عادت سيلا إلى المنزل، فأطلقت زفيرًا طويلًا، وأسندت ظهرها إلى الكرسي، وأمالت رأسها إلى الخلف.
لقد تراكم عليها إرهاقٌ شديدٌ بعد كل ما مرّت به دفعةً واحدة.
استعادت سيلا ما أخبرتها به ليزا قديمًا؛ فنمط الورقة المنقوش على الزجاجة التي أحضرتها تيفاني هو رمزٌ للمجموعة التي هاجمت القصر الإمبراطوري قبل ثمانية عشر عامًا.
لقد أطلق كين رفاقه في النقابة فورًا للقبض على ثيودورو، ولكنّ الأخير كان قد اختفى بالفعل من قرية فروتشي، والغريب أنّ أحدًا لم يشهد خروجه منها.
‘بعد فترةٍ وجيزة من اختفاء ثيودورو، هربت ليليا من السجن، واختفت الماركيزة…’
وضعت سيلا يدها على جبينها.
ربما ينبغي عليها البحث عن ثيودورو أولًا للعثور على الأم وابنتها.
‘من الأفضل أن أشارك هذه المعلومات مع البلاط الإمبراطوري.’
فالبلاط الإمبراطوري هو تجمعٌ لأفضل العقول.
لكنّ السبب في أنها لم تخبر ولي العهد بخصوص ثيودورو على الفور، هو أنها كانت قد فوّضت الأمر بالفعل إلى كين؛ ولذلك لم يكن بوسعها أن تتصرّف بمفردها.
‘سأتحدث إليه أولًا، وإذا رفض، فسأحاول إقناعه.’
وبينما كانت سيلا تفرك عينيها المتعبتين، تذكّرت السيدة التي كان لون شعرها مطابقًا لشعر كين.
لقد شعرت بالذعر عندما سقطت غريس فجأة، وظنّت أنها تسمّمت، ولكن طبيب القصر الإمبراطوري أكّد أنّها مجرّد حالة إغماء.
أُجري فحصٌ للكشف عن السمّ كإجراءٍ احترازي، وكانت النتيجة سلبية؛ لذلك، لم تكن خطواتها ثقيلةً أثناء عودتها من القصر.
‘ما الذي جعلكِ تسقطين فجأة؟…’
أغمضت سيلا جفنيها وهي تسترجع الحديث الذي دار بينهما. لقد شعرت منذ لقائهما بأن الإمبراطورة كانت مضطربةً إلى حدّ ما، ولكنها أصبحت في لحظةٍ ما هشةً كقطعة زجاج، لا تستطيع أن تلمسها حتى لا تنكسر.
تذكّرت سيلا تلك اللحظة بوضوح.
ففي اللحظة التي كشفت فيها أنها ليست الابنة الحقيقية للزوجين أرسيل، لم تستطع أن تنسى نظرة غريس التي تجمّدت مثل الجليد.
لم تدرك الأمر في حينه لأنها لم تتأثر به، ولكن بالنظر إلى الماضي، كانت تلك المعلومة صادمةً بالفعل.
وخاصةً أنّ الإمبراطورة، التي ما زالت تؤمن بأن أميرتها على قيد الحياة، قد تستحضر ذكرى ابنتها وهي تنظر إلى وضعها.
‘بالحديث عن ذلك…’
فتحت سيلا شفتيها قليلًا، وشعورٌ بالدهشة يعتريها.
على عكس ولي العهد الذي كان يتحدث إليها دائمًا عن ‘الأمنية’، لم تذكر غريس شيئًا عن أمنية الجنية، رغم أنها أكثر من يعرف عنها، وتحمل في قلبها أمنيةً ملحّة.
‘ربما لديها سببٌ وجيه.’
أغلقت سيلا فمها، ودفعت تساؤلاتها إلى داخلها.
فإن هي سألتها، ربما تولّد في قلبها أملًا، وهي لن تستطيع أن تمنحها إجابةً إيجابية لإلحاح قلبها.
مسحت سيلا وجهها، ثم أطلقت زفيرًا بطيئًا.
لا يزال إحساسها بعاطفة غريس الجارفة تجاه ابنتها يلامسها بقوة، رغم أنه لا يتجه نحوها؛ تمامًا مثل رائحة العطر القوية التي تعلق بملابسك لمجرد الاقتراب منها.
تضارب شعورٌ غريبٌ في صدرها.
أخرجت سيلا خاتمًا من صندوقٍ وضعته في عمق الدرج، ووضعته على راحة يدها.
كان الخاتم الذي وجدته داخل الدمية يلمع بخفوت تحت الضوء.
‘هل تبحث عائلتي عني أيضًا؟’
هذا السؤال، الذي لا يمكنها أن تجزم بإجابةٍ له، ظلّ يتردّد بهدوء في صدرها.
فالروابط الدموية فضولٌ يبرز في أي وقت، حتى لو حاولت أن تخنقه.
وبينما كانت تداعب الخاتم الدائري، قبضت سيلا على أصابعها.
فقد زاد لديها سببٌ آخر لمقابلة كين في وقتٍ قريب.
اندفع شخصٌ يرتدي معطفًا أسود إلى داخل زقاقٍ مظلم.
وسُمِعَت خطوات ثلاثة أشخاص تقترب بسرعة من الاتجاه الذي جاء منه.
“هل أفلت منّا؟”
“لنبحث في الجوار أولًا.”
“حاضر.”
لم يخرج الشخص المختبئ في الزقاق إلى الخارج إلا بعدما ابتعدت أنفاسهم حتى لم يعد يسمعها.
انزلق إلى الخارج بخطواتٍ متخفّية كفأرٍ يمر أمام قطّ نائم، ونظر حوله.
“أوف… نجوت.”
تنفّس الصعداء، وهبطت كتفاه بارتخاء.
رفع معطفه المزعج قليلًا، ثم سحب غطاء رأسه إلى أسفل ليغطيه أكثر.
وقف أمام واجهةٍ زجاجية لمتجرٍ قريب، يمعن النظر في هيئته.
لقد كان شعره الأبيض كالثلج ينسدل من تحت قلنسوته، وفي عينيه الرماديتين، اللتين ضاقتا من التعب، اشتعلت نيرانٌ من الغضب.
‘يا لهم من بشرٍ عنيدين!’
فجأة، وبلا سابق إنذار، بدأ هؤلاء البشر بمطاردته.
كان يخمّن السبب. لقد سرق طعامًا من مطعمٍ لا يدخله سوى النبلاء.
وربما كان النبيل السمين الذي سلبه طعامه هو من يطارده الآن.
‘تمامًا كما يبدون، فهم جشعون… هؤلاء البشر لا يختلفون أبدًا.’
نقَر بقلنسوته بأطراف أصابعه، فتحوّلت القلنسوة الباهتة إلى أخرى فاخرة بلون البيج.
أخفى شعره الأبيض بعناية قدر الإمكان، وغيّر لون إطار نظارته.
إذ لم يكن سحر الإخفاء قادرًا على إخفاء لون عينيه وشعره، اللذين هما جزءٌ من هويته، فكان هذا أفضل ما يمكنه فعله.
كان الخيار الأمثل أن يرتدي شعرًا مستعارًا، لكن للأسف، لم يتبق لديه المال الكافي.
‘هل أسرق واحدة؟ يا ليتني كنت قد أحضرت المزيد من مال البشر.’
وبينما كان يستمتع بوقته في عالم البشر، وصل إلى قريةٍ ثانية كانت تحتفل بمهرجان.
هناك عاش تجربةً جديدة كليًا، فقد كان الطعام المجاني الذي يُقدّم ألذّ من أي فاكهة أو ندى تذوّقه من قبل.
ولهذا لم يتبق في حوزته سوى ما يكفي لشراء قلنسوة بالية ونظارة رخيصة.
بل إنّه لم يستطع حتى أن يستخدم هذا القليل من المال ليأكل طعامًا شهيًا، فذرف دمعةً من عينه.
‘إنّ البشر حقًا فاسدون، وحمقى، ودنيئون. لا يمكن أن يكونوا وحدهم من يأكل هذا الطعام اللذيذ… يا لهم من حمقى، يمتلكون مهارات غير ضرورية.’
استنشق الهواء بسرعة، وأدار رأسه يمينًا ويسارًا.
‘ليس هذا وقت الوقوف هنا.’
وعندما تذكّر سبب قدومه إلى عالم البشر، أدرك أنّه لا وقت يضيّعه.
التفت وحدّق في اتجاه العاصمة، حيث يقطن أغلب البشر.
فقد كانت هناك رائحة كريهة تتسلل من هناك، رغم ضعفها.
خرجت سيلا من مسرح الأوركسترا، ورفعت عينيها لترى كاليكس يسير بجوارها.
منذ ذلك اليوم، أصبح قضاء الوقت معه أمرًا طبيعيًا تمامًا، كما لو لم يحدث شيء.
وعندما خرجت، جعلها الهواء البارد تضيق عينيها.
تجمّعت يداها المرتجفتان، فنظرت إلى يدي كاليكس، فتشابكت يداها بيديه.
تغلغل دفؤه بين أصابعها.
شعرت بتصلّب جسده عند ملامستها، لكن بعد لحظات، أمسك يديها الكبيرتان بقوةٍ أكبر.
صعدا إلى العربة، وتوجّها إلى مطعم.
وبعد أن أنهيا الطعام، حانت لحظة الوداع، حيث كان عليهما أن يفترقا من أجل جدول أعمالهما.
“شكرًا لأنك أوصلتني إلى هنا.”
وقفت سيلا أمام المقهى الذي كان المدخل السري إلى مقر كين، وقالت ذلك بلطف.
“الجو لا يزال باردًا، يمكنك المغادرة الآن. سأدخل أنا أيضًا.”
حاولت أن ترخي قبضتها لترحل، لكن يديه كانتا تمسكان بها بقوة.
“كاليكس؟”
“إن كان لديك متّسعٌ من الوقت بعد أربعة أيام، فما رأيك أن نتناول العشاء معًا في قصر الدوقية؟”
رمشت سيلا بعينيها المتسعتين، ثم ابتسمت ابتسامةً عريضة.
“حسنًا، سأفرّغ جدولي. ولكنني سأرى القط الذي تخبئه في القصر، أليس كذلك؟”
“كما تعلمين، القطط حذرة، لذا لا يمكننا أن نعرف إلا في ذلك اليوم.”
“كنت أريد الذهاب لرؤية القط… إذن…”
وعندما جعلت صوتها يدلّ على خيبة الأمل، قبّل يدها.
“سأحاول، لذا أرجوكِ، فرّغي جدولك.”
“حسنًا. ولكن أبلِغ تيتي أن يكف عن الهرب ويعود.”
“…”
“وأخبره أيضًا أنني أنتظر إجابته.”
“…سأبلّغه.”
“كنت آمل أن يجيب الآن.”
“… “
“إنها نصف مزحة، فلا داعي لهذا الوجه الجاد. سأفرّغ جدولي بعد أربعة أيام.”
وعندما قال لها إنه سينتظر حتى تدخل، أومأت سيلا برأسها، واستدارت لتدخل إلى المقهى أولًا.
وعندما دخلت، أحاطت بها رائحة القهوة الغنية الدافئة.
قبضت على يدها الفارغة، ثم دخلت إلى المنطقة المخصصة للموظفين فقط.
توجهت سيلا إلى مقر النقابة في الطابق السفلي، وذهبت مباشرةً إلى غرفة كين.
“لقد أتيتِ؟”
“نعم.”
“يبدو أنكِ قضيتِ وقتًا ممتعًا مع ذلك الرجل.”
“هل يبدو عليّ؟”
ابتسمت سيلا في وجهه المتجهّم.
“على أي حال، من الجيد أن تستمتعي بوقتك.”
“هذا صحيح، لكن…”
عبس كين ومسح وجهه.
كانت يداه تمسحان الجزء العلوي من وجهه، مما جعل شعره البني المائل إلى الحليب يتجعد.
“بصفتي أخًا لك، هذا الأمر لا يعجبني.”
“نعم، أيها العجوز.”
لم ترمش سيلا حتى، فقد اعتادت على مزاحه.
وكانت عيناها الزرقاوان حادتين، كأنهما تحذّران إياه أن يتوقف عن هذا الهراء.
رفع كين كتفيه بخفة، ووضع ذقنه على يده.
“بالمناسبة، لماذا أردتِ مقابلتي؟ هناك شيء واحد أود أن أسألكِ عنه أيضًا.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات