فقد انخفض حاجباهُ حين رأى أرتيا تستعدُ للرحيل بعد حديثها مع الآخرين.
“أسترحلين بالفعل؟”
“نعم، لدي مكانٌ يجب أنْ أذهب إليّه اليوم.”
لا تذهبي، ابقي هُنا.
قاوم لوكا رغبتهُ في قول ذَلك.
“عُودي سالمة.”
كان يبدو شديد الحُزن لدرجة أنَّ ذيلهُ المتهدل كاد يُرى كأنهُ وهم.
رأت أرتيا في ملامحه مزيجًا مِن اللُطف والأسى.
لكن لَمْ يكُن بإمكانها إلغاء خططها لهَذا السبب، لذا بعثرت خصلات شعرهِ الأحمر.
“سأعود، اجتهد في التدريبات.”
بعد مغادرتها، اقترب ميخائيل وساندرا مِن لوكا الذي بدا كئيبًا.
نقرا ألسنتهُما وعانقاه.
“أيُها الصغير، لا تبكِ.”
“سنلعبُ معكَ حتى تعود سيدتُكَ.”
انخرط لوكا في البكاء بين أحضانهما.
***
كانت وجهةُ أرتيا قصر مونتيكرو.
فبعدَ شرائها للمبنى، بدأت في إجراء تجديداتٍ واسعة لتحويل القصر الكبير إلى مسرح.
وكان السبب في سير العمل المعقد دوّن مشاكل هو هَذا الرجُل.
“لقد وصلتِ، سيدتي الرئيسة!”
جاك.
أعظم مهندسٍ معماري في الإمبراطورية، وهو الذي يُصمم كل المباني الضخمة التي تُشيدها الدولة وحتى القصر الإمبراطوري نفسه.
كان هُناك الكثيرون مِمَن يتمنون التعاقد معه، بل إنَّ انتظار دورهم في الجدول الزمني قد يستغرق سنوات.
لكن هَذهِ المرة، كان هو مَن جاء بنفسهِ إلى أرتيا.
“لقد سمعت مِن سمو الأمير كيليان أنكِ تبنين مسرحًا للعرض الذي يتطلّع إليّه. يُشرفني أنْ أكون جزءًا مِن هَذا المشروع!”
عقدت أرتيا الاتفاق معه على الفور.
أشار جاك إلى المبنى الذي يخضعُ للترميم، وتحدثَ بصوتٍ عالٍ.
“عندما يكتمل البناء، سيُذهل سمو الأمير حتمًا! سيُدهش لرؤية هَذا القصر المهجور، الذي بدا مشؤومًا، يتحول إلى مسرحٍ رائعٍ ومهيب!”
ثم أضاف بصوتٍ جاد، وقد احمرّ وجههُ قاسي الملامح.
“سيشيدُ بي قليلًا، أليس كذَلك؟”
نعم، لقد كان جاك أحد المعجبين المتحمسين للأمير كيليان!
“بالطبع.”
بِمُجرد أنْ سمع تأكيدها، تمددت فتحاتُ أنف جاك بسعادةٍ غامرة، كأنهُ يحيى على مُجرد تخيلهِ للأمر.
رؤية ذَلك جعلت أرتيا تشعرُ بوخزة ضميرٍ طفيفة.
فقد أومأت برأسها تشجيعًا له، لكنها في الواقع لَمْ تكُن تعتقد بذَلك أبدًا.
كان كيليان بارعًا في التهديد، لكنهُ لَمْ يكُن يُجيد الإطراء على الإطلاق.
‘عندما يكتمل المسرح، سأطلبُ منه أنْ يقول لجاك كلمةٍ طيبة ولو لمرةٍ واحدة.’
بينما كانت تُفكر بذَلك، دخلت المبنى برفقة بيبي.
لَمْ يكُن البناء قد اكتمل بعد، لذا كانت الأجواء تعمُها الفوضى، ولكن رغم ذَلك، كان المسرح الفخم كفيلًا بإشعال الخيال حول العروض التي ستُقام فيه.
أضواء تتلألأ كالنجوم، وممثلون رائعون يبثّون طاقةً قوية تحت وهجها.
“سيسحرُ الجمهور تمامًا بالعالم الذي سيخلقونه.”
سيكون مِن الصعب عليهم العودة إلى الواقع.
“أتمنى لو أنَّ يوم العرض يأتي سريعًا… آاه!”
أدارت أرتيا رأسها بابتسامة مُتحمسةً، لكنها أطلقت شهقةً صغيرة عندما فوجئت.
كان كيليان يقفُ في المكان الذي كان مِن المُفترض أنْ تكون فيهِ بيبي.
“لماذا أنتَ هُنا، سمو الأمير؟”
“أردتُ معرفة كيف تسير أعمال البناء.”
لو كان جاك قد سمع ذَلك، لكان قد صاح.
‘إنهُ لمِن دواعي الشرف العظيم أنْ تقلق بشأن مبنى أشيدُه أنا!’
لكن أرتيا لَمْ تستطع تقبّل كلماتهِ بحسن نية.
‘كلما أتيتُ إلى هُنا، يظهر الأمير فجأة، وكأنهُ يترصد قدومي.’
في البداية، اعتقدت أنَّ الأمر مُجرد مصادفة، لكن عندما تكرر ذَلك لثلاث مرات، تغيّرت قناعتُها.
كان كيليان يتعمدُ القدوم إلى المكان في نفس الوقت الذي تزورهُ فيه.
لَمْ تكُن تعرف كيف كان يفعل ذَلك، لكنها أدركت أنهُ كان يحرص على رؤيتها.
‘هل يفتقدني إلى هَذا الحد؟ حسنًا، لا أُنكر أنني أنا أيضًا أشعرُ بالسعادة حين أراه.’
شعرت أرتيا بحرارةٍ خفيفة في وجهِها.
“ألا تشعُرين بعدم الارتياح تحت أنظار الجميع؟”
عندها فقط أدركَتْ أرتيا أنَّ العُمّالَ الذين كانوا يعملون في الموقع كانوا ينظرون إلى هَذا الاتجاه.
كانت أرتيا تشعرُ بالحرج حتى مِن تبادل التحية مع كيليان أمام الناس.
وذَلك لأنها كانت تخشى انتشار شائعاتٍ لا داعي لها.
لكن الآن، لَمْ يكُن الأمر يهمُّها.
“لقد انتشرت شائعةٌ بأنَّ سموّ الأمير واقعٌ تمامًا في سحر ‘قلب دوق الشمال المُشتعل’.”
ولهَذا، لَمْ يكُن الناس يركّزون على علاقة كيليان بأرتيا، بل كانوا مندهشين مِن اهتمام سموّ الأمير الكبير بالعروض المسرحية، تمامًا كما سمعوا عنه.
“ألا يزعجكَ انتشار هَذهِ الشائعة؟”
“على الإطلاق.”
في الأساس، كان هَذا ما يُريده كيليان.
“لكن الأمر أصبح مزعجًا قليلًا. النبلاء يُرسلون لي كل أنواع الروايات كهدية. وهُناك مَن يبتسمون بخجلٍ ويحاولون بدء محادثةٍ معي قائلين إنهم أيضًا يحبّونَ تلكَ الرواية.”
تخيّلت أرتيا مشهد كيليان وهو يجلس مع رجُلٍ نبيل بملامحٍ جادة يتبادلان الحديث عن الحُبّ المُشتعل لدوق الشمال، فانفجرت ضاحكة.
نظر كيليان إليّها بتمعّن قبل أنْ يُتمتم.
“لطيفة.”
“……؟!”
تفاجأت أرتيا مِن كلمتهِ المُفاجئة وتوقفت عن الضحك.
لكن على عكسها، ظلّ تعبير كيليان هادئًا تمامًا.
هل سمعتُ خطأ؟
كانت غير متأكدةٍ، لكنها لَمْ تجرؤ على سؤاله عمّا إذا كان قد قال إنها لطيفة.
‘تماسكي، فليس أمرًا ذا شأنٍ كبير. أنا أيضًا وصفتُ الغيوم المُنتشرة في السماء اليوم بأنها لطيفة، أليس كذلك؟’
وضعت أرتيا يدها على صدرها الذي كان ينبضُ بسرعةٍ وبدأت تتحدثُ محاولةً تغيّر الموضوع.
“أخيرًا، بعد نصف شهر، سيتمُ عرض المسرحية التي يتطلع إليّها سموّك بشدّة.”
ردّ كيليان بنبرةٍ ماكرة.
“أتطلعُ إليّها كثيرًا. لقد أعددتم عرضًا مثاليًا، أليس كذلك؟”
“بالطبع.”
لَمْ يكُن ذَلك مُجرد تباهٍ.
فقد بذل الجميع قصارى جهدهم، من الممثلين إلى الأزياء، الموسيقى، والمسرح ذاته، بحيث لَمْ يكُن بالإمكان تقديم العرض بصورةٍ أفضل مِن ذَلك.
كانت عيناها تتألقان بالحماس.
“إذًا، هل زال عنكِ الخوف مِن الفشل الآن؟”
“……!”
كان ذَلك سرًّا لَمْ تبُح بهِ سوى له مِن قبل. لَمْ تكُن تتخيّل أنه ما زال يتذكره.
بعد لحظات، ارتسمت على شفتي أرتيا ابتسامةٌ رقيقة.
“نعم.”
في بداية المشروع، لَمْ يكُن يهمّها سوى النتائج.
كانت تشعرُ بالقلق والخوف مِن الفشل، وتفكّر بأنه يجبُ عليها أنْ تنجح مهما كلّف الأمر.
ولكن…
“مِن خلال العمل مع الكثير مِن الأشخاص، اكتشفتُ متعةً لَمْ أكُن أعرفها مِن قبل.”
التنسيق، الإقناع، وأحيانًا حتى الخلافات، ثم الشعور بالسعادة أثناء صناعة شيءٍ ما معًا.
الإثارة التي تُرافق تقديم عملٍ بذلوا فيهِ كل جهدهم إلى العالم.
كان ذَلك مُختلفًا عن الشعور بالإنجاز الذي أحسّت بهِ عندما أصبحت إيثيريال.
“حتى لو لَمْ تكُن النتيجة جيدة، فَلَن أندم. فقد كانت هَذهِ الفترة ذات قيمة بالنسبة لي.”
كانت عيناها الورديتان تتألقان بحماسٍ متقد.
لَمْ يكُن أحدٌ ليُصدّق أنَّ هَذهِ هي نفس المرأة التي كانت، حتى وقتٍ قريب، حبيسة غرفتها.
كيليان كان مُتيقّنًا.
‘أرتيا فون إيدينبرغ ستُحلق نحو آفاقٍ أعلى بكثير.’
العالم كان يعتقدُ أنَّ كيليان يملك كُل شيء.
ولكن منذُ ولادتهِ، كان مُحاطًا بقيدٍ يُدعى ‘الأمير’.
كان ذَلك القيد متينًا وثقيلًا إلى درجة أنهُ لَمْ يتمكّن مِن التحرّك بحريةٍ ولو لخطوةٍ واحدة.
أحيانًا كان ذَلك مزعجًا، لكنهُ لَمْ يشعر بالضيق الشديد بسببه.
إلى أنْ اقترب مِن أرتيا فون إيدينبرغ.
كلّما تعمّق مشاعرهِ تجاهها، أصبح القيد الذي يُقيّده أكثر ثقلاً.
بدأ يخشى أنهُ لَن يتمكّن مِن اللحاق بها بينما تبتعدُ بعيدًا.
“سموّ الأمير؟”
استفاق كيليان على صوت أرتيا، عندها فقط أدرك أنهُ كان يُمسك بأطراف أصابعها.
لَمْ تُبعد أرتيا يدها عنه. لَمْ تسأله حتى عن السبب.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 150"