الفصل 44 : تّحيّةٌ شَّرِسة ¹¹
نظراتُ ألتر التي كنت أحدّق فيها من أسفل كانت شرسة.
“هل من المفترض أن يقوم قائد الفرسان المقدسين باستخدام العنف ضد المدنيين؟”
عيناه الغامضتان والمميزة كانتا تتلألآن بخطورة.
بدا وكأنه سيمسك بياقة أيلان في أي لحظة.
‘لا، لا يمكن!’
رغم الدوار، نهضت مترنحة ووقفت أمام ألتر لأمنعه.
“ليس ما تظنه!”
“ليس ما أظنه؟ إذًا ما هذا المشهد الذي أراه الآن؟”
قال ألتر وهو يحدّق في أيلان بنظرةٍ حادة.
لم يكن ألتر قد شهد ما حدث قبل ذلك، ولذلك كان من السهل أن يساء فهم الموقف.
لكن…
‘حقًا، لم يكن أيلان هو من دفعني.’
لم يلمسني أيلان.
لقد اندفعتُ للخلف بسبب موجة صدمةٍ غير مرئية.
لا أعرف إن كانت بسبب إطلاق سحر، لكن ما أعرفه يقينًا هو:
‘لم يكن ذلك بقصده.’
أيلان، الذي كان يمسك برأسه الآن، كان قد حاول الإمساك بي عندما انطلقتُ مبتعدة.
لكن لا يمكنني أن أشرح الأمر بصدق لألتر. فهذا سيكون مصدر خزي لأيلان.
‘بالإضافة إلى ذلك، حتى وإن كان أيلان مجرمًا خطيرًا، فهو قائد الفرسان المقدسين! إن اشتبك مع ألتر، فسينتهي به الأمر مثل البطاطا المهروسة!’
لذلك، لم يكن أمامي إلا خيارٌ واحد في الكلام.
“الأمر هو…”
ابتسمت ُبصعوبة وهمست لألتر:
“هذا الفارس حاول التظاهر بأنه ضحية، فقلت لنفسي: لِمَ لا أجرّب أنا أيضًا؟ كانت خطتي السرية.”
كان علي إخراج أيلان من هذا المكان لإنهاء هذا الموقف.
كنت على وشك الالتفات لإقناعه بالمغادرة.
“كذبة.”
صوت ألتر المنخفض جدًا أمسك بي من قدمي.
نظرت إليه.
“أتظنين أني لم أرَ تعبير وجهكِ؟”
“……تعبير وجهي؟”
“لماذا تدافعين عنه؟”
ابتسم ألتر ساخرًا.
“كنت تتحدثين عن البلطجي، والآن تساندين هذا الفارس؟ هل أعجبتِ به؟ أم…”
ماذا؟
كنت على وشك الرد، لكنني سكتُّ عندما رأيت تعبير وجهه.
“……هل تثقين بهذا الفارس الذي رأيته مرتين أكثر مِما تثقين بي؟”
كان سؤالًا يصعب الإجابة عليه.
أنا بالفعل كنت أشك في هوية ألتر.
لكن، هل كنت أشك في شخصه نفسه؟
‘لا، ليس كذلك.’
لكن قبل أن أتمكن من الإجابة، سُمع صوت سحب سيف خلفي.
التفتُّ، ورأيت أيلان واقفًا، مستندًا إلى سيفه.
ألتر، الذي لم يكن يعرف ما يحدث، اعتبر ذلك تهديدًا. فاستل سيفه وأخفاني خلفه.
‘يجب أن أوقفهم…’
لكن إحساس الرهبة في هذه اللحظة جعلني أشعر بالغثيان.
كما لو أنني أعاني من دوار البحر.
“هاه، ها…”
بينما كنت أتنفس بصعوبة وغير قادرةٍ على الكلام، ازدادت نظرات ألتر حدة.
“ما الذي فعلته بهذه الفتاة؟”
كان الموقف على وشك الانفجار.
رفعت رأسي بصعوبة وفتحت فمي لأتحدث.
“لحظة من فضلك، يمكنني أن أشرح…”
قاطعني صوت مألوف.
“لا. الشرح لي.”
كان شخصًا يرتدي رداءً أسود قد دخل المحل دون أن ننتبه.
عندما رفع هذا الزبون غطاء رأسه وكشف عن وجهه…
شهق أيلان، وتجمد ألتر في مكانه.
وأنا التي كنت أضغط على صدري، تمتمت.
“……لينا؟”
الصوت، الشفاه الصغيرة، والعينان الخضراوان الظاهرتان قليلاً.
كانت لينا.
تغير جو أيلان تدريجيًا حين رأى لينا. شعرت أن التوتر الذي كان يصدره بدأ يتبدد.
وفي الوقت ذاته، شعرت أنني أستطيع التنفس أخيرًا. كما لو أنني خرجت لتوي من تحت الماء.
ووسط ذهولي، أمسكت بذراع ألتر.
“س-سيدي الزبون.”
لم يكن مهمًا من تكون لينا، أو كيف عادت.
ما يهم هو أن أيلان في حالةٍ غير عادية، وقد يحدث أمرٌ خطير في أيِّ لحظة.
‘قد يظن أنني أتلاعب به. وإن حاول طعنها بسكين دون تفكير؟ ستكون لينا في خطر!’
رفعت رأسي بصعوبة ونظرت إلى ألتر.
وحركتُ شفتيّ دون صوت.
“احمِ لينا.”
حينها، تجمد وجه ألتر كالجليد.
ربما، هو أيضًا لم يكن بكامل تركيزه بسبب هالة قائد الفرسان.
وبينما كان ينظر بدهشة، جاء صوت أيلان.
“جلالتكِ، كيف وصلتِ إلى هنا؟”
“جئتُ فقط لأتأكد من أن القلادة التي تركتها بأمان.”
“هل تقولين إنكِ سلمتِ القلادة بنفسكِ؟ متجر رهن، جلالتكِ. إن كنتِ ترغبين في بيع أثرٍ مقدس ثمين…”
“لا. يبدو أنكَ تسيء الفهم، سير أيلان. لم أضع قلادة والدتي في متجر الرهن.”
تنهدت لينا وقالت بهدوء:
“لقد عهدتُ بها إلى شخصٍ أثق به. ……إلى صديقتي.”
“جلالتكِ؟”
“لذلك، ارحل الآن. هذا أمر من ’سيدتكَ‘.”
سيدته.
عندما نطقت لينا بتلك الكلمة، تغير الجو.
توقف أيلان عن الحركة وانحنى برأسه.
“أعتذر. لقد كنتُ وقحًا.”
غادر أيلان بصوت خطواته.
وكانت لينا على وشك اللحاق به، لكنها توقفت أمامي.
كان وجهها يفيض بالكلمات التي لم تُقل.
“……خرجت على عجلٍّ اليوم، لذا ليس لدي مال. سأعود لاحقًا لأدفع الأجرة وأستعيد القلادة.”
كانت عينا لينا الخضراوان دامعتين كما في ذلك اليوم.
لكنها لم تكن بحاجةٍ إلى مناديل اليوم.
ربما تغيرت طريقة تفكيرها.
على أيّ حال، كان ذلك مطمئنًا.
ابتسمت بصعوبة.
“حسنًا، لينا. أراكِ لاحقًا.”
سمعت أيلان ينادي لينا بـ”جلالتك”، لكنني قررت ألا أسأل.
قالت إنها ستعود، لذلك ستتحدث من تلقاء نفسها حين يحين الوقت.
“شكرًا. وآسفة. ……لن يحدث شيءٌ كهذا مجددًا.”
قالت كلماتها بحزم، ثم غادرت.
عندما رأيت ظهرها يبتعد، شعرت أنني فقدت توازني.
كنت على وشك السقوط، عندما أمسك بي أحد من الخلف.
“تماسكي.”
كان ألتر.
ربما لأن بصري كان مشوشًا…
شعرت أن ملامحه الغائمة كانت مليئةً بالقلق.
“هل أنتِ بخير؟”
“……هاهاها، أعتقد أن طاقتي استُنزفت…”
“ليس وقت الضحك.”
“صحيح، ليس وقتًا للضحك……. فقط، دعني أنام لثلاثين دقيقة. أريد أن أفقد الوعي، لكن لدي أمورٌ متبقية…”
“هل تستخدمينني كمنبه؟ أم أنكِ تتفاوضين مع الإغماء؟”
كان ألتر يضحك بعدم تصديق، ثم توقف عند كلامي التالي.
“في الحقيقة…… كنتُ خائفةً قليلاً.”
نظرت إليه وغمزت.
“لكنكَ كنتَ هنا…… وهذا ما جعلني أشعر بالأمان.”
“أنتِ…”
“لذا، أرجوك……”
وكانت آخر صورةٍ رأيتها قبل أن أفقد وعيي، هي تعبيره الغامض.
***
كاسيان (ألتر) نظر إلى إليشيا النائمة.
تنفسها المنتظم أشار إلى أنها بالفعل تفاوضت مع الإغماء بنجاح.
“لا يصدق.”
ابتسم كاسيان بسخرية، ثم أدرك أنه كان يحتضنها جزئيًا.
ابتعد بسرعة، ثم تنهد.
قالت إنها تستمد شجاعتها من وجوده كـ زبون.
ربما كانت هذه طريقتها غير المباشرة للإجابة عن سؤاله بشأن الثقة.
‘واضح. مجرد ثرثرةٍ وتلاعب بالكلمات كعادتها.’
رغم ذلك، وبينما كان يفكر في كلمات إليشيا، تمتم:
“إن تركتها على الأرض، فقد أسمع اللوم لاحقًا.”
حملها برفق وتوجه بها إلى الطابق الثاني.
لم ينسَ أن يغلق الباب.
لف بطانيةً ووضعها تحت رأسها كوسادة، وبدأت إليشيا في النوم بسلام.
“كان هناك بطانية، فلماذا استخدمتِ دفتر الحسابات كوسادة؟”
ثم خطر بباله شيء.
هذه فرصته لقراءة الدفتر.
الدفتر الذي يحتوي على معلومات عن إيفور.
‘إذا تحققّت من الدفتر، سأُنهي علاقتي بهذا المكان. لا داعي للمراقبة المستمرة أو الإزعاج.’
جلس كاسيان عند قدمَي إليشيا وفتح الدفتر.
لكن الكلمات لم تدخل رأسه.
ليس خوفًا من أن تستيقظ فجأة.
بل لأن أفكاره كانت مشوشة.
‘……في خضم ذلك الموقف، كانت تفكر في الآخرين.’
الفتاة التي نادتها بـلينا كانت الأميرة كاترينا.
آيلان دعاها جلالتك، فلا مجال للشك.
لكن لماذا اهتمت إليشيا بها؟ حتى في موقفٍ كهذا؟
‘كان من المفترض أن تكون غاضبةً منها.’
ما حصل اليوم كان نتيجة وضع الأميرة لتلك القلادة في متجر الرهن.
إذًا، إليشيا كانت ضحية.
‘قلادة، إذًا…… ربما كانت إرثًا من الإمبراطورة الراحلة. سمعت أن الأميرة كانت تمر بظروفٍ صعبة بعد وفاتها.’
أيضًا، من غير المعقول أن تكون الأميرة صديقةً حقيقية لإليشيا، وإلا لكان قائد الفرسان يعرف.
واستخدام إليشيا لاسم لينا بدلًا من كاترينا يشير إلى أن الأميرة استخدمت اسمًا مستعارًا.
‘هذا يعني، إليشيا عرفت أن لينا هي الأميرة اليوم فقط.’
بالتالي، علاقتهما كانت مجرد علاقة زبونةٍ بصاحبة متجر.
لكن، لماذا…
‘ألم تقولي إن هذا المتجر عزيزٌ عليك؟ بكيتِ لمُجرد تسرب ماء مِن السقف.’
مع أن المتجر مهددٌ بالإغلاق، لماذا تهمكِ قطعةٌ رهنتها زبونة؟
بينما كان يقلب صفحات الدفتر، أدرك كاسيان شيئًا.
ربما، السبب الذي جعل الكلمات غير واضحة له…
‘ربما كنت أعلم غريزيًا… ……أن هذه الفتاة بريئة.’
وبالفعل، لم يكن هناك أيُّ سجل لاسم لوغينوت في الدفتر.
ولا حتى وصف لأيّ شخصٍ يشبه إيفور.
ما كان موجودًا فقط هو آثار عمل إليشيا الدؤوب ليلًا ونهارًا.
وهذا يعني…
‘ربما جدّها هو من فعل الأمر.’
ذلك الجد الذي ترك حفيدته تتحمل كل شيء وهي لا تعلم شيئًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 44"