البحث عن زوج للدوقة - 87
الفصل 87 : الأميرة المليئة بالجراح ³
جلست إيفانجلين، عمة أرتيا، على الكرسي بوجهٍ مُرهق.
منذُ الصباح الباكر، كانت قد ذهبت إلى قصر إيدينبرغ، منزل عائلتها، لتسوية بعض الأمور.
وسط التدهور المُتزايد في الوضع المالي للعائلة، كانت تُحاول تهدئة إخوتها الذين كانوا يلقون اللوم على بعضهم البعض. في النهاية، قررت إغلاق أحد المشاريع التجارية التي كانت تتسببُ في خسائر فادحة.
لكن ذَلك لَمْ يكُن كافيًا لحل المشكلة.
“أختي، سأديرُ أنا المال الناتج عن بيع المشروع. لديّ عملٌ كنتُ أرغبُ في القيام بهِ منذُ فترة.”
قال ذَلك شقيقُها الثاني، الذي كان كُلما دخل في مشروعٍ ما، دمرهُ بالكامل.
“بدلًا مِن ذَلك، لماذا لا نقسمُ المال بيننا بالتساوي؟ زوجتي تشتكي باستمرار مِن قلة المال.”
قال ذَلك شقيقُها الثالث، الذي كان مهووسًا بالإنفاق بِمُجرد أنْ يحصل على أيِّ مبلغ.
“آه، لا، أعطوني المال كُله! هَذهِ المرة، سأحققُ نجاحًا كبيرًا.”
أما شقيقُها الرابع، فقد كان غارقًا في إدمان القمار.
تنهدت إيفانجلين وهي تتذكر مشهد إخوتها المُتنازعين أمامها.
على الرغم مِن محبتها لهم، إلا أنها لَمْ تستطع تحمل غبائهم.
“لقد تعلموا على ي. أفضل المُعلمين منذُ الصغر، فكيف انتهى بهم الأمر إلى هَذا الحد مِن الحماقة؟”
لطالما كانت إيفانجلين تنظرُ إليّهم بعين الحسد وهم يدرسون إلى جانب بينديكت.
ذَلك العالم كان بعيدًا عنها، مكانًا لا يُمكنها أنْ تخطو إليّهِ أبدًا.
حتى بعد أنْ أصبحت زوجة ماركيز جلوستر، لَمْ يتغيّر شيء.
كانت تتحكم في إخوتها، لكنها كانت تفعلُ ذَلك دائمًا ِمن وراء الكواليس، بصمت. لَمْ يكُن لها مكانٌ تحت الأضواء.
“إنهُ أمرٌ خانق.”
عندما رفعت كأس النبيذ الساخن وشربتهُ دفعةً واحدة، دخلت الخادمة لتُبلغها.
“سيدتي، لديكِ زائر.”
فتحت إيفانجلين الباب، لترى سيدةً في مُنتصف العمر تجلسُ في غرفة الاستقبال، مرتديةً فستانًا مزينًا بنقوش الزهور الزاهية.
ظهرت ابتسامةٌ على وجهها البارد.
“كلوي.”
أشرقت ملامحُ كلوي بابتسامةٍ صافية كالفتيات الصغيرات.
رغم اختلافهما الشديد، كانت هاتان السيدتان صديقتين قديمتين.
كانت إيفانجلين صارمةً ومتزنةً أمام الآخرين، لكنها هَذهِ المرة بدت أكثر استرخاءً.
“ما هو الموضوع الذي جئتِ مِن أجله؟”
“قبل بضعة أيام، قابلتُ ابنة أخيكِ.”
“ابنة أخي… تقصدين أرتيا؟”
“نعم.”
تذكرت كلوي أرتيا التي قابلتها في متجر الكُتب، وانحنت زاوية عينيها بلُطف.
“إنها فتاةٌ جميلة، في مظهرُها وقلبها على حدٍ سواء.”
“…….”
لَمْ تكُن هَذهِ المرة الأولى التي تسمع فيها إيفانجلين مثل هَذهِ التعليقات.
مؤخرًا، ازداد عدد السيدات في المُجتمع الراقي اللواتي يتحدثن عن أرتيا أمامها.
“لقد أصبحت ابنة أخيكِ نشطةً جدًا في الأنشطة الاجتماعية مؤخرًا.”
“لَمْ أدرك مِن قبل مدى براعتها في الحديث. لقد استمتعتُ كثيرًا بالحوار معها لدرجة أنْ الوقت مرَّ بسرعة.”
وكانت هُناك تعليقاتٌ تجاوزت مُجرد الإطراء.
“كانت ابنتي تُعاني مِن بعض الهموم، لكنها شعرت براحةٍ كبيرة بعد التحدُث مع الآنسة إيدينبرغ. لا بد أنكِ فخورةٌ بابنة أخيكِ، فهي ذكيةٌ ولطيفة القلب.”
والآن، حتى صديقتها المُقربة جاءت لتقول الشيء نفسه…
تمتمت إيفانجلين لنفسها، وكأنها تتأكدُ مِن الأمر بصوتٍ مسموع.
“هل تنوي تلكَ الفتاة حقًا أنْ تًصبح الإيثيريال…؟”
لكن كلوي لَمْ تنتبه إلى همسات صديقتها، وأكملت حديثها.
“أرتيا… آه، بما أنها كانت متزوجةً مِن قبل، فرُبما لا يكون لقب آنسة مُناسبًا لها؟”
لكنها كانت لا تزال تبدو شابةً وجميلة، لدرجة أنْ لقب السيدة بدا غيرَ مُناسبٍ لها.
بما أنْ المكان لَمْ يكُن عامًا، وكانت تجلس فقط مع صديقة مُقربة، قررت كلوي أنْ تُناديها بالطريقة التي تفضلها.
“لقد أثارت فضولي، لذَلك قمتُ بجمع بعض المعلومات عنها. لا يبدو أنها شخصيةٌ لامعة أو صاخبة، لكنها تحظى بسمعةٍ جيدة بشكلٍ هادئ ومستقر.”
بينما كانت إيفانجلين تستمعُ بصمت، فجّرت كلوي قنبلةً غير متوقعة.
“هل يُمكنكِ ترتيب لقاءّ بين أرتيا وكالفين؟”
كلوي لديها ثلاثةُ أبناء، وكان اثنان منهُما متزوجين بالفعل، ولَمْ يتبقَ سوى ابنُها الأصغر، كالفين، الذي لَمْ يتزوج بعد.
تغيّرت نظرة إيفانجلين إلى الجدية.
“لماذا فجأةً؟ هل بدأتِ تطمعين في منصب دوق إيدينبرغ؟”
ارتبكت كلوي ورفعت يديها في نفي سريع.
“مُستحيل! لا أنا ولا كالفين لدينا أيُّ اهتمامٍ بذَلك المنصب. كما تعلمين، هو مجنونٌ بالقانون ولا يهتمُ بشيءٍ آخر. كل ما أريدهُ هو إيجاد شريكةٍ مُناسبةٍ له، لا أكثر.”
كانت إيفانجلين تعرفُ كلوي منذُ زمن طويل، وكانت واثقةً مِن أنها لَمْ تكُن مهتمةً بالسلطة ولو بقدر ذرة. وكذَلك ابنها كالفين.
فعلى الرغم مِن ذكائهِ الحاد الذي مكنهُ مِن اجتياز اختبار القضاء في سنٍ مُبكرة، إلا أنهُ اختار أنْ يعيش كقاضٍ نزيه ومستقيم.
“إذا رغبت الآنسة أرتيا، فَسيمنحُها كالفين كامل سلطتهِ كدوق إيدينبرغ.”
حماةٌ لطيفة، وزوجٌ حكيمٌ وعادل. كان عرض زواجٍ مُغريًا.
ارتسمت على شفتي إيفانجلين ابتسامةٌ طفيفة.
“يبدو أنْ ابنة أخي محظوظة.”
***
وصلت رسالة إلى أرتيا.
“رسالةٌ مِن عمتي!”
لَمْ ترَ أرتيا إيفانجلين منذُ أشهر، فقد قررت أنْ تزورها بعد أنْ تُصبح الإيثيريال.
“كنتُ أعتقد أنني لَن أتلقى أيِّ أخبارٍ منها حتى ذَلك الحين، فما الذي دفعها للكتابة إليّ الآن؟”
لكن تعابير وجهها تغيّرت وهي تقرأ الرسالة، وكأنها قد تذوقت خُبزًا بلا ملح.
“تطلب مني مُقابلة رجُل؟”
كانت الرسالة جافةً تمامًا، ولَمْ تحتوي سوى على معلوماتٍ تفصيلية عن رجُل واحد.
كالفين فون روتشنبرغ، في السادسة والعشرين مِن عمره، قاضٍ في المحكمة المركزية.
كانت شروطهُ جيدةً مِن نواحٍ عدة.
لكن فقط لو كانت أرتيا مهتمةً بمُقابلة الرجال مِن الأساس.
في الفترة الأخيرة، كان تفكيرُها مُنصبًا بالكامل على سيدات المُجتمع الراقي. أما الزواج والخطبة، فكانت تراها مُجرد إزعاج.
“لكن إنْ رفضتُ دوّن حتى التفكير في الأمر، فقد تغضبُ عمتي.”
لَمْ يكُن مِن الحكمة إزعاج شخصٍ أرادت كسب ثقته.
بعد بعض التفكير، اتخذت أرتيا قرارها.
“سأتظاهرُ بمُقابلتهِ على الأقل.”
***
وجهٌ خالٍ مِن المساحيق، وفستانٌ بسيط بلا أيِّ زينة.
خرجت أرتيا مِن المنزل مستعدةً تمامًا.
عادة، في مثل هَذهِ اللقاءات التي تهدُف إلى الزواج، يكون مِن المُعتاد أنْ يأتي الرجل إلى منزل المرأة. لكن كالفين لَمْ يكُن خاطبًا رسميًا، بل مُجرد شخصٍ تم تقديمهُ إليّها مِن خلال أفراد العائلة.
لذَلك، طلبت أرتيا أنْ يتم اللقاء في مكانٍ عام، وحين تلقت كلوي هَذا الطلب مِن خلال إيفانجلين، وافقت عليهِ بكُل سرور.
دخلت أرتيا إلى المقهى حيث كان مِن المُفترض أنْ تلتقي بكالفين.
“إنهُ أقل إزعاجًا مِن اللقاء في المنزل.”
تنهدت قليلاً وجلست على الكرسي المحجوز لها.
وفي اللحظة التي حل فيها موعد اللقاء، ظهر رجلٌ دوّن تأخير ولو لثانيةٍ واحدة.
بشعر وعينين وملابس رمادية، بدا وكأنهُ مغطى بهَذا اللون مِن رأسهِ إلى قدميه. اتسعت عينا أرتيا عند رؤيته.
‘إنهُ الرجُل الذي رأيتُه أمام متجر الكتب مِن قبل.’
تمامًا كما كان حينها، بدا هادئًا ومتزنًا، وانحنى لها بأدبٍ قبل أنْ يتحدث.
“تشرفتُ بلقائكِ. أنا كالفين فون روتشنبرغ.”
“تشرفتُ أيضًا. أنا أرتيا فون إيدينبرغ.”
“…….”
“…….”
بعد تبادل التحية القصيرة، ساد صمتٌ ثقيل.
بعد لحظات، تحدث كالفين بوجهٍ بارد.
“أعتذر. لقد جئتُ إلى هُنا فقط لأن والدتي ألحّت عليّ كثيرًا، لكنني في الحقيقة لا اريدُ الزواج.”
“……!”
“إذا تسبب ذَلك في إحراجكِ أو إزعاجكِ، فأرجو أنْ تُخبريني. سأقدم لكِ اعتذاري الصادق مع تعويضٍ مُناسب.”
حدقت أرتيا بهِ للحظة، ثم انفجرت ضاحكةً بخفّة.
“بما أنكَ قاضٍ، لديكَ حسٌ بالمسؤولية على ما يبدو. حتى أنكَ فكرت في تقديم تعويض. أما أنا، فكنتُ سأكتفي بقول ‘آسفة’ فقط.”
“هل يعني هَذا…؟”
“أنا أيضًا جئتُ فقط بسبب ضغط عمتي، وليس لديّ أيُّ نيةٍ للزواج.”
“آه…”
نظر كالفين إليّها دوّن تغيّر في تعابير وجهه، ثم أومأ برأسه.
“هَذا جيدٌ إذن. لكن إنْ غادرنا بسرعة، ستبدأ عائلتنا في إلقاء المحاضرات. فلنقضِ بعض الوقت هُنا ثم نغادر.”
كانت كلماتُه وقحةً للغاية بالنسبة لرجُل يلتقي بسيدةٍ لأول مرة، لكن أرتيا ابتسمت برضا.
“موافقَة.”
تذكرت فجأةً سيمون فون لوشيان. كان قد اخبرها بنفس الشيء في لقائهما الأول.
‘أنا لا أفكرُ في الزواج حاليًا.’
ولكنهُ بعد ذَلك، أصبح يُسبب لها إزعاجًا لا يُحتمل.
‘لا يُمكن أنْ يكون…’
نظرت أرتيا إلى كالفين بطرف عينها بشعورٍ مِن الريبة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة