفكر؟ هل جننت؟.
في حرجها، قالت أول عذر جاء في ذهنها.
“أنا جائعة.”
لكن ما إن قالت ذلك حتى ازداد وجهها حرارة. فبعد كل هذا الحديث عن النضج، بدت كطفلة تشكو من الجوع.
“بالطبع، لا أطلب منك أن تطبخ لي. فقط أخبرني ماذا نأكل، وسأساعدك.”
حاولت أن تحفظ ماء وجهها، وأضافت بسرعة. أطلق ليون، الذي كان يحدق بها، ضحكة هادئة. لم تكن تتخيل ذلك – بدا أكثر استرخاءً من المعتاد، ربما لأنه استيقظ لتوه.
“لا تتعبي نفسكِ. اجلسي هناك. إذا ساءت إصابتكِ، سأترككِ.”
نهض ليون، يلتقط قشًا يابسًا، ربما لإشعال نار. راقبته فيرونيكا وهو يتراجع في ذهول، ثم لمست مؤخرة رقبتها بغير وعي.
وكان الجرح يلتئم.
تك، تك، انبعثت من السمك المدخن المسخن جيدًا رائحة غنية ولذيذة. أما سمك القد المشوي بالزبدة، في أوج موسمه، فكان له نكهة استثنائية. وبينما كانت تقضم لحمه الطري، تدفقت العصارة بغزارة، فامتلأت فمها.
أكلت فيرونيكا بشراهة حتى كادت تشعر بالحرج. فقط عندما التقطت القطعة الأخيرة أدركت أن ليون كان يراقبها طوال الوقت. ترددت، ثم أوضحت بحرج: “عادةً لا أحب هذا الطعام عندما أكون في منزل دافئ، لكن طعمه لذيذ هنا في البرد.”
“هل أنتِ متأكدة من أن الأمر ليس فقط لأن الطاهي مختلف؟”
عندما سأل ليون هذا، لم تستطع فيرونيكا دحضه، فرمقته بنظرة جانبية. كان تعليقه، في النهاية، سخريةً من طباخة المنزل – التي لم تكن سوى نفسها.
على أي حال، كان من المفاجئ رؤية ليون وهو يطبخ، حتى لو كانت وجبة بسيطة. كل ما عاشته معه بدا لأول مرة. أول رحلة ركوب خيل لها، أول رحلة لها، أول قبلة لها.
“نحن متجهين إلى الكارت.”
بينما كانت تبتلع آخر لقمة، ذكر ليون اسم المدينة المقدسة، العاصمة. كانت فيرونيكا تتوقع هذا. منذ مغادرتها أسيلدورف، اتجه ليون شمالًا دون تردد.
جلست فيرونيكا بهدوء، وهي ترسم في ذهنها خريطة لطريقهم.
انطلقوا من بايرن، في أقصى شرق القارة، ومرُّوا بأسيلدورف غربًا. كانت مدينة كارت المقدسة تقع شمال موقعهم الحالي مباشرةً.
كانت الرحلة المباشرة تستغرق خمسة أيام، لكن المشكلة الحقيقية كانت في البرية الشاسعة بينهما، أرض قاحلة خالية من النباتات. لو سلكوا طريقًا آخر، لاستغرقت الرحلة أسبوعين على الأقل.
“ألن ينفد طعامنا؟ حتى لو توقفنا في مدينة مناسبة على طول الطريق، لن يتبقى لدينا أي مال.”
“لن ينفد. سنعبر البرية مباشرةً.”
أجابها ليون بعفوية، بعفوية شديدة، لدرجة أنها لم تدرك إلا لحظة أن هناك خطبًا ما. كادت تختنق بطعامها، وهي تنظر إليه في حيرة.
هل انت مجنون؟.
هل هذا الرجل كافر حقا؟.
“أعلم أن قول هذا لكاهنٍ أمرٌ غريب، لكن هذه البرية أرضٌ مقدسة، موطنُ الهيكل العظيم. إن دخلناها بتهوّر، سنُعاقَب.”
“إذا جاء العقاب، فليأتِ. سواءً أكان أرضًا مقدسة أم مدنسة، فليس لدينا وقت للقلق بشأن ذلك الآن.”
فتحت فيرونيكا فمها وأغلقته في ذهول. ألقى ليون المزيد من الحطب في النار وألقى عليها نظرة ذات مغزى وسألها: “من أين تعتقدين أن الباهاموت الذين هاجموا مدينتكِ؟”
جعل السؤال المفاجئ فيرونيكا تعقد حاجبيها. بدا الجواب بديهيًا.
“بالطبع، جاؤوا من البحر. لا مكان آخر يُمكن أن يأتوا منه. الجبهة الجنوبية مُحصّنة جيدًا.”
“ماذا لو تم إختراق جزيرة تيران منذ زمن طويل؟.”
لفترة من الوقت، كان هناك صمت مذهول، كما لو أن الماء البارد يُلقى عليها.
وحوش من البحر الجنوبي. لطالما كانت الحرب أمرًا يحدث بعيدًا، في الأراضي الجنوبية. أما بقية القارة، فقد كانت آمنة بفضل تيران، الحصن الطبيعي، الذي كان يحرسها. كان الفرسان المقدسون يحمون تلك الأرض.
وبينما بدأت ملامحها في الشحوب، واصل ليون طرح سؤال آخر.
“ماذا لو تم استهلاك كل شيء جنوب هنا بالفعل؟”
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"