“همم؟ لكن لولو تحبّ مَن يُعطيها اللحم. أيُسمّى هذا طمع؟”
“… شكرًا لكم على الطعام.”
في النهاية، بدا أنّ رايان غير مرتاحٍ في المجلس، فانحنى برأسه لأنجيلا ثمّ أخذ صحنه الفارغ وغادر.
على ما يبدو، لم يكن رايان ينوي الاقتراب من الفارس أولًا.
‘يبدو أنّ غضبه قد هدأ قليلًا…’
شحب وجه لولو.
فعادةً ما كان رايان، حين يُذكَر الفارس، يُقطّب جبينه ولا ينطق بكلمة.
لكنّه الآن… يتهرّب بنظراته ووجهه محمّر؟
‘هذا يعني أنّه يشعر بالحرج.’
لولو كانت تعرف كلّ شيء!
لكن المشكلة كانت في الفارس.
قبل أيّامٍ قليلة، حين كان يبني الكوخ الخشبي، كان الفارس مبادرًا تجاه رايان.
لكن، ربّما بسبب الرفض القاطع الذي تلقّاه…
أعلن الفارس استسلامه، وتوقّف عن محاولة التحدّث معه، مكتفيًا بجلب الصيد فحسب.
“هيي، هل أذهب أنا إلى الفارس؟”
في مثل هذه الحالات، لا بدّ أن تتدخّل التنينة الطيّبة، لولو.
“هاه؟ أنتِ، لولو؟”
أومأت لولو برأسها وهي تنفخ بطنها و ملامحها مشحونة بالتصميم.
“هاها، السمندل خاصتنا أصبحت ممتلئة.”
سواءً قالت هذا أم لا، فقد بدأت أنجيلا تلاعب بطنها المستدير الذي يشبه التلّة.
“رايان لا يملك الشجاعة للذهاب، على ما يبدو. لذا لولو ستنقل شكره بدلًا منه.”
“حسنًا، وبما أنّكِ ذاهبة، هل تأخذين الحساء أيضًا، ومعه اللحم المقليّ مع البصل المجمّد؟ أظنّ أنّه عليّ لقاء ذلك اللعين في وقتٍ لاحق. و أخبريه أن يزورنا.”
“حسسسسنًا!”
وهكذا، أوكلت إلى لولو مهمّة عظيمة، مع علبة الطعام بيدها.
وحين طرقت باب الكوخ الخشبي…
-دَرررررررغ
صدر الصوت من النافذة، لا من الباب.
فقد كان فيليكس هو مَن فتح النافذة.
“… لولو؟”
هل كان يأمل أن يرى رايان؟
بدت ملامح فيليكس، التي كانت مشرقة، تغيم قليلًا.
لكن، لا بأس في ذلك.
لولو تحبّ مَن يُعطيها اللحم!
“خدمة التوصيل قد وصلت!”
قالت لولو بابتسامةٍ مشرقة، وهي تمدّ له علبة الطعام.
***
ليكون صادقًا، شعر فيليكس ببعض الخيبة من زيارة لولو.
في الواقع، كان ممتنًا لهذه التنينة الصغيرة، لكنّه لم يكن مهتمًّا بها.
حتى إرساله لطعامٍ يكفي لثلاثة أشخاص، لم يكن سوى وفاءً لدَينٍ عليه بعد أن أنقذت رايان.
لكن…
“سيّدي الفارس، شكرًا على اللحم. وأيضًا، هذا اللحم المقليّ أعدّه رايان.”
حين قدّمت له لولو، التي كانت تلامس الأرض كزهرة بريّة، علبة الطعام، شعر بأنّها قد ساعدته مجدّدًا.
“… رايان أعدّه؟ بنفسه؟”
“نعم!”
“أدخلي أوّلًا.”
ارتفعت زاوية فمه من دون أن يستطيع منع نفسه.
“حااضر… أوه!”
لكنه خفض زاوية فمه فور أن رأى لولو تتعثّر وتسقط عند العتبة.
“…”
“…”
سادت لحظة من الصمت المحرج.
تجمّد فيليكس من الصدمة فلم يحرّك ساكنًا، بينما ظلّت لولو ممدّدة على الأرض ترفرف بساقيها.
“كئيينغ، هينغ اهئ…”
“هل أنتِ بخير؟ أأُصبتِ بشيء؟”
عاد فيليكس إلى الواقع أخيرًا بسبب بكائها المؤلم.
وحين رفعها برفق، كانت دموعٌ مستديرة تتدلّى من زاويتي عينيها.
“أوه، لا، لا شيء… فقط رُكبتيّ، قليلًا…”
“هذا جيد، لا توجد جروح. فقط تراب على ركبتيكِ وراحتَي يديكِ، سأزيله لكِ.”
“حااضر.”
فأخذ فيليكس يمسح ركبتيها الصغيرة بحذر باستخدام منديل.
‘هل هذا لأنّها طفلة؟ لا يمكن التنبؤ بما ستفعله.’
فرِح، ثم فُوجئ، ثم ارتبك، ثم قلق…
اكتشف للتو أنّ الإنسان قادرٌ على اختبار طيف واسع من المشاعر في دقيقةٍ واحدة فقط.
وحين تأكّد مرّة أخرى من حال ساقي الطفلة، ونظّف الطعام الذي سقط على الأرض، وقف واضعًا يديه على خصره.
“هل يؤلمكِ شيء الآن؟”
“لااا!”
لحسن الحظ، بدا أنّها بخير.
“على أيّ حال، لقد وصلتني مشاعرتكِ لذا لا تقلقي بشأن الطعام. بلّغي رايان، والأميرة أيضًا، امتناني.”
“هُمم، حسنًا. بدلًا عن ذلك، لولو ستجلب علبة الطعام غدًا أيضًا!”
“جيّد.”
وكان من المفترض أن ينتهي الأمر عند هذا الحدّ…
“……”
لكن بينما كان فيليكس يمسح يديه بالمنديل، شعر بنظرة حادّة تخترق ظهره، فالتفت فجأة.
“هل لديكِ ما تقولينه؟”
وما إن التقت عينا لولو، التي كانت متسمّرةً في مكانها كالصخرة، بعينيه، حتى ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ بلهاء.
“نعم!”
“ما الأمر؟”
“يا سيّدي الفارس، لماذا صرتَ تترك اللحم وتختفي هذه الأيام؟”
‘أها، ها هو الموضوع الحقيقي إذًا.’
يبدو أنّها كانت ترغب في قول ذلك منذ البداية، فقد ارتفع صوت الطفلة قليلًا.
“لماذا لا تُلقي التحيّة على رايان؟”
“همم…”
تريّث قليلًا قبل أن يجيب.
فهي ليست سوى طفلة في الرابعة من عمرها.
لكن حين فكّر بالأمر، لم يجد سببًا يجعله يخفي الحقيقة عنها.
أخيرًا، طوى ركبتيه وجلس قبالتها ناظرًا في عينيها، ثم باح لها بالحقيقة.
“… رايان لم يفتح لي قلبه بعد. لأنّني، أو بالأحرى، لأنّ الفارس ارتكب الكثير من الأخطاء.”
“أخطاء؟”
“نعم. لقد أخطأ الفارس، فغضب رايان. لذا قرّرتُ أن أنتظر حتى يهدأ.”
“لكن لا! حين تغضب لولو، تحتضنها أختها و تُدلّلها و تُقبّلها.”
“تُدلّلها و تُقبّلها…؟”
قطّب فيليكس جبينه بسبب الكلمات الغريبة.
“نعم. حين تغضب لولو من أختها، تقول إنّها تريد أن تبقى وحدها، لكنّها في الحقيقة لا تريد. هي فقط تريد أن تُعبّر عن غضبها. تريد من أختها أن تعرف أنّها غاضبة.”
لم يفهم المعنى تمامًا، لذا لم يُبدِ أيّ ردّ.
لكن لولو، وقد أمالت رأسها قليلًا، أومأت له بأصبعها الصغير وكأنّها تشرح له شيئًا مهمًّا.
“حين تغضب لولو وتصرخ هي تفعل ذلك لتُخبر أختها أنّها غاضبة، و إن لم تُدلّلها أختها، ستشعر بالحزن أكثر.”
“يعني… تُريدين أن أُدلّل رايان؟”
“نعم!”
“وكيف يكون هذا التدليل؟”
“أن تحتضنه. و تقول له آسف. و تُقبّلها على خدّه. و تظلّ تحتضنه حتى يبتسم.”
“همم…”
لو كان الأمر يتعلّق بالتعبير عن المودّة، فهو يرغب في أن يفعل ذلك مع رايان بالفعل.
‘لكن، هل فتى في الثانية عشرة سيحبّ قبلةً على خده؟’
بينما كان فيليكس يُفكّر، ارتفعت وجنتا لولو الممتلئتان بابتسامة حالمة، وكأنّها تتذكّر شيئًا جميلاً مع أنجيلا.
“حتى لو قالت لولو إنها لا تحبّ هذا في البداية، فحين تحتضنها أختها، تشعر بدفء صدرها… ويذوب غضبها بهدوء.”
“إذًا تقصدين أنّه يجب أن أستمرّ بالتعبير عن مشاعري.”
“نعم؟ نعمممممم. نعم!”
أجابت لولو بإيماءةٍ كبيرة بعدما فهمت الجملة على طريقتها.
لكن هذه المرّة، حتى فيليكس أومأ برأسه معها.
ما كان ليتخيّل يومًا أنّه سيتلقّى نصيحة من طفلة في الرابعة من عمرها، لكنّه فهم الآن ما كانت توضّحه.
رايان كان صغيرًا.
وحين فكّر بالأمر من جديد، بدا له من السخيف أن يتوقّع من طفلٍ صغير أن يُعبّر عن مشاعره الصعبة بهذه السهولة.
لم يكن هناك بالغٌ أكثر بؤسًا منه.
“إذًا عليّ أن أزور البرج غدًا.”
حين يُعقد العزم في نفس فيليكس، لا أحد يمكنه أن يثنيه.
ففي اليوم التالي، زار البرج.
***
“مرحبًا بكِ يا أميرة. كيف حالكِ، ولولو أيضًا؟”
“يا فارس—! أهلًا!”
لولو، التي كانت تنتظره منذ الصباح، انحنت بانحناءة مبالغٍ فيها حتى سرّتها.
أما أنجيلا، فقد أخبرتها لولو مسبقًا، فكانت بانتظاره أيضًا.
“هل استمتعتَ بطعام البارحة؟ العلبة كانت فارغة تمامًا حين عادت.”
في الواقع لم يصل الطعام لفيليكس حيث وقعت حادثةٌ صغيرة.
“هممم. همممم…”
رمقتها لولو بنظرة جانبية، ثم فتحت عينيها نصف فتحة، كما لو كانت تُخفي شيئًا.
ربّما كانت تحلم بإخفاء كلّ آثار الجريمة.
ولحسن الحظ، لم يكن فيليكس من النوع الذي يُفشي زلّات الأطفال.
“نعم. تناولتُ الطعام. وكان لذيذًا فعلًا.”
عندها فقط اختفت نظرات أنجيلا الحادّة.
“جيّد. كنتُ قلقةً لأنّك أنتَ مَن قدّم اللحم، فإن لم يُعجبك الطعم، لكان الأمر محرجًا. على أيّ حال، بما أنّك هنا اليوم كضيف، فلتتناول الغداء معنا.”
“بالطبع، يُشرّفني ذلك.”
والغداء، يعني أنّ رايان سيكون حاضرًا أيضًا.
فهو يعرف أنّ رايان سيظهر قريبًا، ومع ذلك، لا يستطيع أن يمنع نفسه من التطلّع إلى ما وراء كتف أنجيلا مرارًا.
وحينها…
انفتح الباب الخلفي، وظهر الفتى الذي طال انتظاره.
“يا أميرة! كنتُ أتجوّل في الغابة، ووجدتُ نوعًا من الخضار أعتقد أنّه سبانخ. سأزرعه في الحديقة، و… و…”
انخفض صوته النشيط تدريجيًّا حتى أصبح همسًا كصوت النمل.
“سـ… سأذهب لزراعة هذه الأعشاب، إذًا…”
ما إن التقت عينا رايان بعيني فيليكس، حتى تجمّد كدمية خشبيّة ثمّ أغلق الباب وغادر.
“رايان.”
في الحقيقة، لم يُغلق الباب بالكامل.
فعندما ناداه الصوت العميق، ارتجف جسده وهو يهمّ بالدوران.
“لم نرَ بعضنا منذ مدّة. لِمَ لا نتناول الطعام سويًّا؟”
“… لديّ عمل. سأتناول الطعام لاحقًا.”
كما هو متوقّع، لا يزال رايان غاضبًا. فقد بدا ذلك جليًّا في نبرة صوته الحادّة هذه المرّة.
لكن في تلك اللحظة…
شعر بشيء يشدّ كُمّه.
وحين نظر للأسفل، رأى لولو ترفع رأسها إلى جوار فيليكس، وتُخرج شفتيها للأمام.
“أعطِ رايان قُبلة، قبلة.”
… القُبلة، ربّما مبالغة بعض الشيء.
لكن إن كانت مجرّد دعوةٍ للتصرّف بجرأة…
فقد استمدّ فيليكس الشجاعة من دعم الطفلة، وسار بثبات نحو الفتى المتجمّد.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"