بصعوبة رفع رايان رأسه، محاولًا أن يرسم ابتسامة باهتة وهو يحدّق في لولو.
“…ليس بالأمر الكبير لولو، فقط أشعر بالنعاس…”
“لا! لا تنم!”
“لا بأس… لا تنادي الأطفال، دعيني أرتاح قليلًا فقط…”
في الحقيقة، كان كلّ شيء ينهك رايان.
تحمّل مسؤولية الأطفال الذين فقدوا ذويهم وجاؤوا إليه باكين، وتحمّل شتائم أهل القرية وهو يسرق الخبز والخضار ليطعمهم، ومكابدته للبقاء حيًّا فيما جسده يزداد سوءًا يومًا بعد يوم.
كان يظن أنّ النوم سيجعله لا يشعر بالبرد، وربما يجلب له بعض الراحة.
لكنّ آخر خيط من الأمل الذي تمسّك به انقطع فجأة.
سقطت جفونه ببطء…
“راياان!”
كان الصوت الممزوج بالبكاء هو اليد التي أمسكت بذلك الخيط المتقطع.
أمر غريب…كان يجب أن يستمر هواء الشمال البارد في ضرب وجهه، لكن فجأة شعر بدفء ينساب إليه.
بل وبدأ الظلام في عينيه ينجلي قليلًا.
أمام وجهه… كان هناك شيء دافئ وناعم يحيط به.
“…؟”
فتح رايان عينيه ببطء، وإذا بوهج برتقالي يلوّن الظلال على وجهه.
كانت نارًا.
تلك النار نفسها التي كان يشعر بها حين كان يشرب الكاكاو الدافئ أمام الموقد في قصر دوق كاردين قبل أربع سنوات.
“…لولو، أنتِ…”
ساد الصمت لحظة.
كانت النار تتوهّج فوق كفّي لولو الصغيرتين، ولم يعرف رايان كيف يفسّر المشهد.
قالت لولو بصوت مرتجف مليء بالخوف.
“أنا… تنين، يا رايان. اصبر على الخوف… حينها..”
انحدرت دمعة من عينيها وهي تتابع.
“حين تشعر بالدفء… اهرب وقتها.”
ظل رايان صامتًا فترة، يمدّ يديه نحو النار.
كان الدفء إحساسًا غريبًا عليه حتى أنه أغمض عينيه من الراحة.
ضمّ كفّيه الساخنتين إلى وجهه وقال هامسًا.
“…دافئ… لقد مرّ زمن طويل منذ شعرتُ بهذا.”
“ألستَ خائفًا من لولو؟ أنا… تنين.”
“لقد التقيتُ تنينًا من قبل… حتى في ذلك الوقت، أنقذني التنين. واليوم… أنقذتِ حياتي أنتِ أيضًا.”
ارتسمت على فمه ابتسامة صغيرة، لكنها كانت ابتسامة حقيقية.
“شكرًا لكِ… ناركِ دافئة.”
“…آه.”
لأول مرة تُمدَح نارها، بعد أن كانت دائمًا سببًا في توبيخها.
ابتسمت لولو بخجل وقالت.
“أختي تسمي هذا… عطسة النار.”
“عطسة النار؟ ما هذا الاسم الغريب؟”
“لأنني حين أعطس… تنطلق شرارة.”
اتسعت عينا رايان.
“لولو… هل تستطيعين صنع الكثير من هذه النار؟”
“طبعًا! عطسة واحدة تكفي لصنع عرض ألعاب نارية!”
“…هل يمكنكِ أن تري الأطفال هذه النار؟ سيكونون في غاية السعادة.”
هل سيسعدون؟ لن يخافوا؟
لكنها لم تسأله، واكتفت بالابتسام وهزّ رأسها موافقة، لأن بريق الأمل عاد يلمع في عينيه.
***
في تلك الأثناء…
“لولو! لولو، أين أنتِ؟ إن كنتِ تسمعين صوت أختك فاخرجي حالًا!”
صرخت أنجيلا حتى بُحّ صوتها، بعد أن جابت القرية خمس مرات دون أن تجد أثرًا للولو، أو حتى لأي طفل.
“…أظن أنها لم تغادر القرية بعد، لكن أين يمكن أن تكون؟”
وبينما كانت تتنفس بعمق وهي تمسح العرق عن جبينها، دوّى صوت منخفض بجانبها.
“التنين هناك.”
كان المتحدث دوق فيليكس نفسه، الذي بدا في صحة تامة، رغم أنه كان من المفترض أن يكون أسيرًا طوال الأيام الماضية.
“لولو… أين هي؟”
“…”
“دوق فيليكس؟”
“كما توقعت… لقد حدثت مشكلة.”
رمقها فيليكس بنظرة متجهمة، ثم ألقى بصره من حولها وكأنه يتأكد من عدم وجود لولو.
“رأيتُ دخانًا يتصاعد من جهة البحيرة السوداء… يبدو كدخان ناتج عن نار، والمكان خالٍ من السكان.”
“…ماذا؟”
“أليس واضحًا من الفاعل؟”
هبط قلب أنجيلا فجأة.
“إنه فعل تلك التنينة.”
“لولو!”
انطلقت أنجيلا بأقصى سرعة نحو البحيرة السوداء، ولحقها فيليكس على الفور.
إذا تُركت النار تتمدّد حتى تصل إلى غابة الظلال، فستكون كارثة كبرى، وسيُفتضح أمر لولو، بل وسيزداد تشويه صورة التنانين التي تحمل سمعة سيئة أصلًا.
قال فيليكس ببرود وهو يعدو.
“أترين الآن؟ مهما كانت صغيرة، يظلّ التنين وحشًا بطبيعته.”
“إن كررت هذا الكلام سأخيط فمك ايها الدوق!”
كانت ملامح أنجيلا تكاد تبكي، لكنه تابع بلا رحمة.
“…الوحش يظل وحشًا. هو الذي قتل أخي.”
صفعها الهواء البارد على وجهها، لكنها لم تتوقف.
“وبصفتي خادمًا لجلالة الملك… سأطيع أمره حتى لو اضطررت لاستخدام القوة معكِ يا أميرة.”
وفجأة…
“انتباه!”
غطّى الصوت الحازم القادم من جهة البحيرة السوداء على نبرات الغضب بينهما.
تبادلا نظرة حائرة، ثم توقفا عن الجدال واقتربا بهدوء ليتفقدا الأمر.
كان هناك صبي ذو شعر أسود، يبدو أنه زعيم مجموعة من الأطفال الأيتام، وهو يعلن بصوت قوي.
“بصفتي قائد فرقة البحيرة السوداء، أُعلن أن هذه العضوة قد أمدّت الفرقة بالنار لتدفئتهم، وأمنحها رتبة نائبة القائد!”
“…ومن هذا حتى يمنح المناصب؟”
تمتم فيليكس، لكنه لم يُكمل، إذ راوده الفضول لمعرفة من هي تلك النائبة.
“الاسم. لولو!”
رفعت لولو يدها من بين الأطفال بفخر، وهي تتخذ وقفة شامخة كفارس يتسلّم وسام الشرف، ثم قالت.
“بصفتي نائبة القائد، سأجعل هذه البحيرة بحرًا من الدفء لأجل حماية أفراد الفرقة!”
“إنها نار دافئة!”
“الشتاء لم يعد مخيفًا!”
تعالت هتافات الأطفال، فيما أغمض فيليكس عينيه بمرارة.
“هل تعلن الآن عن إشعال حريق؟”
لكن أنجيلا تجاهلت تعليقاته، وعزمت على أخذ لولو لتوبّخها لاحقًا.
نهضا من مخبئهما، وتقدّم فيليكس وهو يتمتم.
“تنينة نائبة القائد… وأي قائد هذا الأحمق حتى يفعل ذلك؟”
عندها التفت ذلك ‘الأحمق’ نحو مصدر الصوت، وقالت أنجيلا بذهول.
“…رايان؟”
هكذا، التقى الشقيقان لأول مرة بعد أربع سنوات.
***
كان رايان ممتنًا للولو كثيرًا، فبفضل نارها عاد الدفء لأجساد الأطفال، وبدأ الدم يجري في أصابعهم وأقدامهم.
لم يشفَ من مرضه، لكن إحساسه بعودة الحياة إلى جسده أشعل فيه الأمل.
كان الأهم أن يرى الأطفال يضحكون مجددًا، وهذا وحده كان كافيًا ليشعر بالسعادة…
إلى أن سمع صوتًا مألوفًا يناديه.
“…رايان؟”
رفع رأسه ليرى شعرًا أسود كشعره، وعينين حمراوين كانتا تبتسمان له دومًا… أخاه الأكبر، دوق كاردين، فيليكس.
“…أخي؟”
ظن لوهلة أنه يحلم.
لكن لولو قاطعت المشهد وهي تمسك يده بحماس.
“سيدي الفارس! لولو خطفت رايان! إنه هو، أليس كذلك؟”
ساد الصمت، قبل أن تقول.
“قالت الجوهرة إن أخيك لا يزال حيًّا.”
“أنت أخ الدوق فيليكس، أليس كذلك؟ سأعيدك إليه!”
وتذكّر الاثنان في اللحظة نفسها الكلمات التي سبق أن قالتها لولو.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات