عندما أعلنت الدّوقة الكبرى رغبتها في رؤية حلبة التوكيل بنفسه، عادَ كاليد على الفور إلى القبو.
حاولتُ متابعتهما، لكن إشارة كاليد أوقفتني، فعدتُ إلى المنزل الآمن.
أثناءَ عودتي بخطواتٍ متثاقلة، رأيتُ ميرسين تُنظَّف بسرعة. كان هناكَ ضجيج من الهاربين والذين يدّعون البراءة، لكن عندما ظهر الجنود الذين يحملون ختم الدوقة، أصبحوا هادئين كالخراف.
كان ذلكَ متوقّعًا من ميرسين، المدينة ذات النفوذ الشمالي القوي.
حتّى لو لم يكن الأمر كذلك، فقد جاءت الدوقة بعددٍ هائل من القوات، لدرجة أنّ المرء قد يظنّ أنّها تنوي احتلال ميرسين بالقوة. لقد قادت جيشًا بالمعنى الحرفي.
“يبدو أنّها كانت قلقةً عليكَ حقًا.”
تمتمتُ بهدوء وأنا أنظر إلى شوريل الذي لا يزال فاقدًا للوعي.
كنتُ أظنّ أنّها ستهرع للاطمئنان عليها فورًا، لكن الدّوقة اختارت تنظيف الموقع ومعالجة الأمور أولاً. كانت عبارتها الوحيدة التي أبدت فيها استياءً من ذكر اسم شوريل هي كل ما قالته.
“حسنًا… لم أسمع بقيّة الحديث، لكن غياب الدّوقة الكبرى هنا يخبرني بما فيه الكفاية.”
كان إعطاء الأولويّة للأمور العامّة كدوقة أمرًا جديرًا بالإعجاب، لكن شفتيّ كانتا تتحرّكان بانزعاج. بالنسبة لي، كان شوريل أخي الوحيد، و بالنسبة للدّوقة ، كان حبيبها الثمين الذي عانى من أمرٍ مروّع و هو مستلقٍ الآن، لكنّها لم تهرع إليه على الفور، وهذا لم يُرضني.
‘هل هي حقًا الدّوقة الكبرى؟ حقًا؟ حقًا؟’
‘قالت إنّني مثل مدفأة في الشتاء. أليس هذا التعبير لطيفًا؟’
‘مدفأة؟ أنتَ؟ ماذا يعني ذلك؟’
‘يعني أنّني أجعلها تشعر بالدفء و الراحة أمامي كما لو كانت أمام مدفأة. تعبيرها أخرق، لكنّها صادقةٌ جدًا. أحبّ ذلك كثيرًا.’
‘لا بدّ أنّكَ تشتاقُ إليها كثيرًا. بسببي، أنا مَنْ دعوتكَ إلى هنا…’
‘لا بأس. لقد رأيتُ كيف تغيّرتِ، أختي. ستفهمني هي أيضًا.’
‘ومع ذلك، أنا آسفة. شاهد حفل الزفاف و ارجع بسرعة، حسنًا؟ سأشعر بالذنب تجاه الدّوقة الكبرى إذا أبقيتكَ هنا.’
‘حتّى لو أردتِ إبقائي، سأذهب إليها، فلا تقلقي.’
طعنتني المحادثة التي أجريناها قبل حفل الزفاف في قلبي.
وجهه الذي ابتسم باشتياق و هو يقول إنّه سيذهب إلى حبيبته حتّى لو أردتُ إبقاءه لا يزال واضحًا جدًا في ذهني.
شعرتُ بحرقة في أنفي، فنشجتُ مرّةً وابتسمتُ بسخرية.
“مهما نظرتُ إلى الامر، لا تبدو شخصًا لطيفًا.”
كيف يمكنُ لأحدٍ أن يراها لطيفةً؟
الدّوقة الكبرى كلاوس، حتّى لو زُيّنت بأجمل الزينات، كان يناسبها وصف “رائع”، وليس “لطيفة” أو “محبوبة”.
شعرها، الذي ظننته أسود في البداية، كان بنيًا داكنًا، وندبة خفيفة تمتد عبر عينها اليمنى، وغطاء عينٍ أسود على عينها اليسرى. بشرتها البيضاء النمطيّة لسكّان الشمال و عيونها الكبيرة ذات الجفون المزدوجة الداكنة، مع زاوية عينٍ مرتفعة، جعلتها تبدو أكثر شراسة.
لو كانَ جمالًا بزوايا عينٍ مرتفعة، لربّما فكّرتُ في قطّة، لكن الدّوقة جعلتني أفكّر في وحشٍ مفترس أوّلًا.
“مهما نظرتُ، تبدو كجمالٍ يشبه النمر.”
بالطّبع، رغم الندبة و غطاء العين، كانت جميلة بشكلٍ يثير الدهشة.
بينما كنتُ أفكّر في هذا وذاك، مرّ الليل بسرعة وأصبح الفجر.
“أغ… أووه!”
استيقظَ.شوريل، الذي كانَ نائمًا بعمق، و هو يئنّ من الألم. و
كان يمسكُ صدره و يتلوّى، قفزتُ من مكاني وأمسكتُ يده.
“هل أنتَ بخير؟ لمَ؟ أين تتألم؟”
سألتُه دونَ قصد بنبرةٍ كنتُ أستخدمها عندما كنتُ ليفيا، ففتح عينيه الضبابيّتين و تحرّكت شفتاه الجافّتان.
“…أختي؟”
عندما ناداني بصوتٍ مبحوح، أردتُ الردّ بشدّة، لكن هذا اللقب أيقظني فجأة. عضضتُ شفتيّ بقوّة لأتمالك نفسي.
“السيّد شوريل؟ هل استعدتَ وعيك؟ أين تشعر بالألم؟”
“آه… أين…”
كانت عيناه الزرقاوان، النقيّتان كالبحيرة، قد أصبحتا عكرة، وهي تهتزّ و ترتجف من القلق، كما لو أنّه يُـظهر ثلاث سنوات من الأسر في حلبة التوكيل، ممّا جعل قلبي يتمزّق.
“تناول الدواء أوّلًا. ها هو، تناوله.”
عندما قدّمتُ له دواء إزالة المخدّر الذي وصفه الطبيب، أظهرَ شوريل نفورًا كما لو أنّه رأى شيئًا مرعبًا.
“…أغ، لا! أبعديه!”
“بام!”
دفعتني يده بقوّة، فأسقطني على الأرض. كان الألم من السّقوطِ أقلّ من الحرقة التي شعرتُ بها عندما خمنتُ سببَ رفضه للدّواء.
“يجب أن تتناوله. هكذا ستتحسّن!”
كتمتُ بكائي، نهضتُ مجدّدًا، و أمسكتُ ذراعه بعناد.
حاولَ شوريل، الذي لم يكن في وعيه، دفعي مرّاتٍ عديدة.
بعد تحمّل مقاوماته العنيفة، تمكّنتُ أخيرًا من إدخال الدواء في فمه.
“هذا… اتركيني!”
في لحظة راحة، ضربني كفّه على وجهي.
“كوادانغ-”
اصطدمتُ بالكرسي الذي كنتُ جالسةً عليه و سقطتُ، لكن بعد أن تأكّدتُ أنّه ابتلعَ الدواء، شعرتُ أنّ هذا نجاحٌ نوعًا ما.
ضحكتُ كالحمقاء دونَ قصد.
“…هل يستحقّ الأمر أن تُضربي من أجله؟”
لو لم أسمع الصّوت المنزعج، لربّما استمررتُ في الضّحكِ كالحمقاء.
“ماذا؟ آه… سموّكَ، لقد جئتَ؟”
“كيف لكِ أن تُلقي التحيّة بهدوء و أنتِ بهذا المنظر؟”
نظر إليّ كاليد من رأسي إلى أخمص قدميّ، وعبس كما لو أنّه غاضبٌ من شيءٍ ما.
كان وجع ضربة شوريل لا يزال يؤلمني على خدّي.
اقتربتُ بخلسةٍ من المرآة في الغرفة لأرى مظهري.
“آه.”
“كلمة ‘مجنونة’ تُستخدم في مثل هذه الحالات. ما الدين الذي تدينين به لشوريل حتّى تفعلي هذا؟”
“حسنًا… يبدو الأمر سيّئًا، لكنّه ليس مؤلمًا جدًا…”
تمتمتُ بتبريراتٍ وأنا أنظر بحذر.
كان شعري القصير مشعّثًا، وكانَ الدم يسيل من أنفي، وخدّي متورّمٌ بالأحمر، ومن المؤكّد أنّه سيترك كدمة كبيرة.
إضافةً إلى ذلك، كانَ معصمي و كتفي وذراعي، التي أمسكها شوريل، مليئةً بالكدمات أو على وشكِ أن تكون كذلك.
شعرتُ بالحرج من مظهري البائس، لكن كلّ هذا كان من أجلِ شوريل.
لكن لماذا كان كاليد غاضبًا إلى هذا الحدّ؟
سألته بحذر:
“إذا كنتَ قلقًا عليّ…”
“مَـنْ؟!”
“حسنًا، بالطّبع. أنا بخير. أنا ابنة ماركيز، لكنّني لم أطلبْ من أحدٍ أن يفعل هذا بدلاً مني… إذا كنتَ قلقًا من أن ترى الدّوقة الكبرى هذا و يؤثّر على سمعتي…”
في تلكَ اللحظة، دخلت الدّوقة الكبرى كلاوس، التي كانت تقفُ عندَ الباب منذ البداية، إلى الغرفة.
عندما دخلت بثقل وجودها، توقّفتُ عن التمتمة.
خارج النافذة، كان الظلام يتلاشى، وكانت أشعّة الفجر تنتشر بضعف.
جاءت الدوقة، التي أنهت تنظيف الموقع طوال الليل، لرؤية شوريل، ونظرتْ إليّ، انا التي بقيتُ بجانبه طوال الليل أعتني به، بنظرةٍ غريبة.
شعرتُ بقشعريرةٍ تمرّ عبر ظهري.
شعرتُ كما لو أنّني عارية تحت نظرتها البطيئة التي جالت من رأسي إلى أخمص قدميّ. خجلتُ من مظهري البائس، فأنزلتُ رأسي، و مسحتُ الدم المتدفّق من أنفي بسرعة.
عندما رفعتُ رأسي مجدّدًا، كانت نظرة الدّوقة موجّهة إلى مكانٍ آخر، كما لو أنّها لم تنظر إليّ أبدًا.
اقتربت من شوريل دونَ كلمة.
كان شوريل قد هدأَ قليلاً بعد تناول دواء إزالة المخدّر، لكنّه لا يزال غير قادرٍ على التمييز.
“لا، لم يستعد وعيه بعد…”
حاولتُ منعها من الاقتراب خوفًا من أن تُضرب كما حدث معي، لكنّني لم أكمل جملتي.
رفعَ شوريل يده نحو الشّخص الذي اقتربَ منه، كما فعل معي.
“بام!”
توقّفَ يده في الهواء. فتحتُ فمي بدهشة.
على عكسي، تفادت الدّوقة كلاوس يده بسهولة، و اقتربت من السرير، و أمسكت بياقة شوريل و رفعته بسرعة.
“افتح عينيكَ، شوريل.”
“آه…”
“افتح عينيكَ.”
كان أمرها، المعبّر عنه بصوتٍ مكبوت كما لو أنّها غاضبة، باردًا بلا حدود.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 52"