“ليس مشهدًا مناسبًا لطفلةٍ مثلها. لكن لا تقلقي، لن تطول فترة النوم كثيرًا.”
غطّت روزالي عيني هايزل بيدها.
وغفت هايزل.
تلألأت أنياب مصّاص الدماء في ضوء القمر.
فهبّت مياه نهر التايمز، وانقضّت مثل السكاكين.
لم يدم القتال طويلًا.
حاول ماكاي الهرب من المياه المتدفّقة، لكنّه سُحب من كاحله.
وما إن أحكمت المياه قبضتها عليه، حتّى تجمّدت بسرعة.
في اللحظة التالية، اخترقت يد غيل الأخرى – اليد التي لا تحتضن هايزل – قلب ماكاي.
وتجمّعت كتل من الجليد، كأنّها سهام، على ساقي ماكاي وذراعيه.
نفخت روزالي على جدار الجليد الذي ارتفع فجأة، فانبعث منه بخارٌ أبيض.
ضحك ماكاي كالمجنون، وهو يحدّق في روزالي وهي تحمل رأسه المقطوع.
الجلّادة، تلك الفتاة، وقفت فوق الجليد الذي تجمّد على هيئة موجة، في هيئةٍ ساحرة.
البقع الدامية على معطفها الأحمر بالكاد بدت واضحة.
وكان دم مصّاص الدماء يتدفّق فوق الجليد بلا توقّف.
“غريب… كنتُ أريد تمزيق عنقكِ، لكن…”
تمتم ماكاي.
وبدأ ضوء الفجر يتسلّل على مهل فوق نهر التايمز.
فجّر غيل قلب ماكاي دون رحمة، ثمّ سحب يده المضرّجة بالدماء.
وأسرع في تغطية رأسه بالقلنسوة.
ظلّ رأس ماكاي معلّقًا على بُعد سنتيمترات من يد روزالي.
ثمّ انطلق صراخ شبيه بالأنين من فم مصّاص الدماء مقطوع الرأس
“آه… لقد نسيتُ! عائلة الكونت إيفنهارت، سحرة يربّون مصّاصي دماء! ذلك الشعر الأحمر الملعون، تلك القدرة… كنتُ أعرفها! كنتُ أعلم! كنتُ قادرًا على التعرّف عليها!”
ارتعشت عينا روزالي.
قهقه ماكاي بسخرية: “غريب… أليست عائلة إيفنهارت قد أُبيدت بالكامل؟ أذكرُ أن ربّ العائلة أُكِلَ على يد مصّاص الدماء الذي كانت تربّيه العائلة…”
لكنّ سخريته لم تدم.
فقد تدفّق نورٌ ذهبيّ مشتعل فوق نهر التايمز.
وفي قلب ذلك النور المضيء، وقفت روزالي إيفنهارت وهي لا تزال تمسك برأس ماكاي المقطوع.
بدأ جسد ماكاي يتفتّت كالرّماد.
“آه… إنّها الشمس.”
قالها ماكاي متنهّدًا.
“هل هناك كلماتٌ أخيرة؟”
سألته روزالي.
“اللعنة على معاهدة لندن… لولا إخوتي الضعفاء الذين تحالفوا مع البشر قبل ولادتي… لَكُنّا… سنظلّ نحكمُ إلى الأبد…”
وبمجرّد أن لامس نور الشمس رأس ماكاي المتبقّي، تحوّل إلى رماد وتلاشى.
كذلك اختفى تمامًا دم مصّاص الدماء الذي تناثر على الأرض، والدم الذي لطّخ ثياب غيل وروزالي.
وامتدّ نور الشمس ليصل إلى غيل.
وبدا أنّ المعركة التي وقعت للتوّ لم تكن سوى سراب.
فعاد نهر التايمز إلى هدوءه، وكأنّه يستقبل صباحًا جديدًا.
ما إن أنزل غيل هايزل برفقٍ، حتى ابتعدت عنه مباشرة.
كان غيل واقفًا وظهره إلى الشمس.
التقطت روزالي النظّارات الواقية التي سقطت على الأرض، وقدّمتها له.
وسرعان ما غمرت الشمس العالم.
“مصّاص دماء…”
تمتمت هايزل.
“خادم.”
صحّحت لها روزالي.
“إنّه خادمٌ لعائلة إيفنهارت… أو بالأحرى، أحد أفراد عائلة مصّاصي الدماء التي نخضعها لإشرافنا… على أيّة حال، لم يتبقَّ منهم سوى فردٌ واحد.”
اختفى لون عيني غيل البنفسجيّ خلف النظّارات.
“كيف يمكن أن تكوني مع مصّاص دماء؟ قلتِ إنّك تكرهينهم… وإنّ عائلتكِ كلّها ماتت على يدهم…”
لكنّ روزالي لم تُجب على سؤال هايزل.
نظرت إليها بعينين وديعتين، ثمّ غيّرت الموضوع قليلًا.
“صحيح، لقد ماتت عائلتي بسبب مصّاصي الدماء. أكرههم، هذا طبيعيّ. مَن يحبّهم أصلًا؟ لكن… الحقيقة أنّ عائلتي أبرمت عقدًا مع أول لورد مصّاصي دماء لسونا آمور منذ زمنٍ بعيد. كلٌّ منّا قدّم شيئًا مهمًّا للآخر، وتعاهدنا على الوفاء بالوعد. هذا كلّ ما في الأمر.”
“سونا… آمور؟”
“أيّ: عاشقُ الشمس.”
تمتمت روزالي.
“كلمة الشمس أصلها من ‘Sonne’، وكلمة العاشق من ‘Amor’. أليس اسمًا مضحكًا؟ إنّه جنسٌ يفنى حين تلامسه الشمس… ومع ذلك، مطاردة مصّاصي الدماء كانت دومًا من مهمّات عائلتنا معهم.”
ارتعشت هايزل.
ألقى غيل نظرةً قلقة على حالتها، ثمّ قال بلطف: “لم أكن أحاول إخفاء الأمر عمدًا. فقط… شعرتُ بأنّكِ تكرهينهم، لذا لم أذكر شيئًا. أنا تابعٌ لعائلة إيفنهارت، و سيدتي إنسانة.”
وأضافت روزالي لتوضّح.
“مصّاص الدماء هذا لا يشرب سوى دماء يقدّمها له آل إيفنهارت.”
“و اسمه غيلهيلم سونا آمور.”
كانت ملامح هايزل ما تزال مضطربة.
“هو ينتمي إلى العائلة التي وقفت مع البشر في حرب الدماء بين البشر و مصّاصي الدماء.”
وحينها فقط، تذكّرت هايزل ما قالته روزالي سابقًا.
— بعد معاهدة لندن، أصبح هناك كثيرون من مصّاصي الدماء لا يشربون سوى دم المتعاقدين معهم، لمئات السنين. فلا تكرهي تلك السلالة المسكينة كثيرًا.
لكن، رغم ذلك، لم تستطع هايزل الحراك من مكانها بسهولة.
رغم أنّه أنقذها قبل قليل، لم تشعر بامتنان حقيقي.
رغم أنّ عقلها كان يدرك ما فعله، فإنّ قلبها ظلّ يرفض.
حين كانت لا تعرفُ شيئًا، كانت تمسك يد غيل بسهولة.
لكنّها الآن، كانت تكتفي بالتحديق فيها طويلًا.
تحدّث غيل بلطف: “أنا أعلم جيدًا ما اقترفه أبناء جنسي. سيستغرقُ الأمر وقتًا طويلًا… حتى تصل مشاعرنا الصادقة إلى أولئك الذين تضرّروا بسبَبِنا. لذا، لا بأس إن كرهتِنا في هذه الأثناء، أو نظرتِ إلينا بعينِ الريبة. هذا ما ينبغي أن نتحمّله نحن، فلا تُثقلي الأمر على قلبكِ.”
تحدّثت روزالي إلى هايزل بصوت رقيق، “سأوصلكِ إلى المنزل.”
حدّقت هايزل في يد روزالي الممدودة، ثمّ أمسكت بها بتردّد.
وأخذت تراقب غيل الذي كان يمشي بعيدًا عنهما قليلًا.
لم تتبادل معه أيّ حديث، لكنّها في الوقت ذاته لم تفرغ نحوه الشتائم كما فعلت في اليوم السابق.
***
سرعان ما انتشرت أنباء مقتل ماكاي بيستمونت في شارع ريفرسايد.
ورُفع حظر التجوّل.
قال الشرطي راينولد إنّها نهاية سعيدة، وشكرهم مرارًا وتكرارًا.
ثمّ أبدى قلقه من كيفيّة تقبّل الناس لحقيقة أنّ مصّاص دماء قد فرّ من منزل عائلة غراهام.
لكن روزالي قالت: “ذلك أمر يجب أن تتولّاه عائلة غراهام بنفسها، فلا تقلق كثيرًا.”
ورجّح غيل أنّ السبب في ذلك يعود إلى شيخوخة مالك عهد الدم في تلك العائلة (الي هو اللورد حق اسرة مصاصي الدماء غالبًا)، ممّا أدّى إلى ضعف تأثير الميثاق.
وهكذا، طُوي ملفّ الحادثة التي هرب فيها مصّاص دماء من تحت إدارة إحدى العائلات وتسبّب في مقتل إنسان.
ورغم أنّ نظرات الشكّ تجاه مصّاصي الدماء لم تختفِ تمامًا، إلا أنّ الناس استطاعوا استخدام ممشى ريفرسايد من جديد براحة.
قبل أن يُغادر روزالي وغيل شارع ريفرسايد، عادت هايزل إليهما ومعها كيس من البسكويت المحمّص.
لم تقل شيئًا لغيل، لكنّها قدّمت له الكيس.
ورغم أنّه مصّاص دماء لا يستطيع أكل البسكويت مهما كا شهيًّا، فقد تلقّى تلك اللفتة بلطفٍ وصمت.
“أختي، هل سترحلين الآن؟”
“نعم، لدينا وجهة علينا الوصول إليها.”
“إذا زرتِ شارع ريفرسايد مرة أخرى، فلا تنسي زيارة المخبز الذي أعمل فيه.”
وها هي هايزل تلاحق القطار حتى حافّته، تلوّح لها بالمثل.
بعد أن جلست، أخرج غيل قطعةً من البسكويت التي لا تزال دافئة، وقدّمها إلى روزالي.
ثمّ أخرج واحدة أخرى، وأخذ قضمةً منها بنفسه.
نظرت روزالي إليه بدهشة.
“لا داعي لتجبر نفسك، غيل.”
لكنّه واصل المضغ بصعوبة، وابتلع ما استطاع.
مع ذلك، لم يستطع أكل نصفها حتى.
وحين ترك ما تبقّى منها، آلت إلى روزالي.
تقلّصت ملامح وجه غيل من الألم.
“أشعر أنني سأتقيّأ…”
“لِمَ تجبر نفسك على أكل شيء لا تستطيع هضمه؟”
ضحكت روزالي، وأكملت أكل ما تبقّى من البسكويتة.
راقبها غيل وهي تأكل.
“روزالي، كيف هو طعم البسكويت؟”
“طعمه… حلو.”
“حلو؟”
“نعم، كأنّ غيمةً تذوب على طرف اللسان. وحين تضعه في فمك، تنهمر النجوم في عينيك. ثمّ إنّ طعم الشوكولاتة فيه مرارة خفيفة، لكنها متناسقة تمامًا مع الحلاوة. أما القوام… فمطّاطيّ ولطيف.”
“مطّاطيّ؟ لطيف؟”
“حين تمتزج الشوكولاتة بالدقيق والحليب والبيض، لا شيء يتفوّق عليها.”
“لا أفهم ما تقصدينه.”
احتضنت روزالي غيل بشدّة لمدّة ثلاث ثوانٍ، دون أن يتحرّك.
“هذا هو معنى ‘لطيف’.”
“أليس هذا يُدعى ‘الخنق’؟”
“وأمّا ‘المطّاطي’، فهو يشبه الإحساس الذي تشعرُ به عندما تعضني، على الأرجح؟ أبي كان يقول دائمًا إنّ بشرتي منذ الصغر كانت ناعمة ومتماسكة و… مطّاطية.”
قالت روزالي تلك الكلمات بجرأة، بينما بدا على غيل شيء من الحرج.
“آه… صحيح؟”
“غيل، هل أنتَ جائع؟”
“…قليلًا.”
نهضت روزالي قليلًا ونظرت حولها.
كانت المقاعد شبه فارغة.
لم يكن هناك سوى رجل في منتصف العمر يجلس في المقعد الخلفي ويغفو على نحو متقطّع.
“لا يوجد أحد تقريبًا… هل تريد أن تشرب بعض الدم؟”
“ربّما لاحقًا. أو حين نصل إلى الفندق…”
“بضع رشفات فقط. ربما تغسل بها طعم البسكويت الذي لا يعجبك.”
“…برأيكِ حين أصبح إنسانًا، هل سأعرف ما طعم البسكويت؟”
“هيا. لا أحد هنا تقريبًا. وأنتَ جائع، أليس كذلك؟ حتى إن رآنا أحد، سيظنّنا عاشقين نتبادل قُبلة.”
ظلّ غيل متردّدًا للحظة.
لكنّ تردّده لم يدم طويلًا.
وحين توقّف القطار في المحطّة التالية، كان غيل قد غرس أنيابه في عنق روزالي بلطفٍ يشبه القبلة، ثمّ ابتعد.
رَكِبَ بعضُ الأشخاص القطار، لكن لم يلحظ أحد شيئًا.
عاد غيل إلى مقعده، مستقيمًا في جلسته.
أمّا أثر العضة على عنق روزالي، فقد اختفى تمامًا.
“أرأيت؟ أليس الأمر أفضل الآن بعد أن شربت؟ لماذا تعذّب نفسك بأكل شيء لا يناسبكَ أصلًا؟”
داخل عربة القطار التي تسير بهدوء فوق السكة، جلس غيل يتأمّل البسكويت أمامه، يتخيّل طعمه، ويراقب روزالي وهي تأكله باستمتاع.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"