البحث عن زوج للدوقة - 141
الفصل 141 : كسر البيضة والخروج منها ²⁴
كادت تنغويل أنْ تشتم، لكنها بالكاد تمالكت نفسها أمام سخرية أرتيا.
‘رغم أنها لَمْ تتكلم، إلا أنَّ نظراتها تحملُ معانٍ كثيرة.’
نقرت أرتيا بلسانها داخليًّا ثم ناولت تنغويل بعض الأوراق.
“……؟!”
حدَّقت تنغويل وعينيها مُتسعةٌ وكأنها تتساءل عمّا تعنيه هَذهِ الأوراق.
“مِن خلال ما سمعتُه، لَمْ تُعطي لوكا أجرًا مُناسبًا ولو مرةً واحدة حتى الآن. لا بأس إنْ كنتِ تجهلين الأمر، لكنني لستُ مِن النوع الذي يتغاضى عن هَذا الظُلم.”
عدم دفع الأجور مُقابل العمل يُعد جريمةً واضحة بموجب القانون، غيرَ أنْ هَذا الأمر لَمْ يكُن سوى حبرٍ على ورق، إذ كانت حالات تأخير الأجور شائعة، ونادرًا ما يُعاقب المسؤولون عنها.
لكن، ماذا لو كان القاضي المُكلف بهَذهِ القضية هو كالفين، المشهور بعدالتهِ ونزاهته؟
التقت أرتيا مع كالفين مِن خلال إيفانجلين وكلوي، وتمكنت مِن الحصول منهُ على وثائق رسميةً مختومة بختم المحكمة.
“هَذهِ مُطالبةٌ رسمية بأجر لوكا المُتأخر، تم حسابُه والتصديق عليهِ مِن المحكمة. لديكِ أسبوعٌ واحد فقط لإرسال هَذا المبلغ إليّه، وإلا فستتعرضين لإجراءات تنفيذٍ قسري مِن المحكمة، بالإضافة إلى عقوباتٍ شديدة.”
أضافت أرتيا بابتسامة ساخرة.
“وإنْ حدث ذَلك، فبدلًا مِن أنْ يُذكر اسمي في الصفحة الأولى مِن الصحيفة، سيكون اسمُكِ أنتِ هًناك، باعتباركِ مجرمةً خسيسة استغلت شابًا صغيرًا دوّن أنْ تدفع له أجره.”
كم كانت نظرتُها المُستفزة مزعجة!
وصل صبر تنغويل إلى حدوده.
“آآآه!”
صرخت فجأةً وسقطت أرضًا.
سارع الخدم الذين أتت بهم معها إلى جانبها، لكنهم لَمْ يتمكنوا سوى مِن التحديق بذهول، غير قادرين على التصرف.
‘مجرد وجوهٍ جميلة، لكنهُم عديمو الفائدة.’
وجدت أرتيا أنَّ هَذا التصرف يليق تمامًا بتنغويل، فأشارت إلى بيبي بعينيها.
اقتربت بيبي من تنغويل وتفحصت نبضها.
“نبضها وتنفسها طبيعيان. ستستعيدً وعيّها بعد قليل.”
“هَذا مُطمئن إذن.”
قالت أرتيا ببرود، ثم نظرت إلى الخدم.
“خذوا سيدتكم.”
“نعم! ن-نعم!”
لَمْ يكُن في عيونهم سوى الخوف مِن السيدة التي أسقطت تنغويل أرضًا، ولَمْ يظهر عليهم أيُّ أثرٍ للغضب.
بعد أنْ غادر الخدم الأربعة وهم يرزحون تحت ثقل تنغويل.
“ادخل، لوكا.”
ظهر لوكا أخيرًا.
عندما دخلت أرتيا إلى غرفة الاستقبال، تعمدت ترك الباب مفتوحًا قليلًا، ثم طلبت مِن لوكا أنْ يبقى واقفًا عند المدخل.
والسبب في ذَلك؟
‘تنغويل، لا شيء أمامي.’
كان الهدف هو أنْ يرى لوكا بنفسهِ الفرق في القوة بين أرتيا وتنغويل.
نظر لوكا إلى أرتيا بعينين مُتسعتين.
لقد قابل العديد مِن النساء في حياته، لكن تنغويل كانت الأكثر رعبًا بينهنَ جميعًا.
كانت شرسة الطباع، ترفعُ يدها لضرب الآخرين عند أدنى استفزاز.
لَمْ يكُن خدمها وحدهم مَن عانوا مِن ذَلك، بل حتى النبلاء لَمْ يسلموا مِن سطوتها.
رآها لوكا أكثر مِن مرةٍ وهي تدوس النبلاء بلا خوف.
لكن عندما وقفت أمام أرتيا، لَمْ تكُن سوى امرأةٍ عاجزة.
هَذا المشهد…
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي لوكا دوّن أنْ يدري.
وحين أدرك ذَلك، شهق ووضع يدهُ على فمهِ، لكن أرتيا ابتسمت بمكر وكأنها رأت كُل شيء.
والآن، لنكمل حديثنا.
“قبل أنْ نذهب لمُقابلة تنغويل، أخبرتني بأنكَ ستتبعُني.”
رُبما كان ذَلك مُجرد قرارٍ اتخذه مُجبرًا لتجنب العمل تحت يد تلكَ الوقحة، لكن في النهاية، أصبح الأمر محسومًا.
بإشارةٍ مِن أرتيا، أحضرت بيبي ورقتين.
أخذت أرتيا إحدى الورقتين وناولتها لوكا.
أخذها بوجهٍ مُتجهم وكأنهُ يتساءل عما تكون.
“إنها عقد عمل.”
في الحقيقة، لَمْ يكُن مِن المعتاد أنْ يُكتب عقدٌ رسمي عند توظيف الخدم مِن قبل النبلاء.
فالمُتعارف عليهِ أنَّ الخادم يجبُ أنْ يكون مُمتنًا للنبلاء لقبولهم تشغيله.
لكن أرتيا لَمْ تُحب هَذا النوع مِن العلاقات.
‘أنا أدفعُ المال، وهم يقدمون العمل. هَذا كل ما في الأمر.’
كان هَذا هو المبدأ الذي تؤمن بهِ في العلاقة بين المخدوم والخادم.
ولهَذا السبب، قامت بإعداد عقودٍ رسمية مع كُل العاملين في قصرها. ولَمْ يكُن لوكا استثناءً.
“الشروط مكتوبة في العقد، لذا اقرأها.”
لكن تعابير وجه لوكا بدت غريبة.
كان لون أطراف أذنيهِ قد تحول إلى الأحمرّ، وبدت عليهِ علاماتُ الارتباك.
عندها فقط، أدركت أرتيا الخطأ الذي ارتكبته.
“هل… لا تستطيع القراءة؟”
“……نعم.”
بشكلٍ أساسيّ، كان العمّال الذين يعملون في قصور النبلاء قادرين على القراءة حتى وإنْ لَمْ يكونوا قادرين على الكتابة. فذَلك كان ضروريًّا كي لا يتعطّلوا عن أداء عملهم.
لهَذا السبب، اعتقدَت أرتيا بطبيعة الحال أنّ لوكا سيكون كذَلك.
لكنها أدركت خطأها فجأةً وشعرت بالحرج. ومع ذَلك، لَمْ يكُن مِن المُناسب الاعتذار.
فتظاهرت أرتيا بالتماسك وكأنَّ الأمر ليس ذا أهمية.
“إذًا، سأقرأه لكَ.”
“… شكرًا لكِ.”
أخذت أرتيا الورقة الموضوعة أمام لوكا وبدأت تقرأ بصوتٍ مسموع. كان المحتوى قصيرًا وموجزًا.
“أرتيا فون إيدينبرغ توظّف لوكا. مدّة التوظيف الأساسيّة سنةٌ واحدة، ويُمكن تمديدها إلى أجلٍ غيرِ مُسمّى إذا رغِب الطرفان في ذَلك. أمّا الأجر، فسيكون عشرة قطعٍ ذهبية تُدفع أسبوعيًّا.”
“….!”
اتّسعت عينا لوكا.
عشرة قطع! كان هَذا مبلغًا كبيرًا جدًّا ليُمنَح لخادمٍ مِن الكودران.
‘هل أخطأت في تحديد قيمة العملة؟’
إلا أنَّ أرتيا لَمْ تُصحّح المبلغ بل واصلت كلامها.
“إذا وافقتَ على هَذا العقد، فيجبُ أنْ تؤدّي كلّ ما أطلبهُ منكَ بإخلاص. هل يمكنكَ فعل ذَلك؟”
شدّ لوكا قبضته، وانقبضت عضلاته القوية.
‘إذا كان سيُدفع لي هَذا المبلغ الكبير، فلا يُمكن أنْ يكون العمل سهلاً.’
لَمْ يستطع تخمين نوع العمل الذي سيُكلَّف بهِ، مِما زاد مِن خوفه.
لكنّهُ لَمْ يجرؤ على التفكير في الرفض.
فقد كان أسلوب حياتهِ يعتمدُ دائمًا على الخضوع التام.
“نعم، سأبذل قصارى جهدي.”
نظرت أرتيا إلى لوكا المنحني بعمق، وارتسمت على شفتيها ابتسامة، بدت كوجهٍ شرير نجح في إبرام عقدٍ جائر.
***
لَمْ يسبق للوكا أنْ كتب عقدًا مِن قبل.
وبالطبع، لَمْ يكُن يعرف كيف يوقّع.
“إذًا، ضع بصمتكَ.”
بناءً على اقتراح أرتيا، غمّس كلاهُما إبهاميهما في الحبر الأحمر وطبعا بصمتيهما على طرف الورقة.
كان ذَلك أشبه بطقسٍ غامض يُثير الدهشة والخوف في آنٍ واحد.
في ذَلك اليوم، قُدّم لوكا رسميًّا إلى عمّال القصر.
لكنّهم لَمْ يحتقروه لمُجرّد كونهِ من الكودران.
رغم أنَّ بعضهم اندهش مِن ملامحهِ الفريدة.
لَمْ يكُن لوكا يعلم، لكنّ هَذا كان بفضل التحذير الصارم الذي وجّهتهُ أرتيا مُسبقًا.
تلقّى غرفةً يتشاركها مع أربعة خدم آخرين.
كان السرير مريحًا، لكنّه لَمْ تديكن طويلة بما يكفي له، مِما جعل قدميه تتدلّيان خارجها بينما غطّى جسده باللحاف.
نظر إلى السقف وتساءل.
‘ما نوع العمل الذي سأقوم بهِ غدًا؟’
شعر بأنهُ لَن يكون شبيهًا بما كانت تكلّفهُ بهِ السيّدات السابقات، وهَذا التفكير وحده جعله يشعرُ ببعض الارتياح.
في تلكَ الليلة، غرق لوكا في أعمق نومٍ له منذُ وصوله إلى هَذا القصر.
في اليوم التالي، استيقظ في الصباح الباكر، نظّف جسده، ثم جلس في غرفتهِ بهدوء، مُستعدًّا لأن يهبّ للخروج في أيِّ لحظة إذا ما استُدعي.
لكنّ أرتيا لَمْ تستدعِه حتى قاربت الشمس على منتصف السماء.
حين انحنى لوكا عميقًا ليُحيّيها كعادته، ابتسمت لهُ أرتيا وسألته.
“هل نِمتَ جيدًا؟”
“نعم.”
“أحسنت. لأنّكَ ستكون مشغولًا جدًّا مِن الآن فصاعدًا. إذًا، اتبعني.”
عادةً، كان الخدم يتلقّون الأوامر مِن خدمٍ آخرين مثلهم.
لكنّ أرتيا قرّرت أنْ تشرح لهُ العمل بنفسها، مِما جعله يشعرُ بالتوتّر.
قادته إلى مبنى منفصلٍ عن القصر الرئيسي.
عُلّقت على بابه لافتةٌ كُتب عليها: “ورشة إيدينبرغ للصناعة (مؤقّتًا)”.
وما إنْ فُتح الباب حتى…
“شااااااين!!!!!!!”
اندفع نحوهُ رام بوجهٍ شاحبٍ كجثّة!
لو لَمْ يُمسكه ميخائيل، الذي كان قد تلقّى تحذيرًا مُسبقًا مِن أرتيا، لكان بالتأكيد قد وصل إلى لوكا وأمسك بهِ.
“اتركني! يجبُ أنْ أذهب إلى شاين!”
لكنّ مقاومتُه وهو مُقيّدٌ بدَت أكثر رعبًا.
شعرت أرتيا بالندم على إحضار لوكا إلى هُنا بهَذهِ السرعة.
‘ماذا لو أصابهُ الرعب؟’
لحُسن الحظ، لَمْ يبدو على لوكا أيُّ خوف.
بل كان ينظرُ إلى رام بعيونٍ مُتسعة، وكأنّه يُشاهد مخلوقًا غريبًا لأول مرة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة