الفصل 176 : حُبّ أورفيوس ¹⁵
“أوه، سـ، سيد أورفيوس!”
بدا أن الوزراء المذعورين يركضون نحوه، لكن أورفيوس لم يستطع أن ينطق بكلمة واحدة.
لأنّه لم يعُد يستطيع حتى أن يُصدر أدنى صوت.
“هـ… هـااه…”
أطلق أورفيوس أنينًا من وجهه المتألّم.
وفهم الأمر تلقائيًا.
أنّ جسده لم يعُد قادرًا على الاحتمال، فانهار تمامًا نتيجة إسرافه في استخدام القوة السحرية طوال تلك الفترة!
‘هذا غير معقول!’
‘أنا أورفيوس! أنا كائنٌ وُلِد في بركة الحاكم!’
ولكن مهما صرخ في داخله، لم تتغيّر الحقيقة.
فقد تمزّق قلبه، ولم يتبقَّ الكثير من حياته.
رفع أورفيوس، وهو ساقط على الأرض، رأسه ينظر إلى التاج الموضوع على المنصّة.
‘الإمبراطور…’
‘يجب أن أصبح الإمبراطور…!’
كانت تلك آخر رغبةٍ تركها أورفيوس قبل وفاته.
الرجل الذي ساد العالم بقوةٍ تشبه قوة الحاكم، واجه الموت في نهايةٍ فارغة.
تحوّلت مراسم تتويج الإمبراطور إلى جنازة.
وبعد أن وضع الوزراء التاج الذي لم يستطع أن يرتديه على جثمانه، بنوا قبره في حديقة القصر الإمبراطوري التي كان يُحبها بشدّة.
“ارقدْ في سلام، يا جلالة الإمبراطور.”
وعلى الرغم من أنّه لم يُتوَّج رسميًا، فقد سُجِّل أورفيوس كأول إمبراطورٍ للإمبراطورية.
ولحسن الحظ، كان لأورفيوس ابنٌ صغير، فأصبح هو الإمبراطور الثاني.
وبعد وفاته، تولّى الحكم ابنه، ثم ابن ابنه من بعده.
ومع مرور الزمن السحيق، لم يُنسَ اسم أورفيوس.
قوّته التي كانت أقرب إلى قوة الحاكم، والمطلقة…
و…
[سيظهر شخصٌ يرث قوّة أورفيوس، أول إمبراطورٍ وأعظم ساحر، ويقود الإمبراطورية إلى عصرٍ من الازدهار يشبه الحلم.]
بسبب تلك النبوءة التي أطلقها أحد السحرة.
ويا للدهشة، فقد تحققت تلك النبوءة.
لقد تجسّد أورفيوس من جديد.
في جسد “آرسين فون أورفيوس”.
***
غطّت أرتيا فمها من الذهول.
“آ… أتقصدين أنّ سموّ الأمير آرسين هو جلالة أورفيوس؟!”
أومأت شارلوت برأسها.
“نعم، لقد عاد من جديد ليُحقّق الحلم الذي اشتاق إليه حتى لحظة موته. لكن كانت هناك مشكلةٌ قاتلة.”
***
لم يكن جسد آرسين يحتوي فقط على روح أورفيوس.
بل كانت له روحهُ الأصلية أيضًا.
جسد الجنين الضعيف لم يستطع تحمّل وجود روحين، فانكسر وفسد.
ورغم أنه وُلد بمعجزةٍ، إلّا أنّ حالته كانت حرجة إلى حدّ أنّ موته في أيّ لحظة لَن يكون غريبًا.
‘لا يُمكنني أن أموت مجددًا…!’
جمع أورفيوس طاقته السحرية ليُبقى على قيد الحياة، ثم غرق في نومٍ عميق.
وبفضل ذلك، تمكّنت روح آرسين الأصلية من الظهور.
وعلى عكس أورفيوس الناريّ، كان آرسين هادئًا كالماء.
لم يغضب.
ولم يحزن.
بل كان يعيش يومًا بعد يومٍ بهدوء.
ينتظر الموت الذي قد يأتي في أيّ لحظة.
وذات يوم، زاره ضيفٌ في غرفته.
ورغم أنه لم يغادر الغرفة التي أعدّتها الإمبراطورة له منذ ولادته، إلّا أنّه تعرّف عليه من النظرة الأولى.
شعرٌ أسود كلون السماء في الليل.
وعينان ذهبيّتان لامعتان بشكلٍ مذهل.
هوية ذلك الطفل كانت واضحة.
“كيليان.”
وعندما نطق آرسين اسمه، اتّسعت عينا كيليان بدهشة.
“كيف عرفتني؟”
“من الطبيعي أن أعرفك، فأنت أخي…”
“وأنا أيضًا أعرفُ اسمك، آرسين.”
قالها كيليان بثقة، وهو يحرّك خدّيه الممتلئين، فانفجر آرسين ضاحكًا.
كان الناس يظنّون أنّ آرسين يحسد كيليان ويكرهه، لكن الحقيقة لم تكن كذلك.
بالنسبة لآرسين، كان كيليان أخًا محبوبًا وعزيزًا لا حدود له.
ولهذا، حين حظرت الإمبراطورة على كيليان دخول الغرفة، أحسّ آرسين لأوّل مرةٍ بمشاعر الألم.
كان يشتاق إلى رؤية كيليان بشدّة.
‘أمي، أرجوكِ، دعيني أرى كيليان.’
لكنه لم يستطع التفوّه بذلك.
لأنه خشي أن تُغضب الإمبراطورة كيليان أكثر إن علمت.
لا يزال يذكر بوضوح وجه كيليان الذي سُحب وطُرد وهو يبكي.
كانت دموع تتجمّع في عينيه الذهبيّتين اللتين لطالما تلألأتا.
لم يرغب أن يؤذيه ثانيةً.
فأخفى آرسين مشاعره بصمت.
وكان يرجو ألّا يحزن كيليان كثيرًا.
ثم ذات يوم، عاد كيليان إلى الغرفة.
ويا للمفاجأة، فقد أحضرته الإمبراطورة بنفسها.
“سأجعلك تتحسّن، أخي.”
في صوت الأخ الصغير، ظهرت عزيمةٌ راسخة.
‘لستَ مُضطرًّا لأن تُتعب نفسك من أجلي، يا كيليان.’
هكذا فكّر آرسين، ورغم ذلك، سلّم جسده طواعية لسحر كيليان.
لأنّه كان يعرف كم يرغب شقيقه بشدّة أن يفعل ذلك.
فهذا كان الشيء الوحيد الذي يُمكنه تقديمه لأخيه.
ومرّت سنواتٌ دون أن يظهر أيّ تقدُّمٍ خارجيّ.
ولكن قوى كيليان السحرية تسلّلت تدريجيًا إلى جسد آرسين، ولامست روح أورفيوس النائمة في الأعماق.
وفي النهاية، استيقظت روح أورفيوس.
في تلك اللحظة، توقف نفس آرسين من هول الصدمة الهائلة.
“أخي!”
أصاب كيليان الذعر، فاستجمع كلّ ما لديه من طاقةٍ سحرية وسكبها دفعة واحدة على آرسين.
‘لا تمت. لا تمت، أخي.’
بفضل الطاقة السحرية المحمّلة بقوةٍ عاصفة، لم ينهَر جسد آرسين بل صمد، وفي النهاية، تمكّنت الروحان من التعايش التام داخل ذلك الجسد الضعيف كالكريستال.
غير أنّ أورفيوس، الذي استيقظ بعد سباتٍ طويل، لم يشعر سوى بالغضب.
‘اللعنة، بعد كلّ هذا العناء لأعود إلى الحياة، أُولدُ في جسدٍ رديءٍ كهذا؟!’
ما لم يستطع فعله كان أكثر بكثيرٍ ممّا استطاعه.
كان الأمر خانقًا ومثيرًا للغضب لدرجةٍ جعلته يهرب مجددًا إلى أعماقه.
لكن هذه المرّة، لم يكن نومًا.
بل أصبح يشعر بكلّ ما يراه ويسمعه آرسين.
وكان كلّ شيءٍ ضبابيًا وغامضًا، ما عدا شيءٍ واحدٍ فقط يلمع بوضوحٍ بألوانٍ ساطعة.
إنه كيليان.
‘ذلك الصغير، يشبهني تمامًا.’
