مع مرور الوقت وارتفاع الشمس في كبد السماء، وصل ثيودورو كما ذكر الماركيز.
“لقد مضى وقت طويل، انستي.”
كان أنيق المظهر، يعلو وجهه ابتسامة لطيفة تضفي عليه طابعاً ودوداً. تتمايل خصلات شعره المجعد، بلون قشرة كعكة كاستيلا، قليلاً مع حركاته.
وبعد تبادل سريع للمجاملات، بدأ ثيودورو بفحصها. وخلال الفحص، راقبت سيلا كل حركة منه بانتباه حاد. لقد كان آخر طبيب زار قصر الماركيز، وكان يفحصها بانتظام منذ ذلك الحين، لذا كان من المرجّح جداً أن له يداً في نقل لعنة ليليا إليها.
‘لا شيء مثير للريبة حتى الآن.’
وما إن خلصت إلى أن الفحص يسير على نحو طبيعي، حتى التقت نظراتهما فجأة.
“هل هناك ما يزعجك؟“
رفع ثيودورو رأسه فجأة وسأل. كانت عيناه، بلون البراعم الخضراء الوليدة، تنضحان بلينٍ وهدوء، غير أن النظرة الساكنة في عمقهما بدت وكأنها تخترق أعماقها، مما جعل القشعريرة تسري على مؤخرة عنقها.
“وصلتَ أبكر من المعتاد اليوم، وقد بدا لي ذلك غريباً.”
تظاهرت سيلا بالتماسك.
“فهمت. كما قلتِ، لم يكن ذلك مخططاً، لكن السيدة استدعَتني على وجه السرعة.”
“أمي؟“
“نعم. ذكرت في رسالتها أنها قلقة لأنكِ لم تكوني على ما يرام في الآونة الأخيرة، ولم تغادري غرفتكِ.”
‘إذًا فليس الماركيز آرسيل هو من استدعاه.’
قوّمت سيلا تلك المعلومة الخاطئة، وأدارت عينيها في تفكير.
‘ومعذلك…’
ذلك التعبير البريء – كان أشبه بشخص آخر متورط بعمق في حياتها.
“مع ذلك، وعلى خلاف ما سمعته، يبدو أن حالتكِ قد تحسنت كثيراً، وهذا أمر يبعث على الارتياح.”
قال ثيودورو بابتسامة هادئة.
“لأجل العلاج في المستقبل، أرغب في معرفة سبب تحسن حالتكِ. هل لي أن أطرح عليكِ بعض الأسئلة؟“
“بالطبع.”
“إذن…”
خلع نظارته الصغيرة ووضعها على المكتب، ثم تابع قائلاً.
“أود أن أبدأ بسؤالكِ عما إذا كان هناك طعام معين تتناولينه.”
عند هذا السؤال، لمعت صورة تفاح الجنيات في ذهنها. راقبته سيلا عن كثب، بعينين مركّزتين. لم تتغير ابتسامته قط، ما جعل من الصعب معرفة ما يدور في رأسه.
‘سأختبره.’
تظاهرت بالتفكير، ورسمت على شفتيها ابتسامة أنيقة.
“كنت أتناول أشياء متعددة للعناية بصحتي.”
“هل يمكن أن تذكري لي ما تناولتِ، إن لم يكن ذلك يزعجكِ؟“
“همم، لقد كانت كثيرة، لا أستطيع تذكّر كل شيء حالياً، ولكن… دعني أرى.”
بدأت تعدّ على أصابعها المكونات الطبية المعروفة بفوائدها الصحية، وكان ثيودورو يدوّن بصمت كل ما تقوله.
“…وأكلتُ ذلك أيضاً. وماذا كان هناك أيضاً…”
تنهدت سيلا وتجهم وجهها كأنها تغوص في أعماق الذهن.
“كان يبدو بالتأكيد كنوع من الفاكهة.”
في تلك اللحظة، تذبذب طرف ريشة ثيودورو الذي كان يكتب به بثبات. كانت لحظة خاطفة، لكنها لاحظت التغير الواضح. تعمّدت التردد وأعادت قولها.
“ما كان اسمه مرة أخرى؟“
تك، تك.
كان صوت الساعة المتقطع يؤكد مرور الوقت.
“ما زلتِ لا تتذكرين؟“
“لا، الأمر ضبابي قليلاً.”
“دعيني أساعدكِ على التذكّر.”
ضغط ثيودورو على جسر أنفه بقوة. اختفت الابتسامة التي كانت على وجهه خلف يده، إلا أن صوته بقي رقيقاً كنسيم الربيع.
“وكيف ستفعل ذلك؟“
“كيف كان شكله؟“
“كان يشبه عنقوداً صغيراً من الحبوب الدائرية.”
“واللون؟“
“كان ذهبياً.”
“آه، لا بد أنه سيركا. لستُ أدري كيف حصلتِ عليه، لكن إن كنتِ قد تناولتِ مثل هذا الإليكسير القوي، فلا عجب أن جسدكِ يتعافى.”
قال ثيودورو وهو يدون ملاحظاته، ثم نقر على الورقة مرتين بريشته، وأعاد النظر إليها بتأمل.
“هل هناك شيء آخر اعتدتِ تناوله بانتظام؟“
تحركت عينا سيلا الزرقاوان جانباً، ثم انخفضتا فجأة. أدركت خطأها، فارتجفت كتفاها قليلاً، وسرعان ما غيّرت نظرتها.
ولاحقاً لنظرتها الخاطفة، حوّل ثيودورو عينيه إلى حيث كانت تنظر.
‘تحت السرير.’
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة. سألها بضع أسئلة إضافية، ثم أنهى الفحص.
“سأخبر كبير الخدم بالأدوية والتعليمات الإضافية.”
“حسناً.”
“آمل أن تكوني أكثر صحة في المرة القادمة التي نلتقي فيها.”
“سيُسعدني ذلك كثيراً.”
وبينما كان يستدير للمغادرة، قالت.
“القط…”
“عفواً؟“
“لا، لا شيء.”
تمتم ثيودورو لنفسه بعدما لمح “تيتي” جالساً فوق الخزانة. وحين ردّت عليه باستفهام، هزّ رأسه قليلاً وغادر الغرفة.
“مياو.”
قفز تيتي برشاقة من أعلى الخزانة، ومشى بخفة نحوها. كانت أذناه مرفوعتين وهو يُصغي بانتباه إلى صدى الخطوات المتلاشي.
“لابد أن وجود شخص غريب أزعجك، أليس كذلك؟“
هزّ رأسه بقوة! وعندما التقطته سييلا وسألته، كانت عيناه الواسعتان مركّزتين، ونظرته الحازمة جعلتها تضحك.
“أنت قط شجاع حقاً.”
نظرت سيلا إلى الساعة، وبدأت في مداعبته. وبينما كانت تلقي بين الحين والآخر نظرات حذرة نحو الباب—
نوك، نوك.
“آنستي، أرجو المعذرة على الإزعاج.”
صوت قرع ناعم لأدوات الصيد رافق الصوت.
“كبير الخدم يطلب حضوركِ على وجه السرعة، انستي.”
“كبير الخدم؟“
“نعم، لقد طلب أن تأتي على الفور.”
“هل قال ثيودورو شيئاً ضمن تعليماته؟ حسناً.”
وضعت سيلا تيتي بلطف على السرير.
“سأعود قريباً.”
“مياو!”
وبعد أن ربتت عليه بحزم، مرّت من أمام الخادمة وكتفاها مشدودان بتوتر. تجمدت الخادمة في مكانها، ولم تتنفس الصعداء إلا بعد أن غابت سيلا عند زاوية الممر.
“هاه…”
وضعت يدها على صدرها لتهدئ نفسها، ثم عادت إلى غرفة سيلا.
‘لننفذ أوامر الانسة ونغادر بسرعة.’
كان القط جالساً أمام السرير، مما جعلها تتردد في الاقتراب. قبضت على تنورتها بقوة، وأجبرت نفسها على التقدم.
‘أحتاج فقط للتحقق.’
بهذا الخاطر، اقتربت من السرير، وانخفضت حتى كاد وجهها يلامس السجادة.
‘لابد أن هناك شيئاً هنا.’
نظرت تحت السرير، فلم تجد شيئاً. جعلها هذا الأمر المفاجئ تمعن النظر، عيناها تتحركان يمنة ويسرة بحثاً عن أي شيء غير مألوف.
“ما الذي تفعلينه؟“
“إيك!”
قفزت الخادمة واقفة وقد أفزعها الصوت.
“انـ، انسة سيلا.”
استدارت فرأت سيلا واقفة، وذراعاها معقودتان، تحدّق بها من علٍ.
كانت قد رأت بوضوح الآنسة وهي تتجه إلى كبير الخدم. لم يكن هناك أدنى علامة على الشك.
“سألتكِ، ماذا كنتِ تفعلين؟“
“حين كنت هنا سابقاً، ظننت أنني رأيت بعض الغبار، فعُدت لأُنظف.”
“ألم تعتقدي أن هذه الحجة الهشة عن الغبار تحت السرير ستُكشف بهذه السرعة؟“
جاء صوت سيلا حاداً كالشفرة، ونبرتها باردة كالثلج. كانت الخادمة تفتح فمها وتغلقه كأنها تحاول تبرير موقفها، لكنها في النهاية أسقطت كتفيها استسلاماً. فمواصلة الكذب لن يجدي نفعاً، وكان الأفضل لها الاعتراف وطلب الصفح.
“انستي، لقد أخطأت.”
“لماذا نظرتِ تحت السرير؟“
“أنا… كنت أعاني من ضائقة مالية… وراودتني فكرة سيئة.”
“ولماذا تحت السرير بالتحديد؟ مع أن هناك صندوق مجوهرات ظاهر تماماً؟ أتشعرين بأن هناك سبباً آخر؟“
تفاجأت الخادمة، وعضّت شفتيها بتوتر.
“ظننت أن هناك مجوهرات مخبأة تحته. لقد كنت مخطئة في تصرفي هذا. أرجوكِ، عاقبيني كما تشائين.”
كانت تذكّر نفسها أن الأمر سيُرفع إلى رئيسة الخدم ثم إلى السيدة، التي تملك القرار النهائي. وحتى إن عوقبت، فربما لن تتعدى العقوبة الطرد. ومع المكافأة التي وعدتها بها السيدة، لن تواجه صعوبات في تدبير معيشتها. لكنها سرعان ما أدركت أنها استهانت بالموقف كثيراً.
“خذي خمسين جلدة، واغادري قصر الماركيز آرسيل زاحفة على أربع.”
“عادةً، مثل هذه العقوبات يقرّرها رئيس الخدم أو السيدة…”
“ومن تظنينني أنا، التي تقف أمامكِ الآن؟“
“…”
سيلا آرسيل، فرد من الأسرة، ذات سلطة كاملة على تأديب الخدم.
أطبقت الخادمة شفتيها. في الماضي، مهما قيل أو فُعل في الخفاء، كانت سيلا تترك العقوبة لرئيسة الخدم. فلماذا، الآن فجأة…؟
“عادةً، من يحاول السرقة من سيده تُقطع يده. اعتقدت أن هذا أكثر رحمة مقارنة بذلك، ولكن إن لم يعجبكِ، فبإمكاننا الالتزام بالقانون.”
ومع اقتراب ظلها المهدِّد، تراجعت الخادمة خطوة إلى الوراء.
تعثّرت قدمها بحافة السرير، فسقطت على مؤخرتها.
“كياه!”
“فشش!”
أطلق القط صوتاً مخيفاً، مما جعل الخادمة ترتجف بشدة. حاولت النهوض، لكن ساقيها خانتاها، فسقطت مجدداً، ترتجف شاحبة والدموع تنهمر من عينيها.
أمالت سيلا رأسها تنظر إلى الخادمة، التي راحت ترتعد تحت نظراتها.
“إن تحمّلتِ الخمسين جلدة كاملة، فلن تقفي مجدداً على قدميكِ على الأرجح.”
قالت سيلا بابتسامة رقيقة، كأنها تمازحها.
“هذه فرصتكِ الأخيرة. لماذا نظرتِ تحت السرير؟“
خمسون جلدة والمكافأة التي وعدتها بها السيدة كانت في كفّتي الميزان. وبما أن سيلا باتت تعلم بالأمر، ولا مهرب منه، فقد رجحت الكفة سريعاً.
“السيدة هي من أمرتني بأن أبحث تحت السرير سرّاً.”
“دليل؟“
“هناك جوهرة في غرفتي أعطتني إياها السيدة. ووعدتني بالمزيد إن أنجزت المهمة.”
اعتدلت سيلا في وقفتها، وضمّت ذراعيها على صدرها. لقد آتى تظاهرها بالفضول أمام ثيودورو بالنظر تحت السرير ثماره.
‘هي تعرف بشأن حالتي.’
وإن كان ثيودورو، الذي ليس طبيب العائلة، يعلم بشأن اللعنة، فهذا لا يزيد إلا من شكوكها.
‘هل كان هو من أخبرهم بطريقة نقل اللعنة؟‘
على أقل تقدير، لا بد أن له علاقة بالأمر. رفعت سيلا شعرها للخلف، ونظرت إلى الخادمة المرتجفة.
“ما اسمكِ؟“
السؤال المفاجئ، والنبرة التي خفّت قليلاً عمّا كانت عليه، أوقدا بصيص أمل في قلب الخادمة. هل يمكن أن تُغفر لها زلتها؟ متشبثةً بذلك الأمل، أجابت.
“اسمي دانا.”
“دانا، تنفيذ الأوامر لا يعفيكِ من الذنب.”
“نعم، أفهم ذلك.”
“ولكن الخطأ ليس خطأكِ بالكامل، لذا أمنحكِ فرصة لكسب المغفرة.”
انخفضت سيلا وساعدت دانا على النهوض. ذلك اللطف المفاجئ، بعد كل الآمال المحطّمة، جعل عيني دانا تتسعان كالخرز المرتجف.
“حقاً ستمنحينني فرصة؟“
“ألستِ ترغبين بذلك؟“
“لا! إن منحتني فرصة، سأبذل قصارى جهدي في أي شيء!”
وحين رأت سيلا الخادمة تتصلب وترد بكل ما أوتيت من حماس، ارتسمت على شفتيها ابتسامة جانبية ماكرة.
“أولاً، اذهبي وأكملي المهمة التي كلّفتكِ بها الماركيزة، ثم عودي إليّ.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 44"