3
الفصل 3
“قيل إن الآنسة بريسا جمعتنا في ساحة التدريب، أهذا صحيح؟”
“هذا ما سمعته.”
كان صباح فرقة الفرسان في قصر الماركيز سيرس صاخبًا على غير العادة.
“وبما أن الماركيز غائب، تقول إنها تملك سلطة قيادتنا.”
عند هذا الكلام، أطلق الفرسان ضحكات سخرية مكتومة.
“ها!”
بريسا سيرس.
فتاة صغيرة متعجرفة، متكبّرة، تحمل الملامح النموذجية لـ’نبيلة غير محتملة’.
لم يكن من الممكن أن تكون الأوامر الصادرة من فمها موضع ترحيب.
“سلطة القيادة؟ هذا مضحك فعلًا. كم عمر هذه الآنسة أصلًا؟”
“اثنا عشر عامًا. لكن يُقال إن شخصيّتها قوية.”
بدأ الفرسان يتذمّرون واحدًا تلو الآخر.
“هل سمعتَ بهذا؟ قبل ثلاثة أيام، ذهب الماركيز بنفسه ليطلب منها التحدّث… لكنها لم تفتح له الباب أصلًا.”
“ها! هذا إهانة صريحة. فقط لأنه نشأ بين العامّة وكان مرتزقًا!”
“وهل تظنّ أن تلك الآنسة سترانا بشرًا من الأساس؟ يا للسخرية.”
كان الاستياء قد بلغ ذروته بين أفراد الفرقة.
بعد الجنازة، وقبل أن يغادر ألفيرس إلى العاصمة، طرد الخادم الأكبر من قصر الماركيز بعد انكشاف اختلاسه.
وعند مغادرته، صرخ الخادم قائلًا:
“كيف تجرؤ، وأنتَ من اختلط دمه بدم العامّة، على طردي أنا الذي خدمتُ بيت سيرس بإخلاص كل هذه السنين؟ الآنسة بريسا لن تنسى هذا الأمر!”
في تلك اللحظة، أدرك الفرسان الذين قاتلوا إلى جانب ألفيرس وشاركوه الحياة والموت حقيقةً واحدة.
أن من عاشوا طويلًا في قصر الماركيز لا يقبلونهم.
بل أكثر من ذلك… كانوا يحتقرونهم.
وكان الحديث مع إحدى الخادمات، التي بدت أكثر حيادًا، على النحو التالي:
“ماركيز نشأ كمرتزق… في الحقيقة، هذا أمر محرج قليلًا، أليس كذلك؟ بيت سيرس عريق جدًا.”
“وهل هذا مشكلة؟ ما الذي ينقص ماركيزنا تحديدًا؟”
“أمم، مثلًا… الماركيز لا يتقن أيّ لغة أجنبية، أليس كذلك؟ الآنسة بريسا تتقن خمس لغات.”
“وهل جلبت تلك اللغات قرشًا واحدًا؟ بفضل الماركيز سُدِّدت الديون العاجلة، وصار لدينا فرسان لا يقلّون كفاءة عن فرسان الحرس الإمبراطوري!”
“لكنّه نشأ بين العامّة. الآنسة بريسا تخرّجت من أكاديمية العاصمة بالمرتبة الثانية، وقد تولّت زوجة الماركيز السابقة تعليمها بنفسها منذ الصغر.”
لم تكن الأوضاع المالية لإقطاعية سيرس جيّدة أصلًا، ومع ذلك، بدا تعالي الخادمات القدامى أمرًا غير مفهوم للفرسان.
“زوجة الماركيز السابقة؟ أليست هي التي قيل إنها كانت تعاني من اضطراب عقلي؟”
“احذر كلامك. إنها الأميرة الخامسة من مملكة ليينتي.”
“أميرة أو لا، هل تعرف كم من الديون تراكَمَت بسبب إسرافها؟ الماركيز هو من دفعها من ماله الخاص. لو لم تتوفَّ قبل عامين، لما بقي في هذا القصر حبّة قمح واحدة.”
وفي تلك الأثناء، كانت بريسا قد أمضت الأيام الثلاثة الماضية حبيسة غرفتها دون أن تظهر.
لذلك، لم يشكّ الفرسان لحظةً في أن احتقار الخادمات لهم هو انعكاس لإرادة بريسا نفسها.
نبيلة لم تفعل شيئًا بجهدها يومًا.
طفلة مدلّلة أُنفِق ما تبقّى من المال على تعليمها في أكاديمية العاصمة.
فتاة في الثانية عشرة، لا تُحسن قراءة الواقع، ولا تفعل سوى العناد.
ومع ذلك… تلك البريسا نفسها استدعتهم فجأة.
بعد أن تجمّع الجميع في ساحة التدريب، تقدّم نائب القائد فيليب بخطوات غاضبة.
“ربما هذا أفضل. سأعترض رسميًا هذه المرة، وأكسر غرورها من الأساس.”
“لكنها من بيت الماركيز، سيدي نائب القائد. كما أن الماركيز أوصى بعدم إثارة أيّ مشكلة حتى عودته من العاصمة.”
“وما الذي تفهمه فتاة في الثانية عشرة؟ المشكلة ليست فيها، بل في أولئك الذين حولها! سأنتقدهم هم، لا هي. عندها لن تجد ما تردّ به.”
رفع فيليب ذقنه بثقة.
“من الذي يجهل حدوده حقًا؟ أليسوا هم؟ على أيّ حال، مالك الإقطاعية هو الماركيز! هل من المنطقي أن يُهان الماركيز من قِبل خدم إقطاعيته؟”
في تلك اللحظة، فُتح الباب، وظهرت بريسا.
شَعر بلاتيني متموّج يصل إلى خصرها، عينان بلون السماء، وقامة مستقيمة تليق بالفستان الذي ترتديه.
سارت الفتاة ذات الاثني عشر عامًا إلى ساحة التدريب، تتبعها خادمة، بخطى لا سريعة ولا بطيئة.
“صباح الخير، آنسة بريسا. أنا فيليب أوريس، نائب قائد الفرسان.”
تقدّم فيليب منها وتحدّث بنبرة جامدة.
توقّفت بريسا ونظرت إليه بصمت.
واصل كلامه وهو يعترض طريقها.
“في الحقيقة، كنتُ أتمنّى لقاءك.”
حدّقت خادمتها به بنظرة تقول: ‘كيف تجرؤ؟’
لكن فيليب لم يُعر ذلك اهتمامًا.
فهو مرتزق لا يجيد آداب البلاط، كما أن الغضب المتراكم في صدره، بعد ما تعرّض له قائده ألفيرس من احتقار الخادمات، كان كبيرًا.
“يبدو أن من يحيطون بكِ… لا يُحسنون فهم الوضع، ولا يملكون سوى كبرياء فارغ.”
كان واثقًا أنها ستنفجر غضبًا وتطالبه بتفسير كلامه، ليبدأ عندها بالردّ المنطقي خطوةً خطوة—
“صحيح.”
لكن بريسا أجابت بهدوء.
“ولهذا طلبتُ لقاءكم.”
انحبست الكلمات في حلق فيليب.
وسط نظرات رجاله المتحفّزة، استجمع شتات نفسه وقال العبارة التي أعدّها:
“لم أكن أعلم أن سماع ترّهات من لا يعرفون حدودهم هو هوايتكِ.”
“مم… أفعل ذلك كثيرًا، لكن لا أسمّيه هواية.”
ردّت بريسا بلا مبالاة.
“أنا أفعله الآن أيضًا، ومع ذلك هو مُرهق جدًا. لا يمكن اعتبار ما لا تحبّه هواية، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة، خفض الفرسان رؤوسهم فجأة.
كانوا يحبسون ضحكاتهم.
الوحيدة التي ظلّت تحدّق بفيليب بنظرة قاتلة كانت خادمة بريسا.
وتحت ضغط تلك النظرة، واصل فيليب كلامه بصعوبة:
“أليس لدى بيت الماركيز تقليد لتأديب وقاحة التابعين؟”
“ليس دائمًا. عندما نكون مشغولين، نتجاوز عن الأمر أحيانًا.”
قالت بريسا دون أن يتغيّر تعبيرها.
“ولهذا قرّرتُ أن أتجاوز عنه الآن أيضًا.”
عندها، أطبق فيليب فمه أخيرًا.
وبسلاسة وأناقة، أنهت بريسا الجدال، وتجاوزته لتقف على المنصّة.
الفتاة، التي تشبه أخاها في الملامح إلى حدٍّ لافت، نظرت إليهم من علٍ.
كانت نظرتها الباردة تمسحهم واحدًا تلو الآخر، وتحمل قوّة سيطرة لم يتوقّعها أحد.
وتحت هذا التوتر، استقام الفرسان الذين كانوا يقفون بلا اكتراث قبل لحظات.
ما الذي تنوي قوله بعد أن جمعتهم جميعًا؟
في الأجواء المشدودة، فتحت بريسا فمها بلا أيّ تعبير.
“سمعتُ أنكم جميعًا مرتزقة جئتم من مختلف أنحاء الإمبراطورية.”
ها هو ذا.
منذ البداية، الحديث عن الأصل.
تمامًا كهمسات الخادمات عن ‘أشخاص بلا جذور’.
تصلّبت أجساد الفرسان وهم ينظرون إليها.
“هل صحيح أن المرتزقة يفعلون أيّ شيء مقابل المال؟”
عندها، اندفع فيليب محتجًّا، وقد انقطع نَفَسه:
“آنسة! هذا… هذا توصيف قاسٍ جدًا!”
ابتسمت بريسا، وكأنها راضية.
“إذًا، ليس نفيًا قاطعًا. حسنًا، سآمر.”
وتحت أنظار الفرسان المذهولة، بدأت الفتاة تعدّ بأصابعها الصغيرة.
“من أقام ثلاث سنوات أو أكثر في مناطق إيرس، كيبيرونا، سيجايل، ريبيريل، وأنتفنال، فليرفع يده.”
تبادل الفرسان النظرات.
ما القاسم المشترك بين هذه المناطق؟
ملاجئ للمجرمين؟
أوكار لقطاع الطرق؟
أماكن يسهل فيها تزوير الهويّات؟
هل هذا يعني أن من عاش هناك سيُطرَد من الفرقة؟
ومع ذلك، بما أنه ‘أمر’، بدأ بعضهم يرفع يده ببطء.
كان عددهم كبيرًا نسبيًا.
وكان فيليب واحدًا منهم.
أشارت بريسا إليهم ليتقدّموا إلى الأمام.
وأمام وجوههم المشدودة، سألتهم بنبرة جادّة للغاية:
“من منكم سبق له أن مارس زراعة البطاطس؟”
ساد صمتٌ ثقيل من جديد.
وأضافت بريسا بجدّية:
“الأماكن التي ذكرتها هي أكبر مناطق إنتاج البطاطس في الإمبراطورية. وأنتم عِشتم هناك فترةً لا يُستهان بها. لا بدّ أن بينكم شخصًا واحدًا على الأقل لديه خبرة، أليس كذلك؟”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 3"