“لم أكن أتوقّع أن أراكِ مجدّدًا بهذه السرعة. ولم يخطر ببالي قط أنّكِ ستكونين سيلا آرسيل.”
ابتسمت الإمبراطورة ابتسامةً خافتة، وقد عبر صوتها عن سرورها بالتعرّف إلى الأنسة.
“وأنا كذلك. لقد أخبرني أحدُ معارفي عن اجتماعٍ يضمّ عشّاق القطط، فانضممت بدافع الفضول. غير أنّني لم أظنّ البتّة أنّ من نظّم ذلك اللقاء هي ذات السيدة التي حادثتُها في حفلة التنكّر.”
أظهرت سيلا دهشتها من هذه المصادفة، مقرونةً بشيءٍ من البهجة.
‘بالطبع، أنّها ليست مصادفةً حقًّا.’
فلقد اعتيد أن تُنظَّم هذه اللقاءات غير الرسميّة بطريقةٍ لا يُفصح فيها المضيف عن نسبه، مكتفيًا بجمع ذوي الاهتمام الواحد. وغالبًا ما كانت الفتيات المقربات يتناقلن الخبر شفاهةً، أمّا سائر النبلاء فلم يولوا اهتمامًا لدعوات لا تحمل اسم العائلة.
‘لقد استُبعدت العائلات النبيلة التي كان بوسعها التعرّف إليها كإمبراطورة.’
وحيث إنّ الدعوات وُجِّهت في الأساس إلى نبلاء الطبقة الدنيا في العاصمة، لم يكن غريبًا أن يغيب ذكر هذا اللقاء عن القصة الأصلية.
وبينما هنّ في حديثهنّ، أقبل خادمُ المقهى فوضع على الطاولة صنوفًا من الحلويات والشاي.
‘لا ريب أنّ هذا الخادم ليس شخصًا عاديًّا.’
فكتفاه العريضتان، وعضلاته التي لم تستطع ثيابه إخفاءها، وحركاته الغريزية التي لا تصدر إلّا عن فارس، كلّها دلائل على حقيقته.
قالت سيلا معتذرة وقد تذكّرت فجأة.
“الآن فقط أدركت أنّ المفاجأة أنستني التعريف بنفسي. لتكن نعمة جلالته معكِ، سيدتي. أنا سيلا آرسيل.”
ولم يكن مستغربًا ألّا تذكر غريس نسبها في مثل هذا الاجتماع غير الرسمي. ثم تناولت الفنجان الأبيض، واتّسعت عيناها الزرقاوان قليلًا، تشعّان بالودّ.
قالت بلطف.
“لو لم تحضري، لانتهى هذا الاجتماع على الأرجح بالفشل. لقد اخترنا هذا الأسلوب لئلّا يحضر جمعٌ غفير… غير أنّه محبط قليلًا من ناحية أخرى.”
قبل ثمانية عشر عامًا، انقلبت نظرة الناس إلى القطط رأسًا على عقب، إذ زُعم أنّ أفرادًا مريبين، يتقدّمهم رونالد شقيق الإمبراطور، استخدموا القطط ليتسلّلوا إلى القصر الرئيسي.
بل إنّ بعضهم ادّعى أنّ القط الذي أدخله رونالد قد تحوّل إلى هيئة إنسان. ومع تكاثر الناجين الذين رووا أقوالًا مشابهة، تهاوت سمعة القطط.
لقد كانوا بحاجةٍ فقط إلى كبش فداء.
ولم يكن افتراءُ التهم على مخلوقات صغيرة عاجزة عن الكلام إلّا أمرًا يثير امتعاض أيّ مربٍّ للقطط. ومع ذلك، كان مفهومًا آنذاك كيف تشكّلت تلك النظرة العامّة.
قالت الإمبراطورة مبتسمة.
“ومع ذلك، فإنّ لقائي بكِ مرّة أخرى على هذا النحو ليس سيّئًا.”
فأجابت سيلا.
“وأنا أشعر بالمثل. إنّني أقتني قط، وقد تمنّيت دائمًا أن ألتقي بمن يشاطرني هذا الاهتمام.”
فقالت غريس.
“أمّا أنا فلا أقتني واحدة، غير أنّي أحبّ القطط. أيّ نوعٍ لديكِ؟”
وفي هذه الفرصة النادرة للحديث عن تيتي، ارتعشت شفتا سيلا قليلًا من فرط الحماس. لكنها، وقد أرادت التقرب من الإمبراطورة، تمالكَت نفسها وقالت باعتدال.
ورغم أنّها فقدت ابنتها منذ ثمانية عشر عامًا في حادثة أورثتها علّة في قلبها، وكان لها ما يبرّر أن تُلقي اللوم على القطط، إلّا أنّها لم تفعل.
‘ألم يكن حَملُ الأميرة قد بُشِّر به في حلمٍ عن قطة؟’
حلمٌ بقطة صفراء تحمل زهرةً في فمها وتتدلّى بحنوّ في أحضان أحدهم. استحضرت سيلا تلك المعلومة عن الإمبراطورة، فتذكّرت فجأة شيئًا كانت قد عثرت عليه على الشرفة. فانفرجت شفتاها قليلًا وقالت.
“ذلك الشيء الذي كنتِ تمسكينه كثيرًا، سيدة غريس… أليس دميةً على هيئة قطة صفراء؟”
فأجابت.
“بلى، لكنّي فقدتها ولم أجدها إلى اليوم.”
كانت قد اكتشفت الأمر حين عادت إلى القصر الرئيسي بعد لقائها بالأنسة كورديليا التي جاءت تبحث عنها. فأخبرت لوكاس، ولكن رغم أنّ الخدم فتّشوا، لم يُعثر على الدمية.
قالت سيلا باعترافٍ صادق.
“كنتُ أنا من التقط تلك الدمية، غير أنّي نسيتُ أن أسلّمها للحارس، وانتهى بي الأمر أن أخذتُها إلى مسكني. ولو علمتُ أنّي سألقاكِ اليوم لجلبتها معي، لكنّي أعدكِ أنّي سأحضرها في اللقاء القادم.”
ابتسمت غريس.
“إذن أنتِ من التقطها يا انسة، فالشكر لكِ إذًا. أوه، ألم تقولي إن لديكِ قطة صفراء؟ فهذه الدمية أيضًا على هيئة قطة صفراء، فهل ترغبين في الاحتفاظ بها بدلًا مني؟”
ومن خلف القناع بدت تجاعيد طفيفة عند طرفي عينيها المستديرتين اللطيفتين، وقد غمرهما دفءٌ وحنانٌ جعل سيلا تردّ بابتسامةٍ هادئة.
وعند ذكر الدمية التي التقطتها في حفلة التنكّر، خطر لها موضوع آخر من ذاك الحفل، فقالت.
“على ذكر ذلك، سيدة غريس، لقد قلتِ يومها إنّكِ كنتِ ترغبين في لقائي.”
فأمالت غريس رأسها قليلًا وأومأت.
“صحيح. لم أكن أعلم آنذاك أنّكِ الانسة سيلا آرسيل. والآن إذ أسترجع الأمر أشعر بشيء من الحرج.”
وانفلتت من بين شفتيها همهمةٌ صغيرة من الخجل.
ثم أضافت.
“في الحقيقة، لقد التقيتُ بحارس الغابة قبل ثلاثين عامًا. ولكن حين سمعت أنّ شخصًا آخر قد التقى به أيضًا، استبدّ بي الفضول لأعرف من يكون.”
فأبدت سيلا دهشةً مصطنعة وهي تقول.
“يا للعجب! حقًّا؟”
بينما كانت في قرارة نفسها تعرف القصة مسبقًا، إذ عثرت عليها أثناء بحثها عن الإكسير لعلّتها الغامضة. لكنها فضّلت التظاهر بالدهشة.
قالت غريس.
“نعم، لقد تعلمتُ فنون السيف وأنا صغيرة، وتسللتُ خفيةً إلى ذلك اللقاء، وهناك لقيتُه. لقد صدمت حين أبصرته أوّل مرّة. وأنتِ يا انسة؟ ماذا كان شعورك حين التقيتِ بحارس الغابة بعينيكِ؟”
وتوقّفت أصابعها التي كانت تعبث بحافة الفنجان الأبيض، كأنّها غاصت في ذكرياتها.
قالت سيلا.
“بخلاف توقّعاتي، كان الحارس لطيفًا على نحوٍ مدهش.”
ردّدت غريس الكلمة بصوتٍ خافت وهي تشدّ على الفنجان.
“لطيف…”
ثم أرسلت أهدابها الطويلة إلى أسفل، وارتشفت من شايها، فخيّم صمت قصير. ولمّا وضعت الكأس، ارتسمت على وجهها ملامح حازمة أربكت سيلا قليلًا.
قالت الإمبراطورة بجدّ.
“حين لمستِ حارس الغابة، فلا بدّ أنّك سمعتِ صوته، أليس كذلك؟ لقد أوصاكِ بأن تأخذي السانساآم هديةً منه.”
فأجابت سيلا.
“نعم، لقد فعل.”
قالت غريس مؤكّدة.
“كما توقعت… لقد التقيتِ بجنيّة كما التقيتُ أنا، أليس كذلك؟”
اهتزّ قلب سيلا عند هذا السؤال الواثق، وأربكها ذِكر كلمة ‘جنيّة’ على نحوٍ مفاجئ، فعادت بذهنها إلى حديثهما السابق.
‘لقد كنّا نتحدّث عن حارس الغابة… أترى بينه وبين الجنيّات صلة؟’
ثم أضافت.
“وقد قلتِ. كما التقيتُ أنا…”
فآثرت الصمت لتفسح المجال أمام غريس لتفصح أكثر.
فابتسمت قائلة.
“لا شك أنّ الأمر أدهشكِ، أليس كذلك؟ إنّ حارس الغابة كائنٌ أسطوريّ ظلّ على صلة وطيدة بالجنيّات منذ القدم، ولهذا يستجيب إيجابًا حين يستشعر طاقةَ جنيّة.”
وأضافت بثقة.
“لقد سمعتُ هذا بنفسي من الجنيّة التي لقيتها، ولذلك عرفت أنّكِ أنتِ أيضًا حظيتِ ببركتها.”
عندها تشبّثت سيلا بمقبض الفنجان وأفكارها تتوالى.
‘الإمبراطورة مقتنعة أنّني تلقيتُ بركة الجنيّة.’
وسعلت غريس فجأة، ثم غطّت فمها بمنديل.
فقالت سيلا سريعًا.
“نعم. لم يمضِ وقت طويل منذ عرفت بوجود الجنيّات. فهل لي أن أسألكِ بعض الأسئلة، سيدة غريس؟”
أجابت بلطف.
“بالطبع، تفضّلي.”
قالت سيلا.
“بعد لقائي بالجنيّة أثارني الفضول، فبدأت أقرأ عنها. ولاحظت أنّ ثمّة قصصًا تتحدّث عن اللعنات. هل لديكِ علمٌ بشيءٍ من ذلك؟”
توقّفت الإمبراطورة لحظة كأنها تغوص في خاطر بعيد، ثم قالت.
“كلّ ما قرأتِه في الكتب هو تقريبًا أقصى ما أعلمه. لم يسبق لي أن اهتممت باللعنات، فلم أسأل فريزيا عن ذلك، وهي لم تُخبرني بشيء أيضًا.”
فأعادت سيلا مستفسرة.
“فريزيا؟”
فابتسمت غريس.
“بلى، إنّه اسم صديقتي العزيزة التي باركتني.”
فارتجف قلب سيلا، وتساءلت في داخلها.
‘أيمكن أنّها ما زالت على صلة بالجنيّة؟’
فقالت باستعجال.
“هل من سبيلٍ أن ألتقي هذه الجنيّة أنا أيضًا؟”
تنهدت غريس وقالت بأسى.
“كنتُ لأعرّفكِ بها بكل سرور، غير أنّها لم تزرني منذ كنتُ حاملاً بطفلي الثالث، لذا لا أظنّ الأمر ممكنًا.”
وبدا الحزن العميق في عينيها الزرقاوين من خلف القناع، فكاد أن يمزّق القلب. فسارعت سيلا تقول.
“إنّ الجنيّة التي قابلتُها بدت على عجل، إذ عرّفت بنفسها، ثم منحتني بركتها واختفت. كنت أودّ أن أشكرها بنفسي، وهذا ما يثير خيبتي.”
قالت غريس بتفهّم.
“أوه… فهمت. هذا يحدث أحيانًا. يؤسفني أنّي لم أستطع أن أقدّم لكِ عونًا أكثر.”
وكان هذا أوّل لقاءٍ لها بإنسان آخر نال بركة جنيّة، لذا صدّقت سيلا بلا تردّد، وزاد من ذلك عاطفتها المتنامية تجاهها.
قالت سيلا.
“لا عليكِ، فلا شيء يدعو للاعتذار. هلّا أخبرتني بدلًا من ذلك عن فريزيا؟”
أجابت غريس وعيناها تشعّان بالذكرى.
“فريزيا كانت جنيّة بديعة الجمال، كما يوحي اسمها. لا أزال أذكر شعرها الطويل الأبيض الناصع، كأنّه لا يقبل أن يدنوه أدنى دنس.”
فانفتحت عينا سيلا دهشة، إذ ومض في خاطرها شخصٌ من القصة الأصلية.
وسألت متردّدة.
“هل فريزيا رجلٌ بالصدفة؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 73"