البحث عن زوج للدوقة - 113
الفصل 113 : الأميرة المليئة بالجراح ²⁹
على الرغم مِن أنْ أرتيا قالت إنها بخير، إلا أنْ ذَلك لَمْ يكُن عزاءً لفرِيجيا على ما يبدو.
في اليوم التالي، عادت فرِيجيا مع ابنتها إلى منزل إليزيوم، قائلةً إنها لا تستطيعُ أتعاب أرتيا أكثر مِن ذَلك.
“هاه……”
تنهدت أرتيا بعمق.
منذُ ذَلك الحين، لَمْ تتواصل مع فريجيا. قالت ماريغولد إنْ فريجيا مشغولةٌ للغاية لدرجة أنها بالكاد تستطيع مُقابلتها، ولكن……
“أليست الحقيقة أنها لا تُريد مُقابلتي؟”
حتى المحاكمة الأخيرة، لَمْ، ترغب فريجيا في مُعاقبة كونت إليزيوم.
سواء أحبتهُ أم كرهته، فقد كان شخصًا ثمينًا بالنسبة لها.
وبما أنْ زوجها قد تورط مع أرتيا وانتهى بهِ الأمر في السجن، بل وواجه العقوبة، فَمِن الواضح أنها لَن تكون مرتاحةً لذَلك.
“هل يجب أنْ أطلب تخفيف عقوبة كونت إليزيوم مِن أجل فريجيا؟”
لكن سرعان ما هزّت أرتيا رأسها.
كان ذَلك الوغد سيئًا لي ولها على حدٍ سواء. لَمْ ترغب في إظهار أيِّ شفقةٍ تجاه شخصٍ مثله.
“لكن إذا تركتُ الأمور هَكذا، قد أبتعدُ عن فريجيا……”
مهما فكرت في الأمر، لَمْ تتمكن مِن التوصل إلى إجابةٍ واضحة.
كانت أرتيا تمضغُ عود الجزر بوجهٍ مُضطرب.
***
داخل الزنزانة المظلمة،
كان الكونت إليزيوم جالسًا على الأرض الباردة، جسدُه كله يرتجف.
وجهُه الهزيل ذو الوجنتين البارزتين، والهالات السوداء تحت عينيه، ولحيتهِ الكثيفة غيرِ المُهذبة—
لَمْ يبقَ أيُّ أثرٍ لذَلك الوسيم الذي كان يومًا ما يُلهب قلوب سيدات المجتمع الراقي.
لَمْ يتوقف عن ترديد كلماتٍ يائسة.
“أ- أرجوكِ أنقذيني…….”
مرّت عدة أيام، لكن صدمةُ النمر الأسود الذي هاجمهُ لَمْ تُفارقه، وظلّ يعيشُ في رعبٍ دائم، وكأنه سيلقى حتفهُ بين أنيابهِ في أيِّ لحظة.
خطوة.
عند سماعهِ صوت خطواتٍ في الظلام، قفز مذعورًا وصرخ.
“ه- هيييك!”
لقد عاد النمر الأسود ليقتُله!
لكن ما ظهر مِن خلف القضبان لَمْ يكُن النمر الأسود، بل كانت فريجيا.
زوجتي الجميلة الرقيقة……!
في عينيه المليئتين باليأس، بدت كأنها حاكمةٌ تبعثُ الأمل.
أمسك كونت إليزيوم بالقضبان ونادى اسم زوجته.
“فريجيا!”
“…….”
“أ- أعلم أنكِ ستأتين. كنتُ واثقًا مِن أنكِ لَن تتخلي عني…….”
“…….”
“لَن أغضب منكِ بعد الآن لأنكِ داستِ على كرامتي. لذا، أرجوكِ، أقنعي إيدينبرغ فورًا لتقول بإنني بريء. أخرجيني مِن هَذا الجحيم الرهيب!”
عندما لَمْ تُجبه فريجيا، بدأ يشعرُ بالقلق.
صرخ بوجهها بملامحٍ متوترة.
“أنا زوجكِ! والد إليزابيث! هل تنوين تركي لأكون مُجرد مُجرم؟”
عندها فقط تحركت شفتا فريجيا المُغلقتان.
“نعم، لهَذا كنتُ سأغفرُ لكَ. كنتُ أريدُ أنْ نبقى كعائلةٍ معًا.”
لكن كلماتُها التالية كانت مُختلفةٍ عمّا توقعه تمامًا.
“ولكنكَ فعلتَ شيئًا لا يُغتفر بحق صديقتي.”
كانت نبرة فريجيا تحملُ غضبًا واضحًا.
لأول مرة، شعر كونت إليزيوم بالخوفٍ منها، وتجمّد وجهُه شاحبًا. لكنهُ سرعان ما استعاد وعيّه وقال.
“إذًا، ماذا ستفعلين؟ هل ستتخلين عني؟ هل ستقطعين العهد الذي أقسمنا بهِ أمام الحاكم؟”
كانت فريجيا امرأةً ذات إيمانٍ عميق. لا يُمكنها أبدًا أنْ تخون العهد المُقدس الذي ربطهُما كزوجين أمام الحاكم.
وكان مُحقًا في ذَلك.
“نعم، نحنُ زوجان. يجبُ أنْ نحترم ونُحب بعضنا بعضًا حتى يُفرقنا الموت.”
لكن ما قالتهُ بعد ذَلك لَمْ يكُن كما توقع.
“لهَذا السبب، سأبذل قصارى جهدي لطلب أقصى عقوبةٍ لكَ مِن القاضي.”
“م- ماذا؟!”
“وسأقدمُ أقصى تعويضٍ مُمكن مِن عائلة إليزيوم إلى السيدة إيدينبرغ. هَذا هو السبيل الوحيد لي كزوجتكَ لأكفّر قليلًا عن جرائمكَ الفظيعة.”
كانت عيناها الخضراوان الجميلتان تحملان عزيمةً لا تتزعزع.
عندها فقط، أدرك كونت إليزيوم مدى خطورة الوضع، وصرخ بيأس.
“أنا- أنا كنتُ مًخطئًا! أرجوكِ، سامحيني!”
“آمل بصدقٍ أنْ تندم على جرائمكَ كما تقول، هُناك، إلى الأبد.”
بهَذهِ الكلمات، استدارت فريجيا.
“فريجيا!!!”
دوّى صوت كونت إليزيوم اليائس في الزنزانة المُظلمة، لكنهُ لَمْ يكُن كافيًا لإيقاف خطواتها.
***
تولى كالفين الحكم في قضية كونت إليزيوم، لأنه رأى أنْ الجرائم التي ارتكبها بحق أرتيا مُتصلةٌ بالمحاكمة السابقة.
جاءت فريجيا لمُقابلته.
“القاضي الموقر، لقد ارتكب زوجي، أوستن فون إليزيوم، جريمةً لا تُغتفر بحق السيدة إيدينبرغ. أرجو أنْ تُنزل عليهِ العقوبة المُناسبة حتى يُكفر قليلًا عن ذنوبه. أطلبُ هَذا بصفتي زوجته وسيدة عائلة إليزيوم.”
“العقوبة التي تُكفر عن الجرائم لا تقتصر على السجن فقط. يُمكن أيضًا المُطالبة بتعويضٍ مِن عائلة إليزيوم.”
“هَذا ما أريدُه.”
لَمْ يقتصر الأمر على ذَلك.
كانت الرسائل تتدفق يوميًا بالعشرات مِن سيدات الطبقة النبيلة، مُملوءةً بالغضب العارم تجاه كونت إليزيوم، مُطالبةً بإنزال أشد العقوبات عليهِ لضمان عدم تكرار مثل هَذهِ الجرائم مرةً أخرى.
“لَمْ أكُن أعلم أنْ سيدات النبيلات يُمكنهن استخدام هَذا القدر مِن الشتائم.”
أحضرت لهُ والدته، كلوي، كوبًا مِن الشاي وأجابت:
“السيدة إيدينبرغ أصبحت بطلةً بين سيدات النبيلات هَذهِ الأيام. فَمِن الطبيعي أنْ يغضبوا مِمَن تجرأ على إيذائها.”
“وهل تشعرين أنتِ أيضًا بالغضب، أمي؟”
لَمْ تُجب كلوي، بل اقتربت مِن أذنهِ وهمست ببضع شتائم لاذعة بحق إليزيوم.
“……!”
اتسعت عينا كالفين مِن الصدمة، وانفتح فمهُ مذهولًا.
“حتى أنتِ تستطيعين قول مثل هَذهِ الكلمات، أمي؟”
“أنا فقط أمتنعُ عنها حفاظًا على آداب السيدة النبيلة، وليس لأنني لا أستطيعُ قولها. لذا، لا تستخفِ بغضب النساء، واستمع إليّهنَ بجدية.”
لكن هَذا لَمْ يكُن كل شيء.
حتى الأمير كيليان كان يُراقب هَذهِ القضية عن كثب.
قبل أيام قليلة، أحضر كونت إليزيوم شخصيًا وألقاهُ على الأرض، ثم قال بعينين ذهبيتين متوهجتين.
“أنزل على هَذا الوغد أشد العقوبات المُمكنة.”
كان تهديدهُ واضحًا. إنْ لَمْ يفعل، فسيذيقُه بنفسهِ أقسى عقاب.
لكن كالفين كان قاضيًا نزيهًا. لَمْ ينجرف مع الرأي العام، ولَمْ يتأثر بكلام والدته، ولَمْ يرتعب مِن تهديد الأمير. بل أصدر حكمًا عادلًا يُناسب الجريمة المُرتكبة.
“حُكم على كونت إليزيوم بالسجن لمدة عشر سنواتٍ في سجن سيبلين، نظرًا لاعتدائهِ على زوجتهِ رغم حصولهِ مُسبقًا على حكمٍ مُخفف، واختطافه السيدة إيدينبرغ والاعتداء عليها. لَمْ يُظهر أيِّ ندمٍ على جرائمه، بل استمر في تهديد سلامة نبلاء آخرين لدوافع شخصية.”
كان الحكم صادمًا. بالنسبة للنبلاء الذين غالبًا ما يُفلتون مِن العقاب بسهولة، كان السجن لمدة عشر سنوات عقوبةً قاسيةً وغير مسبوقة.
تقلص وجه كونت إليزيوم الذي ازداد شحوبًا في الأيام الأخيرة، وصتح بغضب.
“لا أقبلُ بهَذا الحكم!”
“هل تنوي إنكار جريمتكَ؟”
كانت الأدلة والشهادات كلها واضحة. لذَلك، بدلًا مِن إنكار الجريمة، قال شيئًا آخر.
“أنا الكونت إليزيوم!”
بحسب تقاليد النبلاء، لا يتعرضون لعقوبات قاسية إلا في حالة الخيانة العُظمى أو الجرائم التي تهدد استقرار المملكة.
“إنْ فرضتَ عليّ هَذهِ العقوبة المُفرطة، فَلَن أقف مكتوف اليدين.”
رفع كالفين حاجبًا وسأل ببرود.
“ومَن سيعترض؟”
“النبلاء الآخرون…… عائلة إليزيوم…….”
ابتسم كالفين ابتسامةً خافتة.
“يبدو أنكَ لَمْ تُدرك بعد وضعكَ الحالي بسبب بقائكَ في السجن.”
“……؟!”
“لو كان هُناك مَن يرغب في الدفاع عنك، لكان قد أبدى موقفهُ بالفعل. لكن لا أحد فعل ذَلك.”
“في هَذهِ الإمبراطورية، لا يوجد أحدٌ إلى جانبكَ.”
انهار كونت إليزيوم جالسًا على الأرض. كان اليأس قد بلغ بهِ حدًا لَمْ يعُد فيهِ قادرًا حتى على البكاء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة