كانت لحظة لقائهما من المشاهد التي يصعب النظر إليها بلا دموع.
فما إن وجد فيليكس أخاه الوحيد بعد أربع سنوات حتى انهار فورًا وهو يعانقه، عاجزًا حتى عن صياغة جملة سليمة.
“…كنتُ أظنّك قد متَّ رايان… كيف… كيف أنت هنا؟”
لقد كان يعتقد أنّ شقيقه الأصغر قد فارق الحياة، وها هو أمامه حيٌّ يُرزق.
لكن أربع سنوات غيّرت فيه الكثير.
شعره الذي كانت الخادمات تعتني به صار متلبدًا متسخًا، وأصابع قدميه متورمة حافية، ويداه خشنتان، وقميص لا يُعرف متى اشتراه، تمزقت أكمامه وبهت لونه إلى الرمادي من الغبار.
اهتزّ ظهر فيليكس العريض الذي ضمّ الصبي الصغير بلا حول ولا قوة، وبكى كطفل.
عندها بدأ الجليد المحيط بعيني رايان يذوب، واحمرّ طرفاهما شيئًا فشيئًا.
لم يزل رايان يشعر أنّ الأمر غير واقعي، لكن رؤية أخيه يبكي بحرقة جعلت دموعه الكبيرة تتساقط.
“…لماذا لم تأتِ إلا الآن؟ لقد كنتُ خائفًا حقًا! آآه!”
وارتمى في صدر أخيه، بينما رَقّت أعين الأطفال الذين شاهدوا قائدهم يذرف الدموع لأول مرة.
***
“أخيرًا وجدتَ رايان! أيها الذي اخترق الحواجز وتجاوز المحن، إنك أهل لأن تكون بطلًا! فلتنال البركة أيها البطل الصغير!”
صرخ الحجر المعلّق في العقد وهو يتأرجح، لكن لولو لم تكترث، بل ظلت تحدّق في الاثنين وعيناها دامعتان.
هؤلاء… عائلة.
شعرت بشيء يضغط على صدرها، فشمّت أنفها بقوة.
لو أنني التقيتُ أمي وأبي… هل كنت سأبكي مثل الفارس؟
لم تكن تعرف الجواب، إذ لم تمتلك أي ذكرى مع والديها.
“…شكرًا لكم يا أصدقائي! لن أنسى هذه الأغنية أبدًا!”
هكذا ازدادت رابطة فرقة البحيرة السوداء متانة.
ثم أخرجت أنجيلا دمى دببة وأعطتها للأطفال، لكنها اشترطت عليهم أن يضغطوا على أقدام الدمى إذا رأوا غرباء مشبوهين في القرية، لتتحرك دمية لولو الصغيرة كإنذار.
غادر الأطفال واحدًا تلو الآخر، وبقي رايان ولولو وحدهما في حضن دافئ، حيث الجو المشرق وضحكات الأصدقاء جعلت الغرفة أدفأ من أي موقد.
***
بعد ذلك، وبينما كانت لولو تغسل يديها وهي تدندن بأغنية السمندل الصغيرة، عادت إلى قبو البرج وهي تبتسم بفخر.
“لولو الآن تنينة طيبة!”
لكن فجأة عبست.
“كيف أصبحتُ بطلة… وما زالت كتب الحكايات تقول إن التنانين أشرار؟”
فقررت.
“سأصنع كتاب الحكاية بنفسي!”
لكن قبل أن تبدأ بالرسم، دوّى صوت الحجر من جيبها.
“أيتها التنينة الصغيرة… آن الأوان لأدعوَكِ بالبطلة الصغيرة. لكن قبل ذلك… أخبريني باسمكِ.”
التعليقات لهذا الفصل " 9"