“لقد كان الوضعُ فوضى عارمة. أحد مصّاصي الدماء من القرية المجاورة كان من بين المشتبه بهم. لكن قيل إنّ لديه دليلَ براءةٍ قاطعًا، فأُطلِق سراحه على الفور.”
“صحيح. فالقانون قد تغيّر الآن، وأصبح يُطبَّق مبدأ افتراض البراءة على مصّاصي الدماء أيضًا. وذلك أمرٌ جيّد، فلن يُحمَّل مصّاص دماءٍ بريء وزرَ جريمةٍ لم يرتكبها ويموت ظلمًا.”
أشرق وجه ميخائيل قليلًا.
“إنّكِ تتحدّثين بطريقةٍ مختلفة عن جلّاد كارديف.”
هزّت روزالي كتفيها.
“لكلّ جلّادٍ قيّمه الخاصة.”
“أجل، معكِ حقّ.”
“إن أردنا الدقّة، فالقانون وُجِد لحماية الحريّات والحقوق الطبيعيّة التي يجب أن يتمتّع بها كلُّ فردٍ. مصّاص الدماء كائن حيّ أيضًا، ومع ذلك استغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يحظى بحمايةِ القانونِ.”
“أتّفق معكِ تمامًا.”
“يبدو أنّك كاهنٌ منفتحُ العقلِ، يا سيّد ميخائيل.”
ابتسمت روزالي.
“فأكثر المنتمين إلى الكنيسة يرون في مصّاصي الدماء مخلوقاتٍ ملعونة من قِبل الربّ.”
بدا على ميخائيل شيءٌ من الحرج.
“سأتحدّث غدًا مع السيّد توماس، صاحب النُزل. فحتى لو كنتِ تقيمين هنا، فإنّ استمرار سكّان القرية في الظنّ بأنّكِ مصّاصة دماء أمرٌ مزعج. وبالمناسبة، فإنّ مطعمه الذي يُديره إلى جانب النُزل، يُعدّ من الأماكن التي يجب زيارتها في قريتنا. إنّه ماهرٌ وسريع في الطبخ.”
راودت روزالي فكرةٌ عن الرجل الذي فقد زوجته في شبابه على يد مصّاص دماء.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ما فعله سابقًا بطردها لا يمكن تجاوزه، لكنّ آثار الماضي ليست شيئًا يمكن محوه بسهولة.
فالنساء والأطفال كانوا دومًا فريسةً سهلة لمصّاصي الدماء.
لذلك، كانت مخاوف سكان القرية مبرّرة إلى حدٍّ ما. لكنّ تساؤلًا ما بدأ يتسلّل إلى ذهنها.
‘ليس بالضرورة أن يكون الجاني مصّاص دماء؛ فهناك الكثيرون ممن يمكن أن يُشتبَه فيهم.’
ثمّ تساءلت فجأة، ‘هل يمكن أن يكون موظّفو و جلّاد منطقة كارديف يتعاملون مع الأمور باستهتار؟’
“…لماذا يا تُرى لا يثق سكان القرية بكلام الجلّاد الذي أُرسل من كارديف؟”
“لعلّهم… يحتاجون فقط إلى شخصٍ يُلقون عليه اللوم. فهذه قريةٌ ريفيّة في النهاية. لو مات أحدهم فجأة دون أن يشعر أحد، أليس من الأسهل أن يُقال إنّ مصّاص دماء هو من قتله؟”
كان صوت ميخائيل خافتًا عند قوله ذلك. غير أنّه سرعان ما استعاد حيويّته.
“لكن، إن تركنا هذا جانبًا، فما الذي جاء بكِ إلى قريتنا؟”
“آه، لقد جئنا لنرى كاتدرائيّة ترينيتي. سمعنا أنّ جثّة مصّاص دماءٍ كان قد قُتل مع أحد الجلّادين زمن حرب مصّاصي الدماء ما زالت موجودة في سرداب الكاتدرائيّة.”
“أتيتِ لرؤية ذلك؟”
توسّعت عينا ميخائيل من الدهشة.
“لا أحد يأتي عمدًا لرؤية شيءٍ مشؤوم كهذا.”
“نحنُ نبحث عن شيءٍ ما.”
كان في كاتدرائيّة ترينيتي قصّة مشهورة تتعلّق بمصّاص دماء.
قبل أربعمئة عام، إبّان الحرب ضد مصّاصي الدماء في إنجلترا، ظهر مصّاص دماء دمّر مناطق ويلز بأكملها.
كان مصّاص الدماء هذا هو لورد الدم الثاني من آل بلاد لورد (اللورد الثاني للعائلة)، وقد هلك في معركةٍ دامت ثلاث ليالٍ على يد الجلّاد ريك هانت.
غير أنّ ريك نفسه مات متأثّرًا بجراحه بعد قتل لورد الدم.
وقد غُرس رمح صيد مصّاصي الدماء الخاصّ بريك في قلب هايداد بلاد لورد، لدرجة أنّه لم يُمكن انتزاعه، ولذلك لم يُدفن الرمح مع صاحبه.
سكان ترينيتي شادوا كاتدرائيّة في مكان المعركة، أي فوق جثّة هايداد مباشرة، على أمل أن تحميهم روح ريك هانت من شرّ مصّاصي الدماء.
وهكذا وُلدت كاتدرائيّة ترينيتي.
ومع مرور الزمن، تحوّلت هذه القرية الريفيّة العاديّة في ويلز، والتي لا تملك أيّ مقوّمات سياحيّة سوى أبنيةٍ من الطوب البنّي والأبيض والأصفر، إلى مزارٍ يقصده المؤمنون.
وذلك لأنّ جثّة ذلك المصّاص ما زالت حتّى اليوم تحت كاتدرائيّة ترينيتي.
“هل الذي تبحثان عنه هو مصّاص الدماء الموجود في سرداب الكاتدرائيّة؟”
قالت روزالي: “سنكتشف ذلك إن ذهبنا إلى هناك.”
“إذًا سأُرافقكما غدًا إلى هناك.”
***
في اليوم التالي، قاد ميخائيل روزالي وغيل نحو كاتدرائيّة ترينيتي، التي كانت تقع في وسط القرية.
وقبل أن يدخلوا، سأل غيل، “هل تفضّل الانتظار في الخارج، سيّد سونا آمور؟ فمصّاصو الدماء لا يمكنهم رؤية شيء داخل الكاتدرائيّة.”
“لا بأس. إن سرتم أمامي ببطء، يمكنني تتبّعكم من خلال الصوت. فقط أخبروني إن كان هناك درج أو عوائق.”
كان بعض سكان القرية قد جاؤوا في الصباح الباكر لأداء الصلاة، وقد جلسوا في أماكنهم داخل الكاتدرائيّة.
توقّف غيل عند الباب، وأخذ يتفحّص الداخل بعناية كما لو كان يحاول استيعاب معالم المكان قبل أن يخطو.
قادهم ميخائيل إلى الدرج الجانبي الأيسر المؤدّي إلى السرداب.
“السرداب ليس مميّزًا في شيء. هناك مخرج طوارئ من الجهة المقابلة يؤدّي إلى الغابة، والدرج يحتوي على تسعَ عشرةَ درجة.”
وبمجرّد هذا التفسير، تمكّن غيل من النزول دون مشكلة.
“إنّه لأمرٌ مدهش.”
قال ميخائيل بإعجابٍ صادق.
“عادةً ما يخاف مصّاصو الدماء من الدخول إلى أماكن يُحجب فيها نظرهم بالكامل… هل تلك النظّارات مصنوعة بطريقة خاصّة؟”
“آه، نعم. إنّها تحجب ضوء الشمس تمامًا.”
أجاب غيل.
كانت أرضيّة السرداب جافّة تمامًا، والمصابيح على الجدران تنير المكان بما يكفي، فلم يكن هناك شعور بالظلمة.
كما أنّ الأعمدة الممتدّة على جانبي الممرّ كانت تحمل مصابيح هي الأخرى.
وفي وسط السرداب، كانت هناك جثّة مصّاص دماءٍ قد تحنّطت، فاغرًا فمه بشكلٍ غريب، وذراعه ممدودة في الهواء، مخترقةً برمح ريك هانت الذي ثُبت في الأرض بعمق.
حدّقت روزالي طويلًا في جثّة مصّاص الدماء الميت.
“كيف يبدو شكله؟”
“جلده متيبّسٌ تمامًا، واسودَّ لدرجة أنّه من الصعب وصفه بدقّة. يبدو… فقط مثل مصّاصي الدماء. أنيابه حادّة وطويلة. أطول من أنيابك يا غيل.”
“وكيف عرفتِ هذا؟”
“لقد مات وفمه مفتوح. هكذا.”
قلّدت روزالي شكل الفم المفتوح، لكنها سرعان ما تذكّرت أنّ غيل لا يستطيع الرؤية، فأغلقته ثانية.
ضحك ميخائيل، الذي كان يستمع إلى حديثهما، ضحكةً خفيفة.
و هكذا قضت روزالي عدّة أيّام في الغرفة قرب الكنيسة بمساعدة ميخائيل، تبحث خلال تلك الفترة في الوثائق المتعلقة بريك هانت.
وقد احتوى أرشيف كاتدرائيّة ترينيتي على كتب مطبوعة، بالإضافة إلى مخطوطات، ورسائل، ومذكّراتٍ مكتوبة بخطّ اليد.
وكانت سرعة غيل في القراءة تفوق روزالي.
“أوه، انظر هنا غيل، هناك سطرٌ وحيد فقط. من الغريب أن أقرأ الآن عن أحد أسلافي البعيدين، الذي لا أعرف حتى شكله.”
“ما الذي كُتب فيه؟”
“كُتب أنّ إيريكا إيفنهارت، كلّما شربت الخمر، بدأت بالثرثرة و شتم ريك هانت.”
“هممم…”
أغلقت روزالي الكتاب بقوّة.
“كما توقّعت، لا يوجد شيءٌ مهمّ. ظننت أنّي سأكتشف شيئًا مفيدًا إن جئتُ إلى هنا. أليس لديك أيّ حدس يا غيل؟ أيّ شيء خطر في بالك، أو تذكّرته من كلمات قديمة سمعناها من قبل؟ بالمناسبة، لا تكتفِ بالبحث في تلك الكتب القديمة. هناك كثير من المذكّرات الخاصة بريك. متى سأنتهي من قراءتها وحدي؟”
كان غيل قد انشغل عن الهدف الأساسيّ وبدأ يقرأ كتبًا حول موضوعات يثيرها الفضول، مثل الاختلاف بين الأجناس، التحوّل البشريّ، نظرية تطوّر مصّاصي الدماء وتغيّر حاجة الدم حسب الأجيال.
“وما هذا أيضًا؟ ‘نظرية تطوّر مصّاصي الدماء’؟ أليس هذا الكاتب من أولئك الذين طُرِدوا من الوسط الأكاديمي منذ أكثر من خمسين عامًا بسبب علمه الزائف؟”
“آه… نعم، لكنّ الموضوع كان مثيرًا.”
“اقرأ هذا الكتاب وقل لي ما فيه.”
“ما زلت لا أفهم شيئًا رغم قراءتي له…”
أخذ غيل الكتاب، لكن ملامحه دلّت على انعدام ثقته.
“ما الذي تعرفه أصلًا يا غيل؟”
“أنا آسف…”
“لا، لم أقصد لومك. بما أننا جئنا كلّ هذه المسافة، فالأفضل أن نبدأ أولًا بالبحث عن أيّ كتاب يتحدّث عن القدرات الفطريّة الخاصّة بالسلالة. ثمّ إن تبقّى وقت، نتابع قراءة البقيّة.”
قضى الاثنان ساعتين إضافيتين في البحث ضمن أرشيف الكاتدرائيّة، ينبشون مذكّرات ريك هانت حول المطاردة والصيد، لكن دون جدوى.
قلّبت روزالي آخر رسالة.
“لو تمكّنا من العثور على شيء واحد فقط، لَما تجاهلني بقيّة مصّاصي الدماء… لم يترك سلفي السابق أيّ سجلٍّ خلفه، للأسف.”
أعادت روزالي الكتاب إلى رفّه، ووضعت الرسائل في أدراجها.
“يُقال إنّ قدرات السلالة تظهر عادةً عندما يبلغ مصّاص الدماء سنّ الرشد، أليس كذلك؟ ألا تشعر بشيء؟ لا شيء يبرق في داخلك؟”
“عادةً… نعم، لكن تقاليدنا تعتمد على النقل الشفهيّ فقط…”
“ومع ذلك، كيف يمكن أن تجهلها؟”
“لا أدري، أنا أيضًا…”
“قدرة سونا آمور الفطريّة ما زالت في طيّ المجهول. كنتُ آمل أن أجد أيّ وصف أو تلميحٍ للقدرة، بما أنّها ساعدت ريك هانت.”
“على الأقل، مذكّرات الصيد ممتعة حقًّا.”
“لكن على أيّ حال، لا يوجد هنا سوى قصص ريك هانت. لم نجد شيئًا مفيدًا هذه المرّة أيضًا. ترى… إلى أين علينا الذهاب بعد ذلك؟”
حينها، قال غيل إنّه يرغب في قراءة بعض الكتب قبل مغادرتهم غدًا.
وبما أنّه أنهى بالفعل قراءة جميع المذكّرات والرسائل المهمّة، وافقت روزالي، واستندت بذراعها إلى حافّة النافذة، تحدّق في الخارج.
ساد الصمت، ولم يُسمع سوى صوت الصفحات تُقلَّب برفق.
وفيما كانت روزالي تنظر إلى القرية المضيئة تحت أشعة الشمس، تمتمت:
“…غيل، أليس في هذه القرية شيءٌ غريب؟”
“بلى، غريب.”
أومأ غيل برأسه.
فرغم سطوع الشمس، بدت قرية ترينيتي قاتمة بعض الشيء.
ولم يكن ذلك بسبب تعابير أهلها فقط.
فلم تكن هناك تبادلات ودّيّة، ولا حتى تحيّاتٍ بالأعين.
كان الناس منشغلين بعملهم كأنّ شيئًا ما يطاردهم.
ولم يكن الأمر محض كراهيةٍ لمصّاصي الدماء، بل كان هناك شيءٌ غامضٌ يصعب تفسيره.
“لماذا برأيك؟…”
تمتمت روزالي.
كان هذا هو اليوم الثالث منذ أن وصلا إلى قرية ترينيتي.
وعلى الرغم من أنّ الأطفال ما زالوا ينظرون إلى روزالي بشيءٍ من الريبة، فإنّهم لم يعودوا يتصرّفون بوقاحة كما فعلوا من قبل بإلقاء الثوم.
“بشأن تلك الجثّة…”
قال غيل أخيرًا، متردّدًا.
“تلك المومياء؟”
“كان هناك رائحة دم.”
“رائحة دم؟! لكنّ الجثّة متحنّطة منذ أكثر من أربعمئة عام. هل كانت رائحة دم ريك هانت؟”
“لا أعلمُ ما كانت عليه رائحة دم ريك… لكنّ المؤكّد أنّها رائحة دم حديث. شخص مات منذ بضعة أسابيع فقط. وأعتقد أنّه كان طفلًا.”
“هل يُعقَل أن هذه القرية تقوم بتقديم قرابين بشرية؟…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"