البحث عن زوج للدوقة - 88
الفصل 88 :الأميرة المليئة بالجراح ⁴
كان قد أخرج بعض الأوراق مِن الحقيبة المُستطيلة التي أحضرها معه وبدأ في قراءتها. بدا وكأنهُ لا يُبدي أيِّ اهتمامٍ بأرتيا على الإطلاق.
شعرت وكأنها مُجرد كيس قمحٍ مُهمل، أو بالأحرى، كأنها هواءٌ شفاف لا يُرى.
حين أدركت ذَلك، شعرت براحةٍ كبيرة.
بدأت أرتيا تُدندن في سرها، ثم أخرجت كتابًا صغيرًا مِن حقيبتها وبدأت في قراءته.
كان وقتًا هادئًا.
بعد بضع ساعات، أغلقت أرتيا كتابها.
“هل نعود الآن؟”
“حسنًا.”
جمع كالفين أوراقه بعنايةٍ ووضعها في حقيبتهِ. كانت حركاتُه دقيقةً ومتقنة، لا شائبة فيها.
لَمْ تكُن تحمل رُقيّ النبلاء ولا صرامة الجنود، بل شيئًا مُختلفًا تمامًا.
كانت أرتيا تُراقبه كأنها تُشاهد كائنًا غريبًا.
“لقد استجبتُ لرجاء والدتي لأقابلكِ لمرةً واحدة، لذا لَن يكون هُناك لقاءٌ آخر بعد اليوم.”
هل قال ذَلك ليُطمئنني؟
رغم تعابيّره الجامدة، رُبما كان شخصًا أكثر مُراعاةً مِما ظنّت.
“أتمنى ذَلك مِن أجل كلينا. كان وقتًا جيدًا، اعتنِ بنفسك.”
انحنى كالفين لها بأدب تمامًا كما فعل عند لقائهما الأول.
بعد ذَلك، لَمْ يصل أيُّ اتصالٍ لا مِن عائلة الكونت روتشنبرغ ولا مِن إيفانجلين.
تنهدت أرتيا بارتياح.
“جيد، يبدو أنٌ عمتي لَمْ تشعُر بخيبة أمل.”
بالنسبة لها، كان لقاء كالفين مُجرد حادثةٍ بسيطة لِن تتذكرها بعد بضع سنوات.
لكن بالنسبة لرجُل ما في القصر الإمبراطوري، لَمْ يكُن الأمر كذَلك أبدًا.
“أرتيا فون إيدنبرغ قابلت كالفين؟”
ابتلع نوكتورن ريقهُ وأومأ بحذر.
“نعم، يبدو أنهُ لقاء تم ترتيبهُ مِن قِبل عائلتيهما.”
‘مهما كان اهتمامُ سموّهِ الكبير بالسيدة إيدينبرغ، فهل مِن الضروري أنْ أُبلغه بهَذهِ التفاصيل التافهة؟’
لكن هَذهِ الأفكار تبخرت فور رؤيتهِ لعيني كيليان.
عيناه الذهبيتان كانتا تومضان كأنهُما تلقّتا معلوماتٍ عن خيانةٍ كبرى.
‘لو لَمْ أبلغه بذَلك، لكان رأسي قد طار.’
نظر نوكتورن إلى كيليان بحذرٍ، لكنه لَمْ يسأل المزيد عن الأمر.
مع ذَلك، كانت الأجواء حوله ثقيلةً للغاية لدرجة أنهُ بالكاد استطاع التنفس.
وكان مِن الواضح مَن سيكون الهدف التالي لهَذهِ الأجواء القاتلة.
‘اهرب، كالفين!’
هتف نوكتورن في داخلهِ مُحذرًا القاضي الشاب المعروف بعدالته، ثم تراجع ببطءٍ مِن الغرفة مُتذرعًا بالحاجة لإحضار بعض الملفات.
لو بقي هُناك لفترةٍ أطول، لشعر أنهُ سيختنق حتى الموت.
