مكان اللقاء كان ساحةً فسيحة تحيط بها الأشجار. ووقف النبلاء، المتأنقون في ثيابهم الفاخرة، أمام منصةٍ مرتفعة. ومن على تلك المنصة، ألقى الإمبراطور خطابًا لإعلان بدء الصيد رسميًّا.
“أود أن أعرب عن امتناني لكم جميعًا، أنتم النبلاء الذين يقع على عاتقكم أن تكونوا قدوةً، ولم تحيدوا عن واجباتكم. كإمبراطورٍ لهذه الأمة، أشعر بالفخر وأنا أقود البلاد إلى جانبكم.”
كانت مسابقة الصيد إحدى الفعاليات الوطنية التي تُنظم للتقليل من الأضرار التي تُلحقها الوحوش والحيوانات بالمحاصيل مع اقتراب موسم الحصاد.
ورغم أن تجمع النبلاء بدا وكأنه مجرد احتفال شكلي، إلا أن العمل الفعلي كان يبدأ بعد أسبوع، حيث يتوجه فرسان وجنود العائلة الإمبراطورية، إلى جانب أولئك التابعين للنبلاء الحاكمين لأقاليمهم، إلى الجبال والغابات القريبة من الأراضي الزراعية للقضاء على الوحوش والحيوانات.
ومع ذلك، فإن هذا الحدث، الذي يشدد على مبدأ ‘النُبل يُلزم‘ منذ تأسيس الدولة، كان ذا أهمية بالغة.
“وفي الختام، آمل أن يمر موسم الحصاد القادم دون أية حوادث، وأتمنى لجميع المشاركين في مسابقة الصيد هذه السلامة وعدم الإصابة!”
وحين انتهى الخطاب الطويل، ونزل الإمبراطور من على المنصة عائدًا إلى مقعده، خفف النبلاء من وقفتهم الرسمية، وبدأوا يتبادلون التحية ويجتمعون اجتماعيًّا. وبسبب ضخامة المسابقة، حضر نبلاء من أقاليم بعيدة، مما زاد من زخم الحضور.
“أنا من عائلة… حتى من بعيد، فإن جمالك يلفت الأنظار ويأسر القلوب، فلم أستطع مقاومة الفرصة لألقي عليكِ التحية، آنسة سيلا آرسيل.”
أجابت سيلا على تحية النبلاء الذين اقتربوا منها. بعضهم كانت تعرفهم من مناسبات اجتماعية سابقة، بينما كان هناك عدد لا بأس به من الوجوه الجديدة تراها لأول مرة.
عندها اقتربت الآنسة آيشا ليموند، ابنة الكونت ليموند، من سيلا.
“آنسة سيلا! لقد مر وقت طويل! كنت محبطة لأن رؤيتك أصبحت صعبة مؤخرًا، لكن من الرائع رؤية وجهك مجددًا بعد كل هذا الغياب!”
“وأنا أيضًا سعيدة بلقائك من جديد، آنسة آيشا. للأسف، تزامن موعد الاجتماع مع يوم كنت قد وعدت فيه بلقاء كاليكس، فلم أتمكن من الحضور. يؤسفني ذلك، لكن سأحرص على الحضور في المرة القادمة.”
“حقًا؟ إن كان من الصعب عليك الحضور، لا أمانع بلقاء يجمعنا نحن فقط.”
“سأبذل جهدي لأجد وقتًا، لكن إن لم أستطع حقًّا، فسوف نرتب لقاءً خاصًّا بنا، آنسة آيشا.”
تلألأت ملامح آيشا بالحماس وشبكت يديها بشدة. كانت إيماءتها كمَن يصرخ منتصرًا بـ“نعم!”، فضحكت سيلا بخفة لهذا المشهد. وأثناء حديثهما وتبادل أطراف الحديث، مرّت بعض الآنسات من حولهما.
“ألا تظنين أن الآنسة ليليا تبدو مختلفة هذه الأيام؟“
“أوافقك. لطالما وجدتها جميلة، لكن اليوم لا أستطيع أن أشيح بنظري عنها.”
“هل ترين أنها نضجت؟ لا أستطيع تحديد ما الذي تغيّر فيها بالضبط…”
وعند سماع الحديث عن ليليا، التفتت سيلا برأسها. وفي الاتجاه الذي أتين منه، رأت ليليا تتحدث مع هايلي. وعندما أنصتت لما حولها، لاحظت العديد من النبلاء الشباب الذين لم يستطيعوا التوقف عن النظر إلى ليليا. حتى بعض الآنسات كنّ يتطلعن إليها خلسةً أثناء حديثهن.
“والآن بعد أن فكرت في الأمر، يبدو أن شقيقتكِ الصغرى بدأت في العودة إلى الدوائر الاجتماعية من جديد.”
“نعم، هذا صحيح.”
“لا أفهم كيف يمكنها أن تكون بهذا القدر من الوقاحة بعد ما فعلته. وما هو أكثر صدمة أن بعض الانسات اللواتي كنّ لا يحببن ليليا آرسيل أصبحن الآن يدافعن عنها فجأة!”
همست آيشا بصوت منخفض، وقد ضاقت عيناها من الغضب وهي تحدق في ليليا.
“همف. آنسة هايلي تدافع عن ليليا آرسيل، وربما أرادت هؤلاء الانسات فقط نيل رضاها. لم أعتقد أنهن من النوع الذي يتصرف بهذا الشكل، ولهذا يبدو الأمر محيرًا أكثر حين أفكر فيه.”
نظرت سيلا إلى آيشا. وربما أساءت آيشا فهم تعبير سيلا، إذ ارتبكت قليلًا وغيّرت الموضوع بنبرة مرحة.
“لِمَ لا نكف عن الحديث في هذه الأمور المملة؟ أوه، تذكرت! في الحقيقة كنت أبحث عن الآنسة ميلودي لأعطيها منديلًا. هل صادفتها بالصدفة؟“
“لا، لا أعتقد أنني رأيتها.”
“همم. قالت إنها ستكون بالخارج للصيد، وكنت أريد أن أعطيها المنديل. لكنها هادئة ولا تحب الازدحام، لذا من الصعب العثور عليها. أوه، صحيح!”
تنهدت آيشا بإحباط وهي تنظر حولها، ثم صَفَقت يديها فجأة واستدارت إلى سيلا.
“سمعت أنكِ تعلّمت التطريز على يد الآنسة ديزي! هل تنوين إهداء هذا المنديل لدوق إيكاروس؟“
“نعم، كنت في الحقيقة أبحث عن كاليكس… آه، ها هو هناك.”
بحركة خفيفة من رأسها، رأت سيلا كاليكس وسط الحشد. وبعد توديع الآنسة آيشا، توجهت سيلا نحوه. وبينما كانت تقترب، بدأت الأنظار تلتفت إليها تدريجيًّا. لكن كاليكس لم يلتفت إليها إلا عندما أصبحت قريبة بما يكفي.
“كاليكس.”
“لقد أتيتِ.”
خرج صوته بإيقاع أبطأ قليلًا من انحناءة شفتيه الهادئة.
“نعم. أتيت لأعطيك هذا المنديل.”
أخرجت سيلا المنديل من جيبها وقدّمته له بابتسامة هادئة خافتة. ومرة أخرى، أخذه كاليكس بعد لحظة تأخر غير معتادة.
‘لماذا يقف هكذا؟‘
كان من المفترض بمن يتلقى المنديل أن يطبع قبلة العهد على ظهر يد من قدمه له. لكن كاليكس وقف ممسكًا بالمنديل دون أن يفعل شيئًا.
هل نسي؟ قيل إنه رفض العديد من المناديل التي قدمتها له الانسات أخريات – فهل نسي طقس قبلة العهد التي تتبع ذلك؟
“رغم أنني واثقة من عودتك سالمًا، كاليكس، يجب أن تأخذ هذا المنديل وتعود دون خدش واحد، حتى دون أن تتبعثر خصلة واحدة من شعرك.”
وتظاهرت بأنها قلقة جدًّا على احتمال أن يُصاب حبيبها، وربّتت على ظهر يده برفق. بدا أن لون وجه كاليكس شحب للحظة، ثم أمسك بيدها وانحنى قليلًا.
“سأردّ لكِ هذا الشرف، أيتها الجميلة التي تمنت لي الخير.”
وبدلًا من أن تلامس شفاهه ظهر يدها، داعب أنفاسه بشرتها مع كل كلمة.
“سأحرص على العودة سالمًا وإهداء هذا الشرف لك.”
“إن لم تفِ بوعدك، سأغضب منك، لذا احرص على أن تفعل.”
أجابت سيلا ببطء، مقلدةً نبرته، ثم فتحت شفتيها المضمومتين لتسأله من جديد.
“هل تشعر بتوعك؟“
“حالتي جيدة، فلا داعي للقلق. لقد حان وقت رحيلي، لذا سأستأذن الآن.”
ومن بعيد، سُمع صوت يُعلن بدء الصيد. وما تزال تمسك بيده، نظرت إليه سيلا. شعره الأسود الناعم كالحرير، وعيناه الحمراوان تتلألآن كما لو كانتا تضيئان، أنفه الحاد، قامته الممشوقة وبنيته القوية – راقبت كل تفاصيله. ونظرت إلى تعبير وجهه الذي بدا عليه بعض الارتباك، ثم أفلتت يده ببطء.
“كن حذرًا في طريقك.”
كاليكس، راكبًا جواده وسط النبلاء والفرسان المشاركين في الصيد، ابتعد تدريجيًّا في الأفق. وحتى بعدما اختفى آخر أثر لفرسه داخل الغابة الكثيفة، ظلت سيلا واقفة في مكانها، قدماها لم تتحركا قيد أنملة.
‘هناك شيء مختلف… هل أتوهم؟‘
تحوّل نظرها، الذي كان يحدق في الغابة، تلقائيًّا إلى يدها اليسرى – اليد التي لامست كاليكس. وعند تذكّرها نعومة يده، حرّكت أصابعها ببطء، طاويةً وباسطة إياها مرارًا.
في تلك اللحظة، اقترب أحدهم فجأة وأمسك بمعصمها الأيمن كما لو أنه يريد انتزاعها منها.
***
لطالما عُرف حصان دوق إيكاروس بأنه أحد أرقى الأحصنة، وغالبًا ما كان محط الإعجاب والروايات. وبالفعل، كان جواد كاليكس، إيدن، ضخمًا ومهيبًا لدرجة جعلت معظم الجياد الأخرى تبدو كالمهرات الصغيرة، وسرعته كانت استثنائية.
لكن لإيدن عيبًا كبيرًا واحدًا…
“نههيه–!”
كان يرفض رفضًا قاطعًا أن يمتطيه أي شخص سوى سيده المختار.
“غريب. إيدن لطالما كان مطيعًا لك، يا صاحب السمو، لكنه اليوم لا يبدو أنه يستجيب لك على الإطلاق.”
وفجأة، بدأ إيدن يتصرف بعشوائية، فاركًا ذيله بقوة نحو جانبٍ واحد، وحاول أحيانًا التوقف عن السير. وصهل الحصان بانزعاج واضح، مما دفع الفرسان المرافقين لدوق إيكاروس إلى إبداء قلقهم.
“هل يمكن أن يكون إيدن مريضًا؟“
“لا أظن ذلك. لقد بدا في أتم صحة هذا الصباح.”
“ربما من الأفضل ركوب حصان آخر مؤقتًا.”
وبينما واصل المحيطون به تعليقاتهم، لم يلتفت كاليكس حتى برأسه. وبدلًا من ذلك، ركز على مداعبة عرف الحصان الأسود المضطرب، محاولًا تهدئته.
عندها تحدث جود، المعروف بجسده الخفيف إلا حين يرفع سيفه، بنبرة ساخرة مملوءة بالخبث.
“إن لم يكن إيدن يتصرف هكذا عادةً مع سيده، فهل يعقل… أن الشخص الذي معنا ليس هو سيدنا الحقيقي؟“
توقف كاليكس فجأة عن التقدم بجواده.
وتبعه الفرسان بالتوقف كذلك. وفي الغابة الكثيفة، حيث بالكاد تخترق أشعة الشمس، تلألأت عينا كاليكس الحمراوان بحدةٍ بينما ركز بصره مباشرة على جود. صمت بقية الفرسان وهم يرمقونه بنظرات تأنيب.
‘جود، هذا الأحمق… حتى عقله عضلات.’
‘حتى وإن أصبح سيدنا أكثر لطفًا مؤخرًا بسبب خطيبته، كان عليه أن يفكر قبل أن يُلقي بمثل هذه المزحة.’
كسر صوت الأوراق التي حرّكها الهواء الصمت. وتحت نظرة كاليكس الحادة والباردة، شعر جود بخطئه، وابتلع ريقه بتوتر.
“لقد أخطأت في التعبير.”
“أعطني الحقيبة.”
ناول جود الحقيبة الثقيلة بخضوعٍ وحذر.
“من الآن فصاعدًا، سأسير وحدي. يمكنكم العودة في الوقت المناسب.”
“نعم، يا سيدي!”
“يمكنكم الذهاب.”
لم يعترض أحد على أوامره. فباعتباره أقوى رجل في الإمبراطورية، لم يكن في تجواله وحده خطرٌ يُذكر، وكان من المعتاد أن يتصرف باستقلالية عند دخوله الغابة.
وبينما يراقبهم يبتعدون، شدّ كاليكس قبضته على لجام إيدن. فقاوم الحصان الأسود، مهتزًا برأسه يمينًا ويسارًا، لكن كاليكس هدأه بعناية وقاده نحو منطقةٍ معزولة قلّ فيها الناس.
“هاه…”
أوقف إيدن ونزل عن صهوته بحركةٍ سريعة. وارتسم على وجهه المنهك تعبيرٌ مشوب بالتعب، وهو يُخرج تنهيدةً عميقة.
“لا أحد هنا الآن، يمكنك الخروج.”
وعند كلمات رون، الذي كان متخفيًا تحت وهمٍ جعل مظهره كمظهر كاليكس، تحركت الحقيبة.
“مياو.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"