أنكرت ليفيا الواقع بجنون حتى فقدت وعيها في النهاية.
كانت تلكَ نتيجة طبيعيّة بعد أن سُحبـت قوّتها المقدّسة بالكامل.
بالنّظر إلى الأفعال الشريرة التي ارتكبتها، كانت النهاية فارغة بشكلٍ مخيب للآمال.
كانت هذه النهاية ممكنة فقط لأن بيسيا استرجع كل قوّتها المقدسة.
عند رؤية وجهها الملطخ بالدموع، برز شعور الذنب الذي كنتُ أكبحه.
عضضتُ قبضتي و همست بهدوء لها، هي التي لن تسمعني:
“لم أهـزّ حياتكِ عن قصد. ظننتُ أنّها حياتي… ظننتُ أنها حياتي الجديدة. لكن…”
ليسَ كل شيء يُغفر لمجرّد أنني لم أعرف.
هل كان يجبُ أن أحبس نفسي في غرفة و أقول “أنا لستُ ليفيا” منذُ لحظة التّجسد؟
هل كان ذلكَ الحل؟ هل كانت هناك طريقة أفضل؟
مهما فكرتُ، لم أجد إجابة يمكن اعتبارها صحيحة بعد.
“…أنا آسفة. على الأقل، كان يجب أن أقول إنني لستُ ليفيا أرفين عندما تجسدتُ، لكنني لم أفعل. كنتُ خائفة من أن يرفضني الجميع… لذا تظاهرتُ بأنّني أنـتِ.”
بغضّ النظر عن الخطايا التي ارتكبتها ليفيا أرفين، كإنسانة لإنسانة أخرى، كنتُ آسفة على هذا الأمر فقط.
“هذا الشّيء الوحيد… أردتُ أن أقول أنني آسفة عليه.”
الكلمات التي ألقيتها عليها هي التي لن تسمعها ، لن تكون اعتذارًا حقيقيًا.
إذا استيقظتْ، سأقولها مرّةً أخرى.
حتى لو كان اعتذارًا من اجل شعوري بالرّاحة، وحتى لو لم يُمـحَ شعور الذنب، لكن…
نظرتُ إلى ليفيا للحظة، ثم التفتُ نحو مصدر صوت المعدن.
تصادم سيفا كاليـد و إدموند، جاعلا شرارات تتطاير.
“السّيدة ليفيا!”
سماع صراخ ليفيا اليائس جعل إدموند يحاول الرّكض نحوها عدّة مرّات أثناء القتال.
“يبدو أن لديكَ الكثير من الوقت لتتشتت.”
في كل مرة، كان كاليـد يقف ببرود ليمنعه.
“سمو وليّ العهد، هذا ليسَ الوقت لتقاتلني هنا. هل قررتَ التّخلي عن الإمبراطورة؟”
على الرّغمِ من عجلته للوصول إلى ليفيا، ألقى إدموند كلمات باردة.
كانت كلمات تهدف إلى اختبار قلب كاليـد، لكن سيفه لم يتزعزع أبـدًا.
ضاق جبين إدموند، و تصادمت ضرباتهما مجدّدًا.
على الرّغمِ من هجمات إدموند الشرسة، الذي كان واضحًا أنه تناول آدم، تصـدّى كاليـد لـه بحزم و دفعه للخلف.
في النّهاية، جُرح إدموند في خاصرته بسيف كاليـد.
شقّ!
تدفّـق الدم بغزارة.
حتى رغمَ كونه عـدوّنا ، جعلني هذا المشهد أعبس للحظة.
أصبحَ تنفس إدموند ثقيلًا. لكن على الرّغمِ من إصابته الخطيرة، تحـرّك كما لو لم يشعر بالألم، كما كان من قبل.
لم يبـدُ أن الدم المتدفق يعنيـه.
حتى مع تناول آدم، كان هذا المستوى مذهلاً. ربّما كان واحدًا من القلّـة الذين حصلوا على تأثيرات آدم الكاملة، كما قالت ليفيا.
“…..!”
في تلكَ اللحظة، لوى إدموند جسده، صـدّ سيف كاليـد، و ركضَ مباشرةً نحوي و نحو ليفيا.
تبعـه كاليـد بسرعة و احتضنني لحمايتي.
فتحتُ عينيّ بدهشة من احتضانه لي هو الذي كان مستعدًا لتحمّـل الإصابة بدلاً مني، لكن كاليـد لم يبـدُ متألّمًـا.
عندما خرجتُ من احتضان كاليـد القوي الذي كـاد يخنقني، رأيتُ إدموند يحمل ليفيا الفاقدة للوعي ببطء.
“آه….سيّدتي ليفيا.”
كان يداعب خدّها المتورم و رقبتها الشاحبة، ثم وضع يدها المتراخية على خـدّه و ابتسم.
“كيف تذرفين الدّمـوع؟”
“…..”
“لا تهتمي بأيّ شيء آخر. وجودكِ لوحده هو الخلاص بالنّسبة لـي.”
“…..”
“أنـتِ أكثر تميّـزًا من أيّ شيء في العالم. سيّدتـي.”
كان المشهد مذهلاً و غريبًا، لم أستطع سوى المشاهدة.
كان يتصرّف بحذر كما لو كان يؤدي طقسًا مقدسًا.
أمسكتُ يد كاليد بقوّة دونَ سبب و أنا أراقب الاثنين.
لم يبـدُ أن إدموند يهتمّ بكمية الدم التي فقدها. مع هذا النزيف، كان من المفترض أن يتعثر و ينهار الآن.
حتى رداء ليفيا الأبيض بدأ يتلطّخ بدمـه. وضع إدموند يديها المتراخيتين، اللتان لم تستطعا مداعبة خـدّه برفق.
أخرج منديلاً نظيفًا بـيدٍ مرتجفة و مسـح وجه ليفيا الملطّـخ بالدموع.
على الرّغمِ من أن يـده الملطّخة بالدم كانت تمسح و تلـوّث مرّةً أخرى، أكمل تصرّفاتـه بحذر كما لو كان يتعامل مع كنـزٍ ثمين.
نظـرَ إلى ليفيا لفترةٍ طويلة بتعبيرٍ مبتهج، كما لو كان سعيدًا بمجـرّد النّظـر إليها، ثم قبّـلَ جبهتها بحذر و نهـضَ ببطء.
ضغطَ على خاصرته المجروحة بعمق، و رفعَ شعره المنكوش، و نظـرَ إلينا بعينين تلمعان كوحش شرس.
“لا تقلقي، سيّدتي ليفيا.”
تحـدّث إلى ليفيا، التي لا تستطيع سماعه، بنبرةٍ ناعمة و ثابتـة كالمعتاد.
“أنا بخيـر.”
دفعني كاليـد بسرعة إلى الجانب.
في لحظة، اختفى إدموند من مجال رؤيتي، و اقترب منّي ليطعننـي.
كما لو أنه لم يبذل كامل قوّتـه من قبل بسببِ قلقه على ليفيا، ضاق جبين كاليـد من هجومه الذي أصبحَ أكثر شراسة.
حاولتُ الابتعاد لِئـلّا أكون عائقًا لكاليـد، لكن إدموند، على عكسِ السّابق، كان يستهدفني أنا وليس كاليـد، فلم أستطع.
كنـتُ أخشى أن يُصاب كاليـد بشدّة إذا ابتعدتُ قليلاً وهو يحاول حمايتي.
كنتُ ممتنّـة لأنني تعلمتُ المبارزة للدفاع عن النفس.
لو لم أكن أعرف شيئًا، لربّما تسبّبتُ في كارثة بمحاولة الابتعاد.
مع استمرار القتال، انفجـر جرح إدموند الذي في خاصرته. و مع النّزيف المستمر، انهار أخيرًا على ركبتيه على الرّغمِ من عينيه المتوهجتين.
لم يفوّت كاليـد الفرصة.
طعن!
اخترق سيفه قلب إدموند بدقة.
“آه!”
حتّى لو كان مدمنًا على آدم و لا يشعر بالألم، لم يستطع البقاء على قيدِ الحياة بعد طعن قلبه.
بعد أن تقيـأ دمًـا، حاولَ الحركة مجدّدًا، لكن كاليـد سحبَ سيفه دونَ تردّد.
تقيأ إدموند دمًـا مرّةً أخرى و تعثّـر.
ضغطَ على صدره المطعون و تحـرّك بتمايل، فوقفَ كاليـد أمامي بحذر. لكن وجهة إدموند، كما في السّابق، كانت إلى جانب ليفيا.
“…ها…”
أطلقَ نفسًا ممزوجًا بالدم، و ركـعَ على مسافة من ليفيا، ربما لئـلاّ يلوّثهـا بدمـه.
“…أنا… بخير…”
انهار جسده المرتجف بلا قوة إلى الجانب.
“…سيّدتـي…”
حتى لحظة توقف أنفاسه، كانت عيناه مثبّتتين على ليفيا فقط.
لم أستطـع قول شيء.
على عكس الأتباع الآخرين الغارقين في الجنون، لم يكن ولاء إدموند لليفيا نابعًـا فقط من كونها سيّدة القوّة المقدسة.
ضغطتُ على فكّـي و أغلقتُ عينيّ بقوة.
“أنـتِ أيضًـا… كان لديـكِ شخصٌ على استعداد للتضحية بحياتـه من أجلـكِ، شخصٌ يمنحـكِ الحبّ.”
هل كانت ليفيا تعلم؟
أن هناك مَـنْ يعتبرها الأكثر تميّـزًا في العالم حتى بدون قوّتها المقدّسة.
هل كانت تعلم بحبّ إدموند الأعمـى لها؟
كيف ستتقبّـل ليفيا موت إدموند عندما تستيقظ، كان ذلكَ أمرًا لاحقًا.
فقدت ليفيا وعيها، و مـات إدموند الذي كان يتحرك نيابةً عنها.
الآن هو وقت تسوية كل شيء حقًّـا.
“سموّك!”
في تلكَ اللحظة، جـاء شوريل و الدّوقة الكبرى كلاوس راكضين بسرعة.
“…هل ماتـا؟”
“ليفيا فقدت وعيها فقط.”
نظرَ شوريل إلى ليفيا و إدموند بتعبيرٍ معقد.
“توقّعتُ معركة دامية، لكنها انتهت بسهولة مخيبة للآمال.”
“بما أنّـه لم يمـت أحد عبثًا، فإن النهاية المملة جيّدة أيضًا.”
هـزّت الدّوقة الكبرى كتفيها موافقة على كلمات كاليـد.
“إذن، ماذا عن الجيش الذي جلبناه؟”
“سنحتّـل قصر أرفين. يجب تفتيشه و تنظيف الوحوش في الطّابق السفلي في نفسِ الوقت.”
“سيتولى جيش الشمال، الذي لا يزال لديه طاقة، الطابق السفلي.”
“أطلب منكِ ذلك.”
وزّع القائدان الموهوبان القوات بحوار قصير.
نظرَ شوريل إلـيّ و إلى ليفيا بتعبيرٍ غامض، ثم توجّـه مع الدّوقة الكبرى نحو مدخل الطابق السفلي في القصر.
كان لديّ الكثير لأقوله لشوريل، لكن كان هناك ما هو أهم.
“كاليـد! يجب أن نسرع. إذا استيقظت ليفيا، ستحرّض النّبلاء ضدّ منصبكَ كوليّ للعهد. قبل أن يحدث ذلك، يجب أن نتعامل مع النبلاء أولاً…”
بسببِ تركيزي على إطلاق الحاجز المقدّس، نسيتُ أمـر الإمبراطورة.
لم يكن هذا شيئًا مُختلقًـا، ولم يكن مرتبطًا بخطايا ليفيا، لذا كان يجب حلّـه من أجل مستقبل الإمبراطورية.
لكن، على عكسِ قلقي، بدا كاليـد هادئًـا بطريقةٍ ما.
التعليقات