***
أشعلت أخبارُ الحفل الفخم الذي سيُقام في قصر الكونت إليزيوم الحماس في المُجتمع الراقي.
كان الحفل ضخمًا لدرجة أنْ مُعظم نبلاء العاصمة تلقوا دعوةً للحضور.
والمُفاجئ أنْ أرتيا كانت مِن بينهم.
تأملت بطاقة الدعوة المُزينة بوردةٍ مِن الحرير وهمست لنفسها.
“لقد أظهرت كُرهها لي بوضوح، فَلماذا أرسلت ليّ دعوة؟”
هل غيرت رأيّها وتريد مُصادقتي؟ أم أنها تخطط لاستفزازي علنًا؟
بينما كانت تقضمُ عصا رفيعةً مِن الجزر، بدأت أرتيا تُفكر في دوافع أجمل امرأةٍ في الإمبراطورية لإرسال تلكَ الدعوة.
***
فُتحت بوابات قصر إليزيوم، وبدأ الحفل.
لَمْ يستطع الضيوف إخفاء دهشتهم بِمُجرد دخولهم القاعة.
“سمعتُ أنْ عدد المدعوين كبير، لكنني لَمْ أتصور أنه سيكون بهَذا القدر.”
لَمْ يكُن العدد وحده ما لفت الأنظار.
كانت القاعة مزينةً بزهورٍ وزخارف فاخرة، وعشرات الخدم يتحركون بانتظامٍ وأناقة، بينما كانت الطاولات مُمتلئةً بأفخر أنواع المشروبات والطعام.
كُل شيء كان مِن أعلى المستويات.
“سمعتُ أنْ أعمال الكونت إليزيوم كانت سيئة، لكن يبدو أنها مُجرد شائعات.”
“مَن يدري؟ هُناك مَن يقول إنهُ قد اقترض المال مِن أجل إقامة هَذا الحفل.”
“هل تُصدّق مثل هَذا الكلام السخيف؟ تلكَ مُجرد إشاعاتٍ ينشرها الحاقدون على الزوجين الجميلين.”
توقفت الأحاديث التي كانت تترددُ خلف المراوح اليدوية فجأة.
ظهر مُضيفَا الحفل، فريجيا وزوجها كونت إليزيوم.
بدا الزوجان، وهما يقفان جنبًا إلى جنب، وكأنهُما مشهدٌ مِن لوحةٍ فنية، مفعمين بالأناقة والجمال.
كانت فريجيا، على وجه الخصوص، تبدو مذهلةً وهي ترتدي فستانًا أبيض مزينًا بأحجارٍ كريمة منحوته بدقةٍ على شكل أزهار.
ماريغولد، قد بدت مسحورة
“بعد خمس سنوات مِن رؤيتها، كان مِن المُفترض أنْ أعتاد على جمالها، لكنها تبهرني في كُل مرة…”
أومأت داليا برأسها موافقة.
“إنها تبدو كأنها خرجت مِن إحدى الروايات، جمالٌ غير واقعي.”
اقتربت فريجيا بخطواتٍ رشيقة كالفراشة منهما.
“سُررتُ بحضوركما.”
رفعت ماريغولد كتفيها بلا مُبالاة.
“أخبرتُكِ بإننا سنأتي.”
“صحيح، تلقيتُ ردكما، لكني كنتُ قلقةً. عندما التقينا آخر مرة، تصرفتُ بطريقةٍ سيئة للغاية.”
كان هَذا أول لقاءٍ لهن منذُ شهر، بعد أنْ بكت فريجيا وطلبت مِن ماريغولد وداليا الابتعاد عن أرتيا.
أمسكت فريجيا بيدي ماريغولد وداليا.
“لأنني أحبُكما كثيرًا، شعرتُ بالغيرة كالأطفال وارتكبتُ خطأً فادحًا.”
“لكنكُما ما زلتُما أقرب صديقاتي. أريدُ أنْ نبقى على علاقةٍ جيدة. ستفعلان ذَلك، هممم؟”
كانت كلماتُها الجميلة مصحوبةً بوجهٍ فاتن يُدخل السرور إلى القلوب، مِما جعل مِن المُستحيل رفض طلبها.
“بالطبع!”
أجابت ماريغولد بحماسٍ، بينما أومأت داليا برأسها.
ابتسمت فريجيا برقةٍ وعيناها تشعان بالسعادة.
“شكرًا لكما.”
لَمْ تستطع ماريغولد مقاومة رغبتها، فاحتضنت فريجيا بشدة.
أما داليا، فتذكرت إحدى بطلات رواياتها، امرأةٌ جميلة استطاعت أنْ تأسر قلوب اثني عشر رجلًا بجمالها الأخاذ.
في هَذهِ الأثناء، كانت بعض السيدات يتهامسن أثناء مشاهدتهن للمشهد.
“سمعتُ أنْ علاقتهن أصبحت متوترة، لكن لا يبدو أنْ ذَلك صحيح.”
“يبدو أنْ صداقة ‘سيدات الزهور’ ما زالت قويةً كما كانت.”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي فريجيا عندما سمعت ما أرادت سماعه مِن هَذا الحفل.
“سمعت أنكِ دعوتِ تيا أيضًا، أليس كذلك؟”
“تيا؟ مَن تكون؟”
تساءلت فريجيا للحظة، لكنها أدركت بسرعةٍ أنْ المقصود هي أرتيا، ثم تصلب وجهُها للحظة قبل أنْ تستعيد هدوءها.
“نعم، بما أنكُما تُحبانها كثيرًا، قررتُ أنْ أتخلى عن انزعاجي تجاهها وأحاول التقرب منها.”
“أحسنتِ صنعًا!”
أظهرت ماريغولد سعادتها، بينما أومأت داليا برأسها بجدية.
جرح هَذا فريجيا مرةً أخرى، لكنها لَمٌ تمحُ الابتسامة عن وجهها.
في الواقع، لَمْ تكُن لديها أيُّ نيةٍ للتقرب مِن أرتيا.
بل على العكس، ازدادت مشاعرُها السلبية تجاهها.
‘لكنني لَن أظهر ذَلك بعد الآن.’
على عكس الماضي، أصبح لدى أرتيا العديد مِن المؤيدين، ولَمْ يكُن مِن الحكمة التعبيّر عن الكراهية تجاهها علنًا.
قررت فريجيا أنْ تتعامل معها بشكلٍ ودي… على الأقل أمام الآخرين.
“أتمنى أنْ أرى جمالكما معًا، لماذا لَمْ تصل تيا بعد؟”
‘لَن تأتي.’
أجابت فريجيا في داخلها.
رغم أنها تلقت ردًا مِن أرتيا يؤكد حضورها، إلا أنها كانت واثقة مِن أنها ستتحججُ بأيِّ عذرٍ لعدم المجيء.
‘فهي، بعد كُل شيء، امرأةٌ مطلقة.’
لَمْ يكُن الحفل مُجرد حفل شايٍ نسائي، بل كان حفلةً رقص، حيث يُتوقع أنْ يحضر الجميع مع شركائهم.
كان مِن المُعتاد أنْ يحضُر الأزواج معًا، وحتى أولئكَ الذين فقدوا شركاءهم غالبًا ما كانوا يتجنبون الحضور بمفردهم لتجنب الإحراج.
وبالطبع، كان بإمكان أرتيا الحضور مع طفلها أو أحد أقاربها، لكن فريجيا كانت تعلم أنه لا يوجد أحدٌ مُقرب منها ليكون شريكها في الحفل.
كان معروفًا أنْ عائلة إيدينبرغ تعتبرُ طلاقها أمرًا مُخزيًا.
“كما أنْ حضورها برفقة رجلٍ آخر سيكون أسوأ، لأن ذَلك سيجعلُها عرضةً للثرثرة والفضائح.”
لكن توقعات فريجيا كانت خاطئة.
ظهرت أرتيا في الحفل.
وحيدةٌ، دوّن شريك.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة