المكتب الذي كان نظيفًا في السّابق، أصبحَ في حالة فوضى. تقارير عن حالة المرضى، التّحقيقات الوبائية، معدلات الانتكاس، و حالة تطوير الترياق… كانت الأوراق تُغرقني.
بعد نقل المكتب و تقسيم العمل، كنتُ أتلقّى تقارير عبر كرة الاتصال من أنحاء راجان، مستمعةً باهتمام لحـلّ هذا الوضع المروع.
“هل اكتشفتم من أين تظهر الوحوش؟”
“هناك مخلوقات تخرج من تحتِ الأرض، مما يجعل تحديد نقاط ظهورها صعبًا. لكن الشّيء المؤكد هو أن الوحوش لا تتّجـه إلى جنوب راجان، حيث قصر أرفين.”
“قد يكون ذلكَ بسببِ القوّة المقدسة لـليفيا، أو ربّما استخدم البابا حيلةً ما.”
“يقال إن فرسان لومينتيا المقدسين أُمروا بعدم التّدخل إلا لحماية سيد القوة المقدسة، لكن يبدو أن البابا نفسه يفعل كل ما بوسعه.”
نظرت إلى ألدين، الذي ينطق بكلمات قد تُعتبر تجديفًا بكل أريحية، ولم أستطع إلا أن أبتسم بمرارة.
كان البابا يتصرّف و كأنه يحمل سيف العقاب، لكنه الآن يقلّـد البركات إلى جانبِ ليفيا.
بينما المذنبة الحقيقيّة، التي تستحق العقاب، تقـف بجانبه مباشرةً.
كان البابا بالفعل يسير على نفس الطّريق مع ليفيا، ولم يعد من الممكن وصفه بالقديس الذي يخدم الحاكم.
“يبدو أنّه تـمّ إطعام آدم الوحوش أيضًا، و ربّما انتشر عبر قنوات المياه الجوفية. المشكلة هي كيف نوقفه…”
كان من المحتمل أن يكون قصر أرفين نقطة البداية. هكذا يصعب اكتشافه، و حتى لو اكتُشف، سيكون من الصّعب إيقافه.
“يجب تفتيش قصر أرفين. إذا أغلقنـا المدخل، لن تتكاثر الوحوش أكثر.”
“لكن قصر أرفين الآن مليء بالمصابين بالسّم الذين يصطفون لتلقي العلاج. إذا فتّشنـاه بالقوة، سيزداد عدد المتمرّدين.”
كانت هذه هي المشكلة الأكبر.
على الرّغمِ من معرفة مصدر المشكلة، لم يكن بالإمكان حلّـها. علاوةً على ذلك، كان عدد المعجبين بليفيا، الذين تأثروا بآدم، يتزايد.
في هذا التّوقيت بالذات، توفـي الإمبراطور، مما جعل اضطراب الرأي العام أمرًا متوقعًا.
في البداية، كان هناك عدد قليل من المتمردين يحاولون اقتحام القصر الإمبراطوري، لكن الآن انتشرت في راجان جماعات تصرخ بشعارات غريبة مثل “يجب إنقاذ الإمبراطورية و تهدئة غضب الحاكم”.
بالطبع، المسؤولون عن ذلكَ كانوا من أتباع ليفيا الذين تناولوا آدم، لكن المشكلة أن الناس كانوا يتأثّـرون بالتحريض و ينضمّـون إليهم.
بينما كنتُ أكافح لدعم جسدي المرهق، ضغطت على صدغيّ بقوة.
كنت أقضي معظم اليوم في شفاء المصابين بالسم بقوتي المقدسة، و أكرّس بقية الوقت لحلّ مشاكل راجان.
كنت منهكةً لدرجة أن عينيّ كانتا تدوران، لكن بينما كان الجميع في الخارج يقاتلون بضراوة، لم أستطع النّـوم براحة.
كنت آمل أن يؤدي تطوير التّرياق إلى تحسين الوضع، لكنه كان لا يزال بحاجةٍ إلى وقت.
“نحن آسفون… لو نجحنا في تطوير الترياق…”
كانت نبرة السّحرة مليئة بلوم الذات.
كان السحرة الذين أرسلتهم الدوقة بياتريس موهوبين بلا شك، لكن السم و آدم، اللذين تـمّ صياغتهما بعناية من ليفيا، كانا معقدين لدرجة أن حتى أمهر السحرة وجدوا صعوبة في فـكّ شيفرتهما في أيام قليلة.
بينما كانت الأخبار السيئة تتوالى دونَ أيّ أمل، أضاءت كرة الاتصال الغربية.
“آنسة، من منطقة البوابة الثالثة الغربية…!”
أخيرًا وصلت الأخبار المنتظرة.
أغمضت عينيّ ثم فتحتهما ببطء.
لا يمكن الانتظار حتى يُطوَّر الترياق.
إذا تأخرنا أكثر، سيقع المزيد من الناس تحتَ تأثير آدا
ما و ستبتلعهم الوحوش.
مهما كان ما تريده ليفيا، سيتحقق وفقًا لخطتها.
“…استمروا في تطوير الترياق ببطء. لكن الآن، أريدكم أن تفعلوا شيئًا آخر.”
“سنفعل أي شيء يمكننا المساعدة فيه.”
كان السم هو بداية تحويل راجان إلى جحيم. ربّما لهذا السبب، أراد السّحرة تقديم مساعدة فورية.
لم ينجح تطوير الترياق بعد، وكان آدم لا يزال ينتشر بلا هوادة.
“السم و آدم… يجب أن أحـلّ هذه المشكلة بنفسي.”
تذكٌرت طريقةً كنتُ أخفيها في قلبي طوال الوقت.
عندما لمّحت لكاليـد عنها، رفضها بحزم، لكن الآن لم يكن هناك خيار آخر.
نظرت من النافذة، و أنا أحدّق في الدخان الأسود الذي يتصاعد كالنار، بينما أعزز عزمي بهدوء.
“حسب معرفتكم بالسحر، هل يمكنكم رفع إنسان في الهواء؟”
تجمّد السحرة. نظروا إليّ بدهشة، كأنّهم لم يتوقعوا مثل هذا السؤال.
* * * *
خلع جيرمان درع كتفه و تركه يتدلى بثقل. مرّت أربعة أيام منذُ ظهور الوحوش في راجان.
شوارع راجان، التي كانت تتألّـق في قلب الإمبراطورية، انهارت تمامًا.
ابتلعت النيران الأسطح، و تردّدت صرخات المواطنين بين أكوام الحجارة المنهارة.
تحوّل السّوق المزدهر ذات يوم إلى ساحة معركة مليئة بالجثث و الدماء.
“الفرقة الأولى، توجهوا غربًا. وليّ العهد هناك. منطقة غابة فيغاس هي الأكثر ظهورًا للوحوش. سمـوّه و فرسان فيغاس يتولّـون أمـر القضاء عليها، لذا ركزوا على أمان المواطنين.”
“حاضر!”
“الفرقتان الثانية و الثالثة، قوموا بقمع الاضطرابات في المركز. هناك أشخاص تناولوا آدم مختلطون بالحشد. لا تفقدوا حذركم، و افصلوا بين المواطنين العاديين و المتمرّدين.”
“أمـرك!”
“الباقون، تعالوا معي إلى الشّرق. هناك مركز عزل المرضى، لذا يجب توخّـي الحذر. لا يمكن أن نزرع المزيد من الرعب في راجان.”
على الرّغمِ من تقسيم القوات بسرعة، لم تظهر أي علامات على تحسّن الوضع.
كانت القوات المتاحة لجيرمان هي فرقة الحرس الإمبراطوري التابعة بوليّ العهد، إلباردان، و المنظمة السرية باسلين فقط.
كان دعم فرسان لومينتيا المقدسين لحماية إيرديا من عائلة الماركيز فالاندي بمثابة متنفّس، لكنه لم يكن كافيًـا.
لو كان بإمكانه استخدام حراس أحياء راجان أو فرقة الفرسان الإمبراطورية المتمركزة في القصر، لكان ذلكَ أفضل.
“اللعنة…”
لتحريك فرسان القصر، كان ختم الإمبراطور ضروريًا.
لكن مع وفاة الإمبراطور، لم يستطع حتى كاليـد إصدار الأوامر باستخدام الختم.
لحسنِ الحظّ، لم يتمكّن المتمرّدون من مهاجمة القصر، مما حـافظَ على خط الدفاع. و إلا، كان سيتعيّن تقسيم القوات لحماية القصر أيضًا.
كان حراس راجان في نفس الوضع. لم يكن لديهم معلومات عن السمّ أو آدم، فلم يتمكنوا من الاستعداد، و كانوا هدفًا أوليًـا لـليفيا، فسقطوا جميعًا في اليوم التالي لبدء انتشار السم.
كانت الأصوات التي تُسمع من كل مكان هي أصوات بكًاء و زئير الوحوش.
أصبح الذين حاولوا حماية منازلهم فريسةً للوحوش، بينما فقـدَ الهاربون حياتهم تحتَ سيوف المتمردين.
كان جيرمان يحارب الوحوش و يحمي المواطنين بسيفه، لكنه كان يواجه خطر خناجر المتمردين من الخلف.
معركة مليئة بالجروح، فوضى لا يمكن وصفها حتى بكلمة “الجحيم”.
جذبت رائحة الدم المزيد من الوحوش.
لكن أصعب ما واجهه الفرسان كان عندما لم يعد الأشخاص الذين يجب حمايتهم مواطنين عاديين.
منذُ انتشار آدم، تغيّر المواطنون. بدأ عدد من يمتلكون مهارات تكفي لمواجهة الفرسان في الازدياد، و لم يعودوا يشعرون بالألم حتى مع كسر عظامهم.
كانوا يصرخون باسم الحاكم بعيون حمراء محتقنة، و يكرّرون التّدمير و القتل عشوائيًا.
“وحش!”
صرخ أحدهم، ولم يكن مخطئًا.
أطلقَ جيرمان عليهم اسم “آدم الأحمر” مؤقتًا.
معظم مَـنْ تناولوا آدم كانوا يمجّدون ليفيا كما لو كانوا تحتَ تأثير غسيل دماغ، لكن قلّـة قليلة فقدوا عقولهم، بينكا عيونهم محتقنة بالدم، و قدراتهم تضاعفت، و أخذوا يقتلون كآلات حرب.
كان التعامل مع أتباع ليفيا المختلطين بالمتمردين صعبًا بما فيه الكفاية، لكن ظهور هؤلاء فجأةً أثناء مواجهة الوحوش كان أصعب عدو. المرضى الذين يُصابون بالسم مجدّدًا حتى بعد تناول الترياق، و المعركة المستمرة لليوم الرابع.
لمـدّة يومين، لم يتمكنوا حتى من شرب رشفة مـاء.
“هل كان إغلاق بوابات المدينة خطأً؟ هل خطتهم هي عزلنا و القضاء علينا؟”
ضغط جيرمان على عينيه المرهقتين وهو يعض أسنانه.
في أيام قليلة فقط، أقـلّ من أسبوع، حوّلت تلك المرأة راجان إلى جحيم. تذكًّر وجهها، فارتجف من الغضب.
كيف يمكن إنهاء هذه المعركة الشرسة؟
كان قلقًا أيضًا على كاليـد، الذي يواجه الوحوش دونَ توقف منذُ يومين في منطقة البوابة الثامنة الغربية.
كانت الوحوش أقوى و أكثر متانة مما كان معروفًا، كأن شيئًا قد عُمـل عليها.
كانت المنطقة التي يوجد بها كاليـد هي الأكثر تضررًا بالخسائر البشرية.
“قال سمو وليّ العهد أن نصمد قليلاً… لكن بهذا الشكل…”
المعارك الاستهلاكية تُرهـق الجنود فقط. ما لم تُحل المشكلة الأساسية، ستكون الهزيمة مصيرنا.
بينما كان يفشل في التفكير بإيجابية، رنّ صوت بوق من وراء أسوار المدينة.
صوت غريب لكنه مألوف بطريقةٍ ما.
شـكَّ جيرمان في أذنيه و قفـز من مكانه.
مع صرخة حادة، حلّـق صقر عبر السماء.
ارتجفت عينا جيرمان.
على الرّغمِ من إرهاقه، ركض نحو السور كالمجنون.
كان الجنود على البوابة في حالة ارتباك.
“سيد جيرمان! هناك…!”
من بعيد، وسط غبار يتصاعد كالسحب، اقتربت راياتٌ عديدة نحو راجان.
رايات سوداء تحمل صقرًا أزرق داكنًا.
“الجيش الشمالي…”
هل هذا يعني أن الأمر لم ينته بعد؟
كانت القوات أضخم بكثير مما رآه في ميرسين، جيشٌ لا نهائي يقترب من راجان كموجة.
أمام البوابة مباشرة، هبطَ الصقر بسرعة، و رفعَ رجل يرتدي عباءة سوداء ذراعه ليستقبله.
نظرَ الرجل إلى جيرمان و ابتسمَ بهدوء غريب.
“جئت بأمـرٍ من سمـوّ ولـيّ العهد.”
وجه يشبه المرأة التي حوّلت راجان إلى جحيم، لكنه ينضح بهالة مختلفة تمامًا.
داعبَ شوريل الصقر و أرسله ليطير، مضيفًا بهدوء:
“هل ستفتح البوابة؟”
في نهاية اليأس، ظهـرَ أوّل بصيص أمل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 134"