تمتمت روزالي قائلةً أنّ ميخائيل لم يبدو كشخصٍ قد يختلسُ أموالَ الدعم.
“لقد قمتُ بجولةٍ حول القريةِ ليلًا، لكن-…” توقّف غيل فجأةً عن الكلام،
إذ دخل ميخائيل إلى المخزن على وقع خطواته.
“سيدة إيفنهارت، هل أنتِ هنا؟ خُذي هذا وتناوليه أثناء عملكِ.”
كان يحمل في يده شيئًا يشبه صينيةً.
“هل أحرزتِ بعضَ التقدُّم اليوم؟”
أجابت روزالي وهي تتسلّم بعضَ المأكولات الخفيفة.
“لقد تعلّمتُ الكثيرَ من بطولات ريك هانت.”
“إنه شخصٌ مذهل، أليس كذلك؟ حتى أنا، منذ طفولتي هنا، قرأتُ قصصه مرارًا وتكرارًا بلا حصر. تخيّلي! أن يقضي على مصّاص دماءٍ بعد ثلاثة أيامٍ قضاها يتعقّبه في الظلام… إنه أمرٌ مدهش فعلًا.”
تعرّف ميخائيل على الكتاب الذي يحمله غيل.
“أنت تقرأ هذا الكتاب إذن. أظنني قرأته ثلاث مراتٍ على الأقل.”
كان ما يقرأه غيل كتابًا دوَّن فيه ريك أعراضَ أولئك الذين أصبحوا مصّاصي دماءٍ بعد أن عضّهم البلاد لورد.
“عادةً ما تكون أسلوبية ريك جافةً، لكن عندما يكتب عن أخته، كان يسجّل التفاصيل بأسلوبٍ رقيقٍ شاعريٍّ، حتى إنّ قراءتها كانت تُشعرني بالألم. أأنت تبحثُ عن طريقةٍ لإعادة مصّاص الدماء إلى إنسانيته؟ إن كان الأمر كذلك، فهل ترغب في الاطّلاع على هذا أيضًا؟”
مدَّ ميخائيل يده إلى رفٍّ وأخذ كتابًا وقدّمه إلى غيل.
“الجزء الأول لا يضمُّ شيئًا مهمًّا، لكن في آخره هناك عبارةٌ مثيرةٌ للاهتمام؛ إذ يحاول هايداد أن يتوسّل إلى ريك بحياته، متذرّعًا بأن لديه ‘طريقةً لإعادة الأتباع الذين حولهم إلى صورتهم البشرية’. قد يبدو الحوار مملًّا للبشر، لكنه قد يختلف في نظر مصّاص دماء. في الواقع، سمعتُ أن هذا الكتاب بالذات هو السبب في أن الجلّادين كانوا يزورون المكان من وقتٍ لآخر منذ القدم.”
كان ريك هانت قد أصبح جلّادًا بسبب حادثةٍ تعرّضت فيها شقيقته لعضّة البلاد لورد.
شعر غيل بشيءٍ من الارتباك، لكنه أخذ الكتاب على أيّ حال.
“لكن… أيمكنني أن أسأل عمّا تبحثان عنه؟ إن عرفتُ، قد أتمكّن من مساعدتكما. آه، إلا إذا كان من الصعب الإفصاح عنه.”
ابتسمت روزالي بلطف تجاوبًا مع لطف ميخائيل.
“نحن نبحث عن مصّاص دماءٍ معيّن.”
“وكيف يبدو هذا المصّاص؟ هل تعرفان اسم سلالته؟”
“في الحقيقة، لا نعرف بدقة… أظن أنّني سأستعيد ذاكرتي أثناء البحث، لكن… مبدئيًّا، نبحث عن أيّ مصّاص دماءٍ له صلةٌ ما بسونا آمور، ونفتّش كلَّ ما يمكن أن يقودنا إليه. وفي الوقت نفسه، نحاول اكتشافَ القدرة الفطرية الخاصة بسلالة هذا الصديق هنل أيضًا، ولهذا نبحث في المخطوطات القديمة.”
أخذت روزالي تحدّق قليلًا وكأنها تسترجع شيئًا من ذاكرتها، بينما أمال ميخائيل رأسه في حيرة.
“قلتِ إنكِ ستتذكّرين؟”
“أجل، لقد سمعتُ اسم ذلك المصّاص ورأيتُ وجهه بنفسي… لكنني نسيت.”
كانت نظرة ميخائيل تقول “كيف يمكن أن ينسى المرء أمرًا كهذا؟” لكنه ما لبث أن أومأ موافقًا.
“حسنًا، ذاكرة البشر ليست قويةً كذاكرة مصّاصي الدماء. وماذا عنك يا سيد سونا آمور؟ منذ البارحة وأنا أشعر أن مجالات اهتمامكما مختلفة.”
ارتبك غيل قليلًا.
“آه، أنا… كنتُ أتساءل إن كان هناك سبيلٌ للعيش دون شرب الدم…”
ثبت ميخائيل نظره على غيل، وكان من الواضح أنه فهم ما تعنيه هذه الكلمات.
لقد كان الأمر أشبه بأن يسأل شخصٌ كيف يمكن للإنسان أن يعيش بلا طعام أو شراب، أو كيف يمكن للخروف أن يعيش بلا عشب.
“هذه أول مرةٍ أسمع فيها أمرًا كهذا. لم أرَ مصّاصي دماءٍ كثيرين… آه، باستثناء ذاك الذي رافق جلّادًا من كارديف عندما زار قريتنا قديمًا. لكن، لماذا؟ لا يمكن أن يكون سببُك هو كراهيتك للدم، أأنت لا تحب كونك مصّاص دماء؟”
“ليس الأمر كراهيةً بقدر ما هو…”
“أكنتَ في الأصل إنسانًا؟”
هزَّ غيل رأسه نافيًا.
“لا، لقد وُلدتُ بعد حرب الدماء بفترةٍ طويلة.”
“حقًا؟ هذا نادرٌ للغاية! لقد سمعتُ أن احتمال ولادة مصّاص دماءٍ طبيعيٍّ شبه معدوم. إذًا، لماذا؟”
تدخّلت روزالي بينهما.
“لطالما تساءلتُ، سيّد ميخائيل، أنت تعرف الكثير عن مصّاصي الدماء.”
“أهاها… لعلّ السبب أنّني وُلدتُ ونشأتُ هنا. منذ صغري قرأتُ كلَّ كتابٍ في هذا المخزن دون استثناء. الأمر ممتع، أليس كذلك؟ وجود مصّاصي الدماء بحد ذاته شيءٌ غريبٌ ومثير. لكن إن وُلدتَ مصّاص دماءٍ منذ البداية، فلا أظنّ أن لديّ أيّ فكرة عن كيفية تغيير ذلك. في الأساطير والقصص هناك حكاياتٌ عن بشرٍ يصبحون وحوشًا أو العكس، لكنها تظلُّ مجرد أساطير… لا أقصد أنّ الأمر نفسه ينطبق على مصّاصي الدماء بالضرورة.”
“هناك جانبٌ يشبه الوحوش قليلًا…”
أجاب ميخائيل بابتسامة:
“حتى أعماق البشر فيها بعضُ الوحشية.”
ثم أضاف بعد لحظة تفكير، “في الكتاب المقدّس، يُقال إنّ عالمًا يُدعى نيقوديموس سأل كيف يمكن للإنسان الخاطئ أن يصير شيئًا غير كونه خاطئًا، فأُجيب بأنه يجب أن يولد من جديد. وقد سُجّل ذلك في الإنجيل.”
“يبدو الأمر معقّدًا.”
“إن أردتَ التبسيط، فالمعنى أنّ الإنسان لا يصبح شيئًا آخر إلا إذا مات ثم وُلد من جديد.”
لم يُضف غيل شيئًا، لكن ملامحه كانت شديدة التعقيد.
“هذا كلُّ ما ورد عن تغيّر الفصائل أو الأجناس. لكنني أعلم أن هذه الإجابة لن ترضيك، فأنا أيضًا أرى أنّ الأمر مستحيل. فالموت هو الموت، ولا شيء بعده.”
“أيمكن لرجل دينٍ أن يقول هذا؟”
ابتسم ميخائيل: “نحن نحيا إلى الأبد في الجنة… روحيًّا على الأقل.”
ثم ابتسم بهدوء.
“أتدريان؟ هناك في بلادٍ شرقيّةٍ بعيدةٍ وراء البحر، لديهم فكرٌ يقول: كما تدور عجلةُ العربة بلا انقطاع، فإنّ كلَّ كائنٍ حيٍّ إذا مات وُلد من جديد… ما كان اسم ذلك المصطلح… آه، التناسخ (Reincarnation). نعم، فكرة التناسخ. ويقولون إنّك بحسب أعمالك في حياتك السابقة، قد تولد في الحياة المقبلة حيوانًا أو إنسانًا.”
قال غيل بإعجاب: “يا للعجب! فكرةُ الولادة من جديد قريبة، لكن المفهوم مختلف تمامًا. أظن أنّ نظرية التناسخ تبدو أكثر منطقيةً بالنسبة لي.”
أومأت روزالي موافقةً.
“غيل، أظن أن أسرع طريقة لتصبح إنسانًا هي أن تركب ما يسمّونه عجلة التناسخ هذه وتولد من جديد.”
تغيّرت ملامح غيل إلى الجديّة.
“البحث عن طريقةٍ لتصبح إنسانًا… هدفٌ غريب حقًّا.”
ابتسمت روزالي وهي تتذكّر الماضي.
“غيل كان هكذا منذ صغره. كان يقول “سأصبح إنسانًا يومًا ما!” حتى أنّه كان يسرق طعامي مع أنّه لا يستطيع أكله، ثم يمرض بعد ذلك.”
لكن رغم المزاح، بقي غيل جادّ الملامح، فتابعت روزالي بنبرة أهدأ.
“لماذا كل هذه الجديّة؟ أنت بخير هذه الأيّام، ولم تمرض كثيرًا، بل إنّك في صحة جيدة، يا غيل.”
سأل ميخائيل فجأة.
“قلتَ إنّكَ من سلالة سونا آمور، أليس كذلك؟”
أجابت روزالي بدلًا عن غيل: “نعم.”
“ألا يمكن تغيير المتعاقد؟”
“ليس كلُّ مصّاصي الدماء كذلك، بل الأمر يخصُّ فقط السلالات الخمس العُليا (او العائلات الخمس) التي كانت في قلب حرب الدماء، وسلالة سونا آمور واحدةٌ منها. ويمكن تغيير المتعاقد، لكن لا يمكن تغيير العائلة المالكة للعقد.”
“ولِمَ أبرموا مثل هذا الشرط أصلًا؟”
“لا أعلم، فذلك أمرٌ قديم. لكن بسببه نعاني كثيرًا في بعض الأحيان. فالعوائل الكبيرة المزدهرة لا مشكلة لديها، لكن الصغيرة أو الضعيفة منها تعاني كثيرًا.”
“إذًا، بحثُك عن طريقةٍ لتصبح إنسانًا كان لهذا السبب يا سيّد سونا آمور؟”
“ليس تمامًا. فحتى العقد يمكن فسخه بعدة طرق.”
“بما أنّه عهد قديم، فهناك ثغراتٌ فيه. لكن فسخ العقد في الحقيقة هو الحلُّ الأخير. إن وُجدت طريقةٌ أخرى لحلّ المشكلة، فالأفضل استخدامها بدل تحمّل مخاطر الفسخ.”
بعد قليل، غادر ميخائيل معلّلًا ذهابه بحضور قدّاس في الكنيسة.
وبعد تناول الوجبات الخفيفة التي أحضرها، ظلّ روزالي وغيل غارقَين بين أكوام الكتب.
لكن غيل لم يعد يقرأ بتمعّن، بل صار يخرج كتابًا، يتصفّحه سريعًا، ثم يعيده لمكانه مرارًا.
أمّا روزالي، فقرأت لتمضية الوقت مذكّرات جلّادٍ من عائلة ريدغريف، وهي المذكرات الوحيدة في كاتدرائية ترينيتي التي كتبها جلّاد غير محلي.
“لا بد أن الأمر مريحٌ لمصّاصي الدماء، إذ يمكنهم حفظ محتوى الكتب في أذهانهم، ثم التذكر وقت الحاجة. أظن أنّك كنتَ ستبرع لو كنتَ عالمًا يا غيل. والعلماء على أي حال قلّما يخرجون من أماكنهم.”
“هناك علماء فعلًا… أشهرهم عالِمٌ مصّاصُ دماء في كامبريدج.”
“حقًّا؟”
انفجرت روزالي ضاحكةً.
“إذن، مصّاص الدماء ذاك محظوظ، لأنه سيقضي حياته في الدراسة.”
***
في فترة ما بعد الظهر، جاء بعض أطفال الميتم لزيارة روزالي وغيل.
كان بِن متردّدًا في الدخول، لكن أصدقاءه دفعوه للأمام، فانحنى برأسه معتذرًا.
“أعتذر عمّا جرى البارحة.”
يبدو أنّ ميخائيل هو من طلب منه ذلك.
أبهرت روزالي الأطفال ببعض الخدع السحرية، فانبهروا وأخذوا يسردون ما جرى في القرية مؤخرًا من تلقاء أنفسهم.
“نحن نعتذرُ فعلًا. لكن الحقيقة أنّ بِن ظلّ يبحث عن آبيغيل فترةً طويلة، وكان يثير ضجّة. آه، وسأقول لكِ سرًّا… احذري الغابة.”
حينها تابع بن قائلًا: “أه… بالطبع إلقاءنا الثوم عليكِ كان خطأ منّا.”
“لا بأس. لكن لماذا تظنّون أن مصّاص الدماء هو الفاعل و ما علاقة هذا بالغابة؟”
قال بِن: “لقد رأيناه.”
“ماذا؟”
“الكبار لا يصدّقوننا. يقولون إننا نختلق الأمر، لكننا رأيناه فعلًا… كانت مصّاصة دماءٍ أنثى.”
كان ذلك أوّل مرّة تسمع فيها روزالي بهذه المعلومة.
“بعد أن ظهرت، اختفت آبيغيل. أحيانًا تظهر مصّاصة الدماء تلك في الغابة، لكنها تختفي قبل أن نراها جيدًا.”
وأضاف آخر طفلٌ آخر،”لقد رأيناها بأعيننا، لكن لا أحد يصدّقنا.”
“صحيحٌ! لأننا أيتام، فلا أحد يهتم.”
“وهناك آخرون في القرية رأوها أيضًا. حتى الراهب الذي كان يدير كاتدرائية ترينيتي في السابق اختفى فجأة. قيل إنه ربما مات على يد مصّاص دماء. وكان ذلك منذ زمن بعيد، قبل أن يأتي الأب ميخائيل إلى هنا.”
حينها تحدثت فتاةٌ صغيرة.
“الأب ميخائيل رجلٌ طيب جدًّا، إنه يعاملنا بلطف. هل تعلمين أن الأب نفسه كان يتيمًا؟ وُلِد هنا، وكان دائمًا يقول إنه سيعود يومًا ليساعد أهل بلدته.”
ثم قال أحد الأطفال فجأة: “وهناك شخصٌ آخر أيضًا…”
أخذوا يثرثرون بأحاديث كثيرة، لكن كلمةً واحدة جعلت روزالي تصغي باهتمام.
“أخت الأب ميخائيل.”
“قالوا إن للأب ميخائيل أختًا، لكنها ماتت بعدما عضّها مصّاص دماء.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 7"