يُقال إنّ من يمرّ بتجربةٍ صادمةٍ وجميلةٍ إلى حدٍّ لا يُصدق، يسمع في مكانٍ ما رنينَ أجراسٍ بعيدة.
وفي تلك اللحظة، شعرت أنجيليكا كما لو أن هذا الجرسَ الخفيّ دوّى في أعماقها. نبضٌ قويّ، أشبه بانفجارٍ داخليّ جعلها تنسى كيف تتنفس.
كأنها عالقةٌ في خيوطِ وردٍ متشابكةٍ، لا تستطيع الحراك ولو قيد أنملة. كان المشهد محاطًا بوهجٍ أحمر من شدّة الضوء، لكنها لم تشعر بأي ألم.
“يا إلهي… كم هو جميل…”
ابتسامته كانت أجمل بكثيرٍ مما تخيلت. دافئةٌ… ناعمة… حتى الهواء حوله بدا وكأنه يبتسم معه.
رفعت أنجيليكا زاوية شفتيها بلا وعي، فبينما كانت تذوب في تلك اللحظة، تحركت شفتا هيوغو ببطء.
“…هاه؟”
استفاق عقلها المشوش فجأة. أسرعت تلاحق بحركتي عينيها شكل كلماته لتقرأها من حركتَي شفتيه.
كانت شفتاه تنطقان بكلمةٍ مألوفة، لكنها لم تفهمها على الفور.
“آه… تشيم؟”
أعادتها لنفسها بصوتٍ خافت: “تشيم… يعني صباح؟”
عندها أومأ هيوغو برأسه بهدوء.
“هل قال صباح الخير؟ أم يسأل إن كنت تناولت فطوري؟”
لم يُكمل الحديث، مما جعلها تميل برأسها بفضولٍ طفولي. لكن هيوغو أدار وجهه بصمت، ثم استدار فجأة وسار مبتعدًا بخطى حازمة.
“هاه؟ إلى أين…؟”
هل استسلم لمجرد أنها لم تفهم؟ أم أنه غادر غاضبًا؟
نهضت بسرعة وتبعته خارج الغرفة.
“أين اختفى؟”
رغم أنها خرجت بعده مباشرة، لم ترَ له أثرًا. قضمت شفتها السفلى بتوتر، ثم ألقت نظرة عبر النافذة قبل أن تقرر النزول للطابق الأول.
–طقطق.
كانت حافية القدمين، لم تلبس خفيها على عجل. بردُ الرخام سرى في قدميها حتى ارتعشت.
“هل أعود لألبسهما؟”
لكنها ترددت. فهي الآن زوجة الدوق، ولا يليق بها أن تتجول حافية القدمين في القصر.
“لكن… ماذا لو اختفى هيوغو في تلك اللحظة؟”
ذلك كان سيناريوً مؤلمًا بحدّ ذاته.
طالت لحظة تردّدها، حتى بدأ القلق يعصف بقلبها مجددًا. راحت تخطو في مكانها بلا هدف، حتى…
“آه!”
شعرت فجأة بلمسةٍ دافئة تلفّ كاحلها. شهقت، واهتزت كتفاها، ثم خفضت نظرها نحو الأرض.
“هاه!”
كان هيوغو هناك. متى ظهر؟ لم تسمع حتى وقع خطواته. ركع على ركبةٍ واحدة أمامها… وأصابعه تحيط بكاحلها!
“آآآه!”
تجمدت في مكانها، وجهها يشتعل خجلًا.
‘ إنه… إنه يبدو وسيمًا جدًا حتى وهو راكع! لا، ليس هذا المهم، لقد غسلت قدمي للتو، إنها ليست نظيفة كفاية!.’
“ه-هيو… أ-أنا…”
تلعثمت، لم تكن قادرة على إخراج جملةٍ كاملة، لا تدري إن كان السبب الموقف نفسه أم دفء يده الملتفة حول كاحلها.
“اثبتي.”
قالها بصوتٍ منخفضٍ جاف، بينما شدّ قبضته قليلًا ليمنعها من سحب قدمها. كانت حرارته تختلف عن صوته، دافئة جدًا، إنسانية جدًا.
توقفت أنجيليكا عن المقاومة.
“من الأفضل ألا تتجولي حافية القدمين.”
كانت نبرته صارمة، لكنها مفعمة بالاهتمام. مدّ يدَه قليلًا، ووضع قدمها على ركبته بلطف، ثم ضغط بإبهامه على باطنها.
“هيوغو! ت-توقف لحظة!”
كانت أصابعه الصلبة — المشققة من التدريب والجروح — تمرّ بخفة على بشرتها الناعمة، لتُثير فيها قشعريرة خفيفة وضحكةً محبوسة.
“لا، يجب أن أتأكد من عدم وجود جروح.”
“لكنه… يثير الدغدغة فقط!”
لم يكن هناك ألمٌ إطلاقًا، بل إحساس خفيف دافئ جعلها تكتم ضحكتها عبثًا حتى تهاوت بجسدها إلى الأمام، ممسكةً بكتفه بقوة.
“الأرضية الخشبية فيها شظايا دقيقة، يجب أن أتفقدها بعناية، وإلا سيلتهب الجرح.”
“هـ… إلى متى عليَّ أن أتحمل هذا؟”
حاولت كبح ضحكتها، لكن صوتها خرج متقطعًا خافتًا، وهي تعضّ شفتها لتبدو جادة بلا جدوى. نظرت إليه بعينين دامعتين من الضحك، ووجهٍ محتقنٍ من الإحراج.
“انتهيت تقريبًا.”
قالها بصوتٍ منخفض، ورفع عينيه نحوها للحظة. وعندما التقت نظراتهما، أخفي ابتسامةً صغيرة تسللت إلى فمه بسرعة.
“يبدو أن هذا القدر من الفحص كافٍ الآن.”
في الحقيقة، كان هيوغو قد أدرك منذ اللحظة الأولى أنه لا يوجد أي خطب في قدمها، ومع ذلك لم يستطع التوقف.
فقد مر وقت طويل منذ آخر مرة رأى فيها أنجيليكا تضحك بهذا الشكل الصافي، ضحكة جعلته ينسى نفسه للحظة.
ثم نهض وجلب لها أحد أحذية الغرف التي وضعها بنفسه في أرجاء القصر منذ الصباح الباكر، وجثا أمامها ليُلبسها إياها بعناية. أما القدم الأخرى، فقد قاوم رغبته في التمديد، واكتفى بفحصها سريعاً فقط.
قالت مبتسمة: “شكرًا لك.”
تسللت كلماتها برقة إلى أذنيه، صوتها ممزوج بضحكة خفيفة من أثر الدغدغة. لم تكن تضحك بسببه مباشرة، ومع ذلك شعر كأن قلبه يُعصر بحرارة غريبة.
قال بنبرته الهادئة المعتادة، وكأنه يحاول إخفاء أي اضطراب في داخله: “لم أتمكّن من التحقق في الفجر، لذا وجب أن أتأكد الآن.”
ثم نظر إليها بثبات، يخشى أن تلاحظ اضطرابه فتُكسر تلك السكينة المألوفة بينهما.
“أمم… أنا البارحة شربت كثيراً من الكحول.”
“أعلم.”
“أعني… كل ما قلته أو فعلته البارحة، كان بسبب السكر، فقط لذلك…”
“…”
“أنا في العادة عندما أشرب، أقول عكس ما أقصد.”
كانت تكذب طبعًا. لكنها لم تجد طريقة أخرى لتدارك ما حدث في الليلة الماضية.
‘ ماذا لو ظن أني كنت جادّة حين قلت إني أريد العودة إلى البيت؟!.’
تذكّرت كيف بكت كطفلة بين ذراعيه، وكيف حاول تهدئتها، لكنها كانت في كل مرة تكرر الجملة ذاتها: “أريد العودة للمنزل!”
وحتى بعدما هدأت، كانت تنهض فجأة وتحاول الخروج، ثم تعود للبكاء من جديد. لقد تكرر هذا المشهد مرات عديدة…
‘ مستحيل، لا يمكن أن أطلب الطلاق وأنا معي هيوغو!.’
لهذا السبب بالذات، قررت أن توضّح الموقف من البداية حتى لا يُساء فهمها.
قالت بابتسامة مرتاحة لنفسها: “ما أعنيه هو… لا تُفكر كثيرًا في تصرفاتي أمس. لم تكن تعني شيئًا.”
“فهمت.”
لكن شيئًا في صوته لم يكن طبيعيًّا. شعرت بأن ملامحه أصبحت أكثر كآبة، وكأنها قالت شيئًا خاطئًا دون أن تدركه.
‘ لماذا يبدو منزعجًا؟ هل أخطأت في التعبير؟.’
ومع ذلك، كان لا يزال يعاملها بلطف وهو يسوّي أطراف فستانها بعد أن انتهى من إلباسها الحذاء.
هل هو مجرد إحساس؟ أم حدس لا ينبغي تجاهله؟
ترددت لحظة، ثم مدت يدها تمسك بكمّه عندما همّ بالنزول إلى الطابق الأول.
“ما الأمر؟”
“آه…”
أول ما خطر ببالها هو أنها فعلت الصواب بإيقافه، لكن المشكلة أنها لم تكن تعرف بالضبط ما الذي عليها تصحيحه.
‘ أنا بالتأكيد قلت شيئًا غبيًّا…’
لكن الاعتذار دون سبب قد يجعل الموقف أسوأ، لذا عضّت على شفتها وقررت قول الحقيقة مباشرة.
“في الحقيقة، لا أذكر الكثير من البارحة، لكن… لا تأخذ كلامي عن رغبتي في العودة إلى البيت بجدّية!”
“…؟”
“لم أقصد فعلاً أن أرحل، إنها فقط… غريزة العودة، لأني ما زلت غير معتادة على القصر. بعد فترة، سأعتبره بيتي حقًا…”
ربما لأن البكاء والجدال الذي سبّبه سُكرها البارحة أزال بعض الحواجز بينهما، أصبحت الآن قادرة على الحديث أمامه دون أن ترتجف أو تدمع.
‘ هذا حسن، على الأقل لم أنهار مثل المرات السابقة.’
لو كانت دموعها قد سبقتها اليوم أيضًا، لكان المستقبل مظلمًا بحق.
‘ بهذا المعدل، ربما سأجرؤ يومًا على مناداته باسمه فقط… “هيوغو”…’
مجرد التفكير في أن ينظر إليها ويجيبها بذلك الصوت العميق كان كافيًا ليجعل قلبها يخفق بعنف.
قال فجأة: ” إذًا… بخصوص ما حدث في غرفة النوم…”
“هاه؟!”
اتسعت عيناها بذهول. ‘ غرفة النوم؟ ما الذي… حدث هناك؟!.’
صرخت بتوتر: “هل فعلت شيئًا في غرفة النوم أيضًا؟!”
‘ لكن ظهري لا يؤلمني… فماذا يعني ذلك؟!.’
سألها بهدوء: “أتذكرين أي شيء؟”
“لحظة، لحظة فقط… سأحاول جاهدة أن أتذكر!”
وضعت يديها على رأسها وأغمضت عينيها بكل قوة، لكن لم يتغير شيء. ‘ تبًّا… لا شيء، لا شيء على الإطلاق!.’
بدت على وشك البكاء، وعندما رآها هيوغو هكذا، تأمل ملامحها جيدًا. وحين تأكد أن وجهه لا يحمل نفورًا منها، شعر بالراحة أخيرًا.
قال بصوت خافت: “لم يحدث شيء مهم، يا أنجيليكا.”
“حقًّا؟ لم أكن أبكي وأصرخ بأني أريد الذهاب مثل الفجر، أليس كذلك؟”
“أبدًا.”
“الحمد لله… هذا أهم شيء.”
نعم، المهم أنها لم تقل شيئًا قد يُفسَّر كنيةٍ في الانفصال. المسألة بسيطة، طالما لم تذكر الطلاق، فهي بخير.
‘وفوق هذا… وجه هيوغو يبدو أهدأ من قبل أيضاً…’
لم تتذكر شيئًا، لكنها أقنعت نفسها أن الليلة الماضية كانت مثمرة. ‘ ربما تحدّثنا عن مستقبلنا… عن كيف سنتعامل كزوجين؟.’
سارعت إلى طرد أي فكرة “غامضة” عن رأسها، رغم أن جزءًا صغيرًا منها تمنى لو كانت صحيحة.
‘ إلا إذا كان قد ثمل أيضًا واعتقد أني “سيريل” مثلاً…’
ضحكت في داخلها بخفة، ثم لامست شفتيها دون وعي. لكنها انتبهت مجددًا إلى صوته حين تابع كلامه، فعادت تركّز عليه بكل انتباه.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"