رأيتُ ترددًا يعبر عينيه لوهلة، وكأن شيئًا فاجأه، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه.
“هذا الفستان… يليق بكِ.”
“أشكرك على الإطراء، يا دوق.”
فجأة صعد “كاردين” إلى العربة ومدّ يده نحوي.
حين دخل بجسده الضخم، شعرت أن العربة امتلأت به. حدّقت به بدهشة بينما أمسكني من يدي.
ثم انحنى وقبّل ظهر يدي المغطاة بالقفاز الحريري.
في تلك اللحظة، تذكرتُ قُبلة الحفل… تلك التي حاولتُ نسيانها بشدة.
هل جننت؟ كيف استطعت يومها أن أُحيط عنقه بذراعيّ وأقبّله؟
انتابني خجل عارم، وشعرتُ بالعار يتفجر داخلي حتى أنني لم أستطع النظر في وجهه.
“شوبيليا، ما بكِ؟ هل تشعرين بسوء؟ هل أنتِ مصابة بالحمى؟”
فزعت “يوديث” ووضعت يدها على جبيني، وبدأت تلمس خدي المتوردين بقلق بالغ.
“لا، لا تقلقي يا آنسة يوديث، أنا بخير. حقًا.”
“أخي العزيز، أخرج حالًا من العربة. الهواء البارد قد يُصيب شوشو بالبرد.”
“حسنًا، فهمت.”
مدّ “كاردين” يده ليلامس رأسي كما اعتاد، لكنه توقّف في الهواء، وتراجع دون أن يلمسني.
“الرحلة ستكون طويلة، إن شعرتِ بأي تعب، أخبريني فورًا.”
“نعم، دوق.”
أومأت برأسي أخيرًا، مجيبة بصوت خافت.
حين غادر “كاردين” وأُغلق الباب خلفه، تنفست الصعداء أخيرًا وشعرت بتراخي توتري.
هذا غريب… حين كنتُ ثعلبة، كان لمس “كاردين” يمنحني راحة لا تُضاهى. أما الآن، فكلما لامسني، أشعر بجسدي يشتعل، وقلبي يخفق كالمجنون.
هل هذا أحد أعراض التحوّل البشري؟ هل أعاني من خلل في النبض؟
بينما كنتُ غارقة في هذه التساؤلات ووجهي مُسند إلى كفي بتأمل، ناولتني “يوديث” قطعة فاكهة مجففة.
“شوشو، هل ترغبين في تذوق هذه؟”
“آه، شكرًا جزيلاً.”
كانت قطعة من التفاح المجفف والمطهى بخفة في السكر، طرية ولذيذة وحلوة حين دخلت فمي.
“بما أن الرحلة طويلة، من الأفضل أن تتناولي بعض الحلوى لمنع دوار العربة. ستتأرجح كثيرًا، لكن لا تقلقي، سنرتاح في أحد القصور الصغيرة لليلة واحدة فقط، فاصبري لنصف يوم فحسب.”
“شكرًا لكِ على عنايتك، آنسة يوديث.”
حين شكرتها، هزّت رأسها بلطف.
“لا، بل أنا من يجب أن يشكركِ.”
“ماذا؟”
“قدرة أخي على الذهاب إلى العاصمة الآن، كل ذلك بفضل استقرار قواه السحرية… بفضلكِ أنتِ. لم يكن ذلك ممكنًا من قبل. بسبب اضطراب سحره، لم يتمكن من زيارة العاصمة لسنوات.”
“أوه… فهمت.”
“هو نفسه رفض بشدة الذهاب. حتى أنه امتنع عن زيارة جدتنا طوال هذه المدة، خوفًا من أن تؤثر قواه على صحتها. ولكن بفضلك، ستجتمع العائلة من جديد. شكرًا لأنك أصبحتِ المعالجة الخاصة بأخي.”
“لا بأس. لقد قمتُ فقط بما كان عليّ فعله.”
رسمتُ ابتسامة مُصطنعة، غير قادرة على البوح بالقلق الذي ينهش داخلي.
كنت أخشى أن يتغير ذلك البريق في عيني يوديث… ذلك الإيمان الصادق بي.
هل أنا فعلًا معالجة؟ لقد امتصصت سحر “كاردين” بدافع الطمع، لا أكثر.
شعور عميق بالذنب بدأ يحرقني من الداخل.
وفجأة، هرعت “بيتي” نحو نافذة العربة، تحمل سلةً صغيرة، ومدّتها إليّ.
“أعددت بعض الساندويتشات على عجل… لتأكلي منها إن شعرتِ بالجوع، آنسة شوشو.”
“شكرًا لكِ يا بيتي.”
كانت “بيتي” تنظر إليّ بعينين دامعتين.
“أرجوكِ… عودي سالمة. سأكون بانتظاركِ.”
حين علمت “بيتي” أنني ذاهبة إلى العاصمة، أصرت على مرافقتي.
لكن
كمدبرة الخدم في قصر الدوق، لم يكن من اللائق أن تترك مسؤولياتها خلفها وتتبعني.
أقنعتها “يوديث” بأنها ستُخصص لي خادمة شخصية في العاصمة، عندها فقط ارتاحت “بيتي” قليلًا.
حتى آخر لحظة، لم تكفّ عن ترتيب أمتعتي بعناية فائقة، محذّرةً إياي مثل أم قلقة على صغيرها: “لا تتبعي الغرباء”، “لا تضيعي الطريق”…
أخرجتُ يدي من نافذة العربة، وأمسكتُ يدها بشدّة.
“شكرًا لكل شيء، بيتي. اعتني بنفسكِ.”
أطبقت “بيتي” على يدي، ودموعها تلمع في عينيها.
“لا تقوليها وكأنكِ لن تعودي… لا بد أن تعودي، أليس كذلك؟ سأعد لكِ أطباقكِ المفضلة وحلوياتكِ حين تعودين.”
قاومتُ الدموع التي تجمّعت في عيني، وأرغمتُ نفسي على الابتسام حتى لا تُقلق.
“بالطبع. لا تقلقي.”
انطلقنا من القصر، يحيط بنا الفرسان وسكان الإقليم يودّعوننا.
حتى الجنود الطيبون، وأطفال القرية الأشقياء، لوّحوا لي بأيديهم الصغيرة.
بادلتهم التلويح من النافذة، وامتلأ قلبي بالامتنان.
كنت ممتنة لأنهم قبلوني كما أنا، حتى وإن كنتُ ثعلبة متحولة.
شعرتُ برغبة جارفة أن أعيش هنا إلى الأبد، بجانبهم جميعًا.
لكن… هل يحق لي ذلك؟ هل أستحق هذا الكم من السعادة؟
لا. عليّ أن أذهب إلى العاصمة وأتأكد من خطورة قوتي.
يجب أن ألتقي بأفراد عشيرة “وولفيس”، وأطرح عليهم كل ما يشغلني.
لماذا يُقال إنني سبب الدمار؟ وهل يمكنني تجنّب هذا المصير؟
لن أعود إلى الشمال حتى أتأكد من أن قوتي آمنة.
لا يمكنني إيذاء أناس بهذه الطيبة.
كانت العربة تهتز بعنف وهي تنطلق بسرعة، فأسندتُ جسدي إلى المقعد وأغمضتُ عيني.
أُخمد رغبة مظلمة تنبعث من أعماقي كلما خمدت.
تغيّر المشهد خارج العربة بسرعة. تجاوزنا أقاليم الشمال الباردة، وقطعنا سلسلة جبال شاهقة، مرورًا ببحيرات متجمدة تُشبه المرايا الفضية.
كانت الرحلة، التي انطلقت منذ الفجر، طويلة ومرهقة، لا تتوقف إلا لفترات قصيرة للراحة أو لإطعام الخيول وسقيها بالماء، ثم نستأنف السير مباشرة.
“شوشو، هل أنتِ متعبة؟ أرجوكِ تحمّلي قليلًا بعد، علينا أن نصل إلى القصر الريفي قبل حلول الظلام.”
خلال الاستراحة، جاء “رون” نحوي وألقى عليّ تعويذة شفاء، لأني لا أستطيع استخدام سحر الشفاء حين أكون على هيئة بشر.
كان “رون” يستخدم تعاويذ الشفاء للفرسان المنهكين من الرحلة، وحتى للخيول التي تجرّ العربات، مساندًا الجميع.
“بهذا المعدل، سينهار رون من فرط استخدام السحر.”
“لا بأس، ما زلتُ قادرًا على الاحتمال.”
“حين نصل إلى القصر الليلي، سأقوم أنا بشفائك، رون.”
“وجودك يجعلني أشعر بالأمان، شكرًا لكِ.”
ابتسم “رون” كطفلٍ صغير وهو يعود إلى عربته الخاصة.
لكن ثمة من لا يحتاج إلى تعاويذ الشفاء على الإطلاق. “كاردين” ويوديث، مثل وحوش خُلقت من قوة لا تُقهر.
وريثا عائلة الدوق، التي تتوارث قوى استثنائية، لم يبدُ على “كاردين” أي أثر للإرهاق، وكأن جسده مصنوع من الفولاذ.
و”يوديث” أيضًا، يبدو أن بنيتها الجسدية قوية بشكل طبيعي، فلم تظهر عليها علامات التعب أو الدوار.
“آنسة يوديث، ألا تشعرين بالإرهاق؟ لقد ركبتِ العربة طويلًا ولم تُصابي بالدوار حتى. حقًا أحسدك على هذه الطاقة.”
“أنا معتادة على السفر بالعربات. لقد جبت القارة كلها تقريبًا في أعمال القوافل التجارية، لذا مثل هذه الرحلات لا تُرهقني أبدًا.”
قالتها بابتسامة مشرقة، وهي تهز كتفيها بخفة، وكأنها تتفاخر بمرونتها.
في تلك اللحظة، تسللت إلى قلبي رغبة خفية في معرفة شيء عنها…
“آه، آنسة يوديث… هل يمكنني سؤالك ِعن شيء؟”
“بالطبع يا شوشو، اسألي ما تشائين.”
“هل من الصحيح أنكِ لا تملكين أي قوى سحرية؟”
“نعم. لا أملك أي أثر للسحر. في عائلة هللايد، لا يُولد بالسحر إلا الذكور فقط. إنه إرث… أو لنقل، لعنة، تلاحق رجال العائلة وحدهم.”
حين تمتمت يوديث بجملتها الأخيرة، لاحظتُ الحزن العميق والمرارة التي اختبأت خلف ابتسامتها.
كانت كلماتها بسيطة، لكن الألم الذي عبّرت عنه كان ثقيلًا، وكأن قلبها يحمل جراحًا قديمة لم تندمل بعد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 75"