عند سماع الصوت الهادئ والمرتاح، استدارت بياترس رأسها بشكلٍ لا إرادي.
لم تخفِ ليفيا متعتها وراء وجهها المصدوم، فصرّت بياترس على أسنانها. لكن قلقها على آيشا كان أكبر من أن تواجهَ ليفيا و تحاسبها.
هرعت بياترس نحوَ مصدر الصرخة. لم يكن العثور على آيشا صعبًا، حيثُ كانت صرخات دونا الممزقة ترشدها كالدليل.
عند وصولها، كان المشهد أمام عينيها كارثة بحدِّ ذاتها بالنّسبة لبياترس.
كانت آيشا، التي بللت فستانها بالدم و وجهها شاحب ومنهار، تُعيد ذكريات المأساة القديمة.
دونَ أي اعتبار للمظاهر، انتزعت بياترس آيشا من أحضان الآنسة فالاندي و أمسكتها.
“آيشا؟ آيشا! ما الذي حدث، أخبريني؟ هل تسمعين صوتَ خالتكِ؟ آيشا، يا صغيرتي!”
على الرّغمِ من تربيتها الخفيف على خديها الناعمين، لم تُظهر الطفلة أي رد فعل. عند التفكير بأن كل الدم المتراكم على الأرض من آيشا، شعرت بياترس وكأنها ستفقد عقلها.
بينما كانت تكرّر اسم آيشا وقد فقدت صوابها، ربتت ليفيا كتفها بخفة وقالت كما لو كانتْ تعزيها:
“لقد استدعيت الطبيب. لا تقلقي كثيرًا، سيدتي.”
كان نبرتها مليئة بالتعاطف، لكنها جعلت ظهر بياترس يقشعرُّ بشكلٍ غريب.
وصلَ الطبيب، الذي قدّم نفسه باسم مالكوم، طبيب عائلة أرفين، كما لو كان ينتظر الصرخة.
“لقد تسممت. إنه نوع نادر ومعقد من السم. للأسف… لا يوجد ترياق في هذا القصر. يجب ألا نضيع الوقت…”
كان الأمر كضربة مطرقة ثقيلة على رأسها.
سم؟ لم تستطع تصديق ذلك.
بينما كانت تتذكر كلمات الطبيب في ذهول، دوت صرخة دونا الحادة.
“بسببِ تلك الآنسة! لا شكَّ أن هذه المرأة سممت آنستنا!”
“ما الذي تقولينه؟”
غطت ليفيا فمها متظاهرة بالصدمة وسألت. شعرت بياترس بقشعريرة مرة أخرى.
أدركتْ بياترس أن حدسها السيئ كان صحيحًا منذ البداية.
‘….لقد وقعتُ في الفخ.’
عندما أدركت ذلك، كان الوقت قد فات. استدارت بياترس نحو الآنسة فالاندي عند سماع صرخة دونا الغاضبة.
كان الغضب يعمي عينيها. لم يكن ذلك بسببِ الآنسة فالاندي، التي ظلت هادئة رغمَ اتهامها بالتسميم.
“لكن هذا سيكونُ مملًا جدًا. أريد من الآنسة أن تأتي و تعتذرَ عن خطأها أولاً. لهذا طلبتُ مساعدتكِ… ربّما كنتُ غامضة جدًا؟”
تذكرتْ كلمات ليفيا قبلَ قليل وهي تبتسم.
كما لو كانت قد تنبأت بهذا الحدث، تذكرت بوضوح وجهها وهي ترفعُ زاوية فمها ببطء عندَ سماع الصّرخة.
حتى الطبيب المقيم بدا وكأنه يراقب رد فعل ليفيا وهو يهز رأسه بحزن. هذا زاد من يقينها.
صاحبة القوة المقدسة، التي يقدّسها الجميع، سمّمت ابنة أختها، أملها و حبّـها الوحيد.
كانت الحقيقة التي أمامها لا تُصدّق، لكن لم يكن لبياترس خيار.
الكلمات التي قالتها ليفيا عندما استدعتها للحديث عن الآنسة فالاندي، انهيار آيشا بسببِ السم، وهذا الوضعُ الغريب حيثُ لا يوجد ترياق.
في هذا الوضع اليائس، كانت الآمال الوحيدة لإنقاذ آيشا تكمن في قوة صاحبة القوة المقدسة.
“أطعمتِ آنستنا البودينغ من قبل! الشّيء الوحيد الذي أكلته هنا هو ذلك! من أين كان يمكن أن تتسمم؟!”
صفعة-!
“…كيف تجرؤين!”
كانت يدها التي ضربت الخدّ تؤلمها. أمسكت بياترس يدها المرتجفة بشدّة وحدّقت بعينين مملوءتين بالغضب.
شعور الإذلال و الخوف مم فقدان شخصٍ عزيز آخر دفعاها إلى حافّة الهاوية.
كانت الواقع الذي أجبرها على اتّخاذ هذا الخيار، و الغضب تجاهَ ليفيا التي خلقت هذا الوضع، يهزانها من الداخل.
وكما لو كان تصرفها هو الجواب الصحيح، اقتربت ليفيا وقالت للآنسة فالاندي:
“لطفلة صغيرة و ضعيفة كهذه… ماذا فعلتِ بحق الجحيم؟”
أغمضت بياترس عينيها بقوة. كانت فكرة أنها، التي تُعرفُ بسيّدة الأوساط الاجتماعية، قد استُغلت من قبلِ فتاة صغيرة تدمر كبرياءها. لكن ما كان أكثر إيلامًا هو أن حياةَ آيشا كانت مرهونة بمثلِ هذه المؤامرة الدنيئة.
صرّت بياترس على أسنانها، و كبحت مشاعرها بالكاد، وحدّقت بالآنسة فالاندي، التي أصبحت كبشَ فداء ظلماً.
على الرّغمِ من أن الشّخص الذي يستحق غضبها كان بجانبها مباشرةً، لم تستطع بياترس تحويل نظرها.
“يا إلهي… تسميم في وجود صاحبة القوة المقدسة. ما الذي فعلته هذه الطفلة البريئة؟”
“هل هذا بسبب الغيرة؟ لأن الأميرة أرفين كانت خطيبة ولي العهد سابقًا…”
“حتى لو كان الأمر كذلك، لماذا تسمم الآنسة شيرن البريئة؟ لا بد أنّ هناكَ نوايا أخرى.”
“ربما كانت تريد فصل عائلة شيرن. عائلة الماركيز فالاندي لا يمكنها منافسة عائلة شيرن من حيث الثروة.”
“يا إلهي! هذا دنيءٌ وقبيح جدًا. ربما بسببِ أصلها الوضيع…”
تداولت التكهنات بناءً على ما ظهرَ على السطح.
والمضحكُ أن الجميع، خوفًا من رد فعل صاحبة القوة المقدسة، تجنبوا قولَ أي شيء ضدها. عندما بدأت ليفيا باستجواب إيرديا، بدأ الناس تلقائيًا باتهام الآنسة فالاندي.
لأنهم أدركوا أن هذا هو التّيار الذي تريده.
بالنّسبة للناس هنا، الحقيقة لم تكن مهمة. وضعوا الاثنتين على ميزان، واختاروا جانبًا دونَ تردد.
ما يهم هو مَنْ سيفيدهم أكثر في المستقبل.
بالتأكيد، كانت بياترس نفسها قد وضعت الاثنتين على الميزان و ترددت.
هل كانت ستفعل الشّيء نفسه؟
من بعيد، بدا المشهد كتآمرٍ صامتٍ محسوب بدقة.
عندما نضجت الأجواء مع السخرية والكراهية من الناس،
“لم أفعل… أي شيء.”
تحدثت الآنسة، التي كانت تقفُ بلا مبالاة، بعد أن أصبحت الأجواء معادية بالفعل.
كما كانت صامتة، كان صوتها هادئًا.
“بل أريدُ أن أسأل. الطفلة في حالة حرجة، فلماذا لم تتخذي أي إجراء بعد، يا صاحبة القوة المقدسة؟”
استدارت بياترس رأسها بسرعة، كانت غاضبة لدرجة أن عينيها احمرتا من الإذلال. كان هذا طلبًا ضمنيًا لشفاءِ الطفلة فورًا بعد أن فعلت ما أرادت.
توقفت ليفيا للحظة، ثم فتحت فمها ببطء.
“بالطبع. إذا تسممت طفلة صغيرة في حفل شاي تستضيفه صاحبة القوة المقدسة… فلا شيء أكثر سخافةً من ذلك.”
كان كلامها مليئًا بالسخرية، مشيرًا إلى مدى حماقة استخدام السّم في وجود صاحبة القوة المقدسة.
بابتسامة رحيمة، مدّت ليفيا يدها ببطء نحو آيشا.
في اللحظة التي كادت يدها أن تلمسها، تحدثت الآنسة فالاندي.
“لا تقلقي، لن تنتشرَ مثلُ هذه الشّائعات السخيفة.”
“…ماذا؟”
“لقد قمت بالفعل بإزالة السّم. لذا لا داعي لأن تفعلي ذلك، يا صاحبة القوة المقدسة.”
شعرت بياترس وكأنها تلقّت ضربةً أخرى على رأسها، لكن بمعنى مختلف هذه المرة.
لقد كسرت كبرياءها، و صفعتْ خدّ الآنسة البريئة، و دفعتها لتُتهم كمجرمة… كل ذلك بدافع إنقاذ آيشا.
لكن الآن، لم تكن هناكَ حاجة لهذه القوة؟ لقد تم إزالة السّم بالفعل؟
إذن، هل صفعت خدّ المنقذة التي أنقذتْ حياة آيشا؟
“الآنسة… تقولين إنكِ أزلتِ السم، ماذا تعنين؟”
لم تعدْ تهتم بالمظاهر. لم تستطع بياترس إلا أن تسأل.
نظرت الآنسة فالاندي إلى ليفيا، التي كانت تنحني لشفاء آيشا، و ابتسمتْ بسطوع.
كانت ابتسامة بريئة كالأطفال، لا تتناسب إطلاقًا مع الوضع الحالي. أصيبتْ بياترس بالذّهول من هذا المشهد.
على الرّغمِ من أن السؤال جاء من بياترس، إلا أن إجابة الآنسة كانت موجهة إلى ليفيا، وليس إليها.
“نعم، لقد أزلتُ السم. أثناءَ الإسعافات الأولية، أدركت أن حالة آيشا لم تكن بسببِ مرضٍ مزمن، بل بسبب تفاعل سام. ولحسنِ الحظ، كان لديّ الترياق المناسب بين أدويتي.”
توقفت يد ليفيا في الهواء. رفعت رأسها بهدوء و نظرت إلى الآنسة.
تشوهت زاوية فمِ ليفيا قليلاً. كان الانزعاج واضحًا، لكن الآنسة واصلت الميل برأسها بابتسامةٍ بريئة.
“أليس هذا من حسن الحظ حقًا؟”
كان ذلكَ كافيًا لجعل جميع الذين كانوا يسخرون منها يشعرون بالحرج.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 94"