لم يكن الشبه في المظهر فقط، بل في قوّة الجسد أيضًا.
‘كان يجب أن أكون في ذلك الجسد… ألا توجد طريقةٌ لفعل ذلك؟’
تسلّل إليه شعورٌ مروّع.
لكن ذلك الشعور لم يدم طويلًا.
“أخي، هل أنت بخير؟”
في كلّ مرّةٍ كان كيليان يحتضنه، كان الألم الذي يمزّق جسده يزول، ويتبدّد الغضب من قلبه تدريجيًا.
حتى أنّ أورفيوس، في النهاية…
“كيليان فون أورفيوس، أخي الصغير اللطيف.”
أحبّ كيليان مثلما أحبّه آرسين.
لأوّل مرةٍ في حياته، أصبح يهتمُّ بكائنٍ غير نفسه.
وذلك الشعور غيّر حتى الحلم الذي حافظ عليه ذلك الرجل الأناني لمدة خمسمئة عام.
“سيجلس كيليان على العرش بدلًا عني.”
ليس هذا الجسد البائس، بل كيليان الجميل هو من سيرتدي التاج ويقود هذا الوطن.
إلى العالم المثالي الذي لطالما حلمتُ به.
ذلك أصبح الحلم الجديد لأورفيوس.
لكن كِليان قال:
“سأتخلّى عن حقي في وراثة العرش.”
لو كان آرسين، لضحك وتجاوز الأمر ببساطة. لكن أورفيوس لم يكن كذلك.
لقد شعر بغضبٍ عارم تجاه كيليان.
‘لقد تخلّيتُ عن حلمي من أجلك، والآن، تخونني من أجل أمرأةٍ وحسب؟’
أورفيوس لم يكن يُسامح الخونة مطلقًا. كان يقطع رؤوسهم دون أن يسمع منهم تبريرًا واحدًا.
لكن مع كيليان، لم يستطع فعل ذلك، لذا استجمع طاقته السحرية وألقى عليه تعويذة.
‘عُد إلى ما كنتَ عليه، أخي الحبيب، كيليان.’
***
“كيليان الآن واقعٌ تحت سيطرة أورفيوس. لقد أصبح دميةً لا تسمع إلّا أوامره.”
فجأة، شحب وجه أرتيا حتى صار بلون الورق من شدّة الصدمة.
‘يجب أن أتنفّس. يجب أن أتنفّس…’
بذلت أرتيا جهدها لتجمع ما لديها من قوّة، وأخرجت نفسًا بصعوبة، ثم نطقت بصوتٍ متهدّج:
“كيف يمكننا كسر التعويذة التي أُلقيت على سموّه؟”
رغم أنّ جسدها كان يرتجف من الذعر، إلّا أنّ نظرتها بقيت حادّة صارمة.
لم تبدُ مستعدّة للانهيار أو الاستسلام للحزن.
نظرت شارلوت إليها بثبات، ثم قالت:
“هناك ثلاث طرقٍ لكسر تعويذة الساحر.”
أولًا: أن يفكّها الساحر بنفسه.
ثانيًا: أن يُقتل الساحر الذي ألقاها.
ثالثًا: أن يُقتل الشخص الذي أُصيبت به التعويذة.
عند سماع الطريقة الأخيرة، تلوّى وجه أرتيا من الصدمة، فأضافت شارلوت بسرعة، وكأنها تحاول تهدئتها:
“أفضل خيارٍ ممكن من بين الثلاثة هو الثاني، قتل آرسين.”
ارتعشت عينا أرتيا من وقع تلك الكلمات الرهيبة.
فقد مرّت بتجاربٍ كثيرة بعد أن عادت إلى الحياة، لكنها لم تتورّط في القتل من قبل.
وخصوصًا أن القتل هذه المرّة سيكون بحقّ الأخ الذي يُعَدّ الأعزّ على كيليان.
كانت أرتيا تعضّ شفتيها في حيرة.
“أعلم أن القرار صعبٌ، لكن إن كنتِ ستفعلينها، فالأفضل أن تُبادري فورًا. فكلّما طال الوقت الذي يقضيه تحت تعويذة أورفيوس، زادت احتمالية تدمير عقله.”
“……!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 176"