استمتعوا
كانت التنّينة الصغيرة، التي كانت تتوقُ إلى المديح، تحاول في البداية تقليد رايان لتحظى باهتمام أختها الكبرى.
فقرّرت خوضَ تحدّي نشر الغسيل!
لكن بسبب منصّة التجفيف التي لم تكن يدُها تصل إليها، حاولت الوقوف على أطراف أصابعها بشكلٍ أخرق، فانزلقت وأسقطت كلّ الأغطية المعلّقة.
‘وهكذا… أصبحت لولو كتلةً من الحوادث تمشي على قدمين.’
وفي هذا الموقف المحبط، نَقَرت لولو لسانها وهي تتنهّد بضيق.
ولم يعُد بوسعها أن تنال المديح بمجرد أداء تمارين التمدّد المعتادة.
‘هيه! هذا هو!’
وبينما كانت تربّت على ذقنها غارقةً في التفكير، استدارت فجأة وقالت:
“رايان! هل يمكن للولو أن تتولّى مهمّة رشّ الماء كلّها؟”
“هاه؟ سيكون ذلك صعبًا عليكِ وحدكِ.”
“لكن لولو تُريد أن يتم مدحُها. رايان نال مديحًا من أختي مرّة، أليس كذلك؟”
“حسنًا… إذًا جرّبي الأمر إن أردتِ.”
أمسكت لولو بمرشّ الماء، الذي كان ثقيلًا نوعًا ما، ثمّ توجّهت إلى الحجر وتوسّلت:
“ايها الحجر، افرد جناحي من فضلك.”
– حلّقي، أيّتها التنينة.
بوووف!
للتوضيح، لولو قد بدأت تعتاد على استخدام جناحيها.
فقد أمضت اليوم بأكمله وهي تحلّق في الغابة باكية، بعد أن لُقّبت بـ”المشاغبة”.
وهكذا، بدأت لولو التي نبت لها جناحان صغيران بحجم راحتي اليد، ترفرف بهما وتبدأ بسقي الحديقة.
“تشررر… تشررر… اشربوا ماءً كثيرًا، وكونوا كبارًا، ثمّ ادخلوا في فم أختي ورايان. ستكونون حصاد لولو!”
“أوه؟ صرتِ تعرفين كيف تطيرين؟ هذا مذهل!”
كان رايان يراقبها بإعجاب، ثمّ جلس على الأرض وهو يبتسم.
-كراااك!
دوّى صوتُ تَشَقُّقٍ غريب، واهتزّت الأرض.
“…؟”
“لستُ أنا! لستُ ثقيلًا إلى هذا الحد!”
قال رايان بتوتر، وهو يهزّ رأسه نافيًا.
في البداية ظنّ أنّه قد كسر غصنًا ما حين جلس، لكن…
-كراااك!
تكرّر الصوت المريب، ولم يكن آتيًا من جهة رايان، بل من خلف البرج.
كان هناك من يقترب.
شخصٌ قادر على تحطيم شيءٍ ما.
“لولو! ادخلي في كيس الخيش الآن!”
“آييك!”
فور أن سمعت الصوت، فتحت أنجيلا الباب الخلفي بسرعة وفتحت كيسًا كبيرًا، فتكوّرت لولو داخله كأنها يرقة، وتدحرجت إلى داخل الكيس.
ثمّ رفعت أنجيلا الكيس من على الأرض.
وكان حزامها مزيّنًا بعددٍ من الأدوات السحريّة المتنوّعة.
“رايان، ابقَ في الطابق السفلي من البرج، فقط احتياطًا. وسأستدعي الدوق لاحقًا إن لزم الأمر.”
“لا حاجة لذلك. رغم أنّه قد مرّت أربع سنوات، فقد خضعتُ لتدريبٍ في المبارزة أيضًا. سأرافق الأميرة.”
“ما الذي تهذي به أيّها الصغير؟ أدخل حالًا—”
-دمدمة!
لم يكن هناك وقتٌ للجدال.
“تبًا…”
في النهاية، ناولت أنجيلا رايان فأسًا كان بجانبها.
“لكن لا تتقدّم أمامي أبدًا، مفهوم؟”
“نعم.”
تقدّما بحذرٍ، وقد تجهّزا بالسلاح، نحو مصدر الصوت الغريب.
-كراااك. كراااك.
ظلّ الصوت يتكرّر بانتظام، وكأنّ الأشجار نفسها تصرخ، مما جعل القشعريرة تسري في جسديهما.
‘…من يكون يا تُرى؟’
هل أرسل والدي فارسًا آخر بالفعل؟
في خضمّ تصاعد القلق في رأس أنجيلا، ظهر فجأةً ظلّ أسود من بين الأشجار.
“…مـ-ما هذا؟”
اتّسعت عينا أنجيلا حين تأكّدت من هويّة الشخص خفية.
كان طويل القامة كأنّه بابٌ من الخشب.
والطريقة التي كان يُقطّع بها الأشجار بالفأس، كانت دقيقةً وحادّة إلى درجةٍ تجعل من العسير تصديق أنه مجرّد حطّاب.
بل بدا كمُقاتلٍ عظيم، أشبه بفرسان مملكة ليديا.
“ما الذي تفعله هنا؟”
قالت أنجيلا وهي تحدّق فيه بعينين ضيّقتين وقد خفّت حدّتها.
“…أخي؟”
حتى رايان، الذي بقي ملتزمًا بأمرها وبقي خلفها طوال الوقت، همس بالكلمة نفسها.
نعم، ذلك الرجل الذي كان يقطّع الأشجار بكلّ حماس لم يكن سوى الدوق فيليكس نفسه.
كان يُمسك بالفأس، يزيل العرق عن جبينه، ثمّ التفت أخيرًا إلى شقيقه وأطلق ابتسامة خافتة.
“رايان؟ هل كنتَ بخير في البرج؟ هل واجهتَ أيّ إزعاج؟”
“أيّ إزعاجٍ هذا!؟ شقيقك العزيز يُصرّ على لعب دور فارسٍ شخصي من أجلي. بحقّك، ما الذي تفعله هنا؟”
كانت الحال لا تُصدّق بالفعل.
“ما يزال لم يتجاوز الثانية عشرة… كيف يُمكن اعتباره حارسًا شخصيًّا؟”
“هاه؟”
وحين سألته أنجيلا لماذا أتى، لم يُجب سوى بوابلٍ من التبريرات.
“كنتُ أُقطّع الحطب فحسب، فهل في ذلك مشكلة؟”
“هاه…؟”
آه… لا، لا داعي للمواصلةِ معه.
“أشعر بدوارٍ في رأسي.”
انفجرت أنجيلا من شدّة الغضب، ولم تعد تملك رغبةً في الحكم على أفعاله.
لحسن الحظ، لم يكن مرسَلًا من طرف والدها.
وكان عليها أولًا أن تُحرّر لولو، التي ما تزال منكمشةً في كيس الخيش كأنّها يرقة.
“واااه!”
وما إن فتحت أنجيلا الكيس المُلقى على الأرض، حتى أخرجت لولو رأسها مذعورةً وكأنّها رأت شيئًا لا ينبغي رؤيته.
“إنه الفارس!”
“نعم، لولو. هل كنتِ بخير؟”
“لا لم تكن بخير! كان يجب أن تعود إلى الجنوب منذ زمن، فما الذي تفعله في غابة الظلال وأنت تُقطّع الحطب؟!”
لم تعد أنجيلا قادرة على كبح غضبها، فصرخت وهي تتنهّد بضيق.
“كنتُ أصنع شيئًا ما، لا داعي للقلق. لقد تنكّرت جيّدًا حتى لا يلاحظني الحراس، وتسَلّلت دون أن يُدركوا وجودي.”
“التسلّل إلى الغابة قد يكون سهلًا، لكن الخروج منها ليس كذلك…”
كانت تعلم أنّه سيأتي قريبًا من أجل رايان، لكن لم تتوقّع ظهوره بهذا الشكل المفاجئ.
حدّقت في الدوق فيليكس بنظرات غير راضية، لكنّه لم يُعرها أيّ اهتمام، بل ظلّ يُحدّق فقط بأخيه الصغير.
‘تسك، ليكن، لا شأن لي بعد الآن.’
“على أيّة حال، الزوّار غير المدعوّين لا يُسمح لهم بدخول البرج. لا أعلم ما الذي تصنعه تحديدًا، لكن أنهِ عملك، ثمّ امضِ إلى معسكرك أو عد من حيث أتيت.”
هزّت أنجيلا رأسها بيأس، وقادت الأطفال إلى داخل البرج.
في عينيّ أنجيلا كان واضحًا ما الذي يُخطّط له فيليكس.
شقيقه الوحيد يقيم في برجٍ غير مريح، ولعلّه أراد أن يصنع له سريرًا أو شيئًا من هذا القبيل.
ولأنّ إدخال سرير فاخر إلى البرج من دون علم الحراس شبه مستحيل، فقد قرّر صُنعه بنفسه.
لكن في النهاية، الدوق فيليكس هو دوق لا بدّ أن يترك الغابة عاجلًا أم آجلًا.
ومن يدري…
‘ربّما أثناء صنعه شيئًا لرايان، تسقط بعض الفوائد على لولو أيضًا؟’
“هيهي. استعدّي للهدايا، يا لولو!”
لكن بعد أسبوعين، تبيّن أنّ توقّعات أنجيلا كانت في غير محلّها تمامًا.
ففيليكس لم يصنع أيّ أثاث للأطفال.
بل بُني كوخٌ صغير من الخشب بجانب البرج تمامًا.
-باب يُفتح فجأة
خرج الدوق فيليكس من الكوخ، ودموع رطبة في عينيه، ثمّ صاح بصوتٍ مؤثّر.
“رايان! أعلم أنّني تأخّرت، لكن… من الآن فصاعدًا، أُريد أن أكون أخًا حقيقيًّا لك! وإن كنتَ لا تستطيع العودة إلى القصر، فسأكون أنا مَن يبقى إلى جوارك…!”
“آه، يا لكَ من شخصٍ مُحرجٍ جدًا…!”
ومع الردّ البارد القادم من داخل البرج، اغرورقت عينا الدوق الدامعتان اصلًا بالدموع أكثر فأكثر.
***
“أخي من النبلاء. وذلك الكوخ الخشبي أسوأ من مقرّ خَدَم القصر. كم من الوقت تظنّونه سيبقى فيه؟ أنا لا أتوقّع منه شيئًا أصلًا.”
بعكس رايان الذي نفث الهواء بازدراء، فقد استمرّ أسلوب حياة فيليكس الغريب في الكوخ لمدّةٍ أطول مما توقّع الجميع.
بل أثبت بالفعل أنّه يُريد القيام بدور الأخ.
“أختي! الفارس أرسل لنا اللحم مرّةً أخرى!”
فقد كان يُرسل كلّ صباحٍ طعامًا طازجًا اصطاده بنفسه.
وصارت لولو تبدأ صباحها يوميًّا بفتح الباب لتتفقّد ما أتى.
وعادةً ما تجد ثلاث أرانب قرنيّة قابلة للأكل موضوعة أمام الباب.
وفي بعض الأيام، يبدو أنّه دخل أعماق الغابة أكثر، فترك لحم وحشٍ يشبه الذئب.
“كنتُ أعلم… أنّني سأنال بعض الفتات.”
لكنّها لم تتوقّع أن يصلها ذلك مباشرةً.
ابتسمت أنجيلا، التي كانت قد خابت ظنّها في البداية حين رأت الكوخ.
وبفضل مهارة فيليكس في الصيد، كانت موائد البرج عامرةً كلّ يوم.
لولو كانت تشوي اللحم ببصقةٍ ناريّة، فتصنع به أسياخًا لذيذة.
ثمّ حساء اللحم.
ثمّ لحم مقلي مع بعض الكرّاث البريّ الذي نبت حديثًا. (وقد ساعد رايان أنجيلا في إعداده.)
“هيااا!”
صرخت لولو وهي تقضم قطعةً من سيخ اللحم بحماس.
“الفارس… رائعٌ بحقّ! الذئب كان كبيرًا جدًا… حتى أختي كانت تجد صيدَه صعبًا! وهو أطيب بكثير من الأرنب!”
“أكملي طعامكِ أوّلًا، يا لولو ثم تكلمي.”
مسحت أختها فمها برفق.
لكنّ حماس التنّينة الصغيرة المهووسة باللحم لم يهدأ.
“رايان! ماذا لو دعونا الفارس ليأكل معنا؟ رايان هو من عليه أن يدعوه!”
“ولمَ عليّ فعل ذلك؟”
“لأنّه أهدانا الكثير من اللحم! وهو أخوك أيضًا، أليس كذلك؟ حتى لو ارتكب الأخ أخطاءً… يبقى أخًا!”
رايان لم يُجب، بل واصل تقليب الطعام على طبقه بصمت.
وحين سئمت لولو من الانتظار وبدأت في الأكل مجددًا…
“أنا أعلم.”
جاء صوته الخافت، فكسر الصمت من حولهم.
“…لكن، إن اقتربتُ منه من أجل قطعة لحم، فكيف سيبدو ذلك في نظره؟ سيظنّني طمّاعًا…”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: لينا.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات