في هدوء الفجر، كسرَ صوت حوافر الخيل الممتد السكون.
بعد أيامٍ من السفر، بدأت المدينة تظهر من بعيد.
بيلانيف، المدينة التي كانت تُعرف سابقًا بحديقة الماء. الآن، لم يعد فيها شيءٌ من الرّومانسية أو الرّاحة التي تناسب اسمها.
كانت المدينة، التي شكّلها مجرى النهر، لا تزال مغمورة بنصفها تحتَ الماء. الجسر المنهار كان مغطى بالطحالب، وبقايا المنازل المهدمة كشفت عن أعمدة خشبية رمادية عارية.
كانت الأنقاض المبللة شاهدةً على كارثة ضربت المكان.
مهما أنكرت، لم يكنْ لوجهها الأحمر المشتعل أي إقناع.
تذكّرَ كاليد محادثتهما في الفناء الخلفي، و رفعَ زاوية فمه دونَ وعي.
“هنا، نحن زوجان، فيمكنكِ النظر إليّ كما تشائين. أنا أسمح لكِ.”
“و إذن؟! لن أنظر!”
كان من الممتع رؤية خديها يتحولان من اللّون الوردي إلى احمرارٍ عميق. فتحَ كاليد باب العربة بهدوء.
على الرّغمِ من التّنكر البسيط، لم يكن بإمكانهم إخفاء هويتهم تمامًا. كانت الأولوية هي فهمَ وضع بيلانيف بأسرعِ ما يمكن.
بعد أن أكملَ جيرمان تسجيل الإقامة في النزل، مدّ كاليد يده نحو إيرديا، التي كانت لا تزال داخل العربة.
“انزلي، يا زوجتي.”
* * *
أمسكتُ يد كاليد بتردّد ، و نزلتُ من العربة. هبّت ريح رطبة بقوة.
بدت بيلانيف، من المرتفعات، أكثر بؤسًا مما رأيته من النّافذة.
كانت المدينة المغمورة مهجورة كأنها أطلال قديمة، والجسر الذي كان رمزًا لها بالكاد يحتفظُ بشكله.
لم تكنْ هناكَ وسيلة لإصلاح المدينة المغمورة.
غيّرَ النهر المتدفق أثناءَ الفيضان التضاريس، مما جعل الترميم مستحيلاً، وكان تصريف المياه المتدفقة باستمرارٍ غير ممكن منذ البداية.
فعلتُ كلّ ما بوسعي حينها، فما المشكلة الآن؟
كبحتُ قلقي و سحبني كاليد، فتحركتُ بصعوبة.
كان النزل أكثر ترتيبًا وأفضلَ مما توقعتُ.
“زوجان حديثا الزواج؟ ما الذي جاءَ بكما إلى هنا؟”
تمتمَ صاحب النزل وهو يرشدنا إلى الغرفة. يبدو أن قدوم زوجين شباب إلى مكان مدمر مثير للريبة.
“كانت زوجتي تتوق لزيارةِ هذا المكان منذ طفولتها. وعدتها أن آتي بها بعد الزواج… لم أكن أعلم أنه تغير إلى هذا الحد. ماذا حدث؟”
لكي لا نبدو مشبوهين حتّى لو لم نعرف بالفيضان، خلعتُ غطاء الرّأس و أظهرتُ خيبة أمل. نظر إليّ صاحب النزل بنظرةٍ فاحصة على شعري الأسود، ثم تنحنح وأجابَ:
“جمال بيلانيف انهارَ قبل ستّ سنوات بسببِ الفيضان العظيم. ماذا يمكنُ للبشر أن يفعلوا أمام نزوات الطّبيعة؟”
بالنّسبة لشخصٍ فقدَ موطنه، كان كلامه هادئًا ومتماسكًا بشكلٍ مدهش.
واصل كاليد الحديث بسلاسة، دون أن ينسى إظهار العاطفة تجاه زوجته بين الحين والآخر. حتى الأفعال التي كانت مجرد أخلاقيات تعلمها كأمير بدت كعاشق بفضلِ نظراته و نبرته.
كان قلبي ينبض بقوة، قلقة أن يسمع كاليد دقاته عبر يدي الممسكة به.
عندما وصلنا إلى الغرفة، فتحَ كاليد البابَ و وضعَ يده على كتفي بلطف. كان عليّ أن أجاهد لعدم الظهور متفاجئة أمام صاحبِ النزل الذي لم يغادر بعد.
“أعلم أنكِ متعبة من الرّحلة الطويلة، وهذا المكان الذي حلمتِ به أصبح هكذا، فلا بد أن تكوني خائبةَ للآمال. إيلي، استريحي اليوم. سأتفقد إن كان هناك معالمٌ لا تزال قائمة.”
كان صوته المليء بالعاطفة و القلق حلوًا كالعسل.
نظرته الرقيقة جعلتني أشعرُ بالاختناق، كأنني عدتُ إلى أيّام علاقتنا.
لماذا كانَ يجبُ أن نكونَ زوجين حديثي الزواج؟ كان بإمكانه اختيار أيّ علاقة أخرى.
‘لو لم ينتهِ ذلك التّجسد، لو تزوجتُ منكَ حقًا، لكانت هذه العلاقة ممكنة…’
لم أردْ تجربة ذلكَ عبر تمثيلٍ كاذب كهذا.
هل اختارَ كاليد هذه الخطّة وهو يعرف شيئًا؟
حتى مع هذا التفكير، لم أستطع منع قلبي منَ الشعور بالألم.
لكن الشّيء الجيد هو أنه، تحتَ ستار هذا التمثيل، يمكنني عدم إخفاء مشاعري تجاهه.
“لا يمكنُ تغيير ما حدث. لكن مجيئي معكَ إلى هنا يكفيني لأكون سعيدة. لذا، عـدْ باكرًا، كال. لا تتركني وحدي لفترةٍ طويلة.”
دونَ إخفاء مشاعري التي أردتُ التّعبير عنها الآن، أمسكتُ يده على كتفي وأنزلتها، و أنا أطلبُ منه بحذر.
مرّتْ لحظةٌ من الحيرة على وجهه، لكنه سرعان ما أرسلَ نظرة رقيقة كما لو أنها كانت وهمًا.
“لن أذهب بعيدًا. كيف سأترككِ وحدكِ طويلاً؟”
ابتسمتُ بفرح لهذا الكلام الطبيعي. ردَّ كاليد بلمسة خفيفة على خدي و أغلق! الباب.
كانت لمسته القصيرة على خدي حارة. كانت دافئة بشكلٍ مألوف، كما في تلكَ الأيام القديمة.
“عُـدْ قبلَ غروب الشمس. الضباب يصبح كثيفًا هنا في المساء، و بالكاد يمكن رؤية الطريق.”
“إذًا، لا يوجد أحد تقريبًا في الشّوارع ليلاً.”
“يقولون إن الأرواح الغارقة في المناطق المنخفضة تظهر في الضباب و تأخذ الناس. لذا لا يخرج أحد في المساء.”
“هناكَ مثلُ هذه القصص؟”
“ربما قصصٌ لتخويف الأطفال… لكن لا ضرر من الحذر.”
ابتعدتْ أصوات كاليد وصاحبِ النزل تدريجيًا عن الباب.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 61"