فمجرد استدعاء ولي العهد لها سرًّا جعَلها تستشعر أن الأمر على صلة بليليا، لكنها لم تكن لتتخيل أنّ الأمر بلغ حدَّ الهروب من السجن.
كيف لـليليا، وهي لا تملك أدنى قوة، أن تخترق حراسة القصر الإمبراطوري المحكمة وتلوذ بالفرار؟ لقد كانت مجرمة خطيرة، ومكان احتجازها يخضع لحراسة صارمة لا مجال للتهاون فيها.
والشخص الذي قيل إنه هرب معها كذلك. فقد تبيّن أنه ساحر، فقيّدوه بسلاسل تحجب السحر تمامًا وسجنوه.
‘كيف حدث هذا بحق السماء؟’
ارتطم صوت أناملها على الطاولة بإيقاع رتيب، غارقةً في التفكير، حتى أعادها ولي العهد إلى الواقع.
“إذن، متى كانت آخر مرة رأيتِ فيها الماركيزة أرسيل؟”
“…… الماركيزة؟”
رمشت سيلا ببطء، والدهشة تكسو ملامحها. أيُعقل أن يكون سؤاله عنها لهذا السبب…؟
كأن لوكاس قرأ خواطرها، فتابع قائلًا.
“بعد أن بلغني خبر الهروب مباشرةً، أرسلت رجالي إلى قصر أرسيل، لكن تبين أنّ مصير الماركيزة مجهول. أما الماركيز نفسه فيدّعي الجهل بالأمر، غير أنّي لست مقتنعًا.”
“ليس من الممكن أن يكونا الماركيز و الماركيزة وراء ذلك.”
“وما الذي يجعلك تجزمين بهذا؟”
“إن كنتَ قد حققتَ بالأمر فستعلم أن الماركيز أرسيل لا يملك القدرة ولا الجرأة على المخاطرة لأجل ليليا. وحتى لو خالف التوقعات وضحّى بنفسه من أجل ابنته الوحيدة، فمن المستحيل أن يُعرِّض نفسه لخطر أعظم بإنقاذ ساحرٍ أيضًا.”
أومأ ولي العهد قليلًا، كمن يزن كلماتها، فأضافت سيلا.
“أما الماركيزة، فقد سُلبت حريتها في التصرّف، فهي تخضع لسلطان زوجها ولا تستطيع أن تتحرك بمحض إرادتها. فلو لم يتحرك الماركيز بنفسه، لما كان بوسعها فعل شيء.”
لو كانت عائلة شتاين الماركيزية -وهي عائلة كلارا الأصلية- ما زالت في قوتها، لربما اختلف الوضع. هكذا فكرت سيلا وهي تضع يديها متشابكتين بهدوء.
فإلى جانب خبر هروب ليليا، هناك أمر آخر لم يُكشف إلا لعدد قليل جدًّا.
تلك المزيفة التي انتحلت شكل سيلا أرسيل، والتي تحركت وفق أوامر ليليا. عنيده حتى النهاية، إذ لم تنبس ببنت شفة خلال الاستجواب. ولم يكشفوا هويتها إلا بعد أن أجبرها سحرة القصر على كسر سحرها بالقوة.
وكانت المفاجأة أنّ هويتها الحقيقية جرى التعرّف عليها سريعًا، فقد تبيّن أنها أحد أعتى المجرمين الذين هاجموا القصر الإمبراطوري قبل ثمانية عشر عامًا.
آنذاك، أُلقي القبض على معظم المهاجمين وأُعدموا فورًا، ولم ينجُ حتى قائدهم، رونالد، الأخ الأصغر للإمبراطور السابق والملقَّب بالإمبراطور المخلوع.
وبموت زعيمهم، كان من الطبيعي أن تتفكك بقية الجماعة. لكن ها هم، بعد ثمانية عشر عامًا، يعودون للظهور من جديد.
ألقى لوكاس ببصره في العتمة، حيث ومضت عيناه تحت ظلال رموشه الكثيفة كوميض نذيرٍ مشؤوم.
‘كما قال كايدن تمامًا.’
تذكّر شقيقه الذي كان يُصر على ملاحقتهم حتى آخر فرد، ولو استلزم الأمر حشد قوات إضافية. أغمض لوكاس عينيه وأعاد فتحهما، فرأى انعكاس سيلا فيهما.
كانت عائلة أرسيل موضوعين تحت المراقبة بالفعل، في انتظار معرفة مدى تورطهم.
أما سيلا، فعلى الصعيد الشخصي كان يراها بعين الرضا، لكن مسألة طلب التعاون منها أمر آخر تمامًا.
“أشكركِ على تعاونكِ. وإن احتجت إليكِ مرة أخرى، سأستدعيكِ.”
“بالطبع. سأجيبك بإخلاص في كل مرة.”
وضعت سيلا يدها على صدرها، وانحنت قليلًا قبل أن تعتدل. عندها ارتسمت على محيا لوكاس ابتسامة ماكرة لم تغب عن نظرها.
“ما دامت ليليا لم تلجأ إليكِ، فهذا حسن. لكن احتياطًا، هل ترغبين أن أعيّن لكِ حرسًا من الفرسان؟”
“أشكرك يا سمو الأمير، غير أنني أستغني عن ذلك.”
كان حرس الإمبراطورية سيمنحونها أمانًا، لكن على حساب حرية حركتها. فاختارت أن تعتمد على رجالها بدلًا من القيود الخانقة.
“حسنًا، إن كان هذا اختياركِ. ……آه، تذكرت.”
رفع لوكاس حاجبيه كأن فكرة خطرت بباله للتو.
“يا آنسة، أما زلتِ غير راغبة في بيع أُمنيتكِ لي؟”
“لا، جوابي ما زال كما كان.”
“ألم يستحق كلامي أن يمنحك عشر ثوانٍ من التفكير؟”
“……فكرت مليًّا، والجواب لم يتغير. أعتذر يا سمو الأمير.”
ضحك لوكاس ساخرًا وقال.
“هه! لم أقصد أن تفكري لعشر ثوانٍ حرفيًّا.”
ومع سخريته، بقي وجه سيلا ساكنًا لا يتبدل، ثم انحنت مودّعة.
عندها نقر بلسانه في ضيق ولوّح بيده آمرًا إياها بالانصراف.
خرجت سيلا، وأحسّت بدفءٍ رقيق يلفّ الجو مقارنةً بأسبوع مضى، فرفعت يدها ترتب على طوق ثوبها وقد خطت خارج القصر.
بينما كانت تفكّر أنه قد حان الوقت لتبديل ملابسها وتهمّ بالتحرك، اقتربت منها خادمة مألوفة وانحنت برأسها على مقربة منها.
“المعذرة إن اعترضتُ طريقكِ.”
***
لم تكفّ غريس عن الحركة بيديها، بل ظلّت تراقب النافذة مضطربة القلب، تعضّ شفتها العليا بأسنانها الأمامية من فرط التوجّس.
وما إن شعرت بقدوم أحد حتى نهضت على عجل.
“أهلًا بقدومكِ… يا آنسة.”
رمقت عينيها، وقد خطّ الزمان حولهما ثنايا دقيقة، وجنّبتاها بنظرة استقرت على خدّ سيلا. وحين تبيّنت أن التورّم قد انحسر وعاد وجهها إلى صفائه، ارتسم في محيّاها مزيج غريب من الراحة والمرارة معًا.
سارعت إلى إخفاء اضطراب عينيها خلف جفنيها، ورسمت ابتسامة رقيقة.
“أتشرف بمقابلة جلالة الإمبراطورة.”
وبصوتٍ دافئ رخيم أذنت لها أن تجلس، فجلست سيلا حيث أُعِدّ لها المكان.
“أشكرك على دعوتكِ الكريمة.”
“بل الشكر لكِ، يا آنسة، إذ جئتِ مسرعة رغم أنني دعوتكِ على عَجَل.”
ما إن بلغها خبر وصولها إلى القصر حتى أمرت غريس خادمتها أن تُحضِر سيلا إليها. فقد أرهقها التفكير طويلًا، وما إن سنحت لها الفرصة حتى رغبت في لقائها.
“كما ذكرتُ من قبل، إن استدعيتني فهو شرف لي في كل حين.”
ارتشفت غريس رشفة من فنجانها، رطّبت بها شفتيها. أجل، استدعاؤها ما كان وليد اندفاع وحسب، بل كان ثمرة تردّدٍ طويل، غير أنّ التساؤل ظلّ حبيس صدرها. هل يليق أن تجهر به أم تكتمه؟
“التمس منكِ العذر في استدعائي لكِ، فما ذاك إلا لأجل سؤال أرقني. وقبل ذلك أقدّم اعتذاري… فلقد بلغني من اللورد غالارد ما وقع في قصر آرسيل.”
عضّت على طرف شفتها ثم ابتسمت ابتسامة باهتة، وبرغم أنها لحظة عابرة، أحسّت سيلا بثقل الجو من حولها وقد انخفض فجأة.
“وفي أثناء ذلك سمعتُ ما ذكرتِه أنتِ بنفسكِ للماركيز آرسيل.”
هنالك أدركت سيلا سبب تردّدها.
فما إن سمعت كلماتها حتى تردّد في ذهنها صدى تلك العبارات.
[منذ متى اعتبرتموني عائلة؟]
[هل ظننت أنني سأبقى جاهلة بكل شيء، سيادة الماركيز؟]
لم تندم سيلا قط على ما قالته. لم تشأ أن تحمل لقبًا لم يعد لها.
“جلالة الإمبراطورة.”
“أكان سؤالي فظًّا؟ أرجوكِ اعتبريه كأن لم يكن. لقد أمرتُ بكتمان الأمر بين الفرسان، فلا تقلقي من الشائعات.”
وبينما تحاول غريس أن تلوّح بيديها دفعًا للحرج، هزّت سيلا رأسها نافية، ثم طلبت بصوت خفيض يشفّ عن جوابٍ صريح.
“أرجو أن تناديني بإسمي سيلا، لا بالآنسة صاحبة الجلالة.”
“….”
ارتجفت عينا غريس الزرقاوان واغرورقتا، واهتزّت أهدابها البنية بلون الحليب، وارتعش وجهها كله في صمت. تجمّدت مكانها عاجزة عن استعادة وقارها.
‘….. هل يمكن أن يكون هذا الأمر القاسي هو الحقيقة حقًا؟’
كان سماعه من فمها أثقل وقعًا من أي تقرير. للحظة، حسبت أنها تمزح معها. غير أنّها ما إن تذكّرت أمر الضرب، ومحاولة كلارا دسّ السمّ، حتى جفّ ريقها واحترق حلقها.
‘كيف أمكن أن يحدث هذا؟’
رفعت غريس فنجانها بيد مرتجفة، ثم أعادته إلى مكانه إذ غلبها الغثيان. فلو جرّعت رشفة لانقلب جوفها رأسًا على عقب.
لقد أقلقتها الفكرة حتى قبيل وصول الفرسان إلى قصر آرسيل.
فإن ثبت أنّ ليليا هي الجانية، فلن تُعفى عائلة آرسيل من التهمة بمحاولة التستّر عليها. وحينها ستقع سيلا، الابنة الشرعية لذلك المنزل، في غمار الأذى.
كانت تفكر أن تمنح بعض الرأفة لتخفيف الضرر عن تلك التي أعانتْها ونهضت بها حين وهنت. بيد أنّ تلك المراعاة تهدّمت مع وقع التقرير السرّي الذي حمله الفارس، فسقط قلبها متهشّمًا إلى قاع روحها.
“….”
وضعت يدها على صدرها، تخنق أنفاسها الثقيلة، إذ عادت إليها ذكرى أليمة كانت قد غابت. فقد زارتها حين ذاع خبر عودتها إلى أنشطتها الرسمية، سيّدة عزيزة الوجه، مربّية أولادها وخادمتها القديمة، السيّدة كاساندرا، وخلال حديثها أشارت إلى سيلا قائلة.
[لقد قابلتُ الآنسة سيلا آرسيل من قبل، ويا للعجب! إنها صورة طبق الأصل من والدة جلالتكِ السيدة ماريا في شبابها.]
“والدتي ؟”
بين رجاءٍ يقول. ‘لعلّها تكون’، واستبعادٍ يهمس. ‘هذا محال’، ظلّ قلب غريس يتأرجح كل لحظة بين النقيضين، كمن يُقذف في حوض ساخن ثم في بحر بارد. شدت على ثوبها كأنها تريد أن تمزّقه، تلتهم بصرها تفاصيل سيلا.
“جلالتكِ، وجهكِ شاحب! هل أنتِ بخير؟ … جلالة الإمبراطورة!